منتدى الفرح المسيحى  


العودة  

الملاحظات

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  رقم المشاركة : ( 1 )  
قديم 06 - 09 - 2023, 04:07 PM
الصورة الرمزية Mary Naeem
 
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو
  Mary Naeem متواجد حالياً  
الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,270,103

آرميا النبي | الارتباط بالأرضيات




الارتباط بالأرضيات:

11 حَجَلَةٌ تَحْضُنُ مَا لَمْ تَبِضْ مُحَصِّلُ الْغِنَى بِغَيْرِ حَقّ. فِي نِصْفِ أَيَّامِهِ يَتْرُكُهُ وَفِي آخِرَتِهِ يَكُونُ أَحْمَقَ!». 12 كُرْسِيُّ مَجْدٍ مُرْتَفِعٌ مِنَ الابْتِدَاءِ هُوَ مَوْضِعُ مَقْدِسِنَا. 13 أَيُّهَا الرَّبُّ رَجَاءُ إِسْرَائِيلَ، كُلُّ الَّذِينَ يَتْرُكُونَكَ يَخْزَوْنَ. «الْحَائِدُونَ عَنِّي فِي التُّرَابِ يُكْتَبُونَ، لأَنَّهُمْ تَرَكُوا الرَّبَّ يَنْبُوعَ الْمِيَاهِ الْحَيَّةِ».

إذ يتحدث فاحص القلوب عن قلب الإنسان معلنًا أنه نجيس يكشف عن سّر نجاسته وفساده، ألا وهو ارتباطه بالأرضيات عوض انطلاقه نحو الأبديات. يطلب الغنى لا فيما يليق بالقلب كهيكل الله المقدس، إنما بأمور العالم الزائلة وشهوات الجسد المؤقتة، فيكون أشبه بالحجلة التي تحتضن بيضًا ليس لها، فتتعب في الاحتضان وتضم ما ليس لها، وفي النهاية تظهر أنها سلكت عمرها كله بحماقة.
"حجلة تنطق بصوتها (الترجمة السبعينية)،
تحتضن ما لم تبض،
محصل الغني بغير حق،
في نصف أيامه يتركه،
وفي آخرته يكون أحمق" [11].
غالبًا ما كان هذا مثلًا شائعًا في ذلك الحين، يُقصد به أنه إذ يظن الإنسان أنه يملك لكنه وهو يتعب ويشقى يخسر الكثير ويتركه الغني وهو بعد في العالم في منتصف أيامه، أما في آخرته فيدرك أنه سلك بحماقة.
هذا هو التفسير الحرفي للعبارة؛ وقبل أن نلقي ضوءًا عليها خلال المفهوم الروحيّ العميق نود توضيح أن الحجلة هي طائر برّي، يسمى في العبرية "قوري"، وتعني "الصارخ أو المنادي" ولعله لهذا السبب جاء في النسخة السبعينية: "حجلة تنطق بصوتها" أو "تعطي صوتها"، إنها صاحبة أصوات لكن بلا عمل حق! هكذا الغني في جهاده المرّ من أجل التمتع بالغنى ماديًا أو الشبع جسديًا يكون كمن يعطي صوتًا بلا عمل، لأنه يترك كل شيء ويخرج عريانًا من هذا العالم.
توجد الحجلة في فلسطين ويستخدمها الصيادون كطُعم لاصطياد بعض حيوانات البرية (ابن سيراخ 11: 30)؛ ويوجد منها نوعان في فلسطين: حجل الصحراء أو حجل هأي الرملي Amoperdix heyi الذي قارن داود النبي نفسه به حاسبًا نفسه كحجلٍ مطارد (1 صم 26: 20)، والثاني حجل الشوكار Caccabis Chukar ويمتاز بلحمه الشهي للغاية، يطارده الناس حتى يلتقطونه بأيديهم، له ريش بهي الألوان عند طرفي الجناحين وساقان ومنقار أحمر داكن وعنق أسود قاتم، وهو طائر كبير. يُقال إنه يصنع عشه في الأرض لا على الأشجار، لذا يسهل الوصول إلى صغاره.
جاءت كلمة "حجلة" هنا بالمذكر، لأنه من عادة هذا الطير أن تقوم الأنثى باحتضان بعض البيض والذكر البعض الآخر.
أما التعبير "في نصف أيامه يتركه" فجاء في العبرية يحمل معنيين: إما أن الشخص الغَني يترك غناه (بموته)، أو العكس الِغنى ذاته يترك الإنسان حيث يفتقر الأخير. ولعل إرميا النبي يقصد المعنى الثاني حيث يُساق الملك إلى السبي ويفقد خزائنه فكان غبيًا لأنه لم يسمع لصوت الرب، فقد غناه الزمني ومجده وأبديته. هكذا كل خاطي متمسك بشره، إنما يحتضن ما ليس له ليتركه، وقد تحدث إشعياء النبي عن الأحمق قائلًا: "لأن اللئيم (الأحمق) يتكلم باللؤم وقلبه يعمل إثمًا ليصنع نفاقًا، ويتكلم على الرب بافتراء، ويفرغ نفس الجائع، ويقطع شرب العطشان" (إش 32: 6).
يرى القديس هيبوليتس أن هذا الطائر متعجرف، فإنه إذ ترى الحجلة عش حجلة أخرى به صغار دون أمه يصنع صوتًا تقلد به صوت الأم وتدعو الصغار إليها وتأخذهم وتجري بهم. فتبتهج متكبرة أنها استولت عليهم، لكن إذ تأتي الأم الحقيقية وتنادى بصوتها يكتشف الصغار خداع الأولى ويتركون المخادعة ويذهبون إلى الأم الحقيقية. هذا يحدث عندما يأتي ضد المسيح، فإنه يجتذب البشرية إليه بخداع ليملك على من هم ليسوا له ويعدهم بالخلاص مع أنه غير قادر على خلاص نفسه.
تشير الحجلة إلى إبليس وجنوده خاصة الهراطقة، تعطي صوتها الذاتي، ولا تنطق بما لله، أما أولاد الله فينطقون بما لله لا بما لذواتهم، وكما يقول الرسول بولس: "إذ أنتم تطلبون برهان المسيح المتكلم فيَّ" (2 كو13: 3).
يتحدث القديس غريغوريوس النيصيعن الإنسان الذي يرتبط بحيل إبليس ويسقط تحت خداعات العدو: [لا يعود الله الصالح الحقيقي والآب إلهًا وأبًا لذاك الذي بفساده يصير خارجًا عن القانون... وعوض الآب يأتي من يبدو أبًا والذي باطلًا يدعى الحجلة التي تحتضن ما لم تبض كقول إرميا].
يرى العلامة أوريجينوس أن الشيطان هو الحجلة مثل فرعون الذي لا يريد من الشعب إن يترك أرضه ليعيد الرب.
* إنه (إبليس) لا يريدنا أن نترك أرضه (خر 1: 11)، بل يريدنا دائمًا أن نحمل صورة الترابي" (1 كو 15: 49). لكننا إن التجأنا إلى خصمه، ذلك الذي أعد لنا ملكوت السموات، يلزمنا أن نترك صورة الترابي ونقبل صورة السماوي.
العلامة أوريجينوس
يعلل العلامة أوريجينوسرمزية الحجلة لإبليس وتابعيه، قائلًا إن الحجلة ماكرة ومخادعة كما أنها دنسة. ماكرة تحوم حول أقدام الصيادين لتسحبهم بعيدًا عن العش وإذ تطمئن أن الصغار قد هربوا تفرد جناحيها وتطير، هكذا لا ينال الصياد شيئًا. إنها كإبليس الذي استخدم الحية القديمة أحيل حيوانات البرية التي حامت حول الإنسان ولم ينل منها شيئًا. ويتحدث العلامة أوريجينوس أيضًا عن الحجلة كحيوان يمثلٍ الدنس لأن الذكور تتشاحن معًا للتزاوج فيما بينها.
الحجلة التي تحتضن ما لم تبض هي إبليس الذي يبسط شباكه خلال الهراطقة فيقتنص في أحضانه البسطاء، هؤلاء الذين هم ليسوا من خليقته ولا مولودون منه، إنه يقتنيهم بالخداع والدنس. لا يقدر إبليس أن يقول: "خرافي تسمع صوتي" (يو 10: 7)، لأنها ليست خرافه بل هي خراف الله الناطقة التي يسحبها من مصدر حياتهم ويحسبها أولادًا له. وللأسف فإن الحجلة قد اغتنت جدًا، لكنها تركتهم في نصف أيامها حين جاء السيد المسيح إلى العالم وسحب المؤمنين من حضن إبليس، وأما في نهاية أيامها فتظهر بالأكثر حماقتها.
في هذا القول يقول العلامة أوريجينوس:
[يقودنا الكتاب المقدس إلى تساؤلٍ هام، وهو يدور حول معرفة من هي هذه "الحجلة" المذكورة في الآية: "حجلة تحضن ما لم تبض محّصِل الغنى بغير حق. في نصف أيامه يتركه وفي آخرته يكون أحمق". نعتمد على ما يقوله "علم طبائع الطيور" بخصوص موضوع الحجلة، حتى إذا ما عرفنا خصائص هذا الطير وطباعه، نستطيع حينئذ أن نصنفه إما ضمن أنواع الطيور الصالحة أو ضمن الطيور الشريرة. يُقال إن لها عادات كريهة، وهي ماكرة وخبيثة، فحينما تريد أن تخدع الصياد، تقوم بالالتفاف حول قدمي الصياد حتى تجعله يغير اتجاهه عن مكان العش، وعندما تطمئن إلى أن الصياد لا يرى العش وإلى أن جميع صغارها قد تمكنوا من الهرب، تهرب هي أيضًا على جناح السرعة. كما أنها غير طاهرة بالمرة، لدرجة أن الذكور يتصارعون مع بعضهم في معارك فريدة من نوعها لكي يتزاوجوا ذكورًا بذكور.
فبما أن لهذا الطائر عادات كريهة، وبما أنه غير طاهر، وخبيث، وكاذب، فإن إدراجه ضمن الأنواع الصالحة واعتبار أنه يمكن أن يشير إلى المخلص، هو لا شك نوع من الكفر والإلحاد.
يجب علينا أن نرى هل سنحصل على سمات مشتركة تمامًا بين الشيطان والحجلة، أم لا؟].
[لنبدأ إذا بالكلمات الآتية: "حجلة جعلت صوتها مسموعًا وجَمَعت صغارًا لم تًلِدْهم".
لا يجمع الشيطان خليقته الخاصة، ولا يجمع أطفالًا (صغارًا) مولودين منه، لكنه عندما يجعل صوته مسموعًا، يجمع خلائق آخر ويجعلها خلائقه.
جعلت الحجلة صوتها مسموعًا عن طريق أفواه باسيليدس ومرقيون وفالنتينوس وكل الهراطقة، فلا يستطيع أحد منهم أن يردد قول السيد المسيح: "خرافي تسمع صوتي". "صوت" السيد المسيح موجود في فميّ بطرس وبولس، لهذا قال بولس: "إذًا أنتم تطلبون برهان المسيح المتكلم فيّ..." (2 كو 13: 3). لكن صوت الحجلة الذي يجمع صغارًا لم تلدهم، نجده في الذين يُضلون ويخدعون الناس البسطاء من بين المؤمنين ويستغلون سذاجتهم ونقص معرفتهم.
"حجلة جعلت صوتها مسموعًا وجمعت صغارًا لم تلدهم، وهي تغتني لكن دون حُكم". لقد اغتنت الحجلة، أي الشيطان. أنظر كم من الآلاف الذين يتبعون الشيطان! كل هذه الأعداد الغفيرة أصبحت ملكًا له، بهذا فقد اغتنى دون أن يدفع شيئًا، اغتنى دون أن يبالي بحكم ودون أن يقع تحت الحكم. أما بالنسبة لمخلصي الصالح فقد اغتنى بحكم، ولقد كَلَّفه هذا الغِنَى أن ُيحَاكَم ويموت حتى يختارنا ميراثًا له].
[لقد اغتنت الحجلة! أنظر كيف صار لها ربوات تمتلكهم بالقوة العدوانية...! اغتنت دون أن تسلك بالحق ولا بممارسته].
["في وسط أيامها يتركونها" [11].
نحن جميعًا، الذين كنا قَبلًا تحت سيطرة "الحجلة" وكنا نعمل على الاستماع لصوتها، لأنها لم تجعل صوتها مسموعًا فقط خلال الهراطقة الذين ذكرتهم، بل وخلال كل الذين يخدعون الناس ويدعون إلى تعاليمٍ وعقائدٍ ضد الحق، متظاهرين بأنهم يدعون الناس من الضلال إلى التقوى. نعم! نحن جميعًا قد "تركناها في وسط أيامها". مجموع أيامها هو في الواقع مجموع أيام هذه الحياة، وبما أن السيد المسيح قد اختارنا من وسط هذا العالم الشرير (غلا 1: 4) فقد تركناها في وسط أيامها.
"وفي آخرتها تكون حمقاء" [11]، هل كانت عاقلة في يوم من الأيام؟ هل كانت حكيمة قبل ذلك حتى يُقال إنها في آخرتها ستكون حمقاء؟ نعم! كانت عاقلة، لأنها "كانت أحيل جميع الحيوانات البرية التي عملها الرب الإله" (تك 3: 1). كانت حكيمة بحسب ما قيل في إشعياء "إني أعاقب ثمر عظمة قلب ملك أشور وفخر رفعة عينيه لأنه قال بقدرة يدي صنعت وبحكمتي لأني فهيم، ونقلت تخوم شعوب" (إش 10: 12-13).
بعد أن كانت حكيمة في الشر تصبح حمقاء فيه. ستفهم ماذا تعني الكلمات "وفي آخرتها تكون حمقاء" إذا عرفت ما هو الغرض الذي من أجله أوصاك الله، عن طريق بولس الرسول، أن تقبل الجهل، فهو يقول: "إن كان أحد يظن أنه حكيم بينكم في هذا الدهر فليصر جاهلًا لكي يصير حكيمًا".
إذ توجد حكمة مَلومة، خلالها يُحسب "أبناء هذا الدهر أحكم من أبناء النور في جيلهم" (لو 16: 8)، فإن الله في صلاحه يهلك الأضداد بالأضداد، يهلك حكمة الشيطان (الحجلة) لدرجة أنها في آخرتها تكون حمقاء. لكن متى تكون هذه الأيام الأخيرة التي تصير فيها حمقاء؟يجب أن يملك المسيح حتى يضع الرب كل أعدائه تحت موطىء قدميه، عندما يخضع الكل له، فإن آخر عدو يبطل هو الموت (1 كو 15: 25-26).
إذًا نهاية الحجلة تأتي حينما يبطل الموت ].
هكذا سّر نجاسة القلب ارتباطه بالحجلة المخادعة التي تنزل به إلى التمرغ في الأرضيات وطلب الشهوات الجسدية، فلا ينال الأرضيات ولا السمويات. لهذا يليق بنا أن نتركها متحدين بمن هو سماوي، القادر على رفعنا إلى فوق فنحيا معه مقدسين. هذا هو سّر رجاء المؤمن: الاتحاد بالقدوس السماوي واهب الحياة.
يقول النبي:
"كرسي مجد مرتفع من الابتداء هو موضع مقدسنا.
أيها الرب رجاء إسرائيل،
كل الذين يتركونك يخزون؛
الحائدون عني في التراب (الأرض) يُكتبون،
لأنهم تركوا الرب ينبوع المياه الحية" [12-13].
يقول الرب: أي عذر لكم؟ لماذا تكونون كالحجلة، تضعون بيضكم على الأرض لا في عشّ على قمم الأشجار العالية؟ ها أنا أقيمكم كرسي مجد مرتفع في السمويات. إرفعوا قلوبكم إليّ في الأعالي ولا تنبطحوا على الأرض في استسلامٍ وخنوعٍ للشر!
كرسي الله أو عرشه مرتفع ومجيد وفي نفس الوقت حال فينا، ليس بعيدًا عنا، بل في داخلنا. إن كانت الكلمة العبرية المقابلة لمرتفع تشير إلى السماء، وكلمة "مقدسنا" تشير إلى هيكل أورشليم وملحقاته كما إلى المقادس السماوية (مز 68: 36)، فإن الله المرتفع مجده في السماء هو فينا، ونحن به نصير مقدسًا سماويًا. إنه ليس ببعيد عنًا، بل نزل إلينا، ونحن لسنا بعيدين عنه إذ يرفعنا إلى سمواته.
كأن النبي يقول: أتريدون الخلاص من الحجلة؟ اهربوا إلى المخلص القدوس السماوي رجائكم، هذا الذي يجلس على كرسي مجده في الأعالي يسحب القلب إليه، فلا يتركه يتمرغ في التراب والوحل.
يعلق العلامة أوريجينوس على العبارة السابقة قائلًا:
["كرسي مجدٍ مرتفعٌ من الابتداء هو موضع مقدسنا.
أيها الرب رجاء إسرائيل كل الذين يتركونك يخزون.
الحائدون عني في التراب يُكتبون لأنهم تركوا الرب ينبوع المياه الحية" [12-13].
عندما رأى إشعياء النبي مُلْك الرب قال: "رأيت السيد جالسًا على كرسي عالٍ ومرتفع" (إش 6: 1). إرميا أيضًا رأى السيد الرب وهو يملك، لذلك سبحه قائًلًا: "كرسي مجد مرتفع من الابتداء هو موضع مَقْدِسَنا".
إن أردت توجيه هذه الكلمات إلى السيد المسيح لن تكون مخطئًا، وإن وجهتها إلى الآب لن تكون كافرًا.
لمخلصنا كرسي مجد مرتفع من الابتداء لأن مملكته هي من فوق، والسيد المسيح هو ُمقدِّسنا لأن المُقَدِّس والمُقَدَّسين جميعهم من واحدٍ (عب 2: 11). هو "رجاء إسرائيل". فكما أنه هو البر الذي يوجد في الإنسان وهو الحق والقداسة، فإنه هو الرجاء. بدون المسيح لا يمكن أن تكون بارًا ولا قديسًا ولا يكون لك رجاء!].
لنترك الحجلة ونرتبط بمخلصنا، فإن من يتركه يخزى، ومن يحيد عنه لا يُسجل اسمه في سفر الحياة ولا يُنقش على كف الله، وإنما في التراب الذي اختاره بنفسه. من ترك السماوي واتحد بالفاسد يصير فاسدًا.
["أيها الرب رجاء إسرائيل". بما أن المخلص هو العدل والحق والقداسة وأيضًا الرجاء، لذلك فإنه غير ممكن أن نكون عادلين بدون السيد المسيح، ولا يمكن أن نكون مُقدسين بدونه، ولا يكون لنا رجاء إذا لم يكن موجودًا في داخلنا، لأنه هو رجاء إسرائيل.
"أيها الرب رجاء إسرائيل كل الذين يتركونك يخزون". كل واحدٍ فينا حين يخطئ يترك السيد المسيح... وبارتكابه الظلم "يترك" العدل، وبنجاسته "يترك" القداسة، وبقيامه بالحرب "يترك" السلام، وبالاستسلام للعدو "يترك" الخلاص، وبابتعاده عن الحكمة "يترك" حكمة الله. لذلك كل الذين يتركون الله يلعنهم النبي، مُعرِّفًا إيانا ماذا سيحدث لهم: "كل الذين يتركونك يخزون"، قدر ما يتركون الله يخزون].
لعله يقصد بقوله "في التراب يُسجلون"، أنهم يدخلون إلى القبر، ويُسجلون في قائمة الموتى. أما أولاد الله فيرتبطون بالله مخلصهم واهب القيامة، فلا يستطيع الموت أن يبتلعهم، أو يمسك بهم إلى الأبد، لهذا لا تُسجل أسماؤهم في قائمته.
يعلق العلامة أوريجينوس على العبارة: "كل الذين يتركونك يخزون؛ الحائدون عني في التراب يُكتبون (يُسجلون)"، قائلًا:
[مثل هذا في التراب يُكتب اسمه على الأرض...
جميع الناس مُسجلة أسماءهم، القديسون مسجلون في السموات، والخطاة على الأرض. قال يسوع لتلاميذه: "افْرَحُوا بِالْحَرِيِّ أَنَّ أَسْمَاءَكُمْ كُتِبَتْ فِي السَّمَاوَاتِ" (لو 10: 20). إذن يليق بنا أن نفرح إذ كُتبت أسماؤنا في السموات. وكما أن أسماء القديسين مسجلة في السماء، هكذا الذين يسلكون في الأرضيات ولا يدورون حول أرض آدوم، بل لهم حقول أرض آدوم وكرومهم (عد 20: 17-19)، (آدوم معناه أرضي أو ترابي) هؤلاء أسماؤهم مسجلة على الأرض إذ يحيدون عن الرب...
كل إنسانٍ مسئول عن الطريقة التي بها يُسجل اسمه. فإن كنت تطلب الأرضيات لا تطلب السماويات بل تميل نفسك إلى السفليات. أنت المسئول عن ذلك، إذ يقول يسوع: "لا تكنزوا لكم كنوزًا على الأرض حيث يفسد السوس والصدأ، وحيث ينقب السارقون ويسرقون، بل اكنزوا لكم كنوزًا في السماء" (مت 6: 19). هل تكنز لك كنزًا في السماء؟ أنت مسئول عن تسجيل اسمك في السماء ].
عندما فرح الرسل في خدمتهم قائلين حتى الشياطين تخضع لنا وجّه السيد المسيح أنظارهم إلى ما هو أعظم، قائلًا: "لا تفرحوا بهذا أن الأرواح تخضع لكم، بل افرحوا بالحري أن أسماءكم كُتبت في السموات" (لو 10: 20).
الذي يُسجل اسمه في التراب يسمع الصوت الإلهي الذي قيل لآدم الأول: "أنت أرضي وإلى الأرض تعود"، أما الذي يُسجل اسمه في السماء فيُقال له: "أنت سماء وإلى السماء تعود".
من يترك الرب المخلص يخزى، ومن يحيد عنه يُسجل اسمه في التراب لا في السماء، إذ يفقد الله حياته؛ "لأنهم تركوا الرب ينبوع المياه الحية" [13]. "وفي اليوم الأخير العظيم من العيد وقف يسوع ونادي، قائلًا: "إن عطش أحد فليقبل إليّ ويشرب، ومن آمن بي كما قال الكتاب تجري من بطنه أنهار ماء حيّ. قال هذا عن الروح الذي كان المؤمنون به مزمعين أن يقبلوه، لأن الروح القدس لم يكن قد أعطي بعد، لأن يسوع لم يكن قد مُجّد بعد" (يو 6: 37-39).
ماذا يعني "لأنهم تركوا الرب ينبوع المياه الحية" إلا أن رجاء الشعب في وسط القحط أن يلتصقوا بالله السماوي الحيّ، فيهبهم ذاته ينبوع مياه حية. إن كان قد دُعي الرب "رجاء إسرائيل" فقد سبق فرأينا أن كلمة رجاء يمكن ترجمتها أنها ينبوع أو بركة ماء (إر 4: 8)، مقدمًا نفسه لنا ينبوع مياه متى حلّ القحط والجفاف بالعالم.
من جانب آخر كان اليهود يعتقدون أن الهاوية هو حالة عطش شديد، كما جاء في المزمور: "أجلسني في الظلمات مثل الموتى منذ الدهر... بسطتُ إليك يديّ، نفسي نحوك كأرض يابسة" (مز 143: 3، 6). وكأننا إذ نقتني الله - ينبوع المياه الحية - لن ندخل إلى الهاوية ولا نُعاني من الظمأ.
رد مع اقتباس
إضافة رد


الانتقال السريع

قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً
الموضوع
آرميا النبي | بأمرٍ إلهي نزل إرميا النبي إلى وادٍ منخفض
آرميا النبي | يقدم الله أيضًا إجابة لتساؤل النبي
آرميا النبي | الارتباط بكلمة الله الحية
آرميا النبي | لقد رفضت عروسه الارتباط به
آرميا النبي | يعلن الرب لإرميا النبي حدود خدمته


الساعة الآن 02:14 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024