العناية بإرميا:
11 وَأَوْصَى نَبُوخَذْرَاصَّرُ مَلِكُ بَابِلَ عَلَى إِرْمِيَا نَبُوزَرَادَانَ رَئِيسَ الشُّرَطِ قَائِلًا:
12 «خُذْهُ وَضَعْ عَيْنَيْكَ عَلَيْهِ،
وَلاَ تَفْعَلْ بِهِ شَيْئًا رَدِيئًا، بَلْ كَمَا يُكَلِّمُكَ هكَذَا افْعَلْ مَعَهُ».
13 فَأَرْسَلَ نَبُوزَرَادَانُ رَئِيسُ الشُّرَطِ وَنَبُوشَزْبَانُ رَئِيسُ الْخِصْيَانِ وَنَرْجَلُ شَرَاصَرُ رَئِيسُ الْمَجُوسِ وَكُلُّ رُؤَسَاءِ مَلِكِ بَابِلَ،
14 أَرْسَلُوا فَأَخَذُوا إِرْمِيَا مِنْ دَارِ السِّجْنِ
وَأَسْلَمُوهُ لِجَدَلْيَا بْنِ أَخِيقَامَ بْنِ شَافَانَ لِيَخْرُجَ بِهِ إِلَى الْبَيْتِ.
فَسَكَنَ بَيْنَ الشَّعْبِ. [11-14].
"رئيس الشُّرَط" لقب قديم وهو حرفيًا: رئيس السُّقَاة.
أطلق سراح نبي الله الآن وعومل باحترامٍ كبيرٍ، وقد كان القبض عليه عفويًا بسبب الجهل بشخصه، وقد عامله أهل ما بين النهرين البسطاء كرجل الله بنفس الاحترام الذي كانوا يقدمونه لأنبيائهم وعرَّافيهم في بابل.
يظهر من هذا الفصل أن ملك بابل فور فتح أورشليم اهتم بإرميا فأخرجه من السجن مكرمًا ليبقي مع الباقين في البلاد دون أن يُسبي. لكننا نرى في (إر 40: 61) أن الأمر كان عكس هذا، إذ قُيِّد إرميا بسلاسل وأرسل مع المسبيين حتى وصل إلى رامة قبل أن يُطلق سراحه. ولسنا ندري هل سمع ملك بابل عنه من قبل بواسطة اليهود الذين أسروا مع يهوياكين إلى بابل، أم أخبره عنه بعض اليهود المأسورين أخيرًا قائلين إن إرميا حث صدقيا الملك أن يخضع لبابل ويدفع الجزية مسلمًا نفسه لهم عوض الثورة ضدها، وأنه بسبب ذلك عاني الكثير وأُلقي في السجن. يرى البعض أن القصتين في (39، 40) متكاملتان، فإنه بالفعل أطلق سراح إرميا من السجن فور سقوط المدينة، لكنه اقتيد مع الرؤساء إلى رامة، وهناك أطلق سراحه وسُمح له أن يختار موضع سكنه كيفما يُريد.
يعلق القديس جيروم على توصية نبوخذنصَّر لنبوزرادان على إرميا قائلًا:
[تمتع إرميا بميزة عظمى لأنه عُين لبركة البتولية.
حينما سُبي الكل، حتى أُستولى على أوان الهيكل... هو وحده تحرر من العدو، ولم يعرف مذلة السبي، وكان المنتصرون سندًا له.
لم يوصِ نبوخذراصَّر نبوزرادان على قدس الأقداس بل على إرميا. لأنه هو هيكل الرب الحق، هو قدس الأقداس، التي تكرس للرب بالبتولية الطاهرة ].
يرى الأب غريغوريوس (الكبير) أن إرميا وحده هو الذي انعتق من العدو ولم يؤخذ إلى الأسر بإراداته. نبوخذنصر لم يهتم بالقدس والهيكل إنما اهتم بإرميا وحده، لأنه في عيني الله هو هيكل الرب الذي يحمل الرب في داخله.
يذكر لنا هذا الأصحاح أنه خلص من هذا الدمار ثلاثة:
أ. إرميا النبي الذي أوصى الملك بحسن معاملته.
ب. عبد الملك الغريب الجنس الذي وعده النبي بإنقاذه.
ج. القلة القليلة من الفقراء جدًا الذين أُعطيت لهم الحقول.
هؤلاء جميعًا يشيروا إلى الكنيسة التي تتمتع بالمراحم الإلهية: فإرميا يشير إلى القلة من اليهود الذين قبلوا نبوات العهد القديم وتعرفوا على السيد المسيح وآمنوا به؛ وعبد ملك يشير إلى الأمم الذين قدموا إلى السيد المسيح وتمتعوا بخلاصه؛ أما القلة القليلة الفقيرة فتحمل سمة الكنيسة: "القطيع الصغير" الذي يُسر الآب أن يعطيهم الملكوت" (لو 12: 32).