|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
الأسوانى..غريبة ماسكين فى شفيق وسايبين المشير حدث ذلك منذ سنوات طويلة.. كنت حديث التخرج أعمل نائباً (طبيب مقيم) فى قسم جراحة الفم بجامعة القاهرة وكنت أتدرب على إجراء الجراحات. ذات يوم كنت أجرى جراحة فى فم أحد المرضى عندما مر مدرس بالقسم معروف بشراسته. انتظر المدرس حتى انتهيت من الجراحة ثم قال لى: ــــ الطريقة التى أجريت بها الجراحة غلط. دخلت مع المدرس فى مناقشة علمية طويلة دافعت فيه عن وجهة نظرى لكنه أصر على أن ما فعلته خطأ. أثناء الحديث لمحت أحد أساتذة القسم فطلبت منه أن يتدخل ليحكم بيننا. عرضت للأستاذ وجهتى النظر (بدون أن أحدد من منا يتبنى أى رأى). فوجئت بالأستاذ يتطلع نحو المدرس ويسأله: ــ إنت رأيك إيه..؟ قال المدرس رأيه فقال له الأستاذ: ــ إنت رأيك صح. أحسست بالقهر والغضب، وفى اليوم التالى أحضرت معى كتابا شهيراً فى الجراحة وذهبت إلى مكتب الأستاذ وما إن رآنى ومعى المرجع حتى قال ساخراً: ــ إنت جايب لى الكتاب عشان تثبت رأيك.. ؟! أنا عارف إن رأيك صح. ــ لكن حضرتك قلت إن رأيى غلط؟ تطلع إلىَّ الأستاذ وقال بلهجة من يلقى بحكمة عميقة: - أنت مازلت نائباً، وهو مدرس أكبر منك بعشر سنوات على الأقل.لا يمكن أقول له إنه غلطان قدامك. لازم أحتفظ له بالهيبة. لم أجد فائدة فى الحديث مع الأستاذ فشكرته وانصرفت. بعد شهور سنحت لى الفرصة فسافرت للدراسة فى جامعة إلينوى بالولايات المتحدة وأسعدنى الحظ بالعمل مع واحد من أهم علماء الهيستولوجى (علم الأنسجة) فى العالم هو الدكتور دنيس ويبر. كنا مجموعة بحثية من طلبة الماجستير والدكتوراه يشرف علينا الدكتور ويبر الذى جمعنا بعد شهر وقال: ــ اسمعوا. أريد أن أستمع إلى أفكاركم. إذا كان هناك ما يضايقكم فى العمل أو كنتم تعتقدون أننى قد ارتكبت أخطاء أرجوكم قولوا لى. كان الموقف فوق قدرتى على الاستيعاب فلذت بالصمت، أما زملائى فقد اشتدوا فى نقد الدكتور ويبر، وراح كل واحد منهم يدلل على نقده بأمثلة عملية فى عملنا البحثى. ظل العالم الكبير هادئاً يسجل كل الملاحظات وفى النهاية قام بالرد عليها واحدة واحدة وشرح لنا خطة العمل بالتفصيل واعترف ببعض التقصير وتعهد بإصلاحه ثم شكرنا وأنهى الاجتماع. ظللت أياماً أراقب علاقة الدكتور ويبر بالطلبة الذين انتقدوه بقسوة فوجدت معاملته الطيبة لهم لم تتغير. هاتان الواقعتان أتذكرهما معاً. فى جامعة القاهرة الأستاذ دائما على حق حتى لو أخطأ حفاظا على هيبته أمام الأطباء الشبان، وفى جامعة إلينوى يطلب منك أستاذ كبير أن تقول ملاحظاتك السلبية على عمله ثم يستمع ويشرح ويعترف بتقصيره ويعد بإصلاحه. هذا هو الفرق بين الاستبداد والديمقراطية. لو أنك بحثت فى كل وسائل الإعلام الغربية عن كلمة «هيبة الدولة» فلن تجدها أبداً لأن الهيبة الوحيدة للقانون. أما فى مصر فإن مصطلح الهيبة شائع ومتكرر وهو يخفى دائماً ظلماً وتعسفاً.. هيبة الدولة معناها الاستبداد بحياة المواطنين وهيبة الشرطة معناها قمع المواطنين وضربهم وتعذيبهم وتلفيق التهم لهم إذا اعترضوا. هيبة القضاة معناها ألا تجرؤ على أن تنقد قاضياً حتى لو اشترك فى تزوير الانتخابات أو ثبت أن له علاقة بأمن الدولة. هيبة الرئيس معناها أن يحاكم ويسجن أى شخص بتهمة إهانة الرئيس، بل إن مفهوم الهيبة ينتقل كالعدوى. بعد أن صار رئيس مصر من الإخوان انتقل الإحساس بالهيبة إلى قياديى الإخوان فصاروا يتعاملون مع خلق الله باستعلاء وغطرسة. منذ أيام أجرى القيادى الإخوانى عصام العريان مداخلة تليفزيونية مع مذيعة من أفضل الإعلاميين المصريين هى جيهان منصور ولما احتدم النقاش اتهم «العريان» المذيعة بالرشوة وأكد أنها تقبض من جهات ما لتهاجم الإخوان. لا يوجد فى العالم الديمقراطى ما يسمى «هيبة الدولة أو رموز الوطن».. هذه مصطلحات الاستبداد. فى الديمقراطية لا توجد هيبة إلا هيبة القانون ولا يوجد رمز للوطن إلا المواطن نفسه. الإنسان الذى أنشئت الدولة أساساً لحماية حقوقه وكرامته.. الحاكم فى مجتمع الاستبداد هو رمز الوطن لأنه بمثابة شيخ القبيلة، فهو يعرف مصلحتنا أكثر منا ويقرر بالنيابة عنا وهو يأمرنا فنطيع وغالبا ما يكون ظالماً وفاسداً لكننا لا نجرؤ على محاسبته لأن ذلك يعد مساساً بهيبة الدولة وتطاولاً على رموز الوطن.. فى البلاد الديمقراطية الحاكم خادم الشعب بمعنى الكلمة، من حق أبسط مواطن ولو كان كناساً فى الشارع أن يحاسب الرئيس وأن يشتد فى نقده فلا يعاقبه أحد، بل إن القانون فى البلاد الديمقراطية يحمى المواطن العادى من السب والقذف ولا يحمى رئيس الدولة. لو أنك قلت لجارك أمام الشهود: «أنت كذاب وأفاك» يستطيع أن يقاضيك ويحصل على تعويض أما لو ظهرت فى التليفزيون وقلت إن رئيس الوزراء أفاك وكذاب فلن يعاقبك القانون لأنه يسمح بنقد المسؤول الحكومى مهما كان النقد قاسياً ومقذعاً تحقيقاً للصالح العام. فى مصر يبدو الرئيس مرسى مستمتعاً بمحاكمة المصريين وحبسهم بتهمة إهانة الرئيس. هناك مواطن اسمه بيشوى البحيرى يقضى عامين فى السجن لأنه أهان الرئيس مرسى على موقع فيس بوك وكأن رئيس الدولة ذات مقدسة لا تمس. الرئيس مرسى نفسه تربى فى جماعة الإخوان المسلمين التى ينشأ أعضاؤها على الطاعة المطلقة وتقبيل يد المرشد، ولقد رأينا فى تسجيل فيديو كيف يتزاحم أعضاء الإخوان حتى يفوز المحظوظ منهم بوضع الحذاء فى قدم المرشد الكريمة الطاهرة. من تربى فى هذا الجو سوف يحمل ثقافة الاستبداد قطعاً. بعد أن نجح الرئيس مرسى فى تنحية المجلس العسكرى عن السلطة دعا إلى القصر الجمهورى بعض الشخصيات العامة كنت بينهم. ذلك اليوم وجهت إلى الرئيس سؤالاً محدداً: ــ لماذا قمت بتكريم المشير طنطاوى والفريق عنان بينما تطالب القوى الثورية بمحاكمتهما على المذابح التى حدثت فى عهدهما..؟! وهل يعتبر تكريمك لهما نوعاً من الاتفاق معهما على الخروج الآمن بحيث تضمن لهما عدم ملاحقتهما قانونياً..؟! عندئذ أجاب الرئيس مرسى بحماس: ــ أريد أن أؤكد لكم جميعاً أنه بعد الثورة لا يوجد أى شخص فوق المحاكمة حتى لو كان المشير طنطاوى أو الفريق عنان. هذا ما قاله الرئيس أمام شهود كثيرين وكالعادة فعل عكس ما يقول. فى الأسبوع الماضى تدفقت البلاغات ضد المشير طنطاوى والفريق عنان تتهمهما بالكسب غير المشروع وتضخم الثروة بينما هما موظفان عموميان لهما رواتب ثابتة وتتهمهما أيضا بالمسؤولية عن قتل المصريين فى المذابح التى حدثت فى عهدهما.. كل هذه اتهامات جدية تستدعى المحاكمة لكن الجيش أصدر بيانا يدين فيه إحالة طنطاوى وعنان إلى المحاكمة ويعتبر ذلك تعدياً على هيبة القوات المسلحة وإهانة لرموز الوطن.. أما الرئيس مرسى فقد تملّكه الخوف وأعلن فى اليوم التالى أنه لن يسمح أبداً بإهانة رموز الجيش ولا قياداته الحالية أو السابقة.. كما أكد الرئيس أنه يريد أن يطمئن الجيش على مخصصاته وميزانيته ومشروعاته التى لن يمسها أحد.. إن المنطق الذى يقدمه بيان الجيش وهو يرفض محاكمة طنطاوى وعنان يعنى ببساطة أن المصريين ليسوا سواء أمام القانون. مادمت ضابطاً كبيراً فى الجيش فمن حقك أن تفعل ما تشاء وليس لأحد أن يحاسبك لأنك أصبحت رمزاً للوطن. من حق أى قائد للجيش، إذن، أن يأمر جنوده فيقتلوا المتظاهرين ويلقوا بجثثهم فى القمامة ويسحقوهم بالمدرعات ويهتكوا أعراض البنات ويسحلوهن فى الشوارع. وليس من حقنا أن نحاسب أحداً على هذه الجرائم حفاظاً على هيبة الجيش. من حق قائد الجيش أن يقتنى القصور والأراضى الشاسعة ويراكم ثروة ضخمة ولا يجرؤ أحد على سؤاله «من أين لك هذا؟!»، لأنه صار رمزاً للوطن لا تجوز مساءلته.. فى مصر التى يعيش نصف سكانها تحت خط الفقر تنشئ القوات المسلحة مشروعات بالمليارات لا نعرف عنها شيئاً. أموال طائلة نرى آثارها على بعض قادة الجيش ولا نعرف أبداً حجمها ولا مصدرها ولا طريقة توزيعها وكأن الجيش قد صار دولة داخل الدولة. إن احترامنا واعتزازنا بالقوات المسلحة ثابت وعميق لكن حماية المخطئين لأنهم عسكريون سلوك ظالم لا يمكن قبوله فى دولة محترمة. إذا كان الرئيس مرسى يرى فى محاكمة المشير طنطاوى والفريق عنان مساساً بهيبة الجيش فلماذا يوافق على محاكمة أحمد شفيق الذى كان قائدا للطيران وبالتالى يعتبر رمزا للوطن مثل طنطاوى..؟! وإذا كان ذلك منطق مرسى فلماذا يوافق على محاكمة مبارك.. ألا يعتبر أيضاً رمزاً للوطن؟! وهل يجوز محاكمة جمال وعلاء مبارك.. ألا يعتبران أيضاً رمزين (ولو صغيرين) للوطن مثل أبيهما.. فلنتعلم من الآن فصاعدا أن الوطن ليس له رموز.رمز الوطن الوحيد هو المواطن. الدولة ليس لها هيبة لكنها تستمد هيبتها من قوة القانون وليس من حماية القتلة والفاسدين.. إن صورة الرئيس مرسى الآن أوضح من أى وقت مضى. الرئيس مرسى رجل يعد ولا يفى أبداً وهو يقول كلاماً جميلاً ويأتى بأفعال قبيحة. الرئيس مرسى مصر على إبقاء الإخوان المسلمين كتنظيم خارج القانون وفوق المحاسبة. إننا لا نعرف ميزانية الإخوان ولا نعرف إذا كانوا يتلقون تمويلاً من داخل مصر أو خارجها، بل إننا لا نعرف إن كان الرئيس مرسى يتخذ قراراته بنفسه أم أنه يتلقى تعليماته من مرشد الإخوان الذى قد يكون الحاكم الفعلى لمصر، بل يتضح الآن لنا ما هو أخطر: لقد عقد الرئيس مرسى اتفاقاً للخروج الآمن مع المجلس العسكرى ضمن فيه عدم ملاحقة أعضائه قضائياً وهكذا تنكر الرئيس لدماء الشهداء وأعطى عفواً لا يملكه إلى من لا يستحق.. مرة أخرى تخلى الإخوان عن الثورة وباعوا مبادئها من أجل السلطة. لقد قامت الثورة المصرية من أجل الحق والعدل.. لن تسمح الثورة بأن يكون أحد فوق المحاسبة مهما يكن منصبه فى الدولة.. الثورة مستمرة حتى تتحقق أهدافها كاملة. الديمقراطية هى الحل. البشاير |
|