رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
ثمرة العصيان: 20 «اِصْعَدِي عَلَى لُبْنَانَ وَاصْرُخِي، وَفِي بَاشَانَ أَطْلِقِي صَوْتَكِ، وَاصْرُخِي مِنْ عَبَارِيمَ، لأَنَّهُ قَدْ سُحِقَ كُلُّ مُحِبِّيكِ. 21 تَكَلَّمْتُ إِلَيْكِ فِي رَاحَتِكِ. قُلْتِ: لاَ أَسْمَعُ. هذَا طَرِيقُكِ مُنْذُ صِبَاكِ، أَنَّكِ لاَ تَسْمَعِينَ لِصَوْتِي. 22 كُلُّ رُعَاتِكِ تَرْعَاهُمُ الرِّيحُ، وَمُحِبُّوكِ يَذْهَبُونَ إِلَى السَّبْيِ. فَحِينَئِذٍ تَخْزَيْنَ وَتَخْجَلِينَ لأَجْلِ كُلِّ شَرِّكِ. 23 أَيَّتُهَا السَّاكِنَةُ فِي لُبْنَانَ الْمُعَشِّشَةُ فِي الأَرْزِ، كَمْ يُشْفِقُ عَلَيْكِ عِنْدَ إِتْيَانِ الْمُخَاضِ عَلَيْكِ، الْوَجَعِ كَوَالِدَةٍ! بعد أن تحدث عن الملك يهوياقيم الشرير ومصيره، يوجه هنا خطابًا لأورشليم العاصية عاصمة مملكته، موضحًا ثمرة هذا العصيان الذي نشأت عليه منذ صباها: اصعدي على لبنان واصرخي، وفي باشان أطلقي صوتك، واصرخي من عباريم، لأنه قد سُحق كل محبيكِ. تكلمت إليه في راحتك. قلتِ: لا أسمع. هذا طريقك منذ صباك أنكِ لا تسمعين لصوتي" [20-21]. الأماكن المذكورة هنا من لبنان وباشان وعباريم هي مرتفعات حول أورشليم، يُسمع منها الصوت جليًّا من بعيد حتى يعم الخبر. لبنان في شمال أورشليم، وباشان في الشمال الشرقي منها، وعباريم في موآب في الجنوب الشرقي. ذُكرت عباريم في (عد 27: 12، تث 22: 49) كمكان استطاع منه موسى النبي أن يتطلع إلى أرض الموعد من بعيد ففرح وتتهلل، أما هنا فيطلب إرميا النبي منهم أن يصعدوا لينوحوا ويبكوا، كما سبق فصعدت ابنة يفتاح على الجبال ترثى حالها (قض 11: 37-38). ماذا يعني بالمحبين الذين سُحقوا؟ ربما يقصد الأمم المحيطة بهم المتحالفة معهم، وأيضًا مصر فإنها عوض مساندتهم تنسحق هي وتتحطم. وقد تكررت كلمة "المحبين" في (هو 2) خمس مرات، وربما قُصد بها آلهة الخصوبة التي زنت معها إسرائيل والتي توقعت أن تحميها وتحفظها وتهبها اثمارًا ونموًا. بعد هزيمة مصر في موقعة كركميش عام 605 ق.م. (إر 46: 2-12) استولى نبوخذنصر على كثير من الدول في المنطقة. بقوله: "هذا طريقك منذ صباكِ أنكِ لا تسمعين لصوتي" [21] يعني أن حركة العصيان لم تحدث فجأة في أورشليم، لكنها صارت أشبه بطبيعتها الملازمة لها منذ صباها. وقد أعطاها الرب فرصًا كثيرة للتوبة والرجوع إليه حتى امتلأ كأس شرها، لذا استخدم معها التأديب القاسي. إنه طويل الأناة جدًا، لكن إصرار الشعب على العصيان عبر الأزمنة بلا تغيير يستوجب التأديب الإلهي. لقد سبق فطلب منها أن تصعد على الجبال مع ابنة يفتاح تبكي عذراويتها وتنتحب مع صديقاتها، لكن شتان ما بينها وبين ابنة يفتاح. الأخيرة خرجت صديقاتها معها إلى الجبال للتعزية وإن كُنَّ لم يستطعن أن ينقذن حياتها من الموت. أما يهوذا فعوض خروج أصدقائها معها إلى الجبل أُخذن إلى السبي في خزي وعارٍ معها! "كل رعاتك ترعاهم الريح، ومحبوكِ يذهبون إلى السبي، فحينئذٍ تخزين وتخجلين لأجل كل شركِ" [22]. ربما قصد ب "رعاتك" ملوك يهوذا ورجالهم الذين كان يجب أن يرعوا الشعب، فصاروا في حاجة إلى رعاية من الخارج. لقد سقطوا تحت السبي عام 597 ق.م. (2 مل 24: 22-15)، فصارت أورشليم في خزي وعارٍ بلا رعاية، يرعاها الريح الباطل. لعله أيضًا يقصد بالرعاة هنا أولئك الذين كانت تظنهم رعاة لها، سواء ملوك الأمم المتحالفة معهم أو آلهتهم، فإنهم هم أنفسهم يحتاجون إلى رعاة، وقد صارت الريح هي راعية لهم، لا تقدم لهم إلا رياحًا مهلكة! إنها رياح شرقية تبدد الشعب (إر 18: 17). باتكالها على ملوك الأمم وآلهتهم قبلت الرياح المحطمة عوض روح الله القدوس الواهب الحياة والنصرة والنجاح، يهب على النفس فيحولها إلى مقدسٍ سماويٍ لا تستطيع كل قوات الظلمة أن تفسده. هكذا دفعها شرها إلى الاتكال على الذراع البشري والآلهة الكاذبة فتحطمت معهم! "أيتها الساكنة (المتربعة) في لبنان، المعشِّشَة في الأرز، كم يُشفق عليكِ عند إتيان المخاض عليك، الوجع كوالدة" [23]. يُقصد بالمتربعة في لبنان كما على عرش الذين يفتخرون بعلوِّهم المنيع، أو الذين يسكنون في قصورٍ فاخرةٍ مصنوعة من خشب الأرز اللبناني، أي يقصد المتعجرفين المتكبرين. فالاتهام الموجه ضد أورشليم هو أنها ألَّهت ذاتها، وحسبت نفسها فوق القانون. ظنت أن عشَّها على قمم جبال الأرز لا يقدر أحد أن يمسها بضرر. في شيء من السخرية يقول لها: "كم يُشفق عليكِ عند إتيان المخاض عليك، الوجع كوالدة؟!" بعد أن صار الريح هو راعيها، والسبي هو مسكن محبيها، فقدت عرشها وانحدر عشها من قمة الأرز، وصارت كامرأة في حالة ولادة، ليس من يشفق عليها، ولا من يعينها وسط آلامها! |
|