رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
عبد ملك الكوشي ينقذ إرميا: 7 فَلَمَّا سَمِعَ عَبْدَ مَلِكُ الْكُوشِيُّ، رَجُلٌ خَصِيٌّ، وَهُوَ فِي بَيْتِ الْمَلِكِ، أَنَّهُمْ جَعَلُوا إِرْمِيَا فِي الْجُبِّ، وَالْمَلِكُ جَالِسٌ فِي بَابِ بَنْيَامِينَ، 8 خَرَجَ عَبْدَ مَلِكُ مِنْ بَيْتِ الْمَلِكِ وَكَلَّمَ الْمَلِكَ قَائِلًا: 9 «يَا سَيِّدِي الْمَلِكَ، قَدْ أَسَاءَ هؤُلاَءِ الرِّجَالُ فِي كُلِّ مَا فَعَلُوا بِإِرْمِيَا النَّبِيِّ، الَّذِي طَرَحُوهُ فِي الْجُبِّ، فَإِنَّهُ يَمُوتُ فِي مَكَانِهِ بِسَبَبِ الْجُوعِ، لأَنَّهُ لَيْسَ بَعْدُ خُبْزٌ فِي الْمَدِينَةِ». 10 فَأَمَرَ الْمَلِكُ عَبْدَ مَلِكَ الْكُوشِيَّ قَائِلًا: «خُذْ مَعَكَ مِنْ هُنَا ثَلاَثِينَ رَجُلًا، وَأَطْلِعْ إِرْمِيَا مِنَ الْجُبِّ قَبْلَمَا يَمُوتُ». 11 فَأَخَذَ عَبْدَ مَلِكُ الرِّجَالَ مَعَهُ، وَدَخَلَ إِلَى بَيْتِ الْمَلِكِ، إِلَى أَسْفَلِ الْمَخْزَنِ، وَأَخَذَ مِنْ هُنَاكَ ثِيَابًا رِثَّةً وَمَلاَبِسَ بَالِيَةً وَدَلاَّهَا إِلَى إِرْمِيَا إِلَى الْجُبِّ بِحِبَال. 12 وَقَالَ عَبْدَ مَلِكُ الْكُوشِيُّ لإِرْمِيَا: «ضَعِ الثِّيَابَ الرِّثَّةِ وَالْمَلاَبِسَ الْبَالِيَةَ تَحْتَ إِبْطَيْكَ تَحْتَ الْحِبَالِ». فَفَعَلَ إِرْمِيَا كَذلِكَ. 13 فَجَذَبُوا إِرْمِيَا بِالْحِبَالِ وَأَطْلَعُوهُ مِنَ الْجُبِّ. فَأَقَامَ إِرْمِيَا فِي دَارِ السِّجْنِ. [7-13]. كان هدف الرؤساء قتل النبي دون سفك دمه، بتركه يتعذب ويموت ببطئ في الجب. ربما كان عبد ملك الكوشي خصيًّا، موظفًا في بيت نساء الملك، وربما كانت المخازن تحت يديه. ولعلَّ بعض النساء أشفقْن على إرميا النبي فاعتنين بأمره. الرجل الغريب الجنس لم يقبل أن يرى إرميا في الوحل، فذهب إلى الملك وتحدث معه بصراحة... قائلًا له حقًا قد يموت إرميا في الجب، لكن بسبب هذا تموت المدينة كلها من الجوع [9]. العجيب في شخص عبد ملك أنه اتسم بالآتي: أ. الشجاعة، فذهب إلى الملك وهو يعلم أن تكلفة هذا العمل هو هياج كل رجال الملك ضده، وربما تكون تكلفته حياته كلها. ب. الإيمان: إن مات إرميا في الجب جوعًا ستموت المدينة كلها جوعًا، فإن ما فعلته المدينة بنبي الله يرتد عليها. ج. تشغيل طاقات الآخرين لحساب ملكوت الله، فلم يعمل وحده بل أخذ ثلاثين رجلًا لرفع إرميا النبي بالحبال من الجب، مع أنه كان يمكن له وحده أو ربما معه شخص آخر أو أثنان للعمل، لكنه أراد أن يشرك الكثير في عمل الخير. د. كان عجيبًا في رقته وحنانه، فكان يكفي لإرميا في الجب أن ُتلقى إليه الحبال ليمسك بها فإنه كاد أن يموت، لكن عبد ملك دلى ثيابًا بالية لكي يضعها النبي تحت أبطيه حتى لا يتجرح جسمه أو يشعر بألم! أحيانًا نطلب خلاص الآخرين لكن بعنف، فنتحدث معه بكلمات جارحة. ليتنا في خدمتنا للغير الاَّ نجرح مشاعر أحد. إذ كان الوقت شتاءً لم يكن الجب مُحتملًا بسبب البرد القارس مع الوحل، مما يدفع بإرميا إلى الموت الأكيد! وُجد عبد ملك الغريب الجنس يعمل بحب لحساب ملكوت الله، ففي كل جيلٍ نجد حتى في قصور الملوك والرؤساء أناسًا يعملون لمجد الله! بلا شك أن أمانة هذا الخصي الغريب الجنس كان لها أثرها على الملك الذي وثق فيه، واستمع إلى مشورته، وأعطاه سلطانًا لتحقيق خطته، دون مبالاة بما قد يحدث من الرؤساء أصحاب السلطة الذين حملوا عداوة مُرّة ضد إرميا. بأمانته شهد للحق وواجه بشجاعة ما لم يستطع غيره أن يفعله! لعل عبد الملك هنا يشير إلى الأمم الذين يقبلون كلمة الله لخلاصهم فيشبعون من الخبز النازل من السماء، السيد المسيح؛ بينما أنزل بنو إسرائيل الكلمة النبوية إلى الجب ورفضوا المخلص وصاروا في مجاعة روحية. هذه كانت نبوة عن دخول الأمم إلى الإيمان، هؤلاء الذين رفضوا أن يدخل الناموس والأنبياء إلى وحل الحرف القاتل. نزول إرميا إلى الجب يشير إلى الإنسان الذي ينزل بكلمة الله إلى وحل هذا العالم، فيحول حتى الكلمة التي لخلاص نفسه وتمتعها بالسماويات إلى وسيلة لطلب الزمنيات. يقيم العلامة أوريجينوس مقارنة بين إرميا النبي الذي أُلقى في جب ملكي في دار السجن، حيث غاص في الوحل [6]، والقديس بطرس الذي صعد إلى السطح وهناك نظر رؤيا إلهية، فيقول بأن واجبنا كمؤمنين روحيين أن نصعد مع كلمة الله بالروح القدس لننال معرفة حقة ورؤى إلهية، ولا ندع كلمة الله أن تُلقى في الجب خلال أفكارنا الجسدانية وشهواتنا الشريرة. لقد أخذ عبد ملك ثلاثين رجلًا معه ورفعوا إرميا من الجب، بالقاء ثياب بالية إليه ليضعها تحت ابطيه مع الحبال [12]. من هو عبد ملك هذا إلا ربنا يسوع المسيح الذي صار عبدًا ليرفع أفكارنا وطبيعتنا من عمق الهاوية خلال الكنيسة (30 رجلًا) باتضاعه (الثياب البالية)؟! يليق بنا أن نقبل فقر ربنا يسوع المسيح لكي نُرفع إلى فوق ونرتدي الثياب السماوية الملوكية أبديًا. هكذا نجلس عن يمين الملك السماوي الذي نزل إلى الحفرة كي لا ننزل نحن إليها. يرى العلامة أوريجينوس أن هذه العبارات تطابق ما جاء في نشيد الأناشيد: "أنا سوداء وجميلة يا بنات أورشليم، كخيام قيدار كشقق سليمان" (نش 1: 5). * لست أظن أنه غير لائق أن نقول أن هذا الأجنبي الذي من جنس قاتم ignoble، الذي سحبه من جب الموت، هذا الذي ألقاه فيه رؤساء إسرائيل، يمثل شعب الأمم، الذين آمنوا بقيامة ذاك الذي مات، هذا الذي أسلمه هؤلاء الرؤساء للموت. بهذا الإيمان سحبوه مرة أخرى من الهاوية. بل أظن أن هذا الأثيوبي ُيقال عنه أنه الخِصْيْ، لأنه خَصَى نفسه لأجل ملكوت السموات، بل لأن فيه ذاك الذي بلا بذار للشر (مت 19: 12). هو أيضًا عبد الملك، لأن العبد الحكيم يحكم على سادة جهلاء، فإن كلمة "عبد ملك" تعني "عبدًا للملوك" (أم 17: 2). هذا هو سبب أن الرب الذي ترك شعب إسرائيل بسبب خطاياهم، يتحدث إلى الأثيوبي مخبرًا إيَّاه: "هأنذا جالب كلامي على هذه المدينة للشر لا للخير... ولكنني أنقذك في ذلك اليوم... فلا ُتسلَّم ليد الناس... بل إنما أنديك نجاة" (إر 39: 17-18). أما السبب الذي لأجله خلص، فهو أنه سحب النبي من الجب، أي أنه بإيمانه في قيامة المسيح من الأموات بطريقة عُبر عنها أنه سحبه من الجب. العلامة أوريجينوس لم يكن عبد الملك محتاجًا إلى ثلاثين رجلًا لرفع إرميا من الجب حتى ظن البعض أن الرقم الأصلي هو ثلاثة رجال، لكن بعض الدارسين يرون أنهم كانوا ثلاثين لا لرفعه وإنما لإنجاح مهمة عبد ملك، لئلا يحاول البعض من قبل بعض الرؤساء إفساد مهمته. إذ تصرف عبد ملك بلطفٍ لإنقاذ النبي من الموت، وعده النبي بالخلاص من الخراب المقبل على أورشليم (إر 39: 15-18). الله لا ينسى تعب المحبة من أجله ومن أجل خدامه، لذلك أنقذ عبد ملك الكوشي في يوم المدينة ولم يُسلم ليد أعدائه (إر 39: 15- 18). كان أجنبيًا عن رعوية إسرائيل حسب الجسد، لكنه ابن إبراهيم حسب الإيمان الحيّ العامل بالمحبة. وجد إرميا عطفًا من رجل غريب في وقت كاد أن يرفضه الكل! |
|