رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
العناية الإلهية سلطان المُخَلِّص القدير بلا حدود، يعمل لحساب مؤمنيه، في يده أن يُغَيِّرَ حتى قوانين الطبيعة إن استدعى الأمر ذلك. يَجْعَلُ الأَنْهَارَ قِفَارًا، وَمَجَارِيَ الْمِيَاهِ مَعْطَشَةً [33]. الله في سلطانه أن يأمر المطر فيتوقف، عندئذ تجف الأنهار، وتتحول مجاري المياه إلى أرض يابسة. هكذا بدون نعمة الله، التي يبعث بها علينا كالمطر لا نحمل ثمر الروح، وتجف أعماقنا. يرى القديس أغسطينوس أن الأنهار تشير إلى اليهود الذين كان لديهم مياه النبوات، الآن لم يعد بينهم نبي، إذ جفت الأنهار. صارت مجاري المياه بِرَك مالحة. تبحث فيها عن الإيمان بالمسيح فلا تجد، تبحث عن نبي أو ذبيحة أو هيكل، فلا تجد لماذا؟ "من شر الساكنين فيها" . وَالأَرْضَ الْمُثْمِرَةَ سَبِخَةً مِنْ شَرِّ السَّاكِنِينَ فِيهَا [34]. تتحول الأرض المثمرة إلى برية قاحلة بلا ثمر، وذلك بسبب شر ساكنيها، إذ يَنزع الشر بركة الرب حتى عن الأرض التي نقطن فيها. هنا إشارة إلى ما حدث مع سدوم وعمورة التي قيل عنهما: "كجنة الرب كأرض مصر" (تك 13: 10). "فأمطر الرب على سدوم وعمورة كبريتًا ونارًا من عند الرب من السماء" (تك 19: 24). يَجْعَلُ الْقَفْرَ غَدِيرَ مِيَاهٍ، وَأَرْضًا يَبَسًا يَنَابِيعَ مِيَاهٍ [35]. إن كان الله يسمح بأن تصير الأنهار قفرًا، فمن جانب آخر يجعل القفر جدول مياه يرويه، ويثمر بالبركات. * كانت (الكنيسة) أولًا عديمة الماء، أما الآن فانفجرتْ فيها أنهار التعاليم الإلهية والمعتقدات السليمة، التي من يُغرَس على مجاريها يكون كالشجرة التي تعطي ثمارها في حينه وورقها لا ينتثر. الأب أنسيمُس الأورشليمي وَيُسْكِنُ هُنَاكَ الْجِيَاعَ، فَيُهَيِّئُونَ مَدِينَةَ سَكَنٍ [36]. الله لا يُشبِع الجياع فحسب، وإنما يُقِيم منهم مدينة هلة بالسكان، تتسم بالأمان مع الرخاء. وَيَزْرَعُونَ حُقُولًا، وَيَغْرِسُونَ كُرُومًا، فَتَصْنَعُ ثَمَرَ غَلَّةٍ [37]. * كرَّامُنا يطلب ثمرًا. إن كان بالحق قَطَعَ الأغصان الأولى لأنها كانت عقيمة، فإننا سنلاقي نفس المعاملة إن كنا غير مُثْمِرين. الثمار أيضًا ليست فقط للجسم، بل وللنفس أيضًا. عندما يخدم الجسم الرب، فإن كلا من النفس والجسم يخدمان الله. القديس جيروم وَيُبَارِكُهُمْ فَيَكْثُرُونَ جِدًّا، وَلاَ يُقَلِّلُ بَهَائِمَهُمْ [38]. ثُمَّ يَقِلُّونَ وَيَنْحَنُونَ مِنْ ضَغْطِ الشَّرِّ وَالْحُزْنِ [39]. للأسف إذ يُقَدِّم الله للبشر بركات بسخاءٍ عظيمٍ وينمون ويكثرون جدًا، عوض تقديم ذبائح شكر له، غالبًا ما ينشغلون بالبركات وينغمسون في الملذات ويتجاهلون الرب واهب العطايا. * هذا القول على اليهود والأمميين الذين قاوموا الرسل وأتباعهم المسيحيين، وهموا على إبادة إيمان المسيح. الأب أنسيمُس الأورشليمي يَسْكُبُ هَوَانًا عَلَى رُؤَسَاءَ، وَيُضِلُّهُمْ فِي تِيهٍ بِلاَ طَرِيق [40]. يبذل عدو الخير كل الجهد ليُضَلِّل الرؤساء والقادة، فهو يَعْلم "اضرب الراعي، فتتبدد الرعية". يقول المرتل: "يسكب هوانًا على رؤساء، ويضلهم في تيهٍ بلا طريق" (مز 107: 40). يظن أصحاب السلاطين أحيانًا أنهم فوق العدالة الإلهية. لقد قتل هيرودس الملك يعقوب بالسيف (أع 12: 2)، وقبض على بطرس ليقتله. وكصاحب سلطان صرخ الشعب: "هذا صوت إله لا صوت إنسان" (أع 12: 22)، ففي الحال ضربه ملاك الرب، لأنه لم يُعْطِ المجد لله، فصار يأكله الدود ومات. * ألاَّ يرى الإنسان في مثل هذه الأيَّام أن كل شخص يندفع إلى هنا وهناك مُرْتَبِكًا، عندئذ يقتنع بضرورة الطير من هذا الشغب (المعركة)، ويهرب في مأوى معتزلًا بعيدًا عن عواصف الأشرار وظلمتهم. عندما يحارب الأعضاء بعضهم بعضًا حتى لا تبقى المحبة إلاَّ بين أقليَّة... فإن كلمة "كاهن" تصير اسمًا أجوف، كما قيل: "يسكب هوانًا على رؤساء..." (مز ١٠٧: ٤٠). وليتها تقف عند حد كونها اسمًا أجوف...! فإن مهابتهم تُطرَد من النفوس ويحل محلها العار. لقد فتحنا للكل لا أبواب البرّ بل أبواب التعيير وتكوين أحزاب متكبِّرة، فلم نعطِ المكان الأول عندنا لمن يخاف الرب ويمتنع عن النطق بكلمة بطالة، بل أعطيناه لمن يستطيع مقاومة أخيه بطلاقة لسانه علنًا أو خفية، خافيًا وراء لسانه ضررًا وظلمًا، أو نقول بأكثر دقة، إنه يخفي سم الأفاعي. القديس غريغوريوس النزينزي وَيُعَلِّي الْمِسْكِينَ مِنَ الذُّلِّ، وَيَجْعَلُ الْقَبَائِلَ مِثْلَ قُطْعَانِ الْغَنَمِ [41]. يُسَلِّم الرؤساء المتكبرين أنفسهم للمذلة خلال كبريائهم، بينما يتمتع المساكين المتواضعين بالبركات الإلهية، فيجعل من المسكين قبائل عظيمة مثل قطعان الغنم. * ماذا يعني هذا يا إخوة؟ الرؤساء يُهانون والمساكين يُساعَدون، المتكبرون يُطردَون، والمتواضعون يُسنَدون... هذا المسكين يصير بيوت كثيرة؛ هذا المسكين يصير أممًا كثيرة. وفي نفس الوقت كنائس كثيرة تصير كنيسة واحدة، أمة واحدة، بيت واحد، قطيع واحد. القديس أغسطينوس يَرَى ذَلِكَ الْمُسْتَقِيمُونَ فَيَفْرَحُونَ، وَكُلُّ إِثْمٍ يَسُدُّ فَاهُ [42]. يتهلل أولاد الله بالعمل الإلهي الذي يكتم أفواه المتعجرفين، ويبارك المتواضعين ويسندهم. * يبصر المستقيمون ما اشتهى الأنبياء والصديقون أن يروه، الذين كانوا قبل المسيح، ويفرحون بأعمال رحمة الله وعدله. وأما ذوو الإثم، الذي هو الشيطان وأتباعه فيَسدُّون أفواههم. الأب أنسيمُس الأورشليمي * يثنى عليها العريس ويقول "عيناك حمامتان" (نش 15:1) "من ينظر إلى امرأة ليشتهيها فقد زنى بها في قلبه". من ينظر إلى امرأة وليس له عينا الحمام فهو زانٍ. الإنسان الذي يفتقر للعين البسيطة يدخل بائسًا إلى بيت أخيه كاسرًا بذلك الوصية المكتوبة في الأمثال "لا تدخل بيت أخيك في يوم بليتك" (أم 2:27). أما من له عين الحمام فيرى الحق ويستحق الرحمة "يرى ذلك المستقيمون فيفرحون" (مز 42:107). -ومن هو الإنسان الذي يرى الحق إلا صاحب النظرة العفيفة النقية.! لا ينطبق هذا المعنى على العين الجسدية- بل تعمق في داخل قلبك وأبحث بروحك عن الأعين الأخرى التي تستمد نورها من وصايا الله "لأن وصية الرب مضيئة تنير العين" (مز 9:18) ثم قاوم وجاهد لتقتنى ما قيل لك. ومن له العين البسيطة يستطيع إدراك الروح النازل من السماء في شكل حمامة... إن فهمتَ الناموس روحيًا فعيناك حمامتان، كذلك إن فهمتَ الإنجيل حسب روح الإنجيل وبشرت به- تأمل في الإنجيل تجد يسوع شافيًا كل ضعف وكل سقم (مت 23:4) لا في أيام تجسده فقط بل الآن أيضا- ثم أبصره وقد أتى إلى الناس لا في ذلك الوقت بل واليوم أيضًا- وهو حاضر بيننا لأني "هأنذا معكم كل الأيام إلى انقضاء الدهر" (مت 20:28). العلامة أوريجينوس مَنْ كَانَ حَكِيمًا يَحْفَظُ هَذَا وَيَتَعَقَّلُ مَرَاحِمَ الرَّبِّ [43]. يليق بالمؤمن أن يكون متعقلًا وحكيمًا، فيُدرك خطة الله، ويتعرَّف على مراحمه بفهم، ويتأمل أعماله. * تحتوي هذه الأقوال على نبوة، لذلك قال النبي إن فهمها يحتاج إلى رجلٍ حكيمٍ لكي يفهمها ويحفظها. الأب أنسيمُس الأورشليمي * من هم حكيم؟ يأخذ في اعتباره هذه الأمور؛ ويفهم مراحم الرب... لا يفهم استحقاقاته الذاتية، ولا قوته، ولا سلطانه، بل مراحم الرب. القديس أغسطينوس |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
مزمور 104 | العناية الإلهية |
العناية الإلهية |
خطة العناية الإلهية |
العالم تصونه العناية الإلهية، إذ لا يوجد مكان لا تدركه هذه العناية |
ما هي العناية الإلهية؟ |