![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
![]() إِذا شَارَكْناهُ في آلامِه، نُشارِكُه في مَجْدِه أيضًا لا تَزالُ شَخصيُّةُ بُطرسَ الرّسول، تُرافِقُنا عَلَى مَدَى آَحادٍ ثَلاثَة. وَفي كُلِّ مَرّةٍ نَجِدُهُ في مَوقِفٍ يختَلِفُ عَنْ سَابِقِهِ! فَفي الْمَرّةِ الأولى، رَأينَاهُ التَّلميذَ الخائِف، الّذي أَغرَقَهُ شَكُّهُ وَقِلَّةُ إيمانِه. وفي الْمَرّةِ الثّانِيَة، رَأيناهُ التّلميذَ الواثِق، الّذي يُعلِنُ بِوَحيٍ أَعظمَ إعلانِ إيمان: ﴿أَنتَ الْمَسيحُ ابنُ اللهِ الحيّ﴾ (متى 16:16). أَمَّا اليَوم فَنَرَاهُ يَنالُ تَوبيخًا قاسِيًا مِنَ الْمسيح: ﴿اِذْهَب عَنّي يَا شَيطان، فَأنتَ لي حَجرُ عَثرَة، لأنَّ أَفكارَكَ لَيست أفكارَ الله، بَل أفكارُ البَشر﴾ (متّى 23:16)! وَهَذَا الجَوابُ الحَاد مِن الْمَسيحِ لِبطرس، يَنقُلُنا إلى مَا وَردَ في رِسَالةِ القِدّيسِ يَعقوب، حينَ قَال: ﴿الشَّياطينُ هيَ أيضًا تُؤمِنُ وَترتَعِد﴾ (متّى 19:2). والإيمانُ هُنا بِمعنَى مَعرِفَةِ وُجودِ الله وعظيمِ قُدرتِه، وَلَكنَّهَا مَعرِفَةٌ تَخلو مِنَ الْمَحَبَّة، ولا يَصحبُها الأعمالُ الصّالِحة الّتي هي ثَمرةُ الإيمان! فالإيمانُ باللهِ يَا أَحبّة، لَيسَ مجموعةَ الْمَعارِفِ وَالعُلومِ الّتي تَملِكُها عَنِ الله، بَلْ هوَ قُبولُ إرادةِ اللهِ وَالعَملُ بموجَبِ تَعاليمهِ وَوَصايَاه. وَخَطأُ بُطرس هُنَا، يَكمُنُ في أنَّه رَفضَ مَشيئةَ الْمَسيحِ، ابنِ اللهِ الحيّ، ولَمْ يَقبَل إِرادَتَهُ. ﴿حَاشَ لَكَ يَا رَب! لَنْ يُصيبَكَ هَذا﴾ (متّى 22:16). فَبُطرسُ بِموقِفِهِ هَذَا يُعلِنُ رَفضَهُ التَّام لِمَشيئةِ الْمَسيح، وَرَفضُ مَشيئةِ الْمَسيح، هوَ فِعلٌ شَيطانيٌّ بامْتياز، وَعَلَيه نالَ هَذَا التّوبيخَ الحَاد. وبالْمُناسَبة، يَعودُ بطرس لِيرتَكِبَ نَفسَ الخَطأ، أَثنَاءَ العَشاءِ الأخير، عِندمَا عَارضَ فِعلَ الْمَسيحَ قَائِلًا: ﴿لَنْ تَغسِلَ قَدَميَّ أبدًا﴾ (يوحنّا 8:13). وَبعدَ "تهديدِ" الْمسيحِ لَهُ بِخُسرانِ النَّصيبِ مَعَهُ، أَطَاعَ بِوفرَةٍ وَقَبِلَ (راجِع يوحنّا 8:13-9). يَا تُرَى، كَمْ يَبلُغُ مِقدَارُ قُبولِنَا لِمَشيئةِ اللهِ في حَياتِنا؟ وَمَا هوَ الْمِعيارُ لِقُبولِ إراداتِهِ أو رَفضِهَا؟ وَكَم هيَ الْمَواقِفُ الّتي عَبّرنَا فيهَا، مِثلَ بُطرس، عَنْ رَفضِنَا وَاعْتراضِنَا عَلَى وَصَايا اللهِ وَأَحكامِه؟ وَهَلْ فِعلًا كُلُّ مَا يحدَثُ مَعَنَا هوَ إرادَةُ اللهِ لَنَا، خُصوصًا عِندَمَا نُصَابُ وَنُبتَلَى؟! سُؤالٌ لا تَسهُلُ الإجابَةُ عَلَيه. أَحيانًا نَقول: "مشيئة الله"، كَنَوعٍ مِنَ القُبولِ الْمُرِّ عَلى مَضَض. وَالبَعضُ لا يَزالُ غَاضِبًا عَلَى الله، نظرًا لِمَوقِفٍ صَعب، أو حَدثٍ أليم، وَلا يَجدُ سِوَى الله مَصدرًا أَوّل وَسَببًا يُحَمِّلُهُ كُلَّ مَصَائِبِهِ وَعَذَاباتِه! وَهَذا أيضًا غيرُ صَحيح. الصَّحيحُ هَوَ أَنَّ الألمَ جُزءٌ أَصيلٌ مِنْ حَياتِنَا الأرضيّةِ وَطَبيعَتِنَا البَشريّة، فالجَسدُ يَتألّم والنّفسُ تَتَألَّم، بِصرفِ النّظرِ عَنْ مُعْتَقَداتِك وَانتِمَاءاتِك، عَنْ فقرِك أَو غِنَاك، عَنْ مَركزك وَمَوقِعك الاجتماعي...إلخ. وَهُوَ مَا تَحدّثَ عَنهُ الْمَسيحُ بِقُبول: ﴿وَبَدَأَ يُظْهِرُ لِتَلاميذِهِ أَنَّهُ يِجبُ عَلَيهِ أَنْ يُعَاني آَلامًا شَديدَةً وَيُقتَل﴾ (راجِع متّى 21:16). وَهُوَ مَا رَفَضَهُ بُطرس: ﴿حَاشَ لَكَ يَا رَب! لَنْ يُصيبَكَ هَذا﴾. صَحيحٌ أَنَّ البَعضَ قَدْ يَرَى في هَذهِ الآيةِ تَعبيرًا عَنْ مَحبَّةِ بُطرس الكَبيرةِ لِلْمَسيح، وَلَكنَّهَا تَبقى تَدَخُّلًا مُبَاشِرًا وَتَصَادُمِيًّا مَع إرادةِ الْمَسيح، وَمحاولَةً مِن بطرس لإخراجِ يَسوع عَنْ سِكّةِ خَيارِه، وَتَقييدًا لِمَشيئتِه الخَلاصيّة، وَهوَ الأمرُ الْمَرفوضُ تمامًا عِندَ يَسوع. وهَذا مَا يُؤكِّدُهُ صاحِبُ الرّسالةِ إلى العبرانيّين قائِلًا: ﴿وَلأَنَّه قَدِ ابتُلِيَ هُوَ نَفسُه بِالآلام، فَهوَ قَادِرٌ عَلَى إِغاثَةِ الْمُبتَلَين﴾ (عبرانيّين 18:2). وإذا كَانَ الْمَثَلُ الدَّارِج يقول: "إنَّ الحَديدَ بالحَديدِ يُفْلَح"، فَكَذَلِكَ الآلامُ بالآلامِ تُفْتَدى. فَكَانَ لا بُدَّ مِن آلامِ الْمسيح، وَسيلَةً لِخلاصِ البَشريّةِ مِنْ آَلامِهَا. فالْمسيحُ بآلامِهِ خَلَّصَنَا مِنْ آَلامِنا، بِأنْ أَعطَانَا إيمانًا ورَجاءً، لاجْتيازِ "وادي الدُّموعِ الْمَالِحة" بِكُلّ ثِقَةٍ، وَالعُبورِ مع الْمَسيحِ إلى جَبَلِ التَّجلَّي والْمَجد، لِيَتَمَّ قَولُ بُولسَ الرَّسول: ﴿إِذا شارَكْناهُ في آلامِه، نُشارِكُه في مَجْدِه أيضًا﴾ (رومة 17:8). وَأَخيرًا، إذا كَانَ الألمُ جُزءًا مِنْ حَياتِنا كَبَشر، فإيمانُنا بالْمَسيحِ هَوَ الّذي يُبْقِي فِينَا شُعلَةَ الرّجاءِ مُشتَعِلة، حَتّى لا نَيأَسَ وَنَنهَار. وَهَذَا مَا يُفسِّرُ قَولَ الْمَسيحِ لبُطرس: ﴿دَعَوتُ لَكَ أَلّا تَفقِدَ إيمانَك﴾ (لوقا 32:22). لِأنَّ الخطرَ الحَقيقيّ وَقتَ الْمِحنَةِ والشِّدةِ والألَم، يَكمُنُ في فُقدانِ الإيمانِ، وَإضاعَةِ الرَّجاء، وبُلوغِ اليَأس، وَعِندَهَا نَخسرُ الخلاصَ الأبديّ، وَهَذهِ هِيَ الْمُصيبَةُ الكُبرَى الّذي لا تُعَوَّض، والألَمُ الأعظَم الّذي لا يُفتَدى. |
![]() |
|