منتدى الفرح المسيحى  


العودة  

الملاحظات

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  رقم المشاركة : ( 1 )  
قديم 17 - 07 - 2022, 07:13 PM
الصورة الرمزية Mary Naeem
 
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو
  Mary Naeem متواجد حالياً  
الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,274,445

من كتاب من هو الإنسان؟  الإرادة



البابا شنودة الثالث


- الإرادة: كيف تقوى؟ وكيف تضعف؟



كثيرًا ما يرغب الإنسان في أن يسلك حسنًا، ولكنه لا يستطيع. أو يعرف أن هذا الأمر خطأ، ويريد أن يبتعد عنه، ولكنه لا يقدر. إرادته ضعيفة!

مثل إنسان واقع تحت عادة رديئة، ولا يستطيع أن يتخلص منها. يعرف مثلًا أن التدخين يتعب صحته، ويضيع ماله، ويفقده إرادته، وتبقى رائحته في فمه وأسنانه. ومع ذلك لا يقدر أن يبطل التدخين. إنه يريد، ولكن لا يستطيع. وقد شرح القديس بولس الرسول هذا الأمر في (رو7) فقال بلسان حال إنسان يفعل أمورًا لا يريدها:
"لست أفعل ما أريده. بل ما أبغضه إياه أفعل..! فالآن لست بعد أفعل ذلك أنا، بل الخطية الساكنة في. فإني أعلم أنه ليس ساكنًا في، أي في جسدي شيء صالح. لأن الإرادة حاضرة عندي، وأما أن أفعل الحسنى فلست أجد. لأني لست أفعل الصالح الذي أريده، بل الشر الذي لست أريده إياه أفعل.
فإن كنت ما لست أريده إياه أفعل، فلست بعد أفعله أنا بل الخطية الساكنة في.. ويحي أنا الإنسان الشقي. من ينقذني من جسد هذا الموت! (رو15:7-24).
إنها حالة إنسان عاجز عن مقاومة الخطية، وعاجز أيضًا عن فعل الخير. إرادته ضعيفة في الحالين.


- أسباب ضعف الإرادة




نريد هنا أن نبحث: ما السبب في ضعف الإرادة؟ وكيف نقدر أن نقوى هذه الإرادة الضعيفة.
لا شك أن الميل إلى الخير هو الأصل في الإنسان الذي خلق على صورة الله كشبهه ومثاله (تك26:1، 27). إذن الميل إلى الشر، هو شيء دخيل عليه، لابد لنا أن نبحث عن أسبابه....
بإمكان الإنسان -وبخاصة في نعم العهد الجديد- أن يسير في طريق الرب. فما الذي يدفعه إلى طريق الخطية؟ وما الذي يضعف أرادته أمامها؟
نرجع إلى التاريخ فنجد أن أمنا حواء، عندما خلقها الله، لم تكن فيها خطية. ولكنها أخطأت حينما اشتهت أن تصير مثل الله، حسب إغراء الشيطان لها (تك5:3). وبهذه الشهوة ضعفت إرادتها، فلم تستطع أن تقاوم إغراء الشجرة المحرمة، بل على العكس رأت أن الشجرة جيده للأكل، وأنها بهجة للعيون، وأن الشجرة شهية للنظر، فأخذت من ثمرها وأكلت" (تك6:3).

1- إذن أول شيء يضعف الإرادة هو الشهوة:
أية شهوة: سواء شهوة الجسد، أو شهوة المال والقنية، أو شهوة المناصب وتعظم معيشة، أو شهوة الانتقام. كلها شهوات تتسبب في ضعف الإرادة. فحينما تدخل الشهوة إلى القلب، تضعف الإرادة عن مقاومتها. وكلما زادت الشهوة، فإنها تضغط على الإرادة بشدة، حتى تنهار الإرادة تمامًا. وحينئذ يتم قول الرسول "الشر الذي لست أريده، إياه أفعل"...
لذلك فمن عوامل تقوية الإرادة، ومعالجة شهوات الإنسان، وطردها من القلب.




2- ومما يضعف الإرادة ويقوى الشهوة، القرب من مادة الخطية.
أي القرب من مسبباتها.. وكما قال أحد الآباء: وأنت بعيد عن مادة الخطية، قد تأتيك المحاربة من الداخل فقط. أما إن صرت قريبًا من مادة الخطية تقوم عليك حربان:
إحداهما من الداخل، والأخرى من الخارج، ويتعاونان على إسقاطك، إذ تضعف بينهما...

لذلك على الإنسان الحكيم أن يبعد عن العثرات، وعن مادة الخطية وأسبابها، لكي لا تضعف إرادته أمام مغريات الخطية.
البعد عن مادة الخطية يشمل البعد عن كل المعاشرات الرديئة التي تتعبك، والتي تدخل فكر الخطية إلى عقلك وإلى قلبك، فيضغط الفكر عليك، فتضعف إرادتك أمامه. وهكذا قال الكتاب "المعاشرات الردية تفسد الأخلاق الجيدة" (1كو33:15). ومن هذه المعاشرات المعثرة، حذرنا المرتل في المزمور الأول، فقال: "طوبى للرجل الذي لا يسلك في مشورة الأشرار، وفى طريق الخطاة لا يقف،وفى مجلس المستهزئين لا يجلس" (مز1:1). لأنك إن عشت في هذا الجو الرديء،سوف تضعف إرادتك.




3- ومما يضعف الإرادة بالأكثر، طول المدة في الجو الخطية.
عنصر السرعة أمر هام، سواء السرعة في ترك الخطية، لأن هذه السرعة تقوى إرادتك. كذلك السرعة في العمل الخير، لأن هذا يقوى إرادتك إيجابيًا...
لذلك إن حاربتك الخطية، فقاومتها للتو، ولم تستبق فكرها عندك، تجد إرادتك قد قويت، وأصبحت قادرة على طرد الخطية.
أما إن تركتها ترعى في قلبك، وتدغدغ حواسك، وتلعب بعواطفك، وتغرى نفسك، وتقنع عقلك.. فإنها بطول المدة تقوى عليك. فتضعف إرادتك عن مقاومتها. وإن انتصرت، يكون ذلك بمجهود كبير تبذله، وبتدخل النعمة لإنقاذك..
فرق كبير بين أن تنزع الخطية وهى عشب في الأرض، أو أن تحاول نزعها بعد أن تتأصل جذورها في الأرض، ويرتفع جذعها عاليًا في الهواء، وتنتشر فروعها هنا وهناك. لذلك حسنًا قال المزمور عن الخطية "طوبى لمن يمسك أطفالك، ويدفنهم عند الصخرة" (مز9:137). "والصخرة كانت المسيح" (1كو4:10).
إن أتاك فكر خاطئ، وطردته بسرعة، حينئذ تقوى إرادتك.
أما إن فتحت لهذا أبواب ذهنك، وتباطأت في طرده، وأخذت معه وأعطيت، واستمر الفكر في ذهنك فترة، حينئذ تضعف إرادتك أمامه. فإما أن تخضع له، أو إن طردته بعد حين، يكون ذلك بصعوبة بالغة، وما أسهل أن يعود إليك مرة أخرى، مستغلًا تساهلك أمامه..!
السرعة إذن لازمة لتقوية الإرادة، سواء في طرد الخطية، أو تنفيذ الوصية.
يوسف الصديق: لما ضغطت عليه الخطية، هرب بسرعة، ولو تمزقت ثيابه. ولو كان قد انتظر بعض الوقت، وتباطأ في الهروب، ما كان يدرى ما سيحدث له!!
ولما تباطأ لوط في الخروج من أرض سادوم، دفعه الملاكان دفعًا، وأخرجاه منها، وقالا له: اهرب لحياتك. لا تقف في كل الدائرة، لئلا تهلك (تك16:19،17).
إن طول المدة والاستمرار في جو الخطية، والتردد، كل ذلك يضعف الإرادة.
أما الإنسان القوى الإرادة، فإنه يسرع في عمل الخير، لا يؤجل.
لا ينتظر، لئلا يغريه الشيطان. بإعادة التفكير، وربما يحاول تغيير فكره! فالشيطان لكي يبعد الإنسان عن فعل الخير، لا يقول له لا تفعل. بل يقول له: انتظر. فكر. فلنناقش الأمر معًا. مجرد دقائق، وأعطيك المشورة الصالحة! وبهذا الأمر يكون قد ضيعك... إن طول المدة من جهة التباطؤ في عمل الخير، يفتح المجال لحرب مضادة، ما أسهل أن تضعف فيها الإرادة.
لنأخذ مثالًا: الابن الضال، حينما أتاه فكر التوبة:
بعد أن أدرك سوء حالته، قال:"أقوم الآن وأذهب إلى أبى، وأقول له: أخطأت إلى السموات وقدامك، ولست مستحقًا أن أدعى لك أبنًا، اجعلني كأحد أجرائك". ولم ينتظر، بل يقول الكتاب "فقام وذهب إلى أبيه" (لو17:15-20)،من يدرى، لو كان قد تباطأ في التنفيذ، ما كان سيحدث لإرادته.
وإبراهيم أبو الآباء، حينما أمره الله أن يقدم ابنه محرقة:
لم يتباطأ أبدًا، بل "بكر إبراهيم صباحًا جدًا"، "واخذ إسحق ابنه، وأخذ الحطب والسكين" (تك3:22). بكل قوة وإرادة، بدأ في تنفيذ أمر الرب، لم يتباطأ إطلاقًا. وربما لو أنتظر، أو أخذ يراجع فكره، ما كنا ندرى أية حروب تثور عليه! وإن لم تضعف إرادته، كانت ستضعف إرادة سارة أم الصبي.. ويجد أن مشاكل كثيرة قد أحاطت به، تحاول أن تضعف إرادته.
حينما تحرك النعمة إرادتك للخير، لا تنتظر لتفكر أو تناقش الأمر. بل نفذ. وإلا انتهز الشيطان فرصة ترددك، ويشترك معك في التفكير، ويضعف إرادتك.
وإذا بالرغبة الطيبة التي كانت عندك تفتر وقد تزول.. إنما تنفيذ عمل الخير دون تردد، يدل على قوة الإرادة، ويؤدى أيضًا إلى تقوية الإرادة.
* وسأضرب لك بعض أمثلة:لنفرض لك أنك في سماعك لعظة، أو قراءتك لكتاب روحي، أو سماعك لنصيحة من أب اعترافك،أتاك فكر أن تصالح شخصًا أنت متخاصم معه..لا تنتظر قم حالًا، واذهب إليه لتصالحه. أما لو أنك انتظرت، ربما تتغير نيتك.
ويأتيك فكر: ولماذا أذهب أنا لأصالحه؟ من الأفضل أن أنتظر إلى أن يأتي هو ليصالحني. أنا موافق على مبدأ المصالحة. ولكن أن ذهبت أنا إليه لأصالحه، ربما يظن هذا ضعفًا منى، أو اعترافًا منى بالخطأ. إذن حرصًا على كرامتي، ننتظر إلى أن يدخل وسيط بيننا، فهذا أفضل. وهنا تكون الإرادة قد ضعفت من جهة المبادرة للمصالحة. وقد ينتهي الأمر إلى عدم المصالحة، وقد فقدت إرادتك بسبب التردد والمناقشة!
*فى دفع العشور مثلا. قد تبدأ بإرادة قوية لدفعها. فإن نفذت بسرعة، حينما تستلم مرتبك، تدفع عشوره مباشرة كما تدفع إيجار مسكنك، أو تحجز العشور في صندوق خاص هو صندوق الرب إلى أن تسلمه لأصحابه.
أما إن أجلت الموضوع، فإنك تفتح أمامك بابًا لحروب تضعف إرادتك في دفع العشور، إذ تبدأ أن تفكر وتتفاوض مع الموضوع، وتبحث احتياجاتك المالية في هذا الشهر، وربما تقول: لنا عذر في تأجيل العشور، أو أننا ندفعها فيما بعد ولو بتقسيطها على شهور. أو ننتظر إلى حين أن تصلنا علاوة في الشهر الفلاني وحينئذ ندفع.. وهكذا تضعف إرادتك ولا تدفع.
* نفس الوضع بالنسبة إلى مقاومة الخطية. لما حسد قايين هابيل أخاه، وفكر في قتله، قال له الرب يحذره "عند الباب خطية رابضة، وإليك اشتياقها، وأنت تسود عليها" (تك7:4).. عبارة "وأنت تسود عليها" معناها أن إرادته في ذلك الوقت كانت تقوى على مقاومتها. فلما لم يطردها من ذهنه ومن قلبه، وتباطأ في ذلك، أصبحت هى التي تسود عليه.. أي تسود على إرادته، فقام على أخيه وقتله...
اعرف أنك أجهزة حساسة تتأثر بسرعة: سواء عقلك، أو حواسك، أو قلبك أو مشاعرك.. فلا تترك كل هذه للحرب الروحية فترة طويلة، وإلا ضعفت إرادتك!






4- مما يضعف الإرادة أيضًا: التدرج في جو الخطية.
إن النزول السريع ملحوظ. ولكن التدرج البطيء في النزول قد لا تلحظه. وربما لا تدرك مثلًا أنك تنزل عشرات الأمتار في سفرك من وادي النطرون حيث الأديرة إلى القاهرة... أو إلى الإسكندرية حينما تصل إلى البحيرة المالحة!
كذلك في الحياة الروحية، قد تنزل تدريجيًا نزولًا من الحرارة إلى الفتور إلى البرودة فالسقوط، حيث تنهار إرادتك، وأنت لم تلحظ كيف ضعفت بالتدريج!
احترس إذن لنفسك.. إن وجدت أن خطايا معينه ترفضها تلقائيًا وبسرعة، اعرف إن إرادتك لا تزال قوية.
ولكن أن وجدت أنك ترفض، ولكن بعد أن تفكر بعض الشيء أو بعد تردد، أعرف أنك قد بعدت عن قوتك الأولى وأخذت إرادتك تضعف، إذ لم يعد لها الصد المباشر للخطية. وإن وجدت أنك تسير مع فكر الخطية بضعة خطوات ثم تستيقظ لنفسك. وتمتنع عن الاستمرار.. أعرف أن إرادتك بدأت في الضعف، ولكن لم تستمر. سقطت ولم تكمل السقوط!
أما إن سقطت ولم تعرف كيف تقوم، أو لا تريد أن تقوم، فاعرف أن إرادتك قد انهارت وأصابها العجز. وتحتاج إلى علاج قوى وسريع.
إن الخطية قد لا تحاربك دفعة واحدة. وبوجه مكشوف، لكي لا ترفضها إرادتك. بل تخدع هذه الإرادة بالتدرج.
تتدرج معك تدرجًا طويلًا، ربما لا تشعر به، وفى كل ذلك تضعف إرادتك بقبول هذا التدرج.. إلى أن توقعك في الهوة.. وربما تكون الخطوة الأولى التي تقودك إلى الخطية، ليست خطية في ذاتها، بل هى خطوة مخادعة مستترة. ولكن بتدريجها تخدع إرادتك لتقبلها فتفقد هيبتك الأولى، وتسلب قوة الإرادة بالتدريج حتى تستسلم.
إذن مما يضعف إرادتنا أننا لم نكن حازمين ولا حاسمين من أول خطوة.
وبسبب التهاون والتراخي تفقد الإرادة قوتها، وتقف موقف الضعف. إن محاربة الخطية تحتاج إلى موقف حاسم من الإرادة، لكي تصدها من بادئ الأمر. فالتراخي والتكاسل والتباطؤ يؤدى إلى إضعاف الإرادة...
إن شمشون الجبار، بالتدرج وطول المدة، ضعفت إرادته أمام إلحاح دليله..هذا الإلحاح الذي لم يطرده شمشون عنه من أول الأمر.. وبالوقت انهارت إرادته فكشف سره، وسقط سقوطًا عظيمًا (قض16).



كيف تقوى الإرادة؟




هناك عوامل كثيرة تقويها، نذكر من بينها:
1- وسائط النعمة:
وسائط النعمة تقوى العلاقة مع الله، وتحفظ الفكر معه. وبهذا تقوى الإرادة، وتستحي من الاستسلام للخطية.
لذلك إن أردت أن تقوى إرادتك، اجعل وسائط النعمة معك باستمرار. فطالما أنت مواظب على التأمل في الإنجيل، وعلى الصلاة والمزامير والأجبية، وعلى التراتيل والتسابيح والاجتماعات الروحية، والاعتراف والتناول، تجد نفسك محصورًا بمحبة الله، وإرادتك قوية لا تضعف أمام الخطية، بل تكون لك مناعة ضدها.
ولكن إذا بعدت عن الوسائط الروحية، تضف روحياتك، ويقل ميلك نحو الخير، وتصير إرادتك سريعة الانجذاب نحو الخطية. وينتهر الشيطان الفرصة فيهاجمها، وليس حولها سلاح روحي يقوى عزيمتها في مقاومته، إذ قد بعدت عن الهاتف الداخلي الذي يدعوها إلى الله...
قد يقول إنسان: أنا سالك في كل الوسائط الروحية، وأصلي وأصوم، ومع ذلك فإن إرادتي ضعيفة أمام الخطية!! فكيف هذا؟
أقول له: من الجائز أنك تمارس وسائط النعمة. ولكن ليس بطريقة روحية. فأنت تقرأ الكتاب كمجرد تأدية واجب بدون تأمل. وتصلى كروتين وبدون فهم. وتذهب إلى الاجتماعات في الكنيسة، كعادة بدون استفادة!! ولكن إن كنت تمارس وسائط النعمة بطريقة روحية، فلا شك أنها ستقوى إرادتك.
أمامنا في ميزان الحياة كفتان: كفة الله، وكفة العالم.

أحيانًا نضع الكثير في كفة العالم، حتى تصير هى الأكثر ثقلًا. بينما كفة الله ليس فيها شيء، فتصبح في الموازين إلى فوق. فإن وجدت كفة العالم تثقل. ضع أنت ما تستطيعه من وسائط النعمة في كفة الله، إلى أن تزيد عليها. وهكذا تقوى إرادتك في عمل الخير. أنت إنسان ميال مثل بندول الساعة، تارة تتحرك يمينًا وتارة تتحرك شمالًا. وكلما تدفع نفسك نحو الله تجد إرادتك تفوق بالأكثر.
لذلك أجعل نفسك محاطًا بجو روحي باستمرار، يقوى إرادتك.. وابعد عن كل جو معثر يضعف. الإرادة...
سأضرب لكم مثلًا كيف أن الإنسان الذي هو في جو روحي، تكون إرادته قوية، حتى أنه قال للرب: لو أنكرك الجميع، لا أنكرك أنا. ولو اضطررت أن أموت معك، لا أنكرك. إني مستعد أن أمضى معك إلى السجن وإلى الموت (مت33:26،35) (لو33:22).. ولكن بطرس نفسه، وهو في دار رئيس كهنة اليهود، أخذ يسب ويلعن ويقول لا أعرف الرجل (مت74:26). كانت إرادته قد ضعفت أو انهارت في ذلك الجو المعادي للمسيح!!
مثال آخر -غير بطرس- هو لوط البار:
حينما كان في عشرة أبينا إبراهيم القديس، وإلى جوار المذبح، كانت إرادته قوية. فلما ذهب إلى سادوم، حيث فقد واسطتين روحيتين هما إبراهيم والمذبح، حينئذ ضعفت إرادته وإرادة زوجته وابنتيه. وقيل عنه هناك إنه كان "مغلوبًا من سيرة الأردياء في الدعارة. إذ كان البار -بالنظر والسمع وهو ساكن بينهم- يعذب نفسه يومًا فيومًا نفسه البارة بالأفعال الآثمة" (2بط7،8).
ولأهمية الوسائط الروحية في تقوية الإرادة:
يقول الكتاب عن الرجل البار إنه "كشجرة مغروسة على مجارى المياه" (مز1)، أي متصلة بينابيع الغذاء الروحي باستمرار، لذلك تكون مثمرة "تعطى ثمرها في حينه، وورقها لا ينتثر".
تصوروا مثلًا إنسانًا قد ارتبط قلبه بالصلاة والتأملات الروحية في قراءة الكتاب. ثم هاجمه فكر رديء. هل من المعقول أن تضعف إرادته أمام هذا الفكر؟! أم تكون على العكس محصنة ضده بتأملاتها الروحية...
وأنت: ما هو الوسط الذي يحيط بك؟ وهل هو يقوى إرادتك نحو الخير أم يضعفها؟ هل عوامل التسلية والترفيه التي حولك، تقوى إرادتك وتعطيك مقاومة للخطية أم عكس ذلك؟ هل أصدقاؤك ومعارفك وأصحابك الذين تقضى معهم وقتك، يشجعونك على الالتصاق بالله، ويعملون على تقوية إرادتك روحيًا..؟




2- من الأمور التي تقوى الإرادة أيضًا: التغصب:
هل أنت باستمرار تدلل نفسك، وتعطيها في كل حين ما تهواه؟ كما فعل سليمان قائلًا "ومهما اشتهته عيناي، لم أمنعه عنهما" (جا10:2)..؟! إن كان الأمر كذلك، فسوف تضعف إرادتك لأنها لا تجد ما يضبطها، فتفقد هي سيطرتها على رغباتها، وتفقد أنت سيطرتك على إرادتك،لذلك أغصب نفسك على عمل الخير، اغصبها على الالتصاق بالله. وكلما كنت تغصب نفسك بكل حزم على الاتجاه الروحي، حينئذ، ستقوى إرادتك بلا شك.
ولعلك تسأل هنا: هل إذا غضبت نفسي، أكون في حالة روحية؟!
هل الصلاة بتغصب -مثلًا- هي صلاة روحية.
أقول لك إن محبة الله التي تدفعك إلى التغصب هي حالة روحية. كما أن التغصب هو الخطوة الأولى التي تقودك في النهاية إلى الحياة الروحية التي لا تغصب فيها.. أنت تغصب نفسك على القراءة الروحية، ثم بلا شك ستجد لذة في هذه القراءة، فتكملها بلا تغصب، بل بكل رضى واشتياق. وهكذا أيضًا مع الصلاة وكل التداريب الروحية.
التغصب إذن هو مجرد نقطة البدء، ولكنه لا يستمر هكذا.
الطفل الصغير حينما يرسلونه لأول مرة إلى المدرسة، يرفض ويبكى، لأنه سيترك حضن أبيه وأمه، ومحبة أقربائه له، ويترك الجو الذي تعود عليه ويذهب إلى جو غريب عليه... ولذلك فإنه يذهب إلى المدرسة بشيء من التغصب. ولكنه بعد قليل يجد لذة في المدرسة، وما فيها من لعب وتسليات وأصدقاء جدد، وما فيها من دروس وتعليم.. فيشتاق إليها، ويحث أمه أن تلبسه ملابس المدرسة، ليسرع في الذهاب إليها.
اغصب نفسك إذن على عمل الخير، فهذا سيقودك إلى محبة الخير.
وسيقودك إلى عمل الخير تلقائيًا وبدون تغصب. وأغصب نفسك أيضًا على ترك الخطية. فبهذا ستقوى إرادتك. وبدون تغصب سترفض الخطية.
اغصب نفسك على التوبة، فهذا هو الطريق الروحي، الذي نصحنا به القديس بولس الرسول، حينما وبخ العبرانيين قائلًا:
"لم تقاوموا بعد حتى الدم، مجاهدين ضد الخطية" (عب4:12).
عبارة (حتى الدم) تعنى أن تغصب نفسك على مقاومة الخطية، حتى لو أدى الأمر أن تستشهد في سبيل ذلك. ومعنى ذلك أنك بكل حزم ترفض كل ما تعرضه عليك الخطية من مغريات، ولا تستسلم لكل فكر ورغبة، بل تضبط نفسك، فتقوى إرادتك.
مثل شخص يدخل في ريجيم للطعام مثلًا. فلا يأكل ما يشتهيه، ولا يكثر من طعام يحبه. ولو أتاه فكر أن يأكل من صنف حرمه عليه الطبيب، ولو يأكل قليلًا، يرفض ذلك بحزم. ويقول لنفسه: القليل سيؤدى إلى الكثير. وهذا الصنف سيتطور إلى صنف ثان وثالث، فالحزم أفضل.
إن ضبط النفس إذن يؤدى إلى تقوية الإرادة. وإذا قويت الإرادة تؤدى إلى مزيد من ضبط النفس. كما أن هذا التغصب، في ضبط النفس، سيجعل الشيطان يتعب منك ويعرف أنك لست سهلًا، فيهابك. وكلما تغصب نفسك، تدركك نعمة الله لتسندك وتعينك. لأنك بهذا التغصب تبرهن على محبتك لله وجهادك للسير في طريقة. فيستجيب الله لجهادك ويجعل روحه القدوس يعمل فيك. وفى هذا التغصب أو هذا الجهاد، تعينك أيضًا صلوات القديسين الذين يصرخون إلى الله من أجلك، قائلين: يا رب. لا تتركه....
عاند نفسك أذن. ولعل البعض يسألون هنا:
هل العناد خطية أم فضيلة؟
أقول: إذا عاند الإنسان نفسه حينما تشتاق إلى الخطية، يكون عناده فضيلة. أما إذا كان يعاند متشبثًا بفكر خاطئ أو عمل خطية، حينئذ يكون عناده صادرًا عن كبرياء وتمسك بالخطأ، فيكون خطية مزدوجة...




3- من الأشياء التي تقوى الإرادة أيضًا: يقظة الضمير.
بحيث يكون ضميرك صاحيًا باستمرار، لا ينام ولا لحظة...
ولكن يحدث في بعض الأحيان أن يكون الضمير صاحيًا، وبعكس ذلك تكون الإرادة ضعيفة في عمل الخير، أو مشتاقة إلى الخطية، فتسكت الضمير.
حقًا، إن الضمير يرشد إلى عمل الخير، ولكن لا يرغم الإنسان على السير فيه.




4- تقوى الإرادة أيضًا: مخافة الله، ومحبة الله.
بالمخافة تقوى الإرادة في البعد عن الخطية. وبمحبة الله تقوى الإرادة في عمل الخير والبر. وكيف ذلك؟
الإنسان الذي يخاف الله، يخشى أن يعصاه. وخوفه من عمل الشر، وخوفه من عقوبة الله، وخوفه من الله الذي يراه، يجعل إرادته قوية جدًا في الامتناع عن الخطية. وكلما عرضت عليه يقول: "كيف أصنع هذا الشر العظيم وأخطئ إلى الله؟!" (تك9:39). ومن الناحية الأخرى، فإن الإنسان الذي يحب الله، تلهب المحبة قلبه، وبالتالي تشتعل إرادته في عمل البر، وبالأكثر في رفض الخطية التي ما عادت تتفق مع طبيعته الجديدة في حياة القداسة.




5- لذلك لكي تقوى الإرادة، لابد من يتمسك بها الإنسان. ويلتزم بها.
لابد أن تكون لهم قيم معينه. لو قامت الدنيا وقعدت، لا يمكنه أن يتنازل عن هذه القيم. كإنسان مثلًا يضع أمامه قيمًا معينه، بأن لا يكون مطلقًا جبانًا ولا خائنًا. وفى تنفيذ هذا، تكون إرادته من حديد. مهما كانت الضغوط الخارجية، يظل شجاعًا، ولا يخون وطنه ولا يخون كنيسته، ولا يخون إنسانًا ائتمنه على سر أو على وديعة...
كذلك الشهداء: كان التمسك بالإيمان من القيم التي يحرصون عليها. لذلك كل ما تعرضوا من عذابات، لم يضعف إرادتهم...
مثال آخر: إنسانًا من القيم التي أمامه أنه لا يسرق. فإن سرق، يحتقر نفسه، ولابد أن يعيد المسروق إلى أصحابه. بل لا يجرؤ إطلاقًا على أن يحتفظ في بيته بمال حرام.. إن ركب الأتوبيس مثلًا، وانشغل الكمساري فلم يأخذ منه تذكرة، يسعى هو إليه ليشترى منه التذكرة بينما شخص آخر بلا قيم: يقول ركبنا بدون تذكرة، لآن الكمساري صاحبنا!!نعم،قد يكون صاحبكم، ولكنه ليس صاحب الأتوبيس. وليس من حقه أن يجاملكم!
إن إرادتنا تضعف أحيانًا، لأن بعض القيم في حياتنا قد ضعفت.
أما إن بقيت القيم قوية في حياتنا، وكان التزامنا بها قويًا، فإن إرادتنا تكون قوية جدًا. هناك قيم اجتماعية ودينية أيضًا: مثل احترام الكبار وإكرامهم، كاحترام الأساتذة والمدرسين،واحترام كبار السن. فلا يجرؤ إنسان مثلًا أن يهين والده أو أستاذه، أو يرد عليه بالمثل، أو يجلس وهو واقف، أو يخدش شعوره بأية عبارة أو تصرف. وفى كل ذلك تكون إرادته قوية جدًا في التمسك بهذه القيم...
وبنفس المنطق هناك قيم أخرى، مثل احترام القانون، واحترام النظام العام، واحترام الرؤساء.. طالما توجد هذه القيم، تكون الإرادة قوية في الالتزام بها. فإن ضعفت إحدى هذه القيم، تجد الإرادة منقادة إلى الثورة والاحتجاج والعصيان...
إن الدين يقدم لنا قيمًا معينة. تكون الإرادة قوية في تنفيذها.
مثال ذلك الصوم مثلًا. تجد الإرادة قوية أثناءه في الامتناع عن الطعام. فهو وسيلة لتقوية الإرادة. والإرادة القوية وسيلة لممارسته.
من القيم أيضًا: عدم الدخول إلى هيكل الله بالحذاء. هنا لا يمكن أن تضعف الإرادة على كسر هذه القاعدة، بل تلتزم بها بإرادة قوية... أما في بلاد الغرب التي سقطت فيها هذه القيم، فإن الالتزام بهذه القواعد غير موجود، وكسرها لا يتعب الضمير.
إن إرادة الإنسان إذن، تتحكم في قوتها أو ضعفها أمور كثيرة.
تتحكم فيها الشهوة والرغبة، وتتحكم فيها القيم والالتزام بها. ويتحكم فيها ضبط النفس أو التسيب. وكذلك البعد عن وسائط النعمة أو ممارسة هذه الوصايا، ويتحكم فيها الضمير ومدى يقظته أو نومه... وكذلك الفكر ونوعية انشغاله...
ويتحكم في الإرادة أيضًا: مدى تدين الإنسان، وقربه أو بعده عن الله ووصاياه...


رد مع اقتباس
إضافة رد


الانتقال السريع

قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً
الموضوع
هنا يعني أن الإرادة في الإنسان أن يتقبل ما يقدمه الله لمن يريد
الله الذي وهب الإنسان حرية الإرادة
لكي تقوى الإرادة، لابد من يتمسك بها الإنسان ويلتزم بها
فهل إذا انحرفت الإرادة، وأسكتت الضمير، يهلك الإنسان؟
الإرادة بيد الإنسان بشهادة الكتاب المقدس


الساعة الآن 07:03 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024