|
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
القانون الكنسي ينظم علاقة الإنسان بالمجتمع بقلم المتنيح الأنبا غريغوريوس ينظم علاقة الإنسان بالمجتمع خارج دائرة الأسرة, والمجتمع العريض ممكن أن نتناوله من ثلاث زوايا: أولا: المجتمع الكنسي. ثانيا: المجتمع العام بمعني الوطن. ثالثا: المجتمع الدولي أو الإنساني بصفة عامة. أولا: في المجتمع الكنسي: الكنيسة منظمة إلهية ومجتمع له كل مقومات المجتمع, هنا أنا أتكلم كنسيا, في مفهومنا الديني ومفهومنا الكنسي أنه يوجد مملكتين, مملكة المسيح وهي الكنيسة ومملكة الشيطان, ولا يوجد وسط بين المملكتين ولهذا السبب عندما أخطأ الرجل الذي في كورنثوس ضد امرأة أبوه, قال بولس الرسول: إنه لا يقدر أن يترك مثل هذه الحالة بدون حكم, فقال: باسم ربنا يسوع المسيح أنتم وروحي مجتمعين, قد حكمنا علي هذا الإنسان أنه يسلم للشيطان لهلاك الجسد, لكي تخلص الروح في يوم الرب. أصدر حكم كنسي بتسليمه للشيطان لهلاك الجسد لكي تخلص الروح, ما معني تسليمه للشيطان؟ معناه أن يطرد من الكنيسة, وبمجرد قطعه من شركة الكنيسة معناه أنه دخل للمملكة الثانية خارج الكنيسة, أو خارج المملكة الإلهية وهي مملكة الشيطان رئيس هذا العالم. السيد المسيح عندما جاء من السموات أخذ بعض الناس وعمل منهم مملكة, قال: أنتم لستم من العالم وإن كنت أخذتكم من العالم. معني ذلك أن الناس الذين أصبحوا للمسيح كانوا أصلا تبع مملكة الشيطان, وجاء المسيح من السماء وخطفهم من الشيطان كما يخطف الفريسة من فم الأسد, هذا هو المفهوم الموجود في الإنجيل يقول: إبليس يجول كأسد زائر ملتمسا أن يبتلع واحد, فنحن الآن أمام مملكتين, مملكة المسيح ومملكة الشيطان, لذلك في المعمودية قبل أن ندخل جرن المعمودية يعمل ما يسمي جحد الشيطان, ننظر للغرب ونقول: أجحدك أيها الشيطان وكل قوتك الشريرة أجحدك أجحدك أجحدك, وبعد ذلك ننظر للشرق, ونقول: بالحقيقة نؤمن.. هذا معناه أن الشخص الذي يريد أن يدخل مملكة المسيح, لابد أن يعلن قبل ذلك بإرادته انفصاله عن مملكة الشيطان, واستنكاره وجحده للشيطان, ولذلك الكاهن ينفخ في وجه الإنسان ويقول: اخرج أيها الشيطان حتي لو كان طفلا, علي أساس أن هذا الطفل أو أي إنسان كان أصلا من ضمن مملكة الشيطان, لذلك المسيح قال عن الشيطان إنه رئيس هذا العالم, والمسيح جاء ليقتنص الفريسة من فم الأسد, واشترانا المسيح وأصبحنا بحق الشراء ملكا له في مملكة المسيح, ودخولنا في جرن المعمودية يعد الدخول في ملكوت السموات, ولذلك المعمودية تعد السر الأول الذي يدخلنا في ملكوت السموات علي الأرض وهو الكنيسة, أما الملكوت النهائي في ملكوت السموات الذي فوق, الكنيسة تعد ملكوت السموات لأنها ملك للسماء وإن كانت علي الأرض, لأن المسيح عندما قال: يشبه ملكوت السموات خميرة, ويشبه ملكوت السموات شبكة تجمع الجيد والردئ, فليس معقول ملكوت السموات الذي فوق يجمع بين السمك الجيد والردئ, فإذن كلمة ملكوت السموات هنا معناها الكنيسة التي فيها الجيد والردئ, ولماذا تسمي الكنيسة ملكوت السموات, لأنها ملك السماء علي الأرض, مثل أي سفارة هي ليست ملك للدولة التي فيها ولكنها ملك للدولة التي تتبعها, وهكذا الكنيسة هي سفارة السماء علي الأرض, فالكنيسة لا تنتمي إلي شرور العالم, وإنما تنتمي إلي المملكة التي هي منها, فالكنيسة تنتمي بطبيعتها إلي السماء لا إلي الأرض. إذن المؤمنون الذين بداخل الكنيسة هم في الواقع مثل السفينة التي في داخل البحر, فهم وإن كانوا يعيشون داخل المجتمع ولكنهم ينتمون إلي المسيح, والكنيسة تعد مملكة قائمة بذاتها في داخل مملكة العالم وفي داخل مملكة الشيطان, ولذلك فكرة سر الميرون وهي عبارة عن تحصين المنافذ التي تربطنا بالعالم, حتي يصبح كل عضو من أعضائنا عضو مقدس ومدشن للمسيح, إذن الكنيسة مملكة والمسيح ملكنا والصليب علم هذه المملكة, علي هذا عندما الإنسان يقع في خطيئة كبيرة يستوجب طرده من الكنيسة, ويعد هذا الطرد تسليما للشيطان. وهنا قسوة حكم الفرز من شركة الكنيسة. فالكنيسة مجتمع له كل مقومات المجتمع, لكنه مجتمع روحي ومفهومات روحية وقوانين روحية, ودستور روحي وحكومة روحية التي هي درجات الكهنوت المختلفة, حكومة بمعني أشخاص يحكموا آخرين بقوانين ودساتير في الكنيسة, بحسب مختلف المسئوليات, والدستور هو الكتاب المقدس والتقليد والتراث إلي آخره. فالكنيسة مجتمع بكل معني كلمة المجتمع, لكن بالمعني الخاص الروحي لكلمة مجتمع, وتوجد جزاءات وعقوبات فالكنيسة مجتمع والقانون الكنسي ينظم علاقة الفرد بهذا المجتمع, ويحدد ما هي علاقتك بالكنيسة ويطلب منك أن تحترم هذا الوضع, وتخضع لهذا الوضع, وتحترم القانون الكنسي وإذا خرجت عن علي القانون تصدر ضدك أحكام. ثانيا: في المجتمع العام: المسيحي عضو في مجتمع الكنيسة كما هو عضو في المجتمع العام, فهو كمسيحي في مجتمع الكنيسة يتأدب بآدابها, ويعيش فيها ويتنسم تعاليمها, ويرضع من ألبانها, وأيضا هو عضو في المجتمع العام في البلد الذي فيه, يجب أن يساهم مساهمة في بنائه في خدمة المجتمع العام. الإنسان وإن كان عضوا في الكنيسة لكن لا يصح أن ينفصل كمسيحي عن العالم, بل يحيا في العالم بمبادئ الإنجيل, ويحاول أن يكرز بمبادئ الإنجيل في وسط المجتمع العام. والكرازة إما بطريق مباشر أو بطريق غير مباشر بحسب ما تسمح له ظروفه, وبحسب قدرته كعضو في المجتمع, وإمكانياته في التأثير في المجتمع, فهناك من تكون له فعالية أكثر من واحد آخر, ويقدر أن يؤثر في المجتمع العام أكثر مما يؤثر غيره, بحسب درجة علمه وبحسب درجة علاقاته بالناس, ومركزه الاجتماعي وعلاقة الآخرين به, فيقدر أن يؤثر في الآخرين, وجودك في المجتمع العام لا يتعارض معك كإنسان مسيحي, ممكن أن تحيا في الكنيسة قديسا بكل معني الكلمة, وفي الوقت ذاته تحيا في وسط المجتمع كعضو يخدم ويؤدي الواجب, هنا الفرق ما بين حياة الرهبنة وما بين حياة المسيحي في العالم, الراهب خرج من العالم وعاش في مجتمع الدير, مجتمع الدير بالمنسبة له هو كل شئ, لا يوجد له مجتمع آخر, الدير بالنسبة له كل شئ, وأحيانا يخرج من الدير ويدخل حياة الوحدة, بمعني أنه ينعزل حتي عن مجتمع الدير ويعيش متوحدا. إنما وهو متوحد يدخل في مجتمع آخر وهو مجتمع القديسين غير المنظور. هو لا يعيش منعزل تمام الانعزال عن أي نوع من المجتمعات, لا.. هو يدخل في مجتمع آخر وهو مجتمع الروحانيين أو غير الجسدانيين, إنما المسيحي الموجود في العالم, هذا لا يستطيع أبدا أن يحيا كراهب معزولا عن الاتصالات الاجتماعية والتأثيرات المفروض أن يتأثر بها في المجتمع, نحن لا ننصح من وجهة النظر المسيحية أن إنسان يحيا في العالم, وفي الوقت ذاته يعزل نفسه عن العالم عزلا تاما, عن احتياجات البلد واحتياجات الوطن والخدمة العامة, هذا خطأ في مفهومنا, لذلك الرسول عندما قال: لا تخالطوا الزناة عاد يقول: وليس مطلقا زناة هذا العالم. وإلا يلزمكم أن تخرجوا من هذا العالم فهو عندما قال لا تخالطوا الزناة قصد الزناة الذين في الكنيسة لكي يطهر الكنيسة من الزناة, وبناء علي ذلك إذا صدر حكما ضد واحد زاني, كما صدر علي الرجل الذي في كورنثوس, فعلي المؤمنين ألا يخالطوه ولا يؤآكلوه ولا يشاربوه. لكن بالنسبة للزناة الآخرين الموجودين في العالم من فئات أخري, فهل أنا كمسيحي في وسط العالم اعتزل عنهم ولا أخالطهم؟ يقول الرسول: لا نقدر أبدا أن نمتنع عن مخالطة الناس الذين هم خارج دائرة الكنيسة حتي لو كانوا زناة لماذا؟ لأن المصلحة والعمل يقتضي الاتصال بهؤلاء الناس, لأننا كلنا معا في المجتمع العام, طبيعة وجود الإنسان في العالم تقتضي أنه يقابل الناس ويسلم عليهم ويحييهم ويحيوه ويتعامل معهم, وهناك احتياجات اجتماعية بيننا, أنا محتاج إليهم وهم محتاجون إلي. إذن لكل مسيحي رسالة في وسط غير المؤمنين, أن يعيش بالأمانة والدقة وبالكرامة المسيحية, يعطي النموذج للأخلاق المسيحية, كيف الإنسان يعيش في وسط العالم ويساهم مساهمة بناءة في خدمة المجتمع وفي خدمة الإنسانية. والكتاب المقدس قال: لتصنع الخير للجميع ولا سيما أهل الإيمان. هذا التعبير معناه أن المسيحي يخالط الآخرين ونعمل الخير للجميع, ولا سيما لأهل الإيمان, هذا معناه أنني كمسيحي أصنع الخير لغير المسيحي. فإذن هناك تعامل في المجتمع بين أفراده, والمسيحية تنصح بالتعامل حسب ضرورات الحياة التي تقتضيها, ولكن هناك وجهة نظر مسيحية دينية في وجوب اختلاط المسيحي بغير المسيحي في حدود, يقول الكتاب: المعاشرات الردية تفسد الأخلاق الجيدة, ففي حالة أن يؤدي الاختلاط بفساد أخلاقي فليكن الاختلاط في الحدود العامة, بحيث لا يحدث له تأثير ضار, لكن لا يمتنع عن العلاقات الاجتماعية التي تربطه بين المواطنين, بل يشعر أن من واجبه أن يختلط بهؤلاء المواطنين في حدود معينة, حدود العمل, حدود المصلحة, حدود الخدمة, دون أن يختلط بالمفاسد أو الشرور بل كما يقول الرسول: إن نوبخ أعمال الظلمة لا نشترك في أعمال الظلمة بل نوبخها, لا نوبخها بالوعظ ولكن بالسيرة العملية. ليس من الضروري التوبيخ بالوعظ بالطريق المباشر, ولكن بالطريقة غير المباشرة. علي أي الأحوال المبدأ الذي نقوله, إن المسيحي له صفتان: صفته كعضو في الكنيسة وكفرد في الكنيسة, في هذا المجتمع المحدود وعضو في ملكوت السموات. وقديس يحيا في القداسة, لكن هذه القداسة التي يحياها في وسط مجتمع الكنيسة, لا تمنعه أن يكون عضوا في المجتمع العام أيضا, ويساهم مساهمة بناءة في خدمة المجتمع. ممكن أن يكون الإنسان عضوا في البرلمان وهو قديس في المسيحية, أو في أي عمل أو أي مصلحة من مصالح الدولة ومصالح الحكومة, موظف, وزير.. أي موظف في الدولة يؤدي واجب. المهندس في دائرته, والطبيب في دائرته والمحاسب والتاجر في دائرته.. كل واحد في دائرته بحسب مهنته, كل عضو بمهنته وعمله بلا شك أن يبني في المجتمع, والحقيقة أن هذا يكون شئ مشرف للمسيحية, والحمد لله في كثير من الأحيان يشعر بأن الأقباط يؤدون كمسيحيين, مصالح الدولة وفي خدمة الدولة الدور الجاد غير الهازل, فيجب علي كل مسيحي كعضو يساهم مساهمة عملية في خدمة البلد بحسب إمكانياته وبحسب شهاداته, وبحسب مؤهلاته, وبحسب درجته في الاتصالات والعلاقات الإنسانية كعضو في هذا المجتمع. ثالثا: في المجتمع الدولي أو الإنساني بصفة عامة: عندما نقول المجتمع الدولي لا نقصد مجتمع البلد الذي هو ينتمي إليه وهو مصر بالنسبة للمصريين, إنما يشعر بأنه عضو في الأسرة البشرية كلها, وأنه يساهم بإمكانياته وبمواهبه وبدراساته وبجهوده العلمية في خدمة الأسرة البشرية. عندما نقول إن هذا الشخص اخترع التليفزيون, هذا الاختراع, وإن كان عندما اخترع كان في بلد معين. إنما بلا شك أنه أفاد البشرية كلها. عندما نقول اختراع مثل البنج في الناحية الطبية. لم تكن فائدته قاصرة علي البلد التي اخترع فيها, بل أصبحت فائدته لكل البشر, عندما نقول أي مصل من الأمصال الواقية مثل الأمصال التي ضد الجدري أو ضد الدفتريا أو ضد أي وباء من الأوبئة. بلا شك أن العالم الذي اكتشفه وإن كان ينتمي إلي وطن بالذات, إنما الخدمة التي أسداها أفادت الإنسان في البشرية كلها. ولذلك نجد المخترعين بهذا المعني, والمؤلفين الذين يكتبون مؤلفات ويكتبون كتب لخدمة العلوم الإنسانية, أو الخدمة في أي فرع من فروع الإنسانية, مثل الفن بكافة زنواعه بالمعني العام للكلمة, أي فن من فنون الحياة وأي مهارة من المهارات البشرية. الإنسان لا يخدم بها بلده فقط إنما هذا الأمر ينتقل إلي بلاد أخري في العالم كله, يستفيد الكل بها, عندما نقول قطار السكة الحديد أو الطائرة. لم يعد قطار السكة الحديد قاصر علي البلد الذي اخترع فيه, إنما أصبح كل الناس يستفيدون من فكرة القطار, وكذلك الكهرباء والمغناطيسية, وكل الكشوف العلمية وأيضا الكتب والمؤلفات, الواقع أن العالم اليوم موصول ببعضه, وتنتقل المعرفة وتنتقل الكشوف وتنتقل الفوائد. إذن ممكن أن أقول إن كل واحد منا, في الوقت الذي هو فيه عضو في الكنيسة, يكون عضوا في الوطن, ويكون عضوا في الأسرة البشرية, ويؤدي خدمات عن طريق حياته الشخصية من جهة, وعن طريق فنه أو علمه, أو عن طريق أي كشف علمي, أو أي خدمة يسديها للبشرية كلها. الحقيقة أن العالم اليوم يتجه نحو هذا المجتمع الكبير, وحتي من ناحية الحكومة, فكرة عصبة الأمم وفكرة هيئة الأمم المتحدة الآن, وفكرة اليونسكو, بلا شك أن هذا يدل إلي اتجاه العالم علي أنه أسرة واحدة وكأنه دولة واحدة. كأنه مملكة واحدة. وإنه له حكومة تفصل بين المتنازعين وهي هيئة الأمم المتحدة. بلا شك أن هذا اتجاه إنساني كبير, واتجاه الحكومة الواحد التي تحكم بين الأطراف, مثل حكومة الوطن التي تحكم بين الأطراف في داخل الوطن, فهيئة الأمم المتحدة تعامل كل دولة كأنها عضو في داخل هيئة العالم. كل هذا يزيد شعورنا بأن أي خدمة ممكن أن تؤديها, ممكن في الوقت ذاته أن تخدم بها العالم كله. كل هذا الحقيقة يزيد الإنسان بالأمل ويفتح أمامه مغاليق كثيرة, ويشعره أنه فعلا وهو هذا الإنسان الضئيل, لكنه يقدر أن يعمل أشياء كثيرة جدا في دائرته, وفي دائرة الأسرة وفي دائرة الكنيسة, وفي دائرة الوطن, وأيضا بالنسبة لدائرة الأسرة البشرية كلها. ليس فقط للحاضر وإنما للمستقبل أيضا. |
|