23 ايلول عيد القديسة تقلا اولى الشهيدات العذراء الشهيدة بالشوق (المعترفة)
St. Thecla Virgin and Martyr
إسمها "ثكلا - " (تُنطق في العامية "تكلا") وهو اسم يوناني مشتق من الأصل "ثيوكليا – المقسم لمقطعين: المقطع الأول"ثيوس - ويعني "معبود" أو "إله"، و المقطع الثاني "كليوس ويعني "شهير" أو "مجيد".
إذاً إسم قديستنا يعني "ألمعبودة المجيدة".
مرجع سيرتها الحقيقي، هو مخطوط كُتِبَ في القرن الثاني الميلادي (حوالي عام 180م) يُسمّى "أعمال بولس وتكلا". وقد سُمّيَ بهذا الاسم لأن القديسة تكلا عاصرت القديس بولس الرسول وآمنت عن يده بالمسيح.
وطبقاً لهذا المخطوط فإن تكلا وُلدت حوالي عام 30م، بمدينة أيكونيم (حالياً اسمها مدينة كونيا وتقع جنوب دولة تركيا) لأسرة من نبلاء المنطقة. بعمر الخامسة عشر إعتنقت تكلا الإيمان المسيحي عن بشارة القديس بولس وبرنابا بمدينتها [الرحلة التبشيرية الأولى – راجع أعمال الرسل 13 ، كان بإمكان تكلا الاستماع إلى عظات بولس الرسول من شرفة منزلها، وبالفعل ظلّت تسمعه ثلاث أيام متتالية لا تغادر شرفتها حتى ينتهي من عظته، ومن ضمن ما استمعت منه كانت عظة عن التبتل من أجل التفرغ لخدمة المسيح، فاقتنعت بها وقررت فسخ خطبتها من شخص يدعى "ثامريس"، مما أغضبه وأغضب والدتها أيضاً.
إتفقت والدتها وخطيبها على الإيقاع ببولس في يد السُلطات لإيقافه عن الوعظ والتأثير على تكلا، وبالفعل تم اعتقاله وإلقائه في السجن، فتذكرت تلميذته تكلا كلماته: (( ولكِنَّ كَلِمَةَ اللهِ لَيسَت مُقيّدَة)) (تيموثاوس الثانية 2 : 9)، وذهبت متنكرة لزيارته في محبسه، كما كانت تقدم من أموالها، بل وجواهرها، للحراس حتى يهتموا به ويحسنوا معاملته ويحضروا له الطعام والماء.
بدأ ثامريس في محاولات إستمالة قلب تكلا بعد التخلص من بولس، لكن محاولاته فشلت، فتبدّل حبه لها بكراهية ورغبة في الإنتقام لكبريائه منها، واندفع لإبلاغ الوالي الروماني عنها لكونها مسيحية.
الاستشهاد بالشوق والعزم أربع مرات:
حاول الوالي أيضاً إقناعها بترك الإيمان المسيحي، لما فيه من خطر عليها، بعد أن أُعجب هو الآخر بجمالها، وأعلمها أن بولس قد أُطِلق سراحه كما كانت تتمنى، فلما تمسكت بمن تؤمن به هددها بإحراقها حيّة، ونفذ تهديده بعد ان رأي إيمانها. رسمت تكلا إشارة الصليب على جبينها واحتضنت النيران بشجاعة حبّاً في المسيح، لكن مطر غزير وصل إلى حد السيل أطفئ النيران.
عادت تكلا بعد إطلاق سراحها هي الأخرى تبحث عن بولس الرسول، وبالفعل وصلت إليه مع مجموعة كبيرة من المؤمنين الذين اتحدوا في الصلاة من أجل ثبات إيمانها. فلما علموا بنجاتها العجائبية، فرحوا بها، وكان موعد انطلاق بولس لمكان آخر وترك مدينة أيكونيم، فبارك ابنته تكلا وأوصاها بحفظ إيمانها وحرية اختيارها لحياتها.
أصبحت تكلا تخدم اسم المسيح علناً، ولا تخشى القبض عليها مرة أخرى، لكن ذلك حدث بالفعل، واستدعاها الوالي مرة أخرى فلما رأى ثباتها، قرر ترحيلها إلى أنطاكيا وطرحها للوحوش أمام الجميع لتكون عبرة لكل المسيحيين. عند هذا المشهد الرهيب أيضاً رسمت تكلا إشارة الصليب بإيمان، وابتهلت لإلهها ان يقبل ما هي مقدمة عليه من آلام رهيبة، ووقفت في ثبات تنتظر وثوب الوحوش الجائعة على جسدها الصغير. إلا أن المفاجأة كانت كما وصفها القديس أمبروزيوس في إحدى رسائله: ((أن الوحوش خضعت عند قدميها تلعقها كأنها كلاب أليفة تأتنس بصاحبتها)). ويقال أنها عند هذا المشهد عمَّدت نفسها برشّ الماء على رأسها من حوض في حَلَبة الوحوش، به وحش مائي لكنه لم يمسّها بسوء أيضاً.
تعالت أصوات جماهير المشاهدين للحدث، فمنهم من طلب إطلاق سراحها لصغر سنّها، ومنهم من طالب بقتلها لاعتقادهم بأنها ساحرة ومشعوذة.
في اليوم التالي وعلى نفس الميدان، توافد الناس لمشاهدة العقاب الجديد الذي سينزل بالفتاة، فتم إطلاق زوج من الثيران في الميدان بعد نخسهما بمناخس حديدية ساخنة، ليصيرا في أقصى حالات الهياج ويطيحان بالفتاة ويهشمان جسدها، لكن تكررت الاعجوبة ولم يتوجه الثورين نحوها برغم كل محاولات تهيجهما!
كانت المحاولة الرابعة للتخلص منها هي إلقائها في حفرة عميقة مع عدد الأفاعي السامة، لكنها أيضاً لم تؤذي الفتاة، وقد تسبب ذلك في إيمان عدد غير قليل من الحاضرين وبينهم الكثير من نبلاء المدينة.
إستُدعيت الفتاة إلى دار الولاية مرة أخرى، وحاول الوالي معرفة سرّها وسألها من تكون وكيف تستطيع منع كل هذه الميتات المحققة عنها؟! فأجابت: ((أنا تكلا، أمَةُ يسوع المسيح ابن الله الحي، وهو وحده الطريق والحق والحياة، وخلاص النفوس، وهو نجاة المأثورين وتعزية الحزانى، وهو الذي أنقذني من الوحوش، وهو الذي أنقذ إيماني وهذا فوق كل شئ، له الكرامة والمجد إلى الأبد)).
حينها أعلن الوالي إطلاق سراحها، ففرح كل المؤمنين بالخبر، أما هي فعندما علمت أن بولس الرسول يبشر في مدينة ميرا (الحدود الجنوبية لتركيا حالياً) ذهبت إليه، وأعلمته بكل ما حدث لها، وسَرَّت قلبه بثباتها على الإيمان أمام الموت المحقق أكثر من مرة، وكم صنع الله من مجد لأمته الضعيفة، باركها وطلب منها الاستمرار في رسالتها، وإعلام كل من حولها بإسم المسيح يسوع الفادي. شاركته لفترة في التبشير بميرا. ثم عادت لمسقد رأسها وقررت أن تبشِّر أسرتها، وإذ كان خطيبها السابق ثامريس قد مات، فتوجهت إلى والدتها تبشرها بفرح الإنجيل، لكن غير مذكور هل آمنت الأم أم لا.
بعدها استقرت في مدينة سيلفكيا (حالياً هي مدينة حدودية تركيا قريبة من مدينة ميرا)، وأقامت منفردة في بيت، وكأنها تحيا حياة ديرية، وقد أقبل إليها الكثيرين ليستمعوا منها عن الإيمان بالمسيح، واعتنق الإيمان في تلك المدينة عدد لا يمكن حصره في سنوات عمرها الطويلة.
يقول عنها القديس جريجوريوس النزيزنزي: ((إنها كانت تخرج عطراً ذكياً من زنبقة طهرها البيضاء، فلم يكن التبتل هو الغاية في حد ذاته بل كان طريقاً للإيمان والبشارة وحياة القداسة. وقد استطاعت بمعونة الروح القدس أن تتقوىَ في تقشفها لتضبط حزاسها وتشتعل بالحب لله وكلمته وبشارة ملكوته.
الوفـــاة: رقدت تكلا بعطر القداسة، بمنزلها في سيلفكيا، عن عمر ناهز التسعين (حوالي عام 120م). بعد أن عاشت كأعجوبة في زمانها، ومحل احترام وتقدير من مؤمني عصرها، ودُفنت في المدينة، وبعد مضي عصر الإضطهاد الكبير، وعلى عهد الملوك المسيحيين تم بناء كنيسة تحمل اسمها في مكان ضريحها.
يوجد لها مزارات عدة: مزارها الرئيسي في ضريحها الأصلي بمدينة سيلفكيا التركية، ومزارها باللاذقية – سوريا، ومزار آخر في مدينة معلولا السورية حيث دير راهبات يحمل اسمها ويحوي بعض زخائرها المقدسة.
هي شفيعة المضهدين من أجل الإيمان، وشفيعة نعمة الحال للمقبين على الاستشهاد، وشفيعة إقليم كتالونيا الإسباني.
ترى فيها الكنيسة شهيدة فعلية برغم عدم موتها في محاولات قتلها الأربعة، لكونها كانت على استعداد لبذل حياتها عن حفظ الإيمان في كل مرة.
تعيد لها الكنيسة الجامعة يوم 23 سبتمبر.
شهادة حياتها، وبركة شفاعتها فلتكن معنا. آمين.