|
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
الأحد التّاسع من زمن السنة ﴿إنْ أَقبَلتَ لخدمَةِ الرّب، فَأعدِد نَفسَك لِلْمِحنَة﴾ (سي 1:2) أَيُّها الإخوَةُ والأخواتُ في الْمَسيحِ يَسوع. قَرَأتُ ذَاتَ مَرَّةٍ جُملَةً مَفَادُهَا: "إنْ لَمْ تَكُنْ جُزءًا مِنَ الحَلّ، فَلا تَكُنْ جُزءًا مِنَ الْمُشكِلَة". والفِرِّيسيونُ كَعَادَتِهم، في كُلِّ مَوقِفٍ جَرَى بينَهم وبَينَ السّيدِ الْمَسيح، لَمْ يُريدوا حُلُولًا، إنَّمَا كَانُوا هُمُ الْمُشكِلَة، ومُفتَعِلُو الْمَشَاكِل، وَوَاضِعو العُصيِّ في الدُّولَاب، تمامًا كَالفيتو الأمرِيكيّ في مجلسِ الأَمن! أَتَى السَّيدُ الْمَسيحُ حَامِلًا رَايةَ الخَلاصِ لِلنَّاس، جَاءَ طَبيبًا يُريدُ شِفَاءَهم مِنْ عِلَلِهم الجَسَديّةِ والرُّوحِيَّة، فَلَمْ يَرُقُ الأمرُ لِلفِرِّيسين، الَّذينَ: ﴿تَاهُوا في آَرَائِهم البَاطِلَة، فَأَظلَمَت قُلوبُهم الغَبيَّة﴾ (رومة 21:1)، فَلَمْ يَروُا في الْمسيحِ إِلَّا عَقَبَةً وخَصمًا، فَكَانَ كُلُّ هَمِّهم أَنْ: ﴿يُرَاقِبُونَه، ويَتَآمَروا عَليهِ، لِيُهلِكُوه﴾ (مرقس 2:3، 6). فَمَا هُوَ الجُرمُ الَّذي ارتَكَبَهُ حَتّى يَستَحِقَّ مِثلَ هَذَا القَصَاصِ الرَّهيب؟ أَقَتْلٌ أَم إِفْسَادٌ أَم خِيَانَةٌ عُظْمَى؟! ويُجيبُ الإنجيليُّ مَرقُس في الفَصلِ الخَامِسِ عَشَر، قَائِلًا: ﴿مِنْ حَسَدِهم أَسلَمُوه﴾ (مر 10:15). وهَذَا الأمرُ يُرْجِعُنَا إلى صَرخَةِ النّبيِّ إرمِيَا، لَمَّا قَالَ مُتَألِّمًا: ﴿أَيُجازَى الخَيرُ بِالشَّرّ؟﴾ (إر 20:18). نَعَم، يَحدُثُ أَنْ تَصنَعَ خَيرًا وتَلقَى شَرًّا، ويحدُثُ أنْ تُمارِسَ الْمَعروفَ والإحسَان وتُجَازَى بالْمَكروهِ وسِهَامِ الانْتِقَادِ والِّلسَان! وهَذَا يُذَكِّرُني بِما جَاءَ في تَرتيلَةِ (وَا حَبيبي): "يَا حَبيبي، أَيُّ ذَنْبٍ قَدْ صَنَعتَ أَو كَريه؟!". وهَا نَحنُ نَرَى الْمَسيحَ مُخاطِبًا أُولئِكَ العُذَّالَ الَّلائِمين: ﴿أَعَمَلُ الخيرِ يَحِلُّ في السّبتِ أَمْ عَمَلُ الشَّر؟ أَتخليصُ نَفسٍ أمْ قَتلُهَا؟﴾. ومَاذا كَانَ جوابُهُم: ﴿ظَلُّوا صامِتين﴾ (مرقس 4:3). في إنجيلِ هَذا الأحدِ يا أَحِبَّة، نَجِدُ أنَّ الشَّلَلَ نَوعَان: شَلَلٌ جَسَديٌّ أَصَابَ الرَّجُلَ في يَدِه، والْمسيحُ صَنَعَ لَهُ خَيرًا وشَفَاه. وشَلَلٌ رُوحِيٌّ أَخطَرُ وأَشَد، أَصَابَ الفِرّيسينَ في قُلوبِهم القَاسيَة وضَمَائِرِهم الْمُظلِمة، فَرَأوُا في الخَيرِ الّذي صَنَعَهُ الْمَسيحُ شَرًّا وبَليّة، فَانْتَقَدوه وحارَبوُه! وَمِنْ أَشكَالِ الشَّلَلِ الرُّوحيّ: الكِبريَاءُ والغُرور، قَسَاوَةُ القَلبِ والظُّلم، الكَذِبُ والرِّيَاء، رَفضُ الخَيرِ ومُقاوَمَةُ الحَق، الإعرَاضُ عَنِ التَّوبَةِ والاحجَامُ عَنِ النَّدامَة، التَّصَلُّبُ عِندَ الخَطَأ والامتِنَاعُ عنِ الاعترافِ بالزَّلات، الإمسَاكُ عَنِ الْمُسامَحةِ والْمُصَالَحَة...إلخ. هَذا الشَّلَلُ الرُّوحيّ، وهَذهِ الرّوحُ الفِرّيسيَّةُ الْمُستَوطِنَةُ فينَا أَحيانًا كَثيرَة، تَجعَلُ عَلاقَتَنَا مَع ِالْمَسيحِ مَشلُولَة، مُتَحَجِّرَة، ويابِسَة! فَإيّانا أَنْ نُطَمئِنَ أَنفُسَنَا وهمًا بِأنَّنَا نُواظِبُ عَلَى حُضورِ القُدّاس، والتَّقرُّبِ مِنَ الْمُنَاوَلَةِ الْمُقَدَّسَة، وقُلوبُنَا مَليئَةٌ بأحقَادٍ وآثامٍ وأحكَامٍ وإدَانَات، نَرفُضُ مُقَاوَمَتَهَا ولا نَسعَى للتَّغلُّبِ عَلَيهَا، ذلِكَ أنَّ السّيدَ سَبَقَ لَهُ أنْ نَبَّهَنا فَقَال: ﴿لَيسَ مَنْ يَقولُ لي يا رب، يا رب، يَدخُلْ مَلَكوتَ السَّمَوات، بَلْ مَنْ يَعمَل بمشيئةِ أبي الَّذي في السَّمَوات﴾ (متّى 21:7). ولَعَلَّ الفرّيسيّنَ كَانُوا أَكثَرَ النَّاسِ تَزمُّتًا وتَشدُّدًا، ولَكِنَّهُم كَانُوا أَكثرَهُم بُعْدًا عَنْ مَلكوتِ السَّمَوات. عِندَمَا أَجرَى الْمَسيحُ هَذِهِ الْمُعجِزَة، طَلبَ إلى الرَّجُل، أن يَقِفَ في وَسَطِ الجَمَاعَة. هَذهِ الحَركةُ هي رِسَالَةُ تَحَدّي مِنَ الْمَسيحِ لِلفِرّيسيّن. وقَدْ كَانَ يَعلَمُ أنَّ إجرَاءَهُ لِلشِّفَاء يَعني دُخولًا في مُوَاجَهَةٍ شَرسَةٍ مَع هَذهِ الزُّمرَةِ الْمُتَشَدِّدَة! وعَليه، إنْ أَرَدتَ أنْ تَكونَ تِلميذًا أَمينًا للمَسيح، عَليكَ أَنْ تَقبَلَ التَّحدِّيَات، وأن تخوضَ مُواجَهَاتٍ مَع الآخَرين أحيانًا! فَليسَ الكُلُّ يَقبلُ نهجَ الْمَسيح وتَعَاليمَ الْمَسيح وأَفكَارَ الْمَسيح. تمامًا كَمَا يَقولُ الحَكيمُ يَشوعُ بِنْ سيراخ: ﴿يا بُنيّ إنْ أَقبَلتَ لخدمَةِ الرّب، فَأعدِد نَفسَك لِلْمِحنَة﴾ (سي 1:2). لا تَكُنْ سَاذِجًا، فَهُنَاكَ دومًا مَنْ سَيَكرُهُ الخَيرَ الّذي تَصنَع، وسَتجِدُ دَومًا مَنْ يُسيءُ ويَفتَري، ويُراقِبُ ويَتَآَمَر. ومَعْ ذلك، مُتَمَثّلينَ بالرّبِّ يَسوعَ الْمَسيح، ومُتَمسِّكينَ بقولِ الرَّسولِ بولس إلى أهلِ غَلاطية: ﴿فَمَا دَامَت لَنَا الفُرصَةُ إذًا، فَلْنَصنعِ الخيرَ إلى جَميعِ النّاس﴾ (غلا 10:6). وأَيضًا بِقَولِه في الرِّسَالةِ إلى أهلِ رومة: ﴿اِكْرَهوا الشّرَّ والْزَموا الخير. لا تُبادِلوا أحدًا شَرًّا بِشَر. ولكن إذا جاعَ عدوُّكَ فأطعِمه، وإذا عَطِشَ فاسْقِه. لا تَدعِ الشّرَّ يَغلبُكَ، بل اغلبِ الشّرَّ بالخير﴾ (رو 9:12، 17، 20-21). |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|