القبض على إرميا:
11 وَكَانَ لَمَّا أُصْعِدَ جَيْشُ الْكَلْدَانِيِّينَ عَنْ أُورُشَلِيمَ مِنْ وَجْهِ جَيْشِ فِرْعَوْنَ،
12 أَنَّ إِرْمِيَا خَرَجَ مِنْ أُورُشَلِيمَ لِيَنْطَلِقَ إِلَى أَرْضِ بَنْيَامِينَ لِيَنْسَابَ مِنْ هُنَاكَ فِي وَسْطِ الشَّعْبِ.
13 وَفِيمَا هُوَ فِي بَابِ بَنْيَامِينَ، إِذَا هُنَاكَ نَاظِرُ الْحُرَّاسِ، اسْمُهُ يَرْئِيَّا بْنُ شَلَمْيَا بْنُ حَنَنِيَّا،
فَقَبَضَ عَلَى إِرْمِيَا النَّبِيِّ قَائِلًا:
«إِنَّكَ تَقَعُ لِلْكَلْدَانِيِّينَ».
14 فَقَالَ إِرْمِيَا: «كَذِبٌ!
لاَ أَقَعُ لِلْكَلْدَانِيِّينَ».
وَلَمْ يَسْمَعْ لَهُ، فَقَبَضَ يَرْئِيَّا عَلَى إِرْمِيَا وَأَتَى بِهِ إِلَى الرُّؤَسَاءِ. [11-14].
تم القبض على إرميا في وقت كان فيه الحصار مرتبكًا، وكان هناك نوع من الحرية في الحركة داخل المدينة وخارجها.
إذ رُفع الحصار مؤقتًا عن أورشليم اندفعت الجماهير إلى الخارج كنوعٍ من التنفيس. خرجت أعداد بلا حصر لترى حقولها التي خربت ومراعيها التي اندثرت. وسط هذه الجماهير خرج إرميا ظانًا أن أحدًا لا يهتم بشأنه في ظروفٍ كهذه، خاصة وأنه مختفٍ وسط أعداد بلا حصر.
يقع باب بنيامين [13] في الجانب الشمالي من أورشليم، كان مؤديًا إلى أرض بنيامين، خرج منه يبحث عن الأرض التي اشتراها من حمنئيل، لكن أُسيء فهم نواياه، وتم القبض عليه في شك أنه ذاهب إلى العدو. ويرى البعض أنه إذ رأى الحصار قد نُزع مؤقتًا اراد إرميا أن يخرج من أورشليم إلى عناثوث اشتياقًا إلى الراحة بعد حياة شاقة للغاية مملوءة أحزانًا. أو لعله شعر أن مجهوداته قد فشلت في أورشليم، لم يسمع له أحد لهذا أراد الخروج منها. يبدو أن هذا التصرف كان من عندياته بدون استشارة الرب، مما سبب له متاعب أكثر. كان لا بُد أن يسأل الرب في كل تحركاته.
يقدم لنا B. Duhm صورة حية عن الموقف فيقول إنه من ناحية كان الملك يُعامله بطريقة غير لائقة، حيث وُضع في الجب، مع أنه لم يبالغ في أحاديثه ولم يكن متهورًا، بل كان إنسانًا بسيطًا متضعًا ورقيقًأ، ومن ناحية أخرى كان الملك يقوده رجاله العاملون معه بغير إرادته إلى مغامرة خطيرة. حقًا كان الملك يترقب كلمة تصدر من شفتي النبي، يسمعها في الخفاء لإرضاء ضميره، لكنه كان ضعيفًا وليس شريرًا؛ كان مقيدًا أكثر بكثير من قيود النبي الواقف أمامه.
لماذا وُضع في سجن بيت يوناثان؟ ربما كانت السجون الأخرى مكتظة بالمسجونين، أو لأنهم رأوا أن شخصية إرميا خطيرة للغاية حتى علم أفكار المسجونين أنفسهم من جهة الفكر السياسي، لذا رأوا ضرورة عزله حتى عن المساجين في هذا السجن ضمانًا لعدم التقائه بأحدٍ.
واضح أن الاهتمام الذي وُجه إلى إرميا كان باطلًا، لأن الكلدانيين كانوا قد فارقوا أورشليم، وكانوا مشغولين في الدخول في معركة مع فرعون. هذا وقد وُضع في السجن دون محاكمة طبيعية.