"وَقَالَ:«إِنْسَانٌ كَانَ لَهُ ابْنَانِ. فَقَالَ أَصْغَرُهُمَا لأَبِيهِ: يَا أَبِي أَعْطِنِي الْقِسْمَ الَّذِي يُصِيبُنِي مِنَ الْمَالِ. فَقَسَمَ لَهُمَا مَعِيشَتَهُ. وَبَعْدَ أَيَّامٍ لَيْسَتْ بِكَثِيرَةٍ جَمَعَ الابْنُ الأَصْغَرُ كُلَّ شَيْءٍ وَسَافَرَ إِلَى كُورَةٍ بَعِيدَةٍ، وَهُنَاكَ بَذَّرَ مَالَهُ بِعَيْشٍ مُسْرِفٍ. فَلَمَّا أَنْفَقَ كُلَّ شَيْءٍ، حَدَثَ جُوعٌ شَدِيدٌ فِي تِلْكَ الْكُورَةِ، فَابْتَدَأَ يَحْتَاجُ. فَمَضَى وَالْتَصَقَ بِوَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ تِلْكَ الْكُورَةِ، فَأَرْسَلَهُ إِلَى حُقُولِهِ لِيَرْعَى خَنَازِيرَ. وَكَانَ يَشْتَهِي أَنْ يَمْلأَ بَطْنَهُ مِنَ الْخُرْنُوبِ الَّذِي كَانَتِ الْخَنَازِيرُ تَأْكُلُهُ، فَلَمْ يُعْطِهِ أَحَدٌ. فَرَجَعَ إِلَى نَفْسِهِ وَقَالَ: كَمْ مِنْ أَجِيرٍ لأَبِي يَفْضُلُ عَنْهُ الْخُبْزُ وَأَنَا أَهْلِكُ جُوعًا! أَقُومُ وَأَذْهَبُ إِلَى أَبِي" لو 11:15-18.
عندما فكرت في طلب الإبن الأصغر للحظة فهمت أن طلبه إنما هو في الحقيقة طلب بموت الأب! أن يطالب إبن بميراثه في حياة أبيه هو ضمنياً طلب بوفاة الأب! إذا حدث هذا مع أي أب فسنجده يفعل ما نراه في المسلسلات التليفزيونية و "يحرم الإبن من الميراث و يعلن غضبه عليه إلى يوم القيامة"!
و لكن ليس هذا ما حدث في مثل التوبة بل نرى الأب يُخفي مشاعره بالألم و يرضخ لطلب الإبن! و لكن الغريب هو أنه على الرغم من الألم الدفين الذي شعر به الأب إلا أنه لم يطالب الإبن بأن يترك المنزل بعد أن أخذ ميراثه بل تركه في البيت!
قد تقول أن الأب صبر على الإبن و لم يطرده أو يُعاقبه أملاً منه في أن يجعله هذا يُعيد التفكير و يعدل عن فكره الخاطئ. و لكن الأغرب هو أن الإبن ترك المنزل بالفعل و "وَسَافَرَ إِلَى كُورَةٍ بَعِيدَةٍ" و مع ذلك لا نجد الأب يستأجر رجالاً ليتبعوا الإبن و يلقنوه درساً و لا حتى نراه يلعنه أو يندم على وجوده! بل كل ما يذكره لنا الكتاب أنه بعد فترة حينما بدأ الإبن في الرجوع "وَإِذْ كَانَ لَمْ يَزَلْ بَعِيدًا رَآهُ أَبُوهُ" مما يُعطي الإيحاء أن الأب كان ينتظر الإبن كل هذا الوقت! هذا هو إلهنا!