رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
تباين عن الأوثان أَصْنَامُهُمْ فِضَّةٌ وَذَهَبٌ، عَمَلُ أَيْدِي النَّاسِ [4]. جاءت كلمة "أصنام" هنا بمعنى "صور". إنها من فضة وذهب، لا حياة فيها. فهي أقل من الملائكة والناس. إن كان الله هو خالق البشر، فإن أصنامهم ليست عاجزة عن الخلقة فحسب، بل هي نفسها من "عمل أيدي الناس". إنها ليست بآلهة. يميز القديس كيرلس الكبير بين الصور التي يعبدها الوثنيون كآلهة، وصور القديسين والأبرار التي تمجد الله، وترفع قلوبنا إليه. * حتى إن صنعنا صورًا للأتقياء، فهي ليست لكي نتعبد لها كآلهة، وإنما لكي ما إذا رأيناها تحثنا على الاقتداء بهم، وإن صنعنا صورة للمسيح، إنما لكي ترتفع عقولنا في اشتياقٍ إليه. القديس كيرلس الكبير * حقًا لديهم أصنام من نحاس وخشب وخزف، ومواد مختلفة من هذا النوع. لكن الروح القدس فضّل الإشارة إلى المواد الثمينة، لأنه عندما يتخلى من تلك التي هي أثمن، بالأكثر يستطيع أن يتخلى عن العبادة للأشياء التافهة. يتحدث في موضع آخر عن عابدي الأوثان: "قائلين للعود أنت أبي، وللحجر أنت ولدتني" (إر 2: 27). ولئلا يظن من يفعل هذا ليس للحجر أو العود، وإنما للذهب والفضة، فيحسب نفسه أكثر حكمة، لذا يلزمه أن يحول أذن قلبه إلى القول: "أصنامهم ذهب وفضة". القديس أغسطينوس لَهَا أَفْوَاهٌ وَلاَ تَتَكَلَّمُ. لَهَا أَعْيُنٌ وَلاَ تُبْصِرُ [5]. يتعجب المرتل كيف يمكن لإنسان أن يعبد صور خرساء وعمياء، وتبقى هكذا على الدوام. يدهش القديس أغسطينوس من الوثنيين الذين يكرمون الأصنام ويعبدونها، وينسبون لها سلطانًا، مع أن الإنسان الفنان صانعها أفضل وأسمى منها. الحيوانات حتى الضارة منها مثل الفئران والحيات فيها نسمة حياة لا توجد في الأصنام. والإنسان الميت وإن كان غير حي، لكنه يومًا ما كان حيًا، أما الأصنام فلم تعرف الحياة! * صانع (الأصنام) نفسه أعظم منها، إذ قام بصبها وأوجدها بعمل أطراف جسمه، ومع هذا فأنت تخجل من أن تعبد الصانع (الفنان)، مع أنك تفعل ما لا تستطيع هي أن تفعله. حتى الحيوان يسمو عليها، إذ قيل: "لا تصرخ بحناجرها"... كيف أن الفئران والحيات وكل الحيوانات التي من نفس النوع أفضل منها، وهي تدين أصنام الوثنيين... يتحرك الإنسان بنفسه لكي يُرعب حيوانًا حيًا ويطرده عن إلهه، ومع هذا يعبد هذا الإله العاجز عن الحركة، كما لو كان صاحب سلطان... حتى الإنسان الميت يسمو على هذا الإله، الذي لم يعش وليس هو حي. * مع أن الإنسان يصنع آلهته، إلا أن يصير أسيرًا لها، وذلك بمجرد قبوله التبعية لها بتعبده لها... فما هي الأصنام سوى أشياء لها أعين ولا تبصر، كما يقول الكتاب المقدس؟ القديس أغسطينوس لَهَا آذَانٌ وَلاَ تَسْمَعُ. لَهَا مَنَاخِرُ وَلاَ تَشُمُّ [6]. يحتاج الإنسان إلى إله يسمع وله ويتجاوب معه، وقادر على العمل والمشاركة. أما هذه الأصنام فصّماء حتى عن الشم. أما بالنسبة لله الحي، ففي محبته الفائقة يميل بأذنيه ليسمع حتى تنهدات قلوبنا، يشتم فينا رائحة البنوة، فيضمنا إلى أحضانه ويقَّبلنا. * لا تنطق بشيء أمام الله (بكبرياء) كما لو كنت صاحب معرفة، إنما اقترب إليه وأنت تحمل فكر الطفل (الواثق في أبيه)، واسلك أمامه، فتُحسب أهلًا للرعاية الأبوية التي يقدمها الآباء لأطفالهم الصغار. القديس مار اسحق السرياني لَهَا أَيْدٍ وَلاَ تَلْمِسُ. لَهَا أَرْجُلٌ وَلاَ تَمْشِي، وَلاَ تَنْطِقُ بِحَنَاجِرِهَا [7]. لم يكف العهد القديم عن شجب العبادة الوثنية. تعجز الأصنام عن العمل والحركة والنطق. هذه السمات التي للأصنام تدعو للسخرية مع الشعور بالعجز. وكما قيل بإشعياء النبي: "فبمن تشبهون الله، وأي شبه تعادلون به. الصنم يسكبه الصانع، والصائغ يغشيه بذهبٍ، ويصوغ سلاسل فضة. الفقير عن التقدمة ينتخب خشبًا لا يسوس، يطلب له صانعًا ماهرًا لينصب صنمًا لا يتزعزع" (إش 40: 18-20). * لقد حرر الذين يملكون الأشياء الجامدة من العبودية لها، وذلك خوفًا من أن يصيروا فيما بعد عبيدًا للأوثان، التي قيل عنها: "لها أفواه ولا تتكلم؛ لها أعين ولا تبصر، لها آذان ولا تسمع؛ لها مناخر ولا تشتم؛ لها أيدٍ ولا تلمس؛ لها أرجل ولا تمشي" (مز 5:115). من أجل هذا، دعا بولس الرسول محبة المال "عبادة أوثان"، لأنه كما أن الأمم يعبدون الأشياء الجامدة التي لا توجد فيها مشاعر ولا حياة، هكذا أيضًا الذين يحبون الغنى يخدمون ذهبًا صامتًا وفضة بلا حياة . القديس مار فيلوكسينوس مِثْلَهَا يَكُونُ صَانِعُوهَا، بَلْ كُلُّ مَنْ يَتَّكِلُ عَلَيْهَا [8]. يرى القديس أغسطينوس أن الأمم إذ عبدوا التماثيل الحجرية صاروا حجارة، كالأشياء التي اعتادوا أن يعبدوها، عبدوا الصورة الجامدة فصاروا هم أنفسهم بلا حس . إن كان عابدو الأوثان في حماقتهم عبدوا المخلوقات غير العاقلة، فصاروا على مثالها، مملوءين بالحماقة، فإننا إذ نعبد الإله الخالق، نود أن نقتدي به بكونه كلي الحكمة والفهم والحب والرحمة. فالإنسان يقتدي بمن يتعبد له! كما أن الأصنام لا حول لها، هكذا العابدون لها يصيرون بلا قوة، فيشبهون آلهتهم الأصنام وعابدوها يجحدون العقل والفهم، ويتسمون بالغباء. * وماذا نقول نحن الآن؟ كانت الطبيعة البشرية في وقت من الأوقات جامدة خلال الوثنية، فتحولت طبيعة الإنسان القادرة على التغيير إلى الطبيعة التي لا حياة فيها كالأصنام التي كانوا يعبدونها. يقول الكتاب: "مثلها يكون صانعوها، بل كل من يتكل عليها" (مز 115: 8). ولا يمكن تلافي هذا الأمر، لأن كل الذين ينظرون إلى الله ويحفظون وصاياه، يكتسبون صفات الطبيعة الإلهية، بينما الذين ينحازون إلى الباطل، أي الأصنام، يتحولون إلى ما يعبدونه، ويصيرون حجارة بدلًا من بشر . القديس غريغوريوس النيسي * خُلق الإنسان أولًا على صورة الله، إلاّ أنه تحول إلى حيوان غير عاقل، فصار شبيها بالنمر والأسد من خلال العادات الشريرة، وكما يقول النبي: "يكمن المختفي كأسد في عرينه. يكمن ليخطف المسكين. يخطف المسكين يجذبه في شبكته" (مز 10: 9). لقد تحول الإنسان إلى حيوان متوحش بعد أن صار قويًا. "مثلها يكون صانعوها، بل كل من يتكل عليها" (مز 115: 8). ويصبح الشخص نمرًا بصبغ نفسه بقذارة هذا العالم. وعندما تلوثت الطبيعة البشرية انجرفت في عبادة الأوثان، وأخطأ اليهود وسقطوا في غيرها من الشرور والخطايا. وبعد ذلك مرت الطبيعة البشرية خلال الأردن والمرّ والأعشاب العطرة والبخور وارتفعت إلى مستوى عالٍ، حتى أنها تسير الآن مع الله... يمنح العريس النفس التي تصعد إليه عمقًا في التمتع بالسمو، ويظهر جماله لها، ويذكرها بأخطائها السابقة وهي على هيئة الحيوانات المتوحشة، حتى تتمكن من الفرح في تمتعها الحالي بمقارنته بحالتها السابقة . القديس غريغوريوس النيسي |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
مزمور 115| تباين بين الله والأوثان |
مزمور 29 - يرى البعض أن الأرز هنا يشير إلى عبادة الأوثان |
«رجعتم إلى الله من الأوثان» |
مزمور 115 - تفسير سفر المزامير - تباين بين الله والأوثان |
عبادة الأوثان |