منتدى الفرح المسيحى  


العودة  

الملاحظات

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  رقم المشاركة : ( 1 )  
قديم 16 - 10 - 2023, 08:01 AM
الصورة الرمزية Mary Naeem
 
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو
  Mary Naeem متواجد حالياً  
الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,273,133

مَثَل الكرَّامين القَتَلة وخِيَانة المَسْؤوليَّة




مَثَل الكرَّامين القَتَلة وخِيَانة المَسْؤوليَّة
(متى 21: 33 -44)


النص الإنجيلي (متى 21: 33 -43)




3 ((إِسمَعوا مَثَلاً آخَر: غَرَسَ رَبُّ بَيتٍ كَرْماً فَسيَّجَه، وحفَرَ فيه مَعصَرَةً وبَنى بُرجاً، وآجَرَه بَعضَ الكرَّامين ثُمَّ سافَر. 34 فلمَّا حانَ وَقتُ الثَّمَر، أَرسَلَ خَدمَه إلى الكَرَّامينَ، لِيَأخُذوا ثَمَرَه. 35 فأَمسَكَ الكرَّامونَ خَدَمَه فضرَبُّوا أَحدَهم، وقتَلوا غيرَه ورَجَموا الآخَر. 36 فأَرسَلَ أَيضاً خَدَماً آخَرينَ أَكثرَ عَدداً مِنَ الأَوَّلينَ، ففَعلوا بِهِم مِثلَ ذلِك. 37 فأَرسَلَ إِليهِمِ ابنَه آخِرَ الأَمرِ وقال: ((سيَهابونَ، ابْني)). 38 فلَمَّا رَأَى الكرَّامونَ الابنَ، قالَ بَعضُهم لِبَعض: ((هُوَذا الوارِث، هَلُمَّ نَقتُلْهُ، ونَأخُذْ مِيراثَه)). 39 فأَمسَكوهُ وأَلقَوهُ في خارِجِ الكَرْم وقتَلوه. 40 فماذا يَفعَلُ رَبُّ الكَرْم بِأُولئِكَ الكَرَّامينَ عِندَ عَودَتِه؟)) 41 قالوا له: ((يُهلِكُ هؤُلاءِ الأَشرارَ شَرَّ هَلاك، ويُؤجِرُ الكَرْم كَرَّامينَ آخَرينَ يُؤَدُّونَ إِليهِ الثَّمَرَ في وَقْتِه)). 42 قالَ لَهم يسوع: ((أَما قَرأتُم قَطُّ في الكُتُب: ((الحَجَرُ الَّذي رذَلَهُ البنَّاؤُونَ هو الَّذي صارَ رَأسَ الزَّاوِيَة. من عِندِ الرَبُّ كانَ ذلك وهو عَجَبٌ في أَعيُنِنا)). 43 لِذلكَ أَقولُ لَكم: ((إِنَّ مَلكوتَ اللهِ سَيُنزَعُ مِنْكُم، ويُعطى لأُمَّةٍ تُثمِرُ ثَمرَه. 44 مَن وَقَعَ على هذا الحَجَرِ تَهَشَّم، ومَن وَقَعَ عَلَيه هذا الحَجَرُ حَطَّمَه)).





المقدمة



يُسلط إنجيل هذا الأحد الأضواء على مَثَل الكَرَّامين القتلة (متى 21: 33 -43) حيث يُوضح مَسْؤوليَّة اليهود الجَسيمة في عدم الأمانة للعهد وللوعد وخيانتهم لمَسْؤوليَّتهم، وذلك برفض يسوع المسيح المُرسَل من قِبَل الله، وبالتالي فقدان مسؤوليتهم في قيادة شعب الله، وبالتَّالي دينونتهم. ومن هنا تكمن أهمية البحث في وقائع النص الإنجيلي وتطبيقاته.





أولا: وقائع النص الإنجيلي (متى 21: 33 -43)



33 "إِسمَعوا مثلاً آخَر: غَرَس رَبُّ بيت كَرْماً فسيّجه، وحفَرَ فيه مَعصَرَةً وبَنى بُرجاً، وآجَرَه بَعضَ الكرَّامين ثُمَّ سافَر".



تشير عبارة "إِسمَعوا مثلاً آخَر" إلى مثَلَ يتحدّث بشكل رمزي عن مقتل الابن، إذ أراد الفِرِّيسيُّون الانصراف عن المسيح فلم يسمح لهم بذلك قبل أن يُسمعهم كلام التوبيخ والإنذار مُبيِّنا لهم من خلال المَثَل العِقاب الذي سيجلبونه على أنفسهم بعصيانهم وقتلهم له. استوحي يسوع مثله هذا من نشيد الكرم في (أشعيا 5: 1-7). أمَّا عبارة " إِسمَعوا" فتشير إلى الكلمة ردَّدها يسوع وسبق وكرَّرها قبله، مرات عديدة، موسى وأشعيا والأنبياء، وهي دعوة للشعب لكي يُصغي بانتباه إلى كلام الرب ويقبله في قلبه فيدخل في علاقة عهد معه، ويحقق مشيئة الرب في حياته. أمَّا عبارة "غَرَس" فتشير إلى محبة رَبُّ البَيْت لكَرْمه وعنايته الفائقة واهتمامه المتواصل به، كما ورد في سفر أشعيا ": "كانَ لِحَبيبي كَرْمٌ في رابِيَةٍ خَصيبة وقد قَلَّبَه وحَصَّاه وغَرَسَ فيه أَفضَلَ كَرمِه وبَنى بُرجاً في وَسَطِه وحَفرَ فيه مَعصَرَةً وآنتَظَرَ أَن يُثمِرَ عِنباً فأَثمَرَ حِصرِماً بَرِّيّاً" (أشعيا 5: 2). يا لها من خَيْبة أمل، ويُعلق القدّيس ايرينيوس اللِّيونيّ " لقد غَرَس الله كَرْمة الجنس البشري حين جبل آدم من تُراب (تكوين 2: 7)، وحين اختار الآباء من بعده " (ضد الهرطقات، الفصل 4). أمَّا عبارة "رَبُّ بَيت" في الأصل اليوناني Ἄνθρωπος ἦν οἰκοδεσπότης (معناها كان إنسان رَبُّ بيت) فتشير إلى الله تعالى، وقد سُمّيَ إنساناً نظراً لمحبته للبشر. وأنَّه رجل غيور، يحُب كَرْمه، ويتوقع أن يُعطيه غِلَّة وافرة؛ ودُعي رَبُّ بيت لأنَّه، كما رَبُّ البَيْت يعتني بأهل بيته كذلك يعتني هو بخليقته. أمَّا عبارة "الكَرْم " فتشير إلى رمز مأخوذٍ من أشعيا حيث يقول إنَّ إسرائيل كَرم الله " إَنَّ كَرْمَ رَبِّ القواتِ هو بَيتُ إِسْرائيل وأُناسُ يَهوذا هم غَرْسُ نَعيمِه"(أشعيا 5: 7). وصورة الكَرْم أو الكَرْمة كثيرًا ما وردت في كتب العهد القديم للدلالة على إسرائيل كشعب لله. يترنَّم صاحب المزامير بقوله " مِن مِصرَ اقتَلَعتَ كَرمَةً ولتَغرِسَها طَرَدتَ أمَمًا مَهَّدتَ لَها فأَصَّلَت أُصولَها ومَلأَتِ الأَرض " (مزمور 80: 9-10)؛ وإن هوشع هو أول من وصف بني إسرائيل بالكَرْمة التي اختارها الله ثم نَبَذها (هوشع 10: 1) وتبعه ارميا (2: 21) وحزقيال (15: 1-8) وثم أشعيا (5: 2)؛ وأخيرًا في العهد الجديد نجد المَثَل في إنجيل لوقا "غَرَسَ رَجُلٌ كَرْماً فآجَرَه بَعضَ الكَرَّامين وسافَر مُدَّةً طَويلة" (لوقا 20: 9). ويسوع ينقل هذا الموضوع إلى مثل الكرَّامين القتلة ويضعه في صيغة تطبيقية جديدة. فالكَرْم يُشير أيضًا إلى مَلكوت الله على الأرض، أي الكنيسة؛ دعا الله أولاً إبراهيم من بين النَّهرين وأبتدأ تأسيس الكنيسة في عائلته، ثم أتى بنسله من مصر واسكنه ارض كنعان وفرض لهم رموزًا امتازوا بها عن سائر الأمم. وفعل ذلك كله ليجعله شعبًا مقدسًا مثمرًا في كل عمل صالح. أمَّا عبارة "فسيّجه وحفَرَ وبَنى" فتشير إلى فعل كل ما يحق أن ينتظر من أصحاب الكروم ليكون ذلك الكَرْم مُخصبًا محفوظًا حتى صحّت نبوءة أشعيا فيه " أَيّ شَيءٍ يُصنَعُ لِلكَرْمِ ولَم أَصنَعْه لِكَرْمي؟ " (أشعيا 5: 4)، وفي ذلك طبَّقه بولس الرَّسول على بني إسرائيل " أُولئِكَ الَّذينَ هم بَنو إِسرائيل ولَهُمُ التَّبَنِّي والمَجْدُ والعُهود والتَّشريعُ والعِبادَةُ والمَواعِدُ" (رومة 9: 4). أمَّا عبارة "فسيّجه" فتشير إلى سور من شَوك، أو حائط للوَقاية والحِماية من هجمات الوحوش البرية (مزمور 80: 12-13)، فالسِّياج يرمز إلى العناية الإلهية واهتمام الله بشعبه ورعايته له، يرمز السياج أيضا إلى الشريعة التي كانت تسور حول شعب الله وتَردعهم عن الخطايا، يعلق القدّيس ايرينيوس اللِّيونيّ بصورة مختلفة يقول: " لقد أقام حوله سياجًا أي أنّه حدّد لهم الأرض التّي عليهم العمل فيها" (ضد الهرطقات، الفصل 4). أمَّا عبارة "المَعْصَرَة" فتشير إلى مكان استخراج العصير من الكَرْمة، وذلك من خلال حوضٍ الدَّوْس وجُرن جمع العصير وجرن العصير وجرن صغير للجِرار؛ فجُرن الدَّوس هو مسطبةٌ منحوتةٌ في الصَّخرِ تميلُ قليلاً باتِّجاه جُرنِ جمعِ العصير. على هذا الحوضِ كانتْ تُوضَعُ عناقيدُ العِنَبِ، وعليها كانَ يُداسُ بالأَرْجُلِ مِن أَجلِ عَصْرِها. وجُرْنُ جمعِ العصيرِ هو جُرنٌ منحوتٌ في الصَّخرِ، كان يجري العصيرُ إِليهِ مِن حوضِ الدَّوْسِ الذي يميلُ بِعَدَدٍ قليلٍ مِنَ الدَّرجاتِ نحوَ ذلكَ الجُرْنِ، مِن أَجل تسهيلِ جَرَيَانِ العصيرِ إِليهِ، وفي جُرنُ خزنِ العصيرِ كانَ يُخْزَنُ عصيرُ العَنَبِ ريثما كانَت تُمْلأُ بِهِ الجِرَارُ، وشكلُ هذا الجُرْنِ دائِريٌّ تقريبًا، والجُرنٌ الصغيرٌ لِلْجِرَارِ هو حُفرةٌ صغيرةٌ دائِريَّةٌ تقريبًا منحوتةٌ في الصَّخرِ بِها كانتْ تُوضعُ وتُثَبَّتُ الجِرَارُ التي كانتْ تُمْلأُ بِالعصيرِ. وهذه المَعْصَرَة لا تزال ظاهرة في كثير من أراضينا في فلسطين؛ وأمَّا عبارة "البُرج" فتشير إلى مظلة من الخشب على منصة عالية للحارس، وقد تكون مبنيَّة من حجارة وتدعى في فلسطين "قصر"، وهي بمثابة عِليّة داخل الكروم أو البساتين لأجل الراحة أو لتكون ملجأ للناطور أو (الحارس) (2 مكابيين 26: 10) يأوي إليها إذا هطلت الأمطار، وتستخدم لمراقبة الكَرْم وإبعاد عابري السَّبيل عنه وحماية العِنَب في مواسمها، وكان النَّاس يقضون أشهر الصَّيف فيها. وكان علو هذه الأبراج أحياناً ثمانية عشر مترا وعرضها ثلاثة أمتار. والبُرج هنا يرمز إلى الهيكل الذي كان يصون الشَّعب، كما يصون البُرج الكَرْم، ويعلق القدّيس ايرينيوس اللِّيونيّ " بنى فيه بُرجا أي إنّه اختار أورشليم؛ وحفر فيه مَعْصَرَة أي إنّه حضّر أولئك الّذين سينالون روحًا نبويّة "(ضد الهرطقات، الفصل 4). وكل هذه الإجراءات هي أجزاء ضرورية في المَثَل تُظهر عناية صاحب الكَرْم الشَّديدة ومحبَّته لكَرْمه. أمَّا عبارة "آجَرَه " فتشير إلى عادة أصحاب الحقول والكروم أن يسلِّموها إلى العمال بشرط أن يؤدِّي أولئك العمال أربابها جزءاً من الغِلَّة. وعلى هذا المنوال سَلم الله بعض المسؤوليات للإنسان، إذ فوّض الله إليه امر الكَرْم، أي مَلكوت الله على الأرض، كما فوّض إليه منذ بدء الخليقة العمل في العَالَم: "اِنْموا واَكْثُروا وأمْلأُوا الأَرضَ وأَخضِعوها وَتَسَلَّطوا على أَسْماكِ البَحرِ وطُيورِ السَّماءِ وَكُلِّ حَيَوانٍ يَدِبُّ على الأَرض" (التكوين 1: 28)؛ أمَّا عبارة "بَعضَ الكرَّامين" فتشير إلى مِهنة الكرام التي تمتاز عن مهنة الفلاح (2 ملوك 25: 12). وتدل العبارة هنا على المسؤولين عن شعب إسرائيل خاصة قادتهم الدِّينيِّين من رؤساء الكهنة والكتبة والشُّيوخ (مرقس 11: 21). ويعلق القدّيس ايرينيوس اللِّيونيّ " سلّم كرمه إلى عناية الكرّامين عندما أعطى الشريعة الّتي نشرها النبيّ موسى"(ضد الهرطقات، الفصل 4). أمَّا عبارة "سافَر" فتشير إلى تنقُّلِ مِنْ بَلَدِهِ، وهي تدل على علاقته بالكّرامين كعلاقة من هو مسافَر عنهم في رحلة بعيدة ليس ابتعادًا، وإنَّما إعطاء الكرَّامين فرصة الحرية في العمل والإبداع بسبب ثقته بهم. وفي الواقع، كان مهتمّا بكرْمه، ويشغِل ذهنه به. ويرمز حضور رَبُّ الكَرْم وسفره إلى وجود الله واحتجابه، كما كان الحال في مسيرة الشَّعب في صَحراء سيناء حيث ظهر الله للشَّعب أربعين سنة بعلامات مختلفة (عمود سحاب والنار والمن) ولكن بعد إقامتهم بأرض كنعان احتجب عنهم. تكشف هذه الآية حُب واهتمام رَبُّ البَيْت واعتناءه بكَرْمه وتسليمه للعمّال جاهزًا. أنه عمل كل ما يُمكن عمله من أجل أن يُعطي كَرْمه ثمارًا. وكان ينتظر هذه الثمار بفارغ الصَّبر.



34 "فلمَّا حانَ وَقتُ الثَّمَر، أَرسَلَ خَدمَه إلى الكَرَّامينَ، لِيَأخُذوا ثَمَرَه"



تشير عبارة "فلمَّا حانَ وَقتُ الثَّمَر" إلى وقت معيَّن في كل سنة لقَطْف ثِمَار الكَرْم، إذ هناك اتفاق سابق بين صاحب الكَرْم والكَرَّامينَ الذين يتوجب عليهم أن يؤدُّوا الثَمَر في حينه. كذلك لله حقٌ أن يسأل شعبه ثِمَار الشُّكر والطَّاعة والعِبادة والمحبَّة في كل حين، كما أشار يسوع في مَثَل التِّينة التي لا تُثمر " فقالَ لِلكَرَّام: ((ِإنِّي آتي مُنذُ ثَلاثِ سَنَواتٍ إلى التِّينَةِ هذه أَطُلبُ ثَمَراً علَيها فلا أَجِد، فَاقطَعْها! لِماذا تُعَطِّلُ الأَرض؟" (لوقا 13: 7). أمَّا عبارة " أَرسَلَ خَدمَه إلى الكَرَّامينَ " فتشير إلى الكَرَّامينَ الذين امتنعوا عن تزويد رَبُّ البَيْت بأيِّ خبرٍ عن الكَرْم، لهذا أرسل لهم رَبُّ البَيْت رُسُلاً من قِبْله كي يأتوه بالثِّمار؛ وهم يمثلون الأنبياء الذين أرسلهم تباعاً لكي يُبقي العلاقة بينه وبينهم، ويعلق القدّيس ايرينيوس اللِّيونيّ " أرسل لهم الأنبياء قبل سبي بابل وأكثر منهم من بعد السبي لكي يطالبهم بالثِّمَار"(ضد الهرطقات، الفصل 4). أمَّا عبارة " خَدمَه " فتشير إلى أنبياء العهد القديم الذين انتهوا في يوحنا المعمدان حيث أرسلهم الله لإحياء الإيمان في وعوده لمجيء المسيح المُخلص؛ وانتظروا كلهم أن يجدوا ثَمر التَّوبة والبِّر، كما جاء في عظة يوحنا المعمدان "فأَثمِروا إِذاً ثَمَراً يَدُلُّ على تَوبَتِكم"(لوقا 3: 8). أمَّا عبارة "لِيَأخُذوا ثَمَرَه " فتشير إلى تأدية حساب ثَمَر الكَرْم، وإنجيل مرقس يركز على جزء منه فقط الذي هو نصيبه: " لَمَّا حانَ وقتُ الثَّمَر، أَرسلَ خادِماً إلى الكَرَّامين، لِيأخُذَ مِنهُم نَصيبَه مِن ثَمَرِ الكَرْم" (مرقس 12: 2)، وهكذا تظهر الأمانة للعهد (متى 21: 41-43). فلم يسأل الله النَّاس أكثر مما يحق له أن يطلبه فيطلب ثِمَار البِّر على قدر ما يُعطيهم من النِّعم وفرص التوبة والبَركات الرُّوحية. هل نسمح لرُسل الرَّبّ أن يحصلوا منا على ثِمَار كَرْمه؟



35 "فأَمسَكَ الكرَّامونَ خَدَمَه فضرَبوا أَحدَهم، وقتَلوا غيرَه ورَجَموا الآخَر"



تشير عبارة "أَمسَكَ الكرَّامونَ خَدَمَه" إلى كَرَّامينَ أشرّار وعصاة وقساة القلوب الذين رفضوا وجود علاقة مع صاحب الكَرْم، وذلك برفضهمَ خَدَمَه، إذ اعتبروا أنفسهم أصحاب الكَرْم، ولم يُصغوا للكلمة، كما قال فيهم أشعيا النبي "يا رَبُّ مَنِ الَّذي آمَنَ بِما سَمِعَ مِنَّا" (أشعيا 53: 1). وهؤلاء يرمزون إلى قادة اليهود الدِّينيِّين، وبهذا يصف المَثَل اضطهاد الأنبياء ورفضهم من قبل قادة الأمَّة الدِّينيِّين. أمَّا عبارة "خَدَمَه" فتشير إلى الأنبياء الذين أرسلهم الله في ازمه مختلفة ليدعوا النَّاس إلى الله الواحد. أمَّا عبارة "ضرَبوا، قتَلوا، رَجَموا" فتشير إلى تطبيق كلام يسوع على عمل اليهود بالأنبياء في درجة أولى: "أورَشَليم أُورَشَليم، يا قاتِلَةَ الأَنبياءِ وراجِمةَ المُرسَلينَ إِليها! " (لوقا 13: 24) وردت هذه النبوءة على لسان ارميا النبي "وقَد أَرسَلتُ إِلَيكم جَميعَ عَبيدِيَ الأَنبِياء بِلا مَلَلٍ قائِلاً: لا تَصنَعوا قَبيحَةً مِثلَ هذه، فإِنِّي أَمقُتُها" (ارميا 44: 4). أمَّا عبارة "فضرَبوا" فتشير إلى معاملة الذين جُلدوا الرُّسل (أعمال الرسل 5: 40)؛ وأمَّا عبارة "قتَلوا" فتشير إلى الذين قتلوا زكريا بين الهيكل والمذبح (متى 23:35 وأيام الثاني 24:2) والذين قتلوا يعقوب الرَّسول (أعمال الرسل 12: 2)؛ وأمَّا عبارة "رَجَموا الآخَر" فتشير إلى الذين رجموا إرميا النبي في مصر ورجموا إسطفانس في اورشليم (أعمال الرسل 7: 85-95)، كما تذكرنا هذه الآية ما ورد في رسالة العبرانيين "رُجِموا ونُشِروا وماتوا قَتْلاً بِالسَّيف وهاموا على وُجوهِهِم" (العبرانيين 11: 37). ونجد هنا العُنف كنتيجة للرَّفض. ويستمر هذا الرَّفض والتنكُّر حتى يومنا هذا.



36 "فأَرسَلَ أَيضاً خَدَماً آخَرينَ أَكثرَ عَدداً مِنَ الأَوَّلينَ، ففَعلوا بِهِم مِثلَ ذلِك".



تشير عبارة "خَدَماً آخَرينَ" إلى إرسال رَبُّ البَيْت خَدَماً أمناء لطلب المَحصول من العِنْب والفاكهة من مخازن كرْمه. وهؤلاء يُمثِّلون هنا جماعة الرُّسل والمُبشِّرون بالوصايا الإنجيلية وخّدَم العهد الجديد. أمَّا عبارة "ففَعلوا بِهِم مِثلَ ذلِك" فتشير إلى رفضهم أن يُسلّموا الخَدَم الّذين أُرسلهم صاحب الكَرْم كي يأخذوا ما يحقّ له من المحصول، لا بل عاملوهم بعنف إمّا بالضَّرب أو القتل أو الرَّجم. كذلك أرسل الرَّبّ أنبياء كثيرين حتى أيام يوحنا المعمدان وقد أصابهم ما أصاب سوابقهم. وأرسل صاحب الكَرْم خدمه على مراحل ثلاث مختلفة.



37 "فأَرسَلَ إِليهِمِ ابنَه آخِرَ الأَمرِ وقال: سيَهابونَ، ابْني".



تشير عبارة "فأَرسَلَ إِليهِمِ ابنَه آخِرَ الأَمرِ" إلى إرسال رَبُّ الكَرْم ابنه الذي كان نهاية الوسائط، إذ رأى أنَّ لا جدوى من إرسال خَدَمة آخرين، كذلك الله إذ لم يجد جدوى في إرسال أنبياء آخرين، لانَّ اليهود اضطهدوا الأنبياء الأوَّلين وقتلوهم، فأرسل أخيرًا ابنه الحبيب مع الأمل أن يقبلوه بإكرام كما يقبلون الآب " فإِنَّ اللهَ أَحبَّ العَالَم حتَّى إِنَّه جادَ بِابنِه الوَحيد لِكَي لا يَهلِكَ كُلُّ مَن يُؤمِنُ بِه بل تكونَ له الحياةُ الأَبدِيَّة ” (يوحنا 3: 16). أمَّا عبارة "ابنَه" فتشير إلى ابن رَبُّ البَيْت، صاحب الكَرْم، والابن غير الأجير. أهمية الابن أن لديه كَرامة الأب، وهو صاحب الميراث وان كل السلطة ستؤول إليِّه. وهذا الابن يُمثل هنا يسوع المسيح، الابن الوحيد المحبوب والوارث الذي له كل سلطان، كما جاء في إنجيل مرقس "بَقِيَ عِندَه واحِدٌ وهو ابنُه الحَبيب" (مرقس 12: 6). أرسل الله الابن كواحد بين الخَدَم كي يدعو الذين يؤمنون به إلى شركة في مملكته فيكون مالكًا معهم، كما جاء في إنجيل يوحنا "ظَهَرَت مَحبَّةُ اللهِ بَينَنا بان أَرسَلَ ابنَه الوَحيدَ إلى العَالَم لِنَحْيا بِه" (1 يوحنا4: 9). إنّه يُضحِّي بأغلى تمن ما لديه، كما ورد في الإنجيل "فإِنَّ اللهَ أَحبَّ العَالَم حتَّى إِنَّه جادَ بِابنِه الوَحيد" (يوحنا 3: 16). لا حدَّ لمحبِّة الله للإنسان. أمَّا هؤلاء فقد أرادوا نوال المملكة بمفردهم دونه مُغتصبين لأنفسهم الميراث. أمَّا عبارة "سيَهابونَ، ابْني" فتشير إلى ثقة صاحب الكَرْم بالكَرَّامينَ والوسيط الجديد التي يقدّمه للكَرَّامينَ وعدم فقدان الأمل بحيث يهاب الكرَّامون أن يعاملوا الابن، كما عاملوا الخَدَم فيسمعون له ويُطيعونه كما يليق بشرفه ومقامه. فالمسيح اثبت في كل ذلك أفضليته على كل الأنبياء في كل عصر. والله يعلم منذ الأزل كيف يعامل النَّاس ابنه وبالرَّغم ذلك أرسله فكان عليهم أن يستقبلوا ابنه بكل احترام الذي كان واجباً أن يقدموه له. فإنه كان واجباً على لدى سماعهم تعليمه ومشاهدتهم عجائبه أن يؤمنوا به ويحترموه. لكنهم لم يظهروا أي شيء من هذا القبيل، بل قتلوه لذلك لم يبقى لهم عذر. وهنا يظهر البعد المسيحاني للمَثَل.



38 "فلَمَّا رَأَى الكرَّامونَ الابنَ، قالَ بَعضُهم لِبَعض: هُوَذا الوارِث، هَلُمَّ نَقتُلْهُ، ونَأخُذْ مِيراثَه.



تشير عبارة "فلَمَّا رَأَى الكرَّامونَ الابنَ، قالَ بَعضُهم لِبَعض" إلى تآمر الكَرَّامينَ على الابن عندما رأوه خِلافا لِمَا توقَّعه رَبُّ الكَرْم منهم. وفعلوا ذلك إمَّا لأنَّهم لم يخافوا رجوع رَبُّ الكَرْم، وإمَّا لأنَّهم أغمضوا بصائرهم عن النظر في عاقبة شرَّهم. كذلك تآمر اليهود على قتل يسوع إذ رفضوه مسيحًا وملكًا لهم، وعرَّضوا أنفسهم للعواقب نتيجة أفعالهم الهائلة. ثم تشاور اليهود لقتل يسوع المسيح، كما ورد في إنجيل يوحنا "عقَدَ عُظَمَاءُ الكَهَنَةِ والفِرِّيسيُّونَ مَجلِساً وقالوا: ((ماذا نَعمَل؟ فإِنَّ هذا الرَّجُلَ يَأتي بِآياتٍ كثيرة... فعَزَموا مُنذُ ذلك اليَومِ على قَتْلِه" (يوحنا 11: 47، 53). أمَّا عبارة "هُوَذا الوارِث" فتشير إلى إدراك خطورة ما فعل الكرَّامون، إنَّهم لم يقتلوه صُدفة، بل بحرِّية ورِضى ومعرفة انه الوارث، فبعد أن عارض الرُّؤساء اليهود الأنبياء، مرسلي الله، لم يبقَ لهم سوى أن يقتلوا الابن، يسوع المسيح. وأكَّدت الرسالة إلى العبرانيين أن هذا الابن هو وارث "كَلَّمَنا الله في آخِرِ الأَيَّام هذِه بِابْنٍ جَعَلَه وارِثًا لِكُلِّ شيء وبِه أَنشَأَ العَالَمين" (العبرانيين 1: 2)؛ أمّا عبارة "نَقتُلْهُ، ونَأخُذْ مِيراثَه" فتشير إلى طمع العمّال واستغلالهم طِيبة رَبُّ الكَرْم وثِقته. إذ توهَّموا أنّهم أصحاب الكَرْم ويريدون التحكّم بالابن وسيأخذون ميراثه من خلال قتل الوريث الشَّرعي، فيتمكنوا من أن يصبحوا الورثة، دون أن يكونوا أبناء. كذلك راي عُظَمَاءُ الكَهَنَةِ والفِرِّيسيُّونَ أنَّ لا طريق لحفظ سلطانهم على الشَّعب إلاَّ بقتل المسيح لان دعوى المسيح تبطل دعواهم، كما جاء في تصريحهم:" فإذا تَركْناهُ وشَأنَه آمَنوا بِه جَميعاً، فيأتي الرُّومانِيُّونَ فيُدَمِّرونَ حَرَمَنا واُمَّتَنا" (يوحنا 11: 48)؛ وتدل هذه الأحداث على ما حصل مع يسوع، إذ اخرجوا يسوع من الكَرْم، أي خارج اورشليم، وقتلوه. وعملوا به ما أرادوا. ولكن هذا الابن يُقتل يقوم. نعيش حياتنا أحيانا متوهمين أنها ملكية خاصة وأبدية، وأنَّنا المرجع الوحيد لوجودنا، ومن هذا المنطلق، نبني كل خياراتنا حول محور الـ"أنا"، وكأن كل شيء منَّا ولنا متناسين الله الخالق والواهب كل شيء. أمّا عبارة "يأخذوا ميراثه" فتشير إلى كشف عمّا يختلج في صدور الكرَّامين، وهو اخذ الميراث. ومفهوم الميراث في الكتاب المقدس، وهو إحراز أحد الخيرات بصفة ثابتة ودائمة الذي يسمح للإنسان ولعائلته بازدهار الشخصية دون أن يكونوا تحت رحمة الغير. أما بالنسبة إلى طريق الحصول على هذا الميراث، فإنه يختلف بحسب الحالات. غزو، أو هبة، أو توزيع ينظمه القانون، وبصفة خاصة الميراث بالمعنى الحصري (1 ملوك 21: 43). وإنَّ مفهوم الميراث يتصل اتصالاً وثيقاً منذ البداية بمفهوم العهد.



39 فأَمسَكوهُ وأَلقَوهُ في خارِجِ الكَرْم وقتَلوه



تشير عبارة "أَلقَوهُ في خارِجِ الكَرْم وقتَلوه" إلى الابن الذي أُلقي في الخَارج وعاني نفس مصير الآخرين، ولا يتم النظر إليه كابن صاحب الكَرْمة، وفي ذلك دليل أنَّ يسوع صُلب خارج أسوار اورشليم المدينة المقدسة، ثم قُتل؛ كذلك في إنجيل لوقا ينص "أَلقَوهُ في خارجِ الكَرْم وقَتلوه" (لوقا 20: 15) مما يدل على احتقار للمقتول. أمَّا في إنجيل مرقس فان الابن يُقتل ثم يُلقى في الخَارج "فأَمسَكوهُ وقتَلوه وأَلقَوْهُ في خارِجِ الكَرْم"(مرقس 12: 8). وهنا إشارة إلى عادة كانت جارية عند اليهود، إنهم يجرُّون المحكوم عليهم بسبب التجذيف خارج المدينة ويقتلونه، كما جاء في شريعة موسى "خرِجِ اللاَّعِنَ إلى خارِجِ المُخَيَّم، ولْيَضَعْ كُلُّ مَن سَمِعَه أَيدِيَهم على رأسِه، ولْتَرجُمْه كُلُّ الجَماعة" (الأحبار 24: 14-16)، وهكذا فعلوا مع إسطفانس أول شهداء المسيحية إذ "دَفعوهُ إلى خارِجِ المَدينة وأَخَذوا يَرجُمونَه"(أعمال الرسل 7: 85). ويشبِّه متى الإنجيلي موت يسوع بموت الأنبياء. فالسيِّد المسيح يكشف لرؤساء اليهود أنَّهم عبر التاريخ كلّه لم يكونوا فقط غير عاملين، وإنما مُضَّطهِدين لرجال الله في أعنف صورة، حتى متى جاء ابن الله نفسه الوارث أُخرجوه خارج أورشليم ليقتلوه! وهنا يصبح المَثَل نبويَا عن الصليب ورفض المسيح من شعبه. أمَّا عبارة " خارِجِ الكَرْم " فتشير إلى رفض اليهود المسيح وقتْلهم إيَّاه، ورأى البعض هذا الأمر، انه يدلُّ على تسليم يسوع إلى الأمم ليصلبوه، كما فسّر البعض الآية " ساقوا يَسوعَ مِن عِندِ قَيافا إلى دارِ الحاكِم. وكانَ ذلكَ عِندِ الفَجْر، فلَم يَدخُلوا دارَ الحاكِمِ مَخافَةَ أَن يَتَنَجَّسوا فلا يَتَمَكَّنوا مِن أَكْلِ الفِصْح" (يوحنا 18: 28). أمَّا عبارة "وقتَلوه" فتشير إلى عظمة الشر الذي بلغه الكرَّامون وهو انه أهانوا ابن صاحب الكَرْم حتى القتل. نحن أيضًا نرفض الله عندما نرفض اخونا الإنسان نجرحه ولا نهتم بوجوده معنا وفي عالمنا كما قال يسوع: "كُلَّما صَنعتُم شَيئاً مِن ذلك لِواحِدٍ مِن إِخوتي هؤُلاءِ الصِّغار، فلي قد صَنَعتُموه" (متى 25: 40).



40 "فماذا يَفعَلُ رَبُّ الكَرْم بِأُولئِكَ الكَرَّامينَ عِندَ عَودَتِه؟



تشير عبارة "ماذا يَفعَلُ رَبُّ الكَرْم بِأُولئِكَ الكَرَّامينَ عِندَ عَودَتِه؟ إلى سؤالٍ طرحه يسوع على خصومه يدور حول رجوع رَبُّ الكَرْم ليحاكم الكَرَّامينَ الأشرار. وغايته من سؤاله إيَّاهم عمَّا يفعله رَبُّ الكَرْمة عند مجيئه وبجوابهم اخذوا يُدينون أنفسهم ويسلمون بان الدَّينونة التي ستقع عليهم هي مما يقتضي العدل. أمَّا في إنجيل لوقا نجد أن رَبُّ الكَرْم يُحدّث فيه نفسه: " فقالَ رَبُّ الكَرْم: ماذا أَصنَع؟" (لوقا 19: 13)، وهكذا يؤكد لوقا الإنجيلي أنَّ رَبُّ الكَرْم قد مارس بكل رقَّة ورعاية مع كرْمه، لكنّه لم ينتفع الكَرَّامينَ بشيء، لهذا يقول: ماذا أَصنَع؟ إنَّ جواب أشعيا كان قاسيًا: " فَالآنَ أُعَرِّفُكُمْ مَاذَا أَصْنَعُ بِكَرْمِي: أَنْزِعُ سِيَاجَهُ فَيَصِيرُ لِلرَّعْيِ. أَهْدِمُ جُدْرَانَهُ فَيَصِيرُ لِلدَّوْسِ. وَأَجْعَلُهُ خَرَابًا لاَ يُقْضَبُ وَلاَ يُنْقَبُ، فَيَطْلَعُ شَوْكٌ وَحَسَكٌ. وَأُوصِي الْغَيْمَ أَنْ لاَ يُمْطِرَ عَلَيْهِ مَطَرًا" (أشعيا 5، 5-6). أمَّا جواب يسوع فاتَّخذ من رفض الكَرَّامينَ فرصةً لإظهار محبّته وعطائه لآخرين من الوثنيين واليهود لتتميم هذا المخطط. ولم يمنع رفض الكَرَّامينَ من تنفيذ الله مُخطّط عهده مع الإنسان.



41 قالوا له: يهلك هؤلاء الأَشرارَ شَرَّ هَلاك، ويُؤجِرُ الكَرْم كَرَّامينَ آخَرينَ يُؤَدُّونَ إِليهِ الثَّمَرَ في وَقْتِه"



تشير عبارة "قالوا له" إلى جواب الخصوم، أي الكتبة والفرِّيسيِّين الذين به يحكمون على نفوسهم بأنفسهم. إذ تنكَّر بنو إسرائيل للرَبُّ وأنبيائه وابنه يسوع مِمَّا أدّى إلى ظهور شعب الله الجديد الذي يُعهد إليه للعمل في كرْمه. فقد أصدر يسوع الحكم عليهم من أفواههم، وهكذا بلغ بهم السيِّد إلى النتيجة، ألا وهي الحاجة إلى هدْم البناء القديم ليقوم ملكوت الله على أساس جديد. أمَّا عبارة "يهلك هؤلاء الأَشرارَ شَرَّ هَلاك" فتشير إلى دينونة الكَرَّامينَ التي تنبأ عنا أشعيا: "الرَّبُّ آنتصَبَ لِلآتِّهام وقامَ لِيَدينَ الشُّعوب. الرَّبّ يَدخُلُ في المُحاكَمة مع شُيوخِ شَعبه ورُؤَسائِهم: ((إِنَّكم أنتُم أَتْلَفْتُمُ الكَرْم وسَلْبُ البائِسِ في بُيوتِكم" (أشعيا 3: 13-14). ولذلك إن الشَّعب اليهودي خسر مكانته، وحلّت محله الكنيسة، التي صارت كرْم الرَّبّ بما فيها من وثنيين اهتدوا إلى الإيمان. وهنا يصبح هذا المَثَل نبويًا في شأنه عن الدينونة، تلك الدينونة التي حلت بالأمُّة اليهودية عندما خربت اورشليم سنة 70م. وما حصل لأهلها من قتل وتشريد، كما جاء في راي بعض مفسّري الكتاب المقدس. أمَّا عبارة "كَرَّامينَ آخَرينَ" فتشير إلى انتقال امتيازات الشَّعب اليهودي إلى الأمم "إِنَّ مَلكوتَ اللهِ سَيُنزَعُ مِنْكُم، ويُعطى لأُمَّةٍ تُثمِرُ ثَمرَه" (متى 21: 43) ويلمِّح بولس الرسول إلى إسرائيل الجديدة، "إسْرائيلِ الله " (غلاطية 6: 16)، وهي تتكوَّن من اليهود والأمم. وهكذا أُخذت قيادة الملكوت من رؤساء الدِّين اليهودي الرَّسميِّين، وأعطيت لتلاميذه الذين كوّنوا نواة الأمُّة الجديدة التي تبنّت أثمار الملكوت (متى 21: 43). ويُعلق القدّيس ايرينيوس اللِّيونيّ "لذلك أوكل الربّ كرمه – الّذي لم يَعدْ ضمن الأسوار إنّما أصبح يشمل العَالَم أجمع – إلى كَرَّامينَ آخَرينَ يُؤَدُّونَ إِليهِ الثَّمَرَ في وَقْتِه. أمَّا عبارة "يؤجِرُ الكَرْم كَرَّامينَ آخَرينَ" فتشير إلى الحكم على الكَرَّامينَ الذي يأتي من فم رؤساء اليهود والفِريسيِّين أنفسهم ما يدل على قوة الحكم عليهم. ويَكمن الحكم إلى تأجير كَرَّامينَ آخرين، الذين قبلوا الابن، واعترفوا به أنَّه صاحب الميراث. إنَّها دعوة الأمم (رومة 11 11-25) وجماعة الرُّسل القدّيسين، والمُبشّرين بالوصايا الإنجيليّة وخدّام العهد الجديد الذين يعرفون كيف يقودون النَّاس بموجب شريعة الله ووصاياه. وفي هذا الصدد يقول النبي أشعيا مشيرًا إلى مُبشري العهد الجديد "أمَّا أنتم فتُدعون كهنة الرب، تُسمُّون خدّام الله" (أشعيا 61: 6). وقد أُعطيَ الله الكَرْم لكرّامين آخرين، ليس فقط للرُّسل القدّيسين، وإنما أيضًا للذين جاءوا بعدهم، كما جاء على لسان أشعيا عن كنيسة الأمم وعن بقيّة إسرائيل "يَقِفُ الأَجانِبُ ويَرعَونَ غَنَمَكم ويَكونُ بَنو الغَريبِ حُرَّاثَكم وكَرَّاميكم" (أشعيا 61: 5). وهكذا خسر الشَّعب اليهودي مكانته، وحلَّت محله الكنيسة، التي صارت كرْم الرَّبّ بما فيها من يهود ووثنيين اهتدوا إلى الإيمان. ويُعلّق القدّيس كيرلّس" المخلّص يسوع المسيح هو الحجر المختار وقد رذله هؤلاء الذين كان يجب عليهم بناء مجمع اليهود، وقد صار رأس الزاوية أي حجر القِمَّة الذي يربط آخر طبقة من الحجارة معًا (مزمور 118: 22، زكريا 4: 7)، يشبه الكتاب المقدّس بحجر زاوية، لأنَّه يجمع الشَّعبين معًا: إسرائيل والأمم في إيمان واحد وحب واحد ". وفي هذا الصَّدد قال بولس الرسول "أَلغى شَريعةَ الوَصايا وما فيها مِن أَحكام لِيَخلُقَ في شَخْصِه مِن هاتَينِ الجَماعتَين، بَعدَما أَحَلَّ السَّلامَ بَينَهما، إِنسانًا جَديدًا واحِدًا " (أفسس 2: 15)؛ أمَّا عبارة "يُؤَدُّونَ إِليهِ الثَّمَرَ في وَقْتِه" فتشير إلى الأمانة للعهد، وذلك بتأدية حساب ثمر الكَرْم. ينزع الله وسائط النعمة مِّمَن لا يستعملونها كما ينبغي ويعطيها غيرهم. فان كان هؤلاء أمناء بقيت تلك الوسائط لهم. وجواب الكتبة والفِريسيٍّين هنا نبوءة بمستقبلهم. فاذا لم يكن الذين سُلم إليهم حقوق الله من أثمار كرمه الرُّوحي سلمه إلى غيرهم من أصحاب الأمانة.



42 "قالَ لَهم يسوع: أَما قَرأتُم قَطّ في الكُتُب: الحَجَرُ الَّذي رذَلَهُ البنَّاؤُونَ هو الَّذي صارَ رَأسَ الزَّاوِيَة. من عِندِ الرَّبِّ كانَ ذلك وهو عَجَبٌ في أَعيُنِنا"



تشير عبارة "أَما قَرأتُم قَطّ في الكُتُب" إلى الاستشهاد بالكتاب المقدس (رومة 1: 2)، وبالتحديد بسفر المزامير "الحَجَرُ الَّذي رَذَلَه البَنَّاؤون قد صارَ رأسَ الزَّاوِيَة. مِن عِندِ الرَّبِّ كانَ ذلك وهو عَجَبٌ في أَعيُينا" (مزمور 118: 22-23)؛ وهذ المزمور هو أحد مزامير التهليل التي يُنشد في عيد الفصح، ويُعد مزمورًا مسيحانيًا. وقد هتفت الجماهير بهذا المزمور "هوشعنا" لدى دخول يسوع المسيح إلى اورشليم منتصرا، مشيرةً إلى مجده. وهذا المزمور مستوحى من النبي أشعيا "ذلك قالَ السَّيِّدُ الرَّبّ: ها إِنِّي واضِعٌ حَجَراً في صِهْيون حَجَراً مُمتَحِناً، رَأسَ زاوِيَةٍ كَريماً أَساساً مُحكَماً مَن آمَنَ بِه لَن يَتَزَعزَع" (أشعيا 28: 16). ولقد بادرت الجَّماعة المسيحية الناشئة إلى تطبيق هذا المزمور على قيامة يسوع، منشئ شعب الله الجديد، كما جاء في كلام بطرس الرسول أمام المجلس اليهودي "هذا هو الحَجَرُ الَّذي رَذَلتُموه أَنتُمُ البَنَّائين فصارَ رَأسَ الزَّاوِيَة"(أعمال الرسل 4: 11)، وفي كلمته أيضًا إلى "المُخْتارينَ الغُرَباءِ المُشَتَّتينَ في البُنْطِ وغَلاطِيَة وقَبَّدوقِيَة وآسِيَة وبِتييِيَة قال بطرس الرسول "اقتربوا مِنه فهو الحَجَرُ الحيُّ الَّذي رَذَلَه النَّاس فاختارَه الله وكانَ عِندَه كَريمًا " (1 بطرس 2: 1، 4). أمَّا عبارة "الحَجَرُ" إلى "تغير الاستعارة من الكَرْمة إلى حجر الزاوية الذي هو يسوع المسيح" الذي رذله البناؤون واعتبروه غير صالح للبناء "هذا هو الحَجَرُ الَّذي رَذَلتُموه أَنتُمُ البَنَّائين فصارَ رَأسَ الزَّاوِيَة (أعمال الرسل 4: 11). أمَّا عبارة "الحَجَرُ الَّذي رذَلَهُ البنَّاؤُونَ" فتشير إلى حجر ٍضخم وجده البنّاؤون عندما أرادوا بناء هيكل سليمان، فظنّوا أنه لا يصلح لشيءٍ فاحتقروه، ولكن لمّا احتاجوا إلى حجر في رأس الزاوية لم يجدوا حجرًا يصلح مثل ذلك الحجر. وكان ذلك رمزًا للسيِّد المسيح الذي احتقره رجال الدين اليهودي، ولم يعلموا أن الحجر الذي يربط بين الحائطين في الهيكل الجديد، يضم فيه من هم من اليهود ومن هم من الأمم، ليصير الكل أعضاء في الملكوت الجديد، كما جاء في تعليم بولس الرسول عن المسيح " إِنَّه سَلامُنا، فقَد جَعَلَ مِنَ الجَماعتَينِ جَماعةً واحِدة وهَدَمَ في جَسَدِه الحاجِزَ الَّذي يَفصِلُ بَينَهما، أَيِ العَداوة" (أفسس 2: 14)؛ أمَّا عبارة "البنَّاؤُونَ" فتشير إلى المسؤولين في الأُمَّة اليهودية وسيما شيوخ اليهود ذلك العصر الذين أبوا أن يقبلوا يسوع مسيحًا لهم (أعمال الرسل متى 4: 11) وسبب رفضهم يسوع أنَّه كان من عائلة فقيرة، وكان متواضعًا محتقرًا ، كما وصفه أشعيا النبي "لا صورَةَ لَه ولا بَهاءَ فنَنظُرَ إِلَيه ولا مَنظَرَ فنَشتَهِيَه. مُزدَرًى ومَتْروكٌ مِنَ النَّاس رَجُلُ أَوجاعٍ وعارِفٌ بِالأَلَم ومِثلُ مَن يُستَرُ الوَجهُ عنه مُزدَرًى فلَم نَعبَأْ بِه" (أشعيا 53: 2-3)، ولم يكن له جاه عالمي ومملكة عالمية. أمَّا عبارة "هو" فتشير إلى يسوع المسيح، أساس الكنيسة. أمَّا عبارة "صارَ رَأسَ الزَّاوِيَة" فلا تشير إلى حجر العقد اعلى القوس، إنما إلى حجر الزاوية في البناء عند ملتقى حائطين، وهو عنصر تماسكها، ودونه البناء معرضٌ للسقوط في أية لحظة. فهو يستخدم كقاعدة لضمان استقامة واستواء سائر أحجار البناء، وعليه تعتمد قوة البناء. وان البناء الحقيقي لن يقوم إلاَّ بوجوده، وهو يرمز إلى المسيح، وذلك حسب تعليم القدّيس بولس القائل: "وحَجَرُ الزَّاوِيَةِ هو المسيحُ يسوعُ نَفْسُه" (أفسس 2: 20)، انه أساس الكنيسة على رغم كل مقاومات اليهود (أفسس 19: 22). أمَّا عبارة "عَجَبٌ" فتشير إلى امرٍ حيّر كل من نظر فيه لكونه خلاف ما توقعه أكثر أفراد الأُمَّة اليهودية. ولا شك فيه أن كل حوادث عمل الفداء هي غاية في العجب مثل تجسد ابن الله وصلبه وقتله وقيامته ونشأة الكنيسة المقدسة الجامعة والرسولية. أمَّا عبارة "هو عَجَبٌ في أَعيُنِنا" فتشير إلى صورة عن موت يسوع وقيامته، وهو عمل الله العجيب في مفهوم المسيحيين. وهنا يُرفع الستار عن هوية يسوع، انه الابن الذي اسلمه المسؤولون إلى الموت، والذي سوف يمجّده الله. يسوع هو العنصر الأساسي لعمل الله الذي يقيم ابنه، ويُسلِّم الملكوت إلى كرَّامين يعطون ثمرًا. فلم يعد القارئ المسيحي يجد نفسه أمام مجرد الإنباء بموت يسوع، إنَّما انتقل إلى عمل الله العجيب في قيامة ابنه يسوع المسيح. ورأت الجماعة المسيحية الأولى في هذا المَثَل بعد أحداث الفصح إنباء خاصَا بسرِّ الفصح، فأضافت هذه الآية (متى 21: 42) جاعلة على لسان يسوع آية مزمور "الحَجَرُ الَّذي رَذَلَه البَنَّاؤون قد صارَ رأسَ الزَّاوِيَة" (118: 22)، وأصبح المَثَل يُعبّر عن معنى موت يسوع وقيامته. ومن هذا المنطلق، أصبح المَثَل نبويًا يدل على النصرة النهائية للابن ورفعته. وبعبارة موجزة، المَثَل هو صورةٌ لرفض المسيح من قبل اليهود، فأصبح حجر الأساس للكنيسة المسيحية، وذلك بفعل الله بإقامته من بين الأموات.



43 "لذلك أقول لكم: إِنَّ مَلكوتَ اللهِ سَيُنزَعُ مِنْكُم، ويُعطى لأُمَّةٍ تُثمِرُ ثَمرَه.



تشير عبارة "مَلكوتَ اللهِ" إلى الكنيسة، وهي العهد بين الله وشعب الله الجديد " تَكونونَ لي شَعباً وأَكونُ لَكم إِلهاً" (ارميا 30 :22). وقد عبَّر متى الإنجيلي في بشارته عن الكنيسة بملكوت الله أربع مرات؛ وعبارة "ملكوت السماء" وردت عشرين مرة. وتعتبر عبارة " مَلكوتَ اللهِ " بين اليهود تجديفًا، لأنه يجب أن يُشار إلى الله بلفظة "الاسم" وليس بلفظة "الله". لذا نجد هذا التعبير خاص بإنجيل متى في حين استبدلاه مرقس ولوقا بتعبير آخر: "مَلكوت السَّموات". أمَّا عبارة "سَيُنزَعُ مِنْكُم" فتشير إلى الله الذي ينزع من اليهود كل وسائط النعم والبركات المختصَّة بشعب الله كاستئمانهم على كلام الله وإرثهم للمواعيد. أمَّا عبارة "أُمَّةٍ" فلا تشير إلى الأمم الوثنية، بل إلى مجموعة تشبه "الأُمَّة المقدسة التي ورد ذكرها في سفر الخروج "وأَنتُم تَكونونَ لي ...أُمَّةً مُقَدَّسة"(خروج 19: 6). ويستعمل القديس بطرس الرسول نفس التعبير بقوله أَمَّا أَنتم فإِنَّكم ذُرِّيَّةٌ مُختارة وجَماعةُ المَلِكِ الكَهَنوتِيَّة وأُمَّةٌ مُقَدَّسَة وشَعْبٌ اقتَناه اللهُ للإِشادةِ بِآياتِ الَّذي دَعاكم مِنَ الظُّلُماتِ إلى نُورِه العَجيب. لم تَكونوا بِالأَمْسِ شَعْبَ الله، وأَمَّا الآنَ فإِنَّكم شَعبُه. كُنتم لا تَنالونَ الرَّحمَة، وأَمَّا الآَنَ فقَد نِلتُمُ الرَّحمَة "(1 بطرس 2: 9)؛ أما عبارة "ويُعطى لأُمَّةٍ تُثمِرُ ثَمرَه" فتشير إلى صيغة خاصة بإنجيل متَّى حيث سيُسلم ملكوت الله بعد اليوم إلى أُمَّة مقدسة جديدة، هي الكنيسة. والكنيسة تنوب عن إسرائيل، أي الجيل الجديد (ارميا 7: 28-29). ولذلك فقد انتقلت المواعيد من الشَّعب اليهودي إلى كنيسة المسيح التي هي وارثة الملكوت لتعطي الثمار (1 بطرس 2: 4-10). جاءت خاتمة المَثَل، فأعلنت انتقال الملكوت إلى شعب يعطي ثمرًا. وهكذا لم يفشل مشروع الرَّبّ بل سيُعطي كَرْمَه غِلة أوفر بإشراف شعب الله الجديد، أي الكنيسة المقدسة.



44 مَن وَقَعَ على هذا الحَجَرِ تَهَشَّم، ومَن وَقَعَ عَلَيه هذا الحَجَرُ حَطَّمَه".



تشير عبارة "مَن وَقَعَ على هذا الحَجَرِ تَهَشَّم" إلى قوله تعالى " فيَكونَ لَكم قُدساً وحَجَرَ صَدْم وصَخرَ عِثارٍ لِبَيتَي إِسْرائيل وفَخّاً وشَبَكَةً لِساكِني أُورَشَليمَ فيَعثُرُ به كَثيرونَ ويَسقُطون ويَتَحَطًّمونَ ويُصْطادونَ ويُؤخَذون" (أشعيا 8: 14-15). وذلك يُظهر عواقب رفض الإيمان بيسوع المسيح في هذا العَالَم فاديا، وفي العَالَم الآخر ديانًا. فلا عجب أن يُسمِّي بولس الرسول هذا الحجر "حَجَرًا لِلصَّدمِ": "هاءَنَذا واضِعٌ في صِهيُونَ حَجَرًا لِلصَّدمِ وصَخْرَةً لِلعِثار، فمَن آمَنَ بِه لا يُخْزى" (رومة 9: 33)، ومن لم يؤمن به يعثر. أمَّا عبارة "ومَن وَقَعَ عَلَيه هذا الحَجَرُ حَطَّمَه" فتشير إلى من تعثَّروا بالمسيح لاتضاعه (أشعيا 8: 11)، أولئك الذين يُبيدهم نهائيًا في يوم الدَّينونة. ويشير دانيال النَّبي إلى هذا الحجر كحجر مسيحاني الذي يسحق ممالك الأرض بقوله "وفي أَيَّامِ هؤُلاءِ المُلوك، يُقيمُ إِلهُ السَّماءَ مَملَكَةً لا تُنقَضُ لِلأَبَد، ومُلكُه لا يترَكُ لِشَعبٍ آخَر، فتَسحَقُ وتُفْني جَميعَ تِلكَ المَمالِك، وهي تَثبُتُ لِلأَبَد" (دانيال 2: 44). لا يقع هذه الحجر للدينونة إلاَّ من وقع على ذلك الحجر أولا. فالمسيح "حجر البناء" الآن، يُقدِّم الرَّحمة والغُفران، ولكنَّه في الدَّينونة يُصبح "حجرًا ساحقًا يسحق أعداء الله. ومن هذا المنطلق، يجب ألاَّ نتوانى في اختياره. ويلمِّح متى الإنجيلي في هذه الآية إلى قول أشعيا النبي "فيَكونَ لَكم قُدسًا، وحَجَرَ صَدْم، وصَخرَ عِثارٍ لِبَيتَي إِسْرائيل وفَخّاً وشَبَكَةً لِساكِني أُورَشَليمَ" (أشعيا 8: 14-15)، والمراد بهذه المناداة أنَّ عمل الله هلاك لغير المؤمن، وخلاص للمؤمن، كما تنبأ سمعان "ها إِنَّه جُعِلَ لِسقُوطِ كَثيرٍ مِنَ النَّاس وقِيامِ كَثيرٍ مِنهُم في إِسرائيل وآيَةً مُعَرَّضةً لِلرَّفْض"(لوقا 2: 34).





ثانياً: تطبيقات النص الإنجيلي (متى 21: 28 -32)



بعد دراسة موجزة عن وقائع النص الإنجيلي وتحليله (متى 21: 28 -32)، نستنتج انه يتمحور حول مَسْؤوليَّة قبول سلطة المسيح، أو رفض سلطته من خلال مثَل الكَرَّامينَ القتلة. لقد أجاب يسوع من خلال هذا المَثَل بصورة غير مباشرة على سؤال ّرؤساء اليهود حول سلطته (متى 21: 23)، موضِّحًا لهم أيضا عن معرفته لخطيئتهم، وبالتالي مسؤوليتهم ونقلها إلى غيرهم.



جعل متى الإنجيلي هذا المَثَل مع الأمثال الأخرى مثَل الابنين (متى 21: 28-32) ومثَل وليمة الملك (متى 22: 1-14) في سياق من الصراع بين يسوع ورؤساء الشَّعب الدِّينيين. ويُقسَّم المَثَل قسمين: في القسم الأول، حُرم سيد الكَرْم من ثمار الكَرْم التي طالب بها أولاً عن طريق خَدَمه. وفي النهاية عن طريق ابنه (متى 21: 34-39). وفي القسم الثاني، سلَّم سيِّد الكَرْم الكَرْمة إلى كرّامين يؤدون ثمرًا (متى 21: 40-44). ومن هنا نتساءل ما هو التطبيق التاريخي والمسيحاني والروحي لهذا المَثَل؟



1) التطبيق التاريخي:



يسرد يسوع المسيح مثل الكَرَّامينَ القتلة في الهيكل مُخاطبًا عظماء الكهنة وشيوخ الشَّعب بعد دخوله المهيب إلى أورشليم، ولخّص فيه تاريخ الخلاص كلّه في هذا المَثَل حيث يُظْهرُ شخصياَّت رئيسية، وهي: رَبُّ البَيْت هو الله، والكَرْم هم بنو إسرائيل، والكرَّامون هم القادة الدِّينيون في إسرائيل، وخَدَم رَبُّ البَيْت هم الأنبياء، وابن رَبُّ البَيْت هو يسوع المسيح، والآخرون هم الأمم الوثنية والبَقيَّة من اليهود.



استعاد يسوع صورة الكَرْم التي ترمز إلى شعب إسرائيل (أشعيا 5: 1-7)، وطبّقها على مسؤولي الشَّعب، رؤساء الكهنة والكتبة والشُّيوخ، الذين رفضوا الاستماع إلى تنبيهات الأنبياء وإلى نداءات يسوع من أجل الملكوت، ولم يعطوا الثِّمار التي انتظرها الله منهم.



في المَثَل السابق عن الابنين والكَرْم (متى 21: 28-32)، ظهر اليهود كأصحاب كلام بلا عمل، ففقدوا مركزهم ليحلَّ مَحلَّهم العشارون والبغايا الذين بالعمل أعلنوا ندمِهم على ماضيهم. أمّا هنا فالسيِّد المسيح يكشف لهم أنهم عبر التاريخ كلّه لم يكونوا فقط غير عاملين، وإنما مُضطهِدين لرجال الرَّبّ في أعنف صورة، حتى متى جاء ابن الله نفسه الوارث فقد أُخرجوه خارج أورشليم وقتلوه.



أرسل الله للشعب اليهودي على ممر العصور سلسلة من الخَدَم، وهم أنبياء العهد القديم الذين انتهوا بيوحنا المعمدان، وكان ينصحون إسرائيل ويَحثّونه على تقديم ثِمار حسب الشريعة. وانتظروا كلهم أن يجنوا أثمار التوبة والأعمال الصالحة والبِر. وآخر الكل قد جاء يسوع المسيح، الابن الوحيد المحبوب والوارث الذي له كل سلطة الآب (متى 21: 38). لكن الأحبار ورؤساء الشَّعب تحدَّوا يسوع، وأرادوا نوال المملكة بمفردهم دونه، مُغتصبين لأنفسهم الميراث الرَّبّاني. وهذا التحدي شمل عصور الشَّعب السَّابق، ويصور موقف النزاع الحاضر، ويُشير النتائج ذلك في المستقبل.



كشف يسوع في هذا المَثَل للقادة الدِّينيين أنَّه يعلم ما يفكرون فيه، من خلال مؤامراتهم لقتله، إذ لم يقبلوا وضعهم ككرامين أجراء، بل أرادوا أن يتملكوا الكَرْم. رفضوا تلك العلاقة مع السيد وأرادوا أن يكونوا أسيادا. فاكَّد يسوع لهم أنَّ خطيئتهم لن تمرَّ دون عقاب. فطرد الله رؤساء اليهود بسبب مقاومة إرادته تعالى، مُطالبًا إيّاهم بتسليم الكَرْم الذي أُؤتُمنوا عليه ولم يُثمر؛ وقيل على لسان أشعيا النبي "الرَّبّ آنتصَبَ لِلآتِّهام وقامَ لِيَدينَ الشُّعوب. الرَّبُّ يَدخُلُ في المُحاكَمة مع شُيوخِ شَعبه ورُؤَسائِهم: إِنَّكم أنتُم أَتْلَفْتُمُ الكَرْم" (أشعيا 3: 13-14). وقيل في موضع آخر "رُعاةٌ كَثيرونَ أَتلَفوا كَرْمي وداسوا نَصيبي وجَعَلوا نَصيبِيَ الشَّهِيَّ قَفرًا خَرِبًا" (إرميا 12: 10).



ذكّر يسوع اليهود من خلال المَثَل حقيقة أمرهم وحقيقة أمره. فمنذ أن رفض بنو إسرائيل المسيح كان مصيرهم الانهيار، فدُمرِّت القدس على يد الرومان سنة 70م، كما جاء في نبوءته " أُورَشَليم أُورَشَليم، يا قاتِلَةَ الأَنبِياء وراجِمَةَ المُرسَلينَ إِليَها، هُوَذا بَيتُكم يُترَكُ لَكم قفرا" (متى 23: 37-38)، وكذلك خسر اليهود حقوقهم وامتيازاتهم الدِّينية.



فيما يتعلق بحقيقة امر يسوع، لم يتوقف متى الإنجيلي عند موت يسوع، ولا عند مصير الملكوت، بل تطلّع إلى عمل الله العجيب الذي يُقيم ابنه من الموت، ويُسلم الملكوت إلى كرَّامين يُعطون ثمراً. فجاءت الخاتمة بإعلان انتقال الملكوت إلى شعب يعطي ثمارًا. ومن هذا المنطلق، نرى مدى مأساة النَّاس في رفض المسيح حيث أنَّ الخلاص يكمن في قبول المسيح وإنجيله: "توبوا وآمِنوا بِالبِشارة" (مرقس 1: 15)، وبهذا يصبح الإنسان المؤمن من البنَّائين على حجر الزاوية وهو المسيح.



2) التطبيق المسيحاني:



لا يشير المَثَل إلى التطبيق التاريخي وإنما أيضا إلى التطبيق المسيحاني، وهو رفض اليهود للمسيح ثم صلبه وقتله، كما ورد في المَثَل "فأَمسَكوهُ وأَلقَوهُ في خارِجِ الكَرْم وقتَلوه" (متى 21: 39). ويمكننا أن نقرأ هذه الآية على ضوء الأحداث التي حصلت ليسوع. أخرجوا يسوع خارج الكَرْم، خارج اورشليم، وقتلوه وقد عرفوا أنَّه الوارث. لقد رفضوا المسيح وقتلوه صلبًا، وهذا ما صرّح به بولس الرسول "إِذا سَقَطوا مَعَ ذلِك، يَستَحيلُ تَجْديدُهم وإِعادَتُهم إلى التَّوبَة، لأَنَّهم يَصلِبونَ ابنَ اللّهِ ثانِيَةً لِخُسْرانِهِم وُيشَهِّرونَه" (العبرانيين 6: 6)، ولكن هذا الابن الذي يُقتل سيقوم.



يشير المَثَل أيضا إلى نصر يسوع النهائي ورفعته بقيامته. فقد قالَ يسوع لليهود " أَما قَرأتُم قَطّ في الكُتُب الحَجَرُ الَّذي رذَلَهُ البنَّاؤُونَ هو الَّذي صارَ رَأسَ الزَّاوِيَة. من عِندِ الرَّبِّ كانَ ذلك وهو عَجَبٌ في أَعيُنِنا"(متى 21: 42). فالموت والرفض من قبل النَّاس لم يكونا إلا فرصة لخروج يسوع مُنتصرًا ويقوم من الموت مُظفّرًا ومُمجّدًا ليُجدِّد العَالَم.



يشبِّهَ متى الإنجيلي يسوع المَصلوب بحجر زاوية، لأنه يجمع الشَّعبين معًا: إسرائيل والأمم في إيمان واحدٍ وحبٍ واحد. كما جاء في تعليم بولس الرسول " إِنَّه سَلامُنا، فقَد جَعَلَ مِنَ الجَماعتَينِ جَماعةً واحِدة وهَدَمَ في جَسَدِه الحاجِزَ الَّذي يَفصِلُ بَينَهما، أَيِ العَداوة" (أفسس 2: 14). فمن الصليب خرج الشَّعب الجديد، أي الكنيسة، ومن خلالها وبواسطتها سيقود كَرْمَه حتى النهاية، كما يؤكِّده لنا بنفسه " أنا الكَرْمةُ وأَنتُمُ الأَغصان. فمَن ثَبَتَ فيَّ وثَبَتُّ فيه فَذاكَ الَّذي يُثمِرُ ثَمَراً كثيراً لأَنَّكُم بِمَعزِلٍ عَنِّي لا تَستَطيعونَ أَن تَعمَلوا شيئاً"(يوحنا 15: 5). لذلك يوصي القديس البابا يوحنّا بولس الثاني " ابحثوا عن الرَّبّ يسوع المسيح، أنظروا إليه وعيشوا فيه! هذه هي رسالتي لكم: فليكن "الرّب يسوع المسيح نفسه حَجَرَ الزَّاوِيَةِ" (أفسس 2: 20) في حياتكم وفي الحضارة الجديدة الّتي عليكم أن تبنوها بروح التّعاضد السّخي والمشاركة" (حديث بتاريخ 02/04/1987 موجّه إلى شباب التشيلي).



المسيح الذي لم يكن إنسانًا، لكنه صار إنسانًا، وليس فقط إنسان بل أخذ صورة العبد وحمل ذلك الصليب حتى الموت، رفعه الله وأعطاه سلطانًا على كل ما في السَّماوات والأرض. وأعطى لكل من يؤمن به المقدرة لمشاركته في هذا المِيراث. بهذا يمكننا أن نفهم عبارة الرسول بولس "فلْنَخرُجْ إِلَيه إِذاً في خارِجِ المُخَيَّمِ حامِلينَ عارَه" (عبرانيين 13: 13). بمعنى آخر، لا ينتظر المؤمن -وهو يقدم كل الحب للعالم -أن يردَّ له العَالَم الحُبَّ بالحُبِّ، وإنما يردَّ له محبته بالطَّرد خارجًا ليحمل مع فاديه صليبه ويقبل عاره. وهذا ما صرّح به يسوع "مَن أَرادَ أَن يَتبَعَني، فَلْيَزْهَدْ في نَفْسِه ويَحمِلْ صليبَه ويَتبَعْني" (متى 16: 24). والمسيح يسوع بكونه الابن والوارثٍ الحقيقيٍ وله السلطان لدى الآب صار إنسانًا، ودعا الذين آمنوا به إلى شركة مملكته فيكون مالكًا معهم، حيث أنَّ كل من يقبل المسيح ويؤمن به وتعاليمه يُصبح عضوًا من شعب الله الجديد ووارت للمَلكوت كما ورد في تعليم بولس الرَّسُول: "فإِذا كُنَّا أَبْناءَ الله فنَحنُ وَرَثة" (رومة 8: 17).



يسوع حمل لقب "وارث" كرأس للكنيسة لكي ترث باسم رأسها ومعه وفيه ما هو له. ولذلك فإن كلّ شيء يكون لنا بالقدر الّذي نكون فيه أبناء، كما جاء في تعليم بولس الرسول " إِذا كُنَّا أَبْناءَ الله فنَحنُ وَرَثة: وَرَثَةُ اللهِ وشُرَكاءُ المسيحِ في المِيراث" (رومة 8، 17)؛ يعلق القدّيس أنسيلموس " سيقيم الله خدّامه الصالحين والأمناء على الكثير من الخيرات (متى 25: 21)؛ بل أكثر من ذلك، "فإنّهم أبناءَ الله يُدعَون" (متى 5: 9)، فَهُم في الواقع أبناء، لأنّه حيث يكون الابن، يكون هناك أيضًا "وَرَثَةُ اللهِ وشُرَكاءُ المسيحِ في المِيراث" (حديث عن وجود الله ( Proslogion, 25-26)، وإذا بقينا في علاقة مع الآب، فكلّ شيء سيُعطى لنا، ويُزاد مجانًا، كما وعد السيد المسيح "َاطلُبوا أَوَّلاً مَلَكوتَه وبِرَّه تُزادوا هذا كُلَّه "(متّى 6، 33). فالمسيح الآن "حجر البناء" يقدم الرَّحمة والغُفران، ولكنه في الدَّينونة يصبح "حجرًا ساحقًا" لمن يرفضوه الآن.



3) التطبيق الروحي:



للمثّل أيضا تطبيق روحي وهو طريقة الله الّتي يتعامل فيها مع شعبه، فكما آجر رَبُّ البَيْت كرْمه كذلك خصَّ الله الإنسان ببعض المسؤوليات: العائلة، والحياة نفسها ورسالته، وفوَّض إليه أمر العَالَم وإقامة على مشاريعه منذ بدء الخليقة، كما جاء في بدء التوراة "اِنْموا واَكْثُروا وأمْلأُوا الأَرضَ وأَخضِعوها " (التكوين 1: 28)، وطالب الله الإنسان أن يؤدِّي حسابًا على مسؤولياته، لكن الإنسان رفض واقعه كانسان وأراد أن يتملك تلك الكَرْمة، وان يستولي على ثمارها لنفسه. فيصبح كل شيء لذاته، كل شيء يحوَّله لخدمته ولمصلحته. لذا يأخذ سلاحه ويقتل كل من يُشعرُه بانه ليس بسيد الكَرْمة. وبهذا يفقد الإنسان دعوته ورسالته جالبًا على نفسه الدَّينونة.



قدّم يسوع نفسه في المَثَل "الحَجَرُ الَّذي رذَلَهُ البنَّاؤُونَ هو الَّذي صارَ رَأسَ الزَّاوِيَة" (متى 21: 42)، فمع أن الكثيرين من شعبه قد رفضوه، فإنه سيصير رأس الزاوية في بنائه الجديد، أي الكنيسة. وهو يؤثر في النَّاس بعدة طرق، وذلك تتوقف على كيفية اتصالهم به، فقد يبنون عليه، وهذا هو الأفضل كما قال يسوع "مَثَلُ مَن يَسمَعُ كَلامي هذا فيَعمَلُ به كَمَثَلِ رَجُلٍ عاقِلٍ بَنى بيتَه على الصَّخْر" (متى 7: 24)، ولكن منهم من يعثرون به، وفي النِّهاية عند الدَّينونة الأخيرة سيكون حجرًا ساحقًا، والآن هو يُقدِّم الرَّحمة والغُفران.



نصبح من شعب الله الجديد، إذا عرفنا حق قدرنا وقمنا بمسؤولياتنا. وأمَّا إن لم نقم بمسؤولياتنا المسيحية، فإن مشروع الرَّبِّ لن يفشل بل سيعطي كرْمه غلة وافرة. أمَّا نحن فمصيرنا الحرمان من ثمار الرب على مثال الكَرَّامينَ نتيجة إهمالنا ورفضنا، وإذا لم نقبل وضعنا ككرامي أجرة بل أردنا أن نمتلك الكَرْم على مثال الكَرَّامينَ القتلة الذين رفضوا أن يكونوا منتمين إلى صاحب الكَرْم، ورفضوا تلك العلاقة مع السيد وأرادوا أن يكونوا هم أسياد الكَرْم، نتحوّل من كرَّامين إلى قَتلة. يعلق القدّيس خوسيه ماريا إسكريفا دي بالاغير "نحن مقتنعون أن الله موجود في كلّ مكان. فنزرع الحقول إذًا ونحن نمجّد الرب. نبقى بذلك متحدّين في الله في كلّ حين. لكن لا تنسوا أنكم تعيشون كذلك في حضور الناس، وينتظرون منكم – منك شهادة مسيحيّة" (من كتاب "أصدقاء الله، الفصل 4).



الله، على غرار صاحب الكَرْمة، يُعطي ويترقّب أن يأخذ بالمقابل، وينتظر أن يأخذ ثمر ما كان قد أعطاه، أي ما ينتج من عمل الإنسان. إن الله يُعطي، ولكنَّه يطالب أيضًا. سلَّم الربّ كُلَّ مسيحي كرْماً روحيَّاً، وطلب منه أن يعتني به، ويستثمره بأمانة ليقدِّم للربّ الثِّمار الطَّيِّبة. إنَّ هذا الكَرْم الرُّوحي هو نفسُهُ الخالدة، وهذه النفس قد زُرِعت فيها نِعمةُ الربّ بالمعموديَّة المقدَّسة، وتغذَّت بتعاليم الربّ يسوع وثِمار موته وقيامته، فأضحت أهلاً لأن تقوم بالأعمال الصالحة التي ينتظرها الرَّبّ منها لمجد اسمه على الأرض وفي السَّماء. لذلك، لينتبه كل مؤمنٍين ألاَّ يستسلموا، كرؤساء اليهود، الذين صلبوا يسوع المسيح ليُحقِّقوا مآربهم الشَّخصيَّة الأثيمة ومطامعهم، ويُهملوا العناية بحاجات أنفسهم الرُّوحيَّة، ويُعرضوا عن استثمار النِّعم السَّماويَّة التي أُعطيت لهم بغزارة، بل عليهم أن يقدّروا مسؤوليتهم وعملهم. إنّ أقسى دينونة ينالها الإنسان من الربّ هي عندما يأخذ الربّ من الإنسان العمل الّذي كان عليه أن يعمله فيصبح دون عمل ومَسْؤوليَّة وبالتالي في الدينونة والهلاك.



نستنتج مما سبق أنَّ هذا المَثَل هو دعوةٌ إلى مَسْؤوليَّة حياتنا وعائلتنا ومجتمعنا وعالمنا وإخوتنا في الإنسانية. دعوةٌ لكُلِّ مسيحي للحفاظ على هذه المَسْؤوليَّة لكي يؤدِّي للرَّبّ ثمار أعماله الصَّالحة من خلال الحياة الفاضلة، والأخلاق القويمة، والقيام بالواجبات الدِّينيَّة بدقَّةٍ وأمانة، طَوالَ أيَّام حياته. فإن كان الرَّبّ لم يشفق على الكَرْمة الأصلية، فهل يترك الكَرْمة الجديدة إن كانت بلا ثمر. ما زال الرَّبّ يطلب الثمار في كنيسته وفي كل نفس، كما اكّد ذلك بولس الرسول "فإِذا لم يُبقِ اللهُ على الفُروعِ الطَّبيعِيَّة، فلَن يُبْقيَ علَيك. فاَعتَبِرْ بِليِنِ اللهِ وشِدَّتِه: فالشِّدَّةُ على الَّذينَ سقَطوا، ولِينُ اللهِ لَكَ إِذا ثَبَتَّ في هذا اللِّين، وإِلاَّ فتُفصَلُ أَنتَ أَيضًا"(رومة 11: 24). ومن هذا المنطلق، يحذِّر هذا المَثَل المسيحيين المتشبثين بالخطيئة التي تمنعهم من تأدية ثمارَ الحياة الفاضلةـ إذ يُنذرهم بالعقوبة الأبديَّة. فلنقم بالمسؤوليات التي تقع على عاتقنا بأمانة ومحبَّة على مثال يسوع المسيح ربنا فنكون تلاميذ الرَّب بحسب وصيته " أَلا إِنَّ ما يُمَجَّدُ بِه أَبي أن تُثمِروا ثمراً كثيراً وتكونوا لي تلاميذ" (يوحنا 15: 8).





الخلاصة



يلي إنجيل اليوم مَثَل الكَرَّامين القَتَلة (متى 21: 33-43)، مثل الابْنَين مباشرة (متى 21: 28-30). ويروي مَثَل الكَرَّامين القَتَلة عن رجل لديه كَرْم. يعطيه بالإيجار إلى كرّامين للعمل فيه، ولجمع ثماره وتسليمها في الوقت المناسب إلى صاحب الكرْم. لكن رفض الكرَّامون تسليم المحصول، بل عاملوا بالعنف الخَدَمة الذين أرسلهم صاحب الكرم كي يأخذوا ما يحق له من ثمار. ضربوا أحدهم، ورجموا الآخر وقتلوا الثالث. وبالرغم من ذلك أرسل صاحب الكِرْم ابنه إليهم مُعتقدا أنهم سوف يحترمونه في نهاية المطاف. ولكن أراد الكرَّامون التخلص من الابن الوريث الشرعي.



الكَرْمة هي شعب إسرائيل والخدَم هم الأنبياء، والكرامون هم المسؤولون عن شعب إسرائيل، أي رؤساء الكهنة والكتبة والشُّيوخ، الواجب عليهم أن يعتنوا بها، لكنهم أساؤوا معاملة الأنبياء الذين أرسلهم الله إليهم. كشف يسوع فمن خلال هذا المَثَل مؤامرة القادة اليهود الدينيين القتلة. قتل الكرَّامون الأشرار خدَم صاحب الكَرْم، فقام الله بمحاولة أخيرة، وأرسل إليهم ابنه، فأخذوه خارج الكَرْم، وقتلوه طمعا في ميراثه (21: 45) مدَّعين بأنَّهم أصحاب الكَرْم. رفض الكرَّامون كل علاقة مع صاحب الكرم. وعندئذ صدر الحكم: يٌهلك الله أولئك المسؤولين شر هلاكٍ، ويسلم كَرْمَه إلى آخرين.



يصف يسوع عندئذ وظيفته المزدوجة كحجر زاوية (متى 21: 42)، كما جاء في تنبؤات أشعيا "لِذلك قالَ السَّيِّدُ الرَّبّ: ها إِنِّي واضِعٌ حَجَراً في صِهْيون حَجَراً مُمتَحِناً، رَأسَ زاوِيَةٍ كَريماً أَساساً مُحكَماً مَن آمَنَ بِه لَن يَتَزَعزَع. " (أشعيا 28: 16)، وحجر عثرة (متى 21: 44) كما جاء في تنبؤات أشعيا "فيَكونَ لَكم قُدساً وحَجَرَ صَدْم وصَخرَ عِثارٍ لِبَيتَي إِسْرائيل وفَخّاً وشَبَكَةً لِساكِني أُورَشَليمَ " (أشعيا و8: 14-15).





دعاء



يا رب، يا من أعطيتنا أن نعمل في الكَرْم وتطلب منا الثمار، هب لنا أن نثبت فيك كي نقوم بمسؤوليتنا ونعطي الثمار اليانعة فنكون حقاً تلاميذك. لأنك "أنتَ الكَرْمةُ ونحن الأَغصان. فمَن يثَبَتَ فيّكَ فَذاكَ الَّذي يُثمِرُ ثَمَراً كثيراً لأَنَّنا بمعزل عنك لا نستطيع أن نعمل شيئاً" (يوحنا 15: 5). أنت يا يسوع غَرَست استشهاد جموع الشهداء لأجلنا، ولأجلنا ذقت صليب العار وذاق الرُّسل صليبك، ولهذا أثمروا إلى أقاصي الأرض. فالمجد لله دائماً.

آمين
رد مع اقتباس
إضافة رد


الانتقال السريع

قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً
الموضوع
مَثَل الكرَّامين | يروي مَثَل الكَرَّامين القَتَلة عن رجل لديه كَرْم
مَثَل الكرَّامين | التطبيق المسيحاني
مَثَل الكرَّامين | التطبيق التاريخي
مَثَل الكرَّامين | "بَعضَ الكرَّامين"
مَثَل الكرَّامين


الساعة الآن 01:49 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024