|
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
يوحنا المعمدان لم يشك في حقيقة المسيح بقلم المتنيح الأنبا غريغوريوس سؤال: من السيد/عوض منصور أبسخيرون-بورسعيد. جاء في الأصحاح الحادي عشر من الإنجيل كما كتبه القديس متي البشير قولهولما سمع يوحنا (المعمدان) وهو في السجن بأعمال المسيح أرسل اثنين من تلاميذه يقولان له:أأنت هو الآتي أم نتنظر آخر؟ فأجاب يسوع وقال لهما:اذهبا وأخبرا يوحنا بما تريان وما تسمعان:العمي يبصرون, والمقعدون يمشون, والبرص يطهرون, والصم يسمعون, والموتي يقومون والمساكين يبشرون, وسعيد من لا يشك في(2-5) فكيف يشك المعمدان في المسيح مع أنه هو الذي عمده وأبصرالسماوات قد انفتحت له, ورأي روح الله نازلا مثل حمامة ومقبلا عليه, وإذا صوت يجئ من السماء قائلا:هذا هو ابني الحبيب الذي به سررت(متي3:15-17)؟ الجواب: ليس معقولا أن يشك يوحنا المعمدان في حقيقة المسيح, وأنه هو المسيا المنتظر, وإنما الشك كان في قلب التلميذين اللذين أرسلهما يوحنا المعمدان إلي المسيح. ولقد أرسلهما يوحنا المعمدان لأنهما كان التلميذين الوحيدين الباقيين معه, ولم يتبعا المسيح كما تبعه الآخرون من تلاميذ يوحنا. ولما كان يوحنا المعمدان مسجونا, وقاربت حياته علي نهايتها, وقد أدي رسالته علي أحسن ما يكون الأداء, فاقتضاه الإخلاص لرسالته أن يسلم تلميذيه الباقيين لسيده المسيح, علي أن يكون ذلك برضاهما واقتناعهما. لذلك أرسلهما إليه يقول بلسان تلميذيه, وكأنه هو الذي يطلب الجواب علي السؤال: أأنت هو الآتي أم ننتظر آخر؟. وكان جواب المسيح علي السؤال من شقين:أحدهما عملي, والآخر نظري. أما العملي فكما يروي الإنجيل كما كتبه القديس لوقا البشير فجاء الرجلان إليه وقالا:إن يوحنا المعمدان قد أوفدنا إليك لنسألك: أأنت هو الآتي أم ننتظر آخر؟. وفي تلك الساعة شفي كثيرون من أمراضهم وعللهم ومن الأرواح الشريرة, ووهب البصر لعميان كثيرين(لوقا 7:20, 21). وأما الجواب النظري فهو قولهاذهبا وأخبرا يوحنا بما رأيتما وسمعتما: العمي يبصرون, والمقعدون يمشون, والبرص يطهرون, والصم يسمعون, والموتي يقومون والمساكين يبشرون, ومغبوط من لا يشك في(متي11:5,4)(لوقا7:22, 23) ولم يكن الكلام موجها إلي يوحنا المعمدان, ولكنه كان موجها أولا وبالذات إلي تلميذي يوحنا اللذين كانا في حاجة إلي أن يريا بعيونهما معجزات المسيح الفائقة, فيؤمنان ويتبعان المسيح شأنهما شأن سائر تلاميذ يوحنا. قلنا إن يوحنا المعمدان كان يفهم رسالته أن يعد القلوب لربه, ويقدم تلاميذه ليتبعا سيده. وقد ذكر الإنجيل كما كتبه القديس يوحنا الحبيب موقفا من هذه المواقف, وفي الغد رأي يوحنا (المعمدان) يسوع مقبلا إليه, فقال:هوذا حمل الله الذي يرفع خطيئة العالم...ثم في اليوم التالي كان يوحنا واقفا مع اثنين من تلاميذه. وإذ أبصر يسوع ماشيا, قال:هذا هو حمل الله. فلما سمع التلميذان قوله, تبعا يسوع فالتفت يسوع ورآهما يتبعانه, فقال لها:ماذا تطلبان؟ فقالا له:رابي-الذي ترجمته يا معلم, أين تقيم؟ فقال لهما:تعاليا وانظرا , فأتيا ونظرا أين يقيم, ومكثا عنده ذلك اليوم...وكان أندراوس أخو سمعان بطرس أحد الاثنين اللذين سمعا يوحنا (المعمدان) وتبعا يسوع...(يوحنا 1:29, 35-40). وأغلب الظن أن التلميذ الآخر كان هو يوحنا الحبيب نفسه كاتب الإنجيل, ولم يشأ أن يذكر اسمه تواضعا, وإنكارا لذاته. وليست هذه هي المرة الوحيدة التي شجع يوحنا المعمدان تلاميذه علي الاتصال بسيده المسيح, في حياته وقبل أن يسجن, فقد جاءوا إليه مرة يسألونه في قضية الصوم. يقول الإنجيل ثم جاء إليه(إلي الرب يسوع) تلاميذ يوحنا قائلين:لماذا نصوم نحن والفريسيون كثيرا, أما تلاميذك فلا يصومون؟ (متي9:14), (مرقس2:18), (لوقا5:33), وقد سمعوا منه جوابه علي سؤالهم. ومرة أخري وبعد أن قطع هيرودس رأس يوحنا, ومات يوحنا شهيدا يروي الإنجيل للقديس متي قائلاوجاء تلاميذه فحملوا الجسد, ودفنوه ثم ذهبوا وأخبروا يسوع (متي14:12) ويقول الإنجيل للقديس مرقسوحين سمع تلاميذه بما حدث جاءوا وأخذوا جثته ووضعوها في قبر (مرقس6:29) وإذ تدل عبارة الإنجيل للقديس مرقس علي أن تلاميذ يوحنا كانوا بعيدين عنه عندما قتله هيرودس, تدل عبارة الإنجيل للقديس متي علي أن تلاميذ يوحنا كانوا علي صلة وثيقة بالرب يسوع حتي إنهم ذهبوا وأخبروه بما جري ليوحنا, فقد كانوا قد تبعوه وصاروا له تلاميذ بعضهم من الاثني عشر, وبعضهم من السبعين أو ممن كانوا يسمعون تعليمه ويتتبعونه. والخلاصة أن الرسالة المتبادلة بين القديس يوحنا المعمدان, وبين المسيح له المجد كان المقصود بها تلميذي يوحنا المعمدان اللذين لم يكونا بعد قد تبعا المسيح, وكانا يشكان في حقيقة أنه المسيا المنتظر, لذلك أرسلهما يوحنا المعمدان إلي سيده, ليشاهداه ويشهدا معجزاته وآياته ويسمعان منه مباشرة, فيؤمنان. وهل من المعقول أن يشك يوحنا المعمدان في المسيح, وهو الذي تعين من السماء ليكون الصوت الصارخ في البرية,والسابق الجاري أمام المسيح الرب ليعد الطريق أمامه؟, وقد تنبأ عنه أبوه زكريا بالروح القدس وهو لم يزل في المهد ابن يوم واحدوأنت أيها الطفل ستدعي نبي العلي, لأنك ستتقدم أمام وجه الرب لتهيئ طرقه, ولتعطي شعبه معرفة الخلاص(لوقا1:76, 77). مبينا أن فيه أيضا تحقيق ما قاله الرب بفم النبي ملاخيهأنذا أرسل ملاكي فيهيئ الطريق أمامي(ملاخي3:1), بل هذا ما شهده عنه الإنجيل للقديس مرقس (1:2-4) وأكثر من هذا فإن رب المجد يسوع المسيح قال عنه يوحنا المعمدان بعد أن مضي تلميذا يوحنا المعمدان إلي معلمهما فإن هذا هو الذي كتب عنه:ها أنذا أبعث أمام وجهك رسولي الذي يهيئ طريقك أمامك(متي11:10), (لوقا7:27). بل إن يوحنا المعمدان نفسه شهد عن المسيح أنه الرب, وأنه أي يوحنا, قد تعين ليكون صوت الصارخ أمامه يهيئ له الطريق, وقد وضح لليهود وقادتهم مركزه بالنسبة للمسيح, وهو إيضاح من نبي يفهم جيدا مهمته. يقول الإنجيلوهذه هي شهادة يوحنا (المعمدان), حين أرسل اليهود إليه من أورشليم كهنة ولاويين ليسألوهمن أنت؟ فاعترف ولم ينكر, وأقر قائلا:لست أنا المسيح فسألوه:ماذا إذن؟أأنت إيليا؟ قال:لست إياه فقالوا له:فمن أنت لنعطي إجابة للذين أرسلونا؟ ماذا تقول عن نفسك؟ قالأنا صوت الصارخ في البرية: أعدوا طريق الرب, كما قال إشعياء النبي.. فسألوه قائلين:لماذا تعمد إذن مادمت لست المسيح...؟ أجابهم يوحنا قائلا:أنا أعمدكم بالماء, ولكن بينكم قائم ذلك الذي لستم تعرفونه, الذي وإن أتي بعدي-كان قبلي, وأنا لست بمستحق لأن أحل أربطة حذائه(يوحنا127). ويضيف الإنجيل أن يوحنا المعمدان كان يؤكد كثيرا أن المسيح هو المسيا المنتظر, وهو حمل الله الذي سيرفع خطيئة العالم. وفي الغد رأي يوحنا يسوع مقبلا إليه فقال:هوذا حمل الله الذي يرفع خطيئة العالم. هذا هو الذي قلت عنه:يأتي بعدي رجل يتقدمني لأنه كان قبلي. وأنا لم أكن أعرفه, ولكن من أجل أن يظهر لإسرائيل جئت أنا أعمد بالماءوشهد يوحنا(المعمدان) قائلا:إني قد أبصرت الروح نازلا عليه من السماء في هيئة حمامة, واستقر علي رأسه. وأنا لم أكن أعرفه, ولكن الذي أرسلني لأعمد بالماء هو الذي قال لي:إن الذي تبصر الروح ينزل ويستقر علي رأسه هو الذي يعمد بروح القدس. وأنا قد أبصرت وشهدت بأن هذا هو ابن الله(يوحنا1:29-34). أفهل يعقل أن يشك يوحنا المعمدان في حقيقة المسيح له المجد, بعد أن شهد عنه هذه الشهادة القوية الواضحة, وأجاب علي اليهود إجابات قاطعة صريحة بأنه أبصر بعينيه روح القدس مستقرا علي رأسه, وأنه سمع صوت الآب السماوي يقول هذا هو ابني الحبيب, بل إن يوحنا أضاف من عنده قائلا:وأنا قد أبصرت وشهدت بأن هذا هو ابن الله؟وهل لو كان حقا أن يوحنا المعمدان شك في حقيقة المسيح بعد كل هذا الذي قاله, هل كان يمكن أن يرده إلي اليقين شهادة تلميذيه اللذين أرسلهما إلي السيد المسيح؟ هذا غير ممكن. وزاد يوحنا المعمدان علي كل أقواله السابقة شهادة أخري تدعم شهاداته السابقة وتؤكدها,عندماجرت بين تلاميذ يوحنا(المعمدان)وبعض اليهود مجادلة بشأن التطهير. فجاءوا إلي يوحنا وقالوا له:يا معلم, إن الذي كان معك في عبر الأردن, ذلك الذي شهدت له, هوذا يعمد,والجميع يقبلون إليه. فأجاب يوحنا, وقال:لا يستطيع الإنسان أن ينال شيئا ما لم يعطه من السماء. أنتم أنفسكم تشهدون بأني قلت إنني لست أنا المسيح, وإنما أنا مرسل أمامه. إن الذي له العروس فهو العريس. وأما صديق العريس الذي يقف ويسمعه, ففرحا يفرح لصوت العريس. ومن ثم فإن فرحي قد اكتمل. إنه ينبغي أن يزداد هو. أما أنا فأنقص. إن الذي يأتي من فوق هو فوق الجميع...الذي يأتي من السماء فهو فوق الجميع...وكل من قبل شهادته فقد أقر بأن الله حق...إن الآب يحب الابن, وقد جعل في يده كل شئ, فمن يؤمن بالابن فله الحياة الأبدية ومن لا يؤمن بالابن فلن يري الحياة, وإنما يحل عليه غضب الله(يوحنا3:25-36). إن يوحنا المعمدان كان يفهم مهمته جيدا, ولم يسمح لأحد أن يثيره ليحوله عن فهم رسالته: إنه جاء ليهيئ الطريق أمام سيده المسيح, وسيده هو بعينه المسيا المنتظر الذي جاء من السماء, ليرفع خطيئة العالم, فهو الحمل وهو الفادي الذي شهدت عنه الأنبياء واشتهوا مجيئه وظهوره, ولقد تشرف يوحنا المعمدان بأن يكون هو السابق الجاري أمام الرب ليعد الطريق أمامه, معلنا أنه هو حمل الله وأنه هو ابن الله, وأن من يؤمن به تكون له الحياة الأبدية, ومن لا يؤمن به لن يري الحياة, وإنما يحل عليه غضب الله. وهناك الدليل الحاسم علي أن يوحنا المعمدان, إذ أرسل تلميذيه ليسأل المسيح:أأنت هو الآتي أم ننتظر آخر, لم تكن إرساليته للتلميذين عن شك من جانبه هو, وإنما كان لإعطاء فرصة للتلميذين حتي يتشجعا فيأتيا إلي المسيح ويسألاه باسم يوحنا المعمدان, ثم ينظرا المسيح ومعجزاته فيؤمنان به, وبهذا يفرح يوحنا ويسر, لأنه ليس هو العريس بل صديق العريس والدليل الحاسم هو دفاع المسيح عن يوحنا المعمدان ذلك الدفاع المجيد العظيم بعد أن مضي تلميذا يوحنا المعمدان إليه, فقد كان لابد أن تثير إرسالية يوحنا المعمدان إلي المسيح, دهشة عند جمهور الناس الذي سمعوا سؤال التلميذين وإجابة المسيح عليه. فأراد المسيح له المجد أن يطمئن الناس من جهة إيمان يوحنا به, وأنه لم يعتور إيمانه شك. قال الإنجيلفلما ذهبا(أي تلميذا يوحنا المعمدان) بدأ يسوع يقول للجموع عن يوحنا:ماذا خرجتم إلي البرية لتروا؟ أقصبة تهزها الريح؟بل ماذا خرجتم لتروا؟ أإنسانا يرتدي ثوبا ناعما؟ ها هم أولاء الذين يرتدون الثياب الناعمة, في بيوت الملوك. بل ماذا خرجتم لتروا؟ أنبيا؟ نعم أقول لكم وأكثر من نبي, فإن هذا هو الذي كتب عنه:ها أنذا أبعث أمام وجهك رسولي الذي يهيئ طريقك أمامك. الحق أقول لكم إنه لم يقم بين المولودين من النساء أعظم من يوحنا المعمدان...(متي11:7-11), (لوقا7:24-28). هذه الشهادة من فم المسيح له المجد, قاطعة في أن يوحنا المعمدان لم يتزعزع إيمانه في السيد المسيح, وهذا يتضح خصوصا من قول رب المجدماذا خرجتم إلي البرية لتروا؟ أقصبة تهزها الريح؟ما هذا إلا بيان واضح أن يوحنا المعمدان لم يكن بتاتا مترددا أو شاكا,أو مهزوزا في إيمانه, ولم يتغير موقفه من نحو المسيح, ولا اهتز فيه اعتقاده, بل ظل إيمانه راسخا قويا كما كان سابقا. علي أن هذه الشهادة من جانب فادينا, خصوصا بعد أن انطلق تلميذا يوحنا, هي خير دفاع عن يوحنا المعمدان, وشرح لموقفه, وأن تفسير إرساليته للتلميذين ليس كما هو ظاهر, ولا كما فهم بعض السطحيين الذي أخذوا كلام يوحنا الذي نقله التلميذان, علي ظاهره. أما يسوع المسيح فهو يعرف جيدا حقيقة خادمة يوحنا, وأنه المخلص الأمين الوفي لسيده, وأنه ليس هو الذي يشك في حقيقة المسيح. علي العكس إن المسيح كشف عن حقيقة يوحنا وفضائله بما لا يعرف الناس عنه, فشهد عنه أنه الثابت الراسخ, والمؤمن به شديد الإيمان, وأنه الزاهد في مظاهر الترف والنعيم, وأنه أكثر من نبي, وأنه الملاك المرسل من السماء ليهيئ الطريق أمام المسيح, وأنه لم ينحرف مطلقا عن فهم رسالته ومهمته. لذلك فهو أكثر من نبي, وأنه لم يقم بين المولودين من الناس من هو أعظم منه, إلا الأصغر منه سنا في الجسد, وهو مخلصنا وفادينا وربنا يسوع المسيح, إذ ولد بعد يوحنا المعمدان بستة شهور, وإن كان هو أسبق منه في الوجود كما قال يوحنا المعمدان عنه:الذي-وإن أتي بعدي- كان قبلي(يوحنا1:27). |
|