|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
صَوتُ مُنادٍ في البَرِّيَّة: أَعِدُّوا طَريقَ الرَّبّ وَاجعَلوا سُبُلَه قَويمة تشير الآية "صَوتُ مُنادٍ في البَرِّيَّة: أَعِدُّوا طَريقَ الرَّبّ وَاجعَلوا سُبُلَه قَويمة" إلى اقتباس من النَّبِيِّ أشعيا (أشعيا 40: 3)؛ ويُعلق القديس يوسابيوس القيصري " يُبيِّنُ هذا الكلامُ بصراحةٍ ما جاء في النبوءة: أنَّ ما جاءَ فيها سيتمُّ في الصَّحراءِ لا في أورشليم. ويبيِّنُ أيضا ما يجب أن يَحدُثَ ليَظهَرَ مجدُ الرَّبّ، وليَعرِفَ كلُّ ذي جسدِ خلاصَ الله"، جاء المسيح هناك في الصَّحراء وأظهر مجده للجميع لدى معموديته. كما كان من الضروري أن يسبق الإمبراطور الرُّوماني شخص يُعلن قدومه إلى مدينة، فيعرف النَّاس أنَّ شخصًا بارزًا على وشك الوصول، كذلك بدأ يوحَنَّا المَعمَدانُ مُهمَّته بإعلان مَجِيء يسوع "هاءنذا أُرسِلُ رَسولي قُدَّامَكَ لِيُعِدَّ طَريقَكَ" حيث أنَّ إنجيل مرقس كُتب أساسًا للمسيحيين الرُّومانيين؛ ويُضيف القدّيس مكسيموس الطَّورينيّ: " ها هو يوحَنَّا المَعمَدانُ يصرخ اليوم أيضًا في داخِلنا ورَعْدُ صَوتِه يَهُزُّ صحراء خطايانا... وصَوته ما زال يُدَوّي اليوم، قائلاً: ((أَعِدُّوا طَريقَ الرَّبّ وٱجعَلوا سُبُلَه قويمة)). وهو يطلب منَّا أن نُعِدَّ طريقَ الرَّبّ ليس بشقّ طريقٍ بل من خلال نقاوة إيمانِنا" (العظة 88). أمَّا عبارة "صَوتُ مُنادٍ في البَرِّيَّة " فتشير إلى تطبيق مرقس الإنجيلي هذه العبارة على يوحَنَّا المَعمَدانُ الذي دعا الشَّعب إلى التَّوبة استعدادًا لمَجِيء المسيح القريب؛ أمَّا عبارة "صَوتُ" فتشير إلى صَوت يوحَنَّا الذي كان يوجّه نظر النَّاس ليسوع عن طريق المُناداة بالكلام والعِظة؛ ويُعلق القديس كيرلس الكبير "كان يوحَنَّا صَوتا لا كلمة، يتقدم المسيح، كما يتقدم الصَّوت الكلمة"؛ وأمَّا عبارة "البَرِّيَّة" فتشير إلى بَرِّيَّة يهوذا الواقعة قرب البحر الميت، والبعض يشير إليها في بَرِّيَّة عين كارم، والبعض في منطقة صحراء الأُردُنِّ. لم تكن البَرِّيَّة صحراء رملية، ولكن ينقصها الخصب الذي يجعل زرعه مثمرًا. واختار يوحَنَّا منطقة البَرِّيَّة لإتمام نبوءات العهد القديم التي ذكرت أنَّ يوحَنَّا سيكون " صَوت صارخ في البَرِّيَّة (أشعيا 40: 3). أمَّا لوقا الإنجيلي فكتب أنَّ يوحَنَّا المَعمَدانُ أقام أولا في البَرِّيَّة (لوقا 1: 8) ثم غادر البَرِّيَّة ليُنادي في ناحية الأُردُنِّ، وكان فيها عددٌ لا بأس فيه من السُّكان، نتيجة للأبنية التي شيَّدها هيرودس الكبير وابنه أرخلاوس (لوقا 3: 3). وتحمل البَرِّيَّة في الكتاب المقدس رنة عميقة. هناك عاش شعب العهد القديم بداية مسيرته مع الرَّبّ. وإلى هناك أراد الرَّبّ أن يُعيد شعبه، كما قال "هاءَنَذا أَستَغْويها وآتي بِها إلى البَرِّيَّة وأُخاطِبُ قَلبَها" (هوشع 2: 16). وأمَّا عبارة " أَعِدُّوا طَريقَ الرَّبّ وَاجعَلوا سُبُلَه قَويمة" فتشير إلى نصوص بَابِليَّة تتكلم بألفاظ مُماثلة على طرق يُقام فيها الطِّواف أو يُحتفل بالانتصار للإله أو المَلك الظافر. والنَّبِيِّ أشعيا يقصد بهذه العبارة الطَّريق الذي يقود الرَّبّ شعبه عِبرَ البَرِّيَّة في الخروج من مصر (أشعيا 10: 25-27). إن ما دُعي النبي إلى إعلانه للشعب المضطهد في المنفى هو حمل الخبر السَّار أيّ الإنجيل، في هو يتمثل في حقيقة أن الله يأتي بقوة ليرشد شعبه ويخرجه من وضعه القمعي. ولكن لا بد من إعداد طريق في الصحراء ليأتي الله ويظهر مجده. وأمَّا مرقس الإنجيلي فيُطبّق هذه العِبارة على مَجِيء المسيح المُنتظر. فهذه الآية تُظهر طبيعة رسالة يوحَنَّا المَعمَدانُ، وهي إعداد الطَّريق لمَجِيء المسيح المُنتظر الذي يُعدَّ له يوحَنَّا الطَّريق. وإعداد الطَّريق لمَجِيء المسيح هي تهيئة خلقية وروحية بواسطة خدمة يوحَنَّا المَعمَدانُ التي شدّدت على التَّوبة وغفران الخطايا والحاجة إلى مُخلِّص. وكانت كلمات أشعيا مصدر تعزية لأناس كثيرين الذين كانوا يتطلَّعون إلى مَجِيء المسيح. ويُعلق الأب ثيوفلاكتيوس" أن طريق الرَّبّ هو إنجيله أو العهد الجديد، أمَّا سُبله فهي النبوءات التي تقودنا إليه، فكأن غاية يوحَنَّا المَعمَدانُ أن نتقبل إنجيل الرَّبّ خلال الإدراك المستقيم لنبوءات العهد القديم ورموزه". أمَّا عبارة " طَريقَ الرَّبّ" فتشير إلى العامل المشترك بين النبوءات السابقة المقتبسة من الخروج (23: 20)، وملاخي (3: 1)، وأشعيا 40: 3) الذي هو يسوع المسيح الذي يحقق كتابات الأنبياء والذي هو " الطَّريقُ والحَقُّ والحَياة " (يوحنا 14: 6). |
|