|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
الكتاب : الله و الإنسان
المؤلف : قداسة البابا المعظم الأنبا شنودة الثالث الناشر : الكلية الإكليريكية للأقباط الأرثوذكس . الطبعة : الأولى يونيو 1997 م . المطبعة : الأنبا رويس الأوفست – العباسية القاهرة رقم الإيداع بدار الكتاب : 7080/97 حضرة صاحب القداسة و الغبطة البابا شنودة الثالث بابا الإسكندرية و بطريرك الكرازة المرقسية مقدمة بدأت فى سنة 1976 أن ألقى عدة محاضرات عن الله تبارك أسمه. بعضها يدخل فى حدود اللاهوت النظرى . و لكن الغالبية كانت تدور حول علاقة الله بالخلقة ، و بالذات علاقته بالإنسان ، ثم توالت المحاضرات و أمتدت إلى الثمانينات 0 ثم جمعت تلك المحاضرات التى تزيد عن أربعين فى عددها 0 ووجدت أنها تصلح لضمها إلى ثلاثة أقسام : 1- صفات الله الذاتية . 2- علاقة الله بالإنسان 0 3- علاقة الإنسان بالله 0 و ما كنت مستطيعاً أن أفصل بينها فصلاً تاماً 000 فهى مرتبطة بعضها بالبعض الآخر ، حتى فى جزئيات تفاصيلها 0 و لهذا اعتذر لك أيها القارئ العزيز إن وجدت أحياناً شيئاً من التكرار ما كنت أستطيع أن أتفاداه فى سبيل الإحتفاظ بتكامل الموضوع 0 فكنت – حسبما أقدر – أحاول التركيز فى مثل تلك النقاط 0 مثال ذلك : ما ذكرته عن الحب و العطاء فى علاقة الله بالإنسان : ستجد موضوعاً تحت " علاقة الله بالإنسان هى قصة حب " و موضوعاً آخر " علاقة الله بالإنسان أولها العطاء " 0 فى الموضوع الأول تركيز على الحب ، و فى الثانى تركيز على العطاء 00 و لكن كان بينهما لون من التلاقى فى بعض النقاط 0 فنحن لا نفصل حب الله عن عطائه ، كما لا نفصل عطاءه عن حبه 0 فإن تكررت بعض جمل أو معان ، فكان ذلك ضرورياً لكي يتكامل كل موضوعاً منهما على حده 000 كذلك فإن غالبية صفات الله ، نستطيع أن نفهمها فى علاقته مع خليقته 0 مثال ذلك حكمة الله ، و طيبته ، و حنوه ، و تدبيره ، و عمله 00 و ما أشبه 00 أنستطيع أن نتكلم عن كل صفة منها مجردة ؟! أم لابد أن نذكر كيف ظهرت فى العلاقة بين الله و خليقته 00 و هكذا كان 000 أمامك إيها القارئ العزيز حوالى الأربعين موضوعاً 00 هى مزيج من اللاهوت و الروحيات 0 و هى فى مجموعها تعتمد اعتماداً كاملاً أو شبه كامل على الكتاب المقدس ، الذى سجل لنا حكاية الله مع البشر من بداية وجود البشر ، بل قبل أن يوجد 000 أضعه أمامك للتأمل 000 و لكي يكون سبباً فى تعميق علاقتك بالله ، لكي تزداد محبة له ، و لكي تزداد معرفة 0 واضعاً أمامك عبارة جميلة فى إنجيل يوحنا و هى : " هذه الحياة الأبدية أن يعرفوك أنت الإله الحقيقى وحدك 000 " (يو3:17)0 أتركك الآن تحيا مع هذا الإله المحبوب القادر ، الذى تقرأ عنه 0 أبريل 1997 البابا شنودة الثالث |
21 - 07 - 2012, 09:18 AM | رقم المشاركة : ( 2 ) | ||||
..::| العضوية الذهبية |::..
|
رد: كتاب الله و الإنسان
الله الخالق
إن عملية الخلق عجيبة جداً 0 هى مستوى فوق العقل ، نقترب إليه عن طريق الإيمان و الوحى 0 فالخالق غير الصانع يصنع أشياء من مادة موجودة 0 أما الخالق فيخلق من العدم ، ينشئ شيئاً من لا شئ !! و العجيب فى الله أنه صنع كل شئ ، من لا شئ 0 كما أن فى خلقه للكل : ألواناً من القدرة و الحكمة و الفن و النظام و الجمال ، و التواضع 0 فمن تواضع الله ، أنه لم يشأ أن يكون الوجود له وحده 0 فأوجد كائنات أخرى ، منحها الوجود ، لتكون معه 000 * * * سبب خلقه للموجودات حالياً ، هو جوده و كرمه و محبته 0 هو لم يكن محتاجاً إلى هذا الكون ، بل الكون هو المحتاج إلى الله 0 و كما نقول فى القداس الغريغورى " لم تكن أنت المحتاج إلى عبوديتى بل أنا المحتاج إلى ربوبيتك " 00 إن الله لم يخلق الإنسان ليمجده ، فقد كان الله – قبل الإنسان – ممجداً من ملائكته 0 و لم يكن الله محتاجاً إلى الملائكة لتمجيده و لا للطبيعة كلها 0 فالله ممجد من صفاته ، ممجد من طبيعته التى لا تحد و لا يدركها عقل و لا فهم 00 إذن فقد خلق الكون كرماً منه 0 هنا و نسأل : متى خلق الله كل شئ 0 فى وقت لا نعرفه 00 أطلق عليه الكتاب عبارة " فى البدء أى فى بدء عمل الخلق 0 فقيل " فى البدء خلق الله السموات و الأرض " (تك1:1) 0 خلق السماء و ما فيها ، و الأرض و ما فيها 0 خلق الروح و خلق المادة 0 " خلق الملائكة أرواحاً " (مز4:104) 0 و من المادة خلق كل الكائنات الجامدة 0 و الله أيضاً منح بعض مخلوقاته نعمة الحياة 0 منح الحياة للنبات و الحيوان و الإنسان ، و من قبل ذلك للملائكة 0 و من محبته منح للإنسان روحاً خالدة ، و كذلك الملائكة 00 و منح للحيوان نفساً تنتهى بموته 0 و جعل درجة الحياة على مستويات تتنوع بين النبات و الإنسان و الحيوان 0 * * * الله ذاته خلق كل مستويات الخليقة ، حتى الذى يبدو ضئيلاً منها !! و هذا دليل أيضاً على تواضع الله 0 خلق العاقل و غير العاقل 0 خلق الحى و الجماد 0 خلق الفيل الضخم ، خلق الدودة التى تسعى تحت حجر 0 خلق الأسد القوى الشجاع ، كما خلق الأرنب الضعيف الخائف 0 خلق القرد كما خلق الغزال 0 خلق الجبل العالى و الوادى السحيق 0 خلق الحر و البرد ، النور و الظلام 0 الكل صنعة يديه 00 و لعل البعض يسأل : * * * و ماذا عن الشيطان ؟ هل يخلق الله شيطاناً ؟ إنه أيضاً من خلق الله 0 و لكن الله لم يخلقه شيطاناً 0 لقد خلقه ملاكاً بكل ما تحمل طبيعة الملاك من عظمة و روعه 0 و لكن هذا الملاك حول نفسه إلى شيطان بإرادته التى انحرفت 0 و قد كان الشيطان من رتبة الكاروبيم 0 وصفة سفر حزقيال النبى بأنه " الكاروب المنبسط و المظلل " (حز14:28،16) 0 وقال إنه فى يوم خلقه كان " ملآن حكمة و كامل الجمال " (حز12:28)0 * * * و من العجيب فى قدرة الله فى الخلق ، العدد الهائل لمخلوقاته و تنوعها 0 ملايين الملايين من المخلوقات ، تتكرر كل جيل ، و بعضها يتكرر كل سنه أو عدة سنوات ، و بعضها لا يحصى مثل رمل البحر ، و مثل نجوم السماء و ما فى السماء من كوكب و من مجرات 0 و نحن نعرف فقط الظاهر من مخلوقات الله ، و لا نعرف الخفى منها 0 أو نبذل الجهد لكي نعرف ما خفى منها 0 فنحن مثلاً لا نعرف ما فى باطن الأرض من أسرار 0 و لكن نبذل الجهد بحفريات كثيرة لنعرف ما تلفظة البراكين من باطن الأرض 0 كذلك بالتنقيب يمكن أن نتعرف على ما فى جوف الجبال من ذهب و معان و أحجار كريمة و غير ذلك 0 أضف إلى ذلك ما فى أعماق البحار 0 و لذلك كله توجد معاهد لعلوم البحار ، و للجيولوجيا 0 و بدأت تتكون دراسات أخرى لعلوم الفضاء ، ربما يذهلنا منها مناطق انعدام الوزن التى يخرج فيها رائد الفضاء من مركبة الفضاء ليسير على قدميه فى الجو !! و عن كل ذلك نقول إننا نعرف " بعض المعرفة " (1كو12:13) ، ليس فقط كما قال القديس بولس الرسول عن العالم الآخر ، و إنما حتى عن هذه الأرض التى نعيش فيها ، أنما نعرف بعض المعرفة عنها و عما يحيطها 00 * * * و العجيب فى الله الخالق أيضاً أنه خلق العالم و كائناته بنظام عجيب 0 يكفى أن ننظر مثلاً إلى الفلك و ما فيه من عجب و من نظام0 من حيث الرابطة التى تربط هذه الأجرام السمائية بقوانين تحفظها قائمة فى مكانها فى الجو ، مع علاقات ببعضها البعض تنظم حياتنا نحن أيضاً 0 فالأرض تدور حول نفسها أمام الشمس دورة كل 24ساعة ، لا تختل على مدى الدهور الطويلة ، و ينتج عنها أوجه القمر من هلال و تربيع و بدر و أحدب و محاق 00 كل هذا فى نظام ثابت ، يدل على أن الذى نظم هذه القوانين الفلكية هو مهندس عظيم ، كان يسميه الفلاسفة القدماء بالمهندس الأعظم 000 إلى جوار هذا ، ما وضعه الله من نظام عجيب للأجواء 0 نظام للحر و البرد ، و الرياح و الأمطار ، وضغط الهواء ، و توالى الليل و النهار ، و الظلمة و النور ، و الرطوبة و الجفاف 00 بدقة عجيبة ، بحيث يمكن أن يستنتج الإنسان ما يمكن أن يحدث بعد حين 0 خلق الله النور للعمل ، و الظلمة للراحة 00 إنه عالم منظم متسق 0 و كالنظام و التناسق فى فلك السماء و أجواء الأرض ، هكذا أيضاً فى جسم الإنسان 0 الإنسان الذى يسمونه العالم الصغير Micro Kosmos 0 فالتأمل فى تكوين أجهزة الإنسان و علم وظائف الأعضاء ، يرى عجباً يدل على قدرة الخالق : سواء فى المخ و تركيبه و عمله ، و ما يصدره من أوامر لباقى أعضاء الجسد ، و ما فيه من مراكز للحركة و البصر و السمع و الذاكرة و غير ذلك 0 بحيث لو تلف شئ من مراكزه ، لا توجد قوة تعيده إلى وضعه الأول 0 كذلك عمل القلب و الجهاز الدورى فى الجسم ، و ما يتعلق بذلك من ضغط الدم ، وضخه و توزيعه 0 و فضائل هذا الدم التى تتغير من إنسان إلى آخر 0 و كيف يتركب الدم فى جسم الإنسان ، و كيف تتركب الأنسجة ، و دنيا الأعصاب و عملها 0 و باقى الأجهزة مثل الجهاز الهضمى ، و الجهاز التناسلى ، و قوانين الوراثة ، كل ذلك عجب فى عجب 0 صدقونى حتى مجرد الأسنان ، هذه العظام الصغيرة التى ليست فى حجم العمود الفقرى و باقى عظام الأذرعة و السيقان و الأقدام 0 كل سنة منها عالم عجيب ، تربطه أعصاب و دم و تركيب عجيب و عمل متناسق ، لا يمكن إطلاقاً أن تماثله أسنان صناعية 0 بل إن عجب الله يظهر عميقاً جداً فى بصمات الإنسان 0 كل إنسان خلق الله له فى أصابعه بصمة تدل عليه ، و تختلف عن بصمة أى إنسان آخر 0 و هنا نقف فى ذهول أمام ملايين و مئات و آلاف الملايين من البصمات التى تشابه بعضها بعضاً !! أى مهندس أو رسام – مهما كانت براعته – هل يستطيع أن يرسم أشكالاً متنوعة من بصمات أصابع ، مثلما فعل الله فى خلقه العجيب !! بل نضم إلى هذه بصمات الصوت أيضاً ، بحيث يكلمك إنسان تليفونياً من مئات الأميال ، فتميز صوته و تتعرف عليه 00 ! هل نستطيع أن نضيف إلى هذا ما خلقه الله من ملامح عديدة 0 كل ذلك من رجل واحد و امرأة واحدة ، توجد ملامح مميزة لملايين من البشر ، فى شكل الوجه ، و فى العينين و النظرات 0 أتقول إن هذا يتعلق بقوانين الوراثة ؟ إن قوانين الوراثة وضعها الله أيضاً 00 و مع ذلك ، فإن كل هذا يعتبر سهلاً ، إن قارناه بالعالم الروحى * * * إن عالم الأرواح يدل على خالق عجيب فى قدرته 0 نبدأ أولاً بعالم الملائكة الذين قيل عنهم إنهم ملائكة من نور (2كو14:11) 0 أولئك الذين قيل عنهم فى المزمور " الذى خلق ملائكته أرواحاً ، و خدامه ناراً تلتهب " (مز4:104) 00 الملائكة فى تعدد رتبهم مثل رؤساء الملائكة ، و الكاروبيم و السارافيم ، و الأرباب و العرش و السلاطين و القوات 00 هؤلاء الذين ينتقلون من السماء إلى الأرض فى لمح البصر ، و الذين يعملون بقوة عجيبة فى الإنقاذ و فى العقاب 0 كالملاك الذى فى قصة دانيال النبى " سد أفواه الأسود " (دا22:6) ، و الملاك الذى ضرب كل أبكار المصريين أيام موسى النبى (خر12) 00 الملائكة الذين منحهم الخالق قوة صنع المعجزات 0 بل ننزل من مستوى الملائكة إلى عجب الخالق الذى خلق روح الإنسان 0 لا تزال روح الإنسان عجباً : فى صلتها بالجسد ، فى علاقتها بالعقل و الروح و الضمير ، و بالحياة والموت 0 هذه الروح الخالدة العاقلة الناطقة ، و مصيرها بعد الموت ، و عودة الروح مرة أخرى إلى الجسد فى القيامة العامة 0 ما أكثر ما فكر علماء الأرواح 0 و ما أجدر أن تتغطى معلوماتهم بعبارة " لا أعرف ) 0 و لماذا نتكلم عن هذا المستوى العالى للأرواح فى الملائكة و البشر 000 لننزل إلى المخلوقات البسيطة جداً كالحشرات 00 كالنحلة و النملة 0 هنا نرى عجب الخالق العظيم فى أن يمنح حشرة كالنحلة حكمة التدبير فى نظامها ، و حكمة الإنتاج للشهد و غذاء الملكات 0 كل ذلك من رحيق الأزهار ، تستطيع أن تحوله بدقة عجيبة إلى عسل النحل ، و تحفظه فى خلايا دقيقة 00 ! كذلك النملة أيضاً فى نظام حياتها النشيط الذى لا يهدأ ، و فى تعاون أفرادها ، و دقة اتصال بعضهم بالبعض ، و طريقة تخزين غذائهم 0 إن عجائب الله فى خليقته لا تحصى 0 لا تكفيها كتب عديدة 0 * * * خلق الله العالم كله بترتيب عجيب 0 خلق الإنسان آخر الكل ، فى اليوم السادس ، بعد أن أعد له كل شئ 0 كما نقول فى القداس الغريغورى " أقمت لى السماء سقفاً ، و مهدت لى الأرض لكي أمشى عليها 0 من أجلى ألجمت البحر 0 من أجلى أخضعت طبيعة الحيوان 00 لم تدعنى معوزاً شيئاً من أعمال كرامتك " 0 جعل الطبيعة كلها فى خدمته 0 أوجد له النور ، و الدفء ، و الطعام و الشراب ، و الأشجار و الثمار و الأطيار 00 ثم خلقه أخيراً 0 و كذلك الحيوان ، خلق له الله النبات و العشب طعاماً ، و الماء شراباً ، و مكاناً لسكناه ، ثم خلقه بعد ذلك ، بحكمه و ترتيب 0 * * * و لعل البعض يسأل عن أيام الخليقة الستة 0 هذه التى كتب عنها الكثير من القديسين فيما أسموه هكساميروس أى ( الأيام الستة ) مثل أكسماروس باسيليوس ، و أكسماروس ابيفانيوس ، و أكسماروس يوحنا ذهبى الفم 0 و موضوع الأيام الستة الذى كان موضع جدال بين علماء الدين و علماء الجيولوجيا الذين أعطوا أعمار للأرض تقدر بملايين السنين ! نقول إن أيام الخليقة ليست أياماً شمسية طول كل منها 24ساعة !! أولاً لأن الشمس صنعها الله فى اليوم الرابع 0 إذن فالأيام الأربعة الأولى ليست أياماً شمسية 0 كذلك اليوم السابع لم يقل الكتاب إنه قد انتهى 0 فمازلنا من أيام آدم و حواء نحيا فى اليوم السابع الذى سينتهى بالقيامة العامة و نهاية هذا الدهر 0 أيام الخليقة هى فترات زمنية غير محدودة 0 قد يكون اليوم منها لحظة من الزمان ، أو ملايين من السنين ، اصطلح على بدايتها و نهايتها بعبارة " كان مساء و كان صباح 00 " منقول |
||||
21 - 07 - 2012, 09:18 AM | رقم المشاركة : ( 3 ) | ||||
..::| العضوية الذهبية |::..
|
رد: كتاب الله و الإنسان
الله الخالق
إن عملية الخلق عجيبة جداً 0 هى مستوى فوق العقل ، نقترب إليه عن طريق الإيمان و الوحى 0 فالخالق غير الصانع يصنع أشياء من مادة موجودة 0 أما الخالق فيخلق من العدم ، ينشئ شيئاً من لا شئ !! و العجيب فى الله أنه صنع كل شئ ، من لا شئ 0 كما أن فى خلقه للكل : ألواناً من القدرة و الحكمة و الفن و النظام و الجمال ، و التواضع 0 فمن تواضع الله ، أنه لم يشأ أن يكون الوجود له وحده 0 فأوجد كائنات أخرى ، منحها الوجود ، لتكون معه 000 * * * سبب خلقه للموجودات حالياً ، هو جوده و كرمه و محبته 0 هو لم يكن محتاجاً إلى هذا الكون ، بل الكون هو المحتاج إلى الله 0 و كما نقول فى القداس الغريغورى " لم تكن أنت المحتاج إلى عبوديتى بل أنا المحتاج إلى ربوبيتك " 00 إن الله لم يخلق الإنسان ليمجده ، فقد كان الله – قبل الإنسان – ممجداً من ملائكته 0 و لم يكن الله محتاجاً إلى الملائكة لتمجيده و لا للطبيعة كلها 0 فالله ممجد من صفاته ، ممجد من طبيعته التى لا تحد و لا يدركها عقل و لا فهم 00 إذن فقد خلق الكون كرماً منه 0 هنا و نسأل : متى خلق الله كل شئ 0 فى وقت لا نعرفه 00 أطلق عليه الكتاب عبارة " فى البدء أى فى بدء عمل الخلق 0 فقيل " فى البدء خلق الله السموات و الأرض " (تك1:1) 0 خلق السماء و ما فيها ، و الأرض و ما فيها 0 خلق الروح و خلق المادة 0 " خلق الملائكة أرواحاً " (مز4:104) 0 و من المادة خلق كل الكائنات الجامدة 0 و الله أيضاً منح بعض مخلوقاته نعمة الحياة 0 منح الحياة للنبات و الحيوان و الإنسان ، و من قبل ذلك للملائكة 0 و من محبته منح للإنسان روحاً خالدة ، و كذلك الملائكة 00 و منح للحيوان نفساً تنتهى بموته 0 و جعل درجة الحياة على مستويات تتنوع بين النبات و الإنسان و الحيوان 0 * * * الله ذاته خلق كل مستويات الخليقة ، حتى الذى يبدو ضئيلاً منها !! و هذا دليل أيضاً على تواضع الله 0 خلق العاقل و غير العاقل 0 خلق الحى و الجماد 0 خلق الفيل الضخم ، خلق الدودة التى تسعى تحت حجر 0 خلق الأسد القوى الشجاع ، كما خلق الأرنب الضعيف الخائف 0 خلق القرد كما خلق الغزال 0 خلق الجبل العالى و الوادى السحيق 0 خلق الحر و البرد ، النور و الظلام 0 الكل صنعة يديه 00 و لعل البعض يسأل : * * * و ماذا عن الشيطان ؟ هل يخلق الله شيطاناً ؟ إنه أيضاً من خلق الله 0 و لكن الله لم يخلقه شيطاناً 0 لقد خلقه ملاكاً بكل ما تحمل طبيعة الملاك من عظمة و روعه 0 و لكن هذا الملاك حول نفسه إلى شيطان بإرادته التى انحرفت 0 و قد كان الشيطان من رتبة الكاروبيم 0 وصفة سفر حزقيال النبى بأنه " الكاروب المنبسط و المظلل " (حز14:28،16) 0 وقال إنه فى يوم خلقه كان " ملآن حكمة و كامل الجمال " (حز12:28)0 * * * و من العجيب فى قدرة الله فى الخلق ، العدد الهائل لمخلوقاته و تنوعها 0 ملايين الملايين من المخلوقات ، تتكرر كل جيل ، و بعضها يتكرر كل سنه أو عدة سنوات ، و بعضها لا يحصى مثل رمل البحر ، و مثل نجوم السماء و ما فى السماء من كوكب و من مجرات 0 و نحن نعرف فقط الظاهر من مخلوقات الله ، و لا نعرف الخفى منها 0 أو نبذل الجهد لكي نعرف ما خفى منها 0 فنحن مثلاً لا نعرف ما فى باطن الأرض من أسرار 0 و لكن نبذل الجهد بحفريات كثيرة لنعرف ما تلفظة البراكين من باطن الأرض 0 كذلك بالتنقيب يمكن أن نتعرف على ما فى جوف الجبال من ذهب و معان و أحجار كريمة و غير ذلك 0 أضف إلى ذلك ما فى أعماق البحار 0 و لذلك كله توجد معاهد لعلوم البحار ، و للجيولوجيا 0 و بدأت تتكون دراسات أخرى لعلوم الفضاء ، ربما يذهلنا منها مناطق انعدام الوزن التى يخرج فيها رائد الفضاء من مركبة الفضاء ليسير على قدميه فى الجو !! و عن كل ذلك نقول إننا نعرف " بعض المعرفة " (1كو12:13) ، ليس فقط كما قال القديس بولس الرسول عن العالم الآخر ، و إنما حتى عن هذه الأرض التى نعيش فيها ، أنما نعرف بعض المعرفة عنها و عما يحيطها 00 * * * و العجيب فى الله الخالق أيضاً أنه خلق العالم و كائناته بنظام عجيب 0 يكفى أن ننظر مثلاً إلى الفلك و ما فيه من عجب و من نظام0 من حيث الرابطة التى تربط هذه الأجرام السمائية بقوانين تحفظها قائمة فى مكانها فى الجو ، مع علاقات ببعضها البعض تنظم حياتنا نحن أيضاً 0 فالأرض تدور حول نفسها أمام الشمس دورة كل 24ساعة ، لا تختل على مدى الدهور الطويلة ، و ينتج عنها أوجه القمر من هلال و تربيع و بدر و أحدب و محاق 00 كل هذا فى نظام ثابت ، يدل على أن الذى نظم هذه القوانين الفلكية هو مهندس عظيم ، كان يسميه الفلاسفة القدماء بالمهندس الأعظم 000 إلى جوار هذا ، ما وضعه الله من نظام عجيب للأجواء 0 نظام للحر و البرد ، و الرياح و الأمطار ، وضغط الهواء ، و توالى الليل و النهار ، و الظلمة و النور ، و الرطوبة و الجفاف 00 بدقة عجيبة ، بحيث يمكن أن يستنتج الإنسان ما يمكن أن يحدث بعد حين 0 خلق الله النور للعمل ، و الظلمة للراحة 00 إنه عالم منظم متسق 0 و كالنظام و التناسق فى فلك السماء و أجواء الأرض ، هكذا أيضاً فى جسم الإنسان 0 الإنسان الذى يسمونه العالم الصغير Micro Kosmos 0 فالتأمل فى تكوين أجهزة الإنسان و علم وظائف الأعضاء ، يرى عجباً يدل على قدرة الخالق : سواء فى المخ و تركيبه و عمله ، و ما يصدره من أوامر لباقى أعضاء الجسد ، و ما فيه من مراكز للحركة و البصر و السمع و الذاكرة و غير ذلك 0 بحيث لو تلف شئ من مراكزه ، لا توجد قوة تعيده إلى وضعه الأول 0 كذلك عمل القلب و الجهاز الدورى فى الجسم ، و ما يتعلق بذلك من ضغط الدم ، وضخه و توزيعه 0 و فضائل هذا الدم التى تتغير من إنسان إلى آخر 0 و كيف يتركب الدم فى جسم الإنسان ، و كيف تتركب الأنسجة ، و دنيا الأعصاب و عملها 0 و باقى الأجهزة مثل الجهاز الهضمى ، و الجهاز التناسلى ، و قوانين الوراثة ، كل ذلك عجب فى عجب 0 صدقونى حتى مجرد الأسنان ، هذه العظام الصغيرة التى ليست فى حجم العمود الفقرى و باقى عظام الأذرعة و السيقان و الأقدام 0 كل سنة منها عالم عجيب ، تربطه أعصاب و دم و تركيب عجيب و عمل متناسق ، لا يمكن إطلاقاً أن تماثله أسنان صناعية 0 بل إن عجب الله يظهر عميقاً جداً فى بصمات الإنسان 0 كل إنسان خلق الله له فى أصابعه بصمة تدل عليه ، و تختلف عن بصمة أى إنسان آخر 0 و هنا نقف فى ذهول أمام ملايين و مئات و آلاف الملايين من البصمات التى تشابه بعضها بعضاً !! أى مهندس أو رسام – مهما كانت براعته – هل يستطيع أن يرسم أشكالاً متنوعة من بصمات أصابع ، مثلما فعل الله فى خلقه العجيب !! بل نضم إلى هذه بصمات الصوت أيضاً ، بحيث يكلمك إنسان تليفونياً من مئات الأميال ، فتميز صوته و تتعرف عليه 00 ! هل نستطيع أن نضيف إلى هذا ما خلقه الله من ملامح عديدة 0 كل ذلك من رجل واحد و امرأة واحدة ، توجد ملامح مميزة لملايين من البشر ، فى شكل الوجه ، و فى العينين و النظرات 0 أتقول إن هذا يتعلق بقوانين الوراثة ؟ إن قوانين الوراثة وضعها الله أيضاً 00 و مع ذلك ، فإن كل هذا يعتبر سهلاً ، إن قارناه بالعالم الروحى * * * إن عالم الأرواح يدل على خالق عجيب فى قدرته 0 نبدأ أولاً بعالم الملائكة الذين قيل عنهم إنهم ملائكة من نور (2كو14:11) 0 أولئك الذين قيل عنهم فى المزمور " الذى خلق ملائكته أرواحاً ، و خدامه ناراً تلتهب " (مز4:104) 00 الملائكة فى تعدد رتبهم مثل رؤساء الملائكة ، و الكاروبيم و السارافيم ، و الأرباب و العرش و السلاطين و القوات 00 هؤلاء الذين ينتقلون من السماء إلى الأرض فى لمح البصر ، و الذين يعملون بقوة عجيبة فى الإنقاذ و فى العقاب 0 كالملاك الذى فى قصة دانيال النبى " سد أفواه الأسود " (دا22:6) ، و الملاك الذى ضرب كل أبكار المصريين أيام موسى النبى (خر12) 00 الملائكة الذين منحهم الخالق قوة صنع المعجزات 0 بل ننزل من مستوى الملائكة إلى عجب الخالق الذى خلق روح الإنسان 0 لا تزال روح الإنسان عجباً : فى صلتها بالجسد ، فى علاقتها بالعقل و الروح و الضمير ، و بالحياة والموت 0 هذه الروح الخالدة العاقلة الناطقة ، و مصيرها بعد الموت ، و عودة الروح مرة أخرى إلى الجسد فى القيامة العامة 0 ما أكثر ما فكر علماء الأرواح 0 و ما أجدر أن تتغطى معلوماتهم بعبارة " لا أعرف ) 0 و لماذا نتكلم عن هذا المستوى العالى للأرواح فى الملائكة و البشر 000 لننزل إلى المخلوقات البسيطة جداً كالحشرات 00 كالنحلة و النملة 0 هنا نرى عجب الخالق العظيم فى أن يمنح حشرة كالنحلة حكمة التدبير فى نظامها ، و حكمة الإنتاج للشهد و غذاء الملكات 0 كل ذلك من رحيق الأزهار ، تستطيع أن تحوله بدقة عجيبة إلى عسل النحل ، و تحفظه فى خلايا دقيقة 00 ! كذلك النملة أيضاً فى نظام حياتها النشيط الذى لا يهدأ ، و فى تعاون أفرادها ، و دقة اتصال بعضهم بالبعض ، و طريقة تخزين غذائهم 0 إن عجائب الله فى خليقته لا تحصى 0 لا تكفيها كتب عديدة 0 * * * خلق الله العالم كله بترتيب عجيب 0 خلق الإنسان آخر الكل ، فى اليوم السادس ، بعد أن أعد له كل شئ 0 كما نقول فى القداس الغريغورى " أقمت لى السماء سقفاً ، و مهدت لى الأرض لكي أمشى عليها 0 من أجلى ألجمت البحر 0 من أجلى أخضعت طبيعة الحيوان 00 لم تدعنى معوزاً شيئاً من أعمال كرامتك " 0 جعل الطبيعة كلها فى خدمته 0 أوجد له النور ، و الدفء ، و الطعام و الشراب ، و الأشجار و الثمار و الأطيار 00 ثم خلقه أخيراً 0 و كذلك الحيوان ، خلق له الله النبات و العشب طعاماً ، و الماء شراباً ، و مكاناً لسكناه ، ثم خلقه بعد ذلك ، بحكمه و ترتيب 0 * * * و لعل البعض يسأل عن أيام الخليقة الستة 0 هذه التى كتب عنها الكثير من القديسين فيما أسموه هكساميروس أى ( الأيام الستة ) مثل أكسماروس باسيليوس ، و أكسماروس ابيفانيوس ، و أكسماروس يوحنا ذهبى الفم 0 و موضوع الأيام الستة الذى كان موضع جدال بين علماء الدين و علماء الجيولوجيا الذين أعطوا أعمار للأرض تقدر بملايين السنين ! نقول إن أيام الخليقة ليست أياماً شمسية طول كل منها 24ساعة !! أولاً لأن الشمس صنعها الله فى اليوم الرابع 0 إذن فالأيام الأربعة الأولى ليست أياماً شمسية 0 كذلك اليوم السابع لم يقل الكتاب إنه قد انتهى 0 فمازلنا من أيام آدم و حواء نحيا فى اليوم السابع الذى سينتهى بالقيامة العامة و نهاية هذا الدهر 0 أيام الخليقة هى فترات زمنية غير محدودة 0 قد يكون اليوم منها لحظة من الزمان ، أو ملايين من السنين ، اصطلح على بدايتها و نهايتها بعبارة " كان مساء و كان صباح 00 " منقول |
||||
21 - 07 - 2012, 10:19 AM | رقم المشاركة : ( 4 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب الله و الإنسان
شكرا على المشاركة المثمرة
ربنا يفرح قلبك |
||||
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
من كتاب من هو الإنسان - الحياة |
من كتاب من هو الإنسان؟ الإرادة |
من كتاب من هو الإنسان؟ الروح |
حياة الإنسان كتاب |
كتاب التلاقي بين الله و الإنسان - الراهب القس سارافيم البراموسى |