منتدى الفرح المسيحى  


العودة  

الملاحظات

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  رقم المشاركة : ( 1 )  
قديم 24 - 08 - 2023, 08:07 AM
الصورة الرمزية Mary Naeem
 
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو
  Mary Naeem غير متواجد حالياً  
الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,274,942

آرميا النبي | ما لحبيبتي في بيتي


ما لحبيبتي في بيتي؟!

15 «مَا لِحَبِيبَتِي فِي بَيْتِي؟ قَدْ عَمِلَتْ فَظَائِعَ كَثِيرَةً، وَاللَّحْمُ الْمُقَدَّسُ قَدْ عَبَرَ عَنْكِ. إِذَا صَنَعْتِ الشَّرَّ حِينَئِذٍ تَبْتَهِجِينَ. 16 زَيْتُونَةً خَضْرَاءَ ذَاتَ ثَمَرٍ جَمِيلِ الصُّورَةِ دَعَا الرَّبُّ اسْمَكِ. بِصَوْتِ ضَجَّةٍ عَظِيمَةٍ أَوْقَدَ نَارًا عَلَيْهَا فَانْكَسَرَتْ أَغْصَانُهَا. 17 وَرَبُّ الْجُنُودِ غَارِسُكِ قَدْ تَكَلَّمَ عَلَيْكِ شَرًّا، مِنْ أَجْلِ شَرِّ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ وَبَيْتِ يَهُوذَا الَّذِي صَنَعُوهُ ضِدَّ أَنْفُسِهِمْ لِيُغِيظُونِي بِتَبْخِيرِهِمْ لِلْبَعْلِ».

رفض الاستماع للشعب كما للنبي في أمرٍ ما لا يعني رفضه لشعبه، فهم بالنسبة له "المحبوبة" التي يريدها أن تقيم في بيته، لا أن تدنسه وتخربه. في وسط هذا المرّ يعاتبها مذكرًا إياها بمركزها الذي نالته خلال العهد الذي تحطمه بإرادتها، قائلًا لها:
"ما لحبيبتي في بيتي؟!
قد عملت فظائع كثيرة،
واللحم المقدس قد عبر عنكِ.
إذا صنعتِ الشر حينئذ تبتهجين" [15].
إن كنتِ تعتزين بالهيكل المقدس أنه في أورشليم، فإنكِ وأنتِ المحبوبةلي قد عملت فظائع كثيرة، من إقامة مذابح للأوثان وأصنام، وممارسة الرجاسات، وتقديم الأطفال محرقات للأوثان. هذا من جانب، ومن جانب آخر عوض تقديم الذبائح قدمتي لحمًا. إذ يقصد باللحم المقدس الذبائح التي ُتقدم في الهيكل، فإنها ليست في عينيه ذبائح للمصالحة أو محرقات حب، بلهي لحم للأكل، كما سبق فقال: "ضموا محرقاتكم إلى ذبائحكم وكلوا لحمًا" (إر 7: 21). وعوض التوبة عن هذه الشرور تبتهجين وتفتخرين بالشر!
يكمل عتابه لمحبوبته، قائلًا:
"زيتونة خضراء ذات ثمر جميل الصورة دعا الرب اسمك.
بصوت ضجة عظيمة أوقد نارًا عليها فانكسرت أغصانها؛
ورب الجنود غارسك قد تكلم عليكِ شرًا من أجل شر بيت إسرائيل وبيت يهوذا الذي صنعوه ضد أنفسهم ليغيظوني بتبخيرهم للبعل" [16-17].
الضجة العظيمة هناهي ضجة الجيوش المعادية المجتازة البلاد. إنه في مرارة يؤدبها كما بنارٍ.
كان تشبيه الشعب بزيتونة خضراء جميلة غرسها الله بنفسه مألوفًا، حيث كان شجر الزيتون مغروسًا في دائرة الهيكل. مصدر هذا التشبيه هو (مز 52: 10)، وقد اقتبسه الرسول بولس في (رو 9).
هذه التي غرسها الرب تحترق بنارٍ لأنها اعتزلته ورفضت عمله فيها.
إن كان الله لا يسمع لها ولا للنبي إرميا من أجل رفع التأديب، فإنه يقدم هنا الحجة تلو الحجة:
أ. إن الشر صادر لا عن شعبٍ غريبٍ ليس له خبرة معه، بل عن حبيبته التي اقتناها لنفسه. فالإنسان لا يبالي كثيرًا بالشر الصادر عن غريبٍ أو عدوٍ، لكنه يُجرح حين يصدر ممن اقتناه لنفسه حبيبًا! وكما جاء في سفر زكريا عن السيد المسيح الذي جرحته أمته، أو جرحه تلميذه: "جُرحت بها في بيت أحبائي" (زك 13: 6).
ب. الشر موجه إلى مقدساته، إلى بيته الذي فيه كان يجب أن يتقدسوا، إذ يقول: "ما لحبيبتي في بيتي؟!" [15]. من يقدر أن يعبر عن شرنا حينما ندنس هيكله الذي في داخلنا، فنحول إنساننا الداخلي من ملكوته إلى مركزٍ للخطية والشر، وعوض النور تحتله الظلمة؟!
ج. إنه ليس بالشر العابر نتيجة ضعف، إنما "قد عملتِ فظائع كثيرة" [15]. خطايا عن عمد، برغبة شديدة ، وبكثرة! إنها ليست مجرد ضعفات نصرخ منها، لكنها فظائع كثيرة نصمم عليها!
د. أفسدت العبادة التي كان يجب أن تكون سرّ مصالحة مع الله، لتصير أكلًا وشربًا؛ عوض الذبائح قدمت لحمًا للأكل [15].
ه. عوض التوبة عما ترتكبه تبتهج وتفتخر بشرها: "إذا صنعتِ الشر حينئذ تبتهجين" [15].
و. أفسدت عمله فيها، وحولت الجمال والإثمار إلى قبحٍ وعقمٍ. إذ يقول "زيتونة خضراء ذات ثمر جميل الصورة دعا الرب اسمك... رب الجنود غارسك" [16-17]. أعطاها اسمًا جميلًا، وقدم لها إمكانية الإثمار بوفرة، غرسها بيمينه، لكنها في شرها أصرت أن تدنس اسمها، وتعيش بلا ثمرٍ روحي.
ز. تخضع الطبيعة له، فتأتي الزيتونة بثمارٍ كثيرة على كل فروعها، ورقها دائم الاخضرار العام كله، ُتقدم طعامًا ودواءً بزيت الزيتون، أما هي فعقيمة وجافة، جائعة ومريضة.
ح. أخيرًا فإنها تفعل ذلك لا لبهجتها فحسب وإنما لإغاظة الرب. قدم لها الحب والخير، فردت عليه بالبغضة والشر، بهذا قدمت الشر لنفسها لا لله. "قد تكلم عليكِ شرًا من أجل شر بيت إسرائيل وبيت يهوذا الذي صنعوه ضد أنفسهم ليغيظوني بتبخيرهم للبعل" [17]. فما تكلم به الرب عليهم إنما هو ثمر طبيعي للشر الذي صنعوه ضد أنفسهم.
تكررت العبارة "تكلم الله عليهم بالشر" ست مرات في إرميا (إر 16: 10؛ 26: 19؛ 35: 17؛ 36: 31؛ 40: 2)، كما جاءت مرة في (1 مل 22: 23).
3. اعترافات إرميا (إر 11: 18، 12: 6):

18 وَالرَّبُّ عَرَّفَنِي فَعَرَفْتُ. حِينَئِذٍ أَرَيْتَنِي أَفْعَالَهُمْ. 19 وَأَنَا كَخَرُوفِ دَاجِنٍ يُسَاقُ إِلَى الذَّبْحِ، وَلَمْ أَعْلَمْ أَنَّهُمْ فَكَّرُوا عَلَيَّ أَفْكَارًا، قَائِلِينَ: «لِنُهْلِكِ الشَّجَرَةَ بِثَمَرِهَا، وَنَقْطَعْهُ مِنْ أَرْضِ الأَحْيَاءِ، فَلاَ يُذْكَرَ بَعْدُ اسْمُهُ». 20 فَيَا رَبَّ الْجُنُودِ، الْقَاضِيَ الْعَدْلَ، فَاحِصَ الْكُلَى وَالْقَلْبِ، دَعْنِي أَرَى انْتِقَامَكَ مِنْهُمْ لأَنِّي لَكَ كَشَفْتُ دَعْوَايَ. 21 لِذلِكَ هكَذَا قَالَ الرَّبُّ عَنْ أَهْلِ عَنَاثُوثَ الَّذِينَ يَطْلُبُونَ نَفْسَكَ قَائِلِينَ: لاَ تَتَنَبَّأْ بِاسْمِ الرَّبِّ فَلاَ تَمُوتَ بِيَدِنَا. 22 لِذلِكَ هكَذَا قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ: «هأَنَذَا أُعَاقِبُهُمْ. يَمُوتُ الشُّبَّانُ بِالسَّيْفِ، وَيَمُوتُ بَنُوهُمْ وَبَنَاتُهُمْ بِالْجُوعِ. 23 وَلاَ تَكُونُ لَهُمْ بَقِيَّةٌ، لأَنِّي أَجْلِبُ شَرًّا عَلَى أَهْلِ عَنَاثُوثَ سَنَةَ عِقَابِهِمْ».

يدعو البعض هذه المراثي الشخصية لإرميا (إر 11: 18، 12: 6) "اعترافات إرميا" وإن كان البعض يراها "شكاوى إرميا".
يرى البعض أن اعترافاته شملت الآتي: (11-18، 12: 6؛ 15: 10-12، 15-21؛ 17: 9-10، 14-18؛ 18: 18-23؛ 20: 7-12، 14-18). ويضيف عليها البعض العبارات: (إر 4: 19-21؛ 8: 18-23؛ 10: 19-23؛ 13: 17؛ 14: 17-18).
ينفرد إرميا النبي بين الأنبياء في حفظه مجموعة من الصلوات تقدم نظرة غير عادية عن حياة النبي الداخلية، كما لم يقدمأي سفر نبوي مجموعة من الشكاوي مثل هذا السفر. حقًا لقد عانى الأنبياء من الشعب، لكنهم لم يقدموا تفاصيل مثل إرميا:
صرخ موسى النبي إلى الرب قائلًا: "ماذا أفعل بهذا الشعب؟! بعد قليل يرجمونني" (خر 17: 4).
وقيل عن صموئيل الذي تألم من الشعب الرافض له: "وصرخ إلى الرب الليل كله" (1 صم 15: 11)، لكننا لا نعرف بماذا كان يصرخ.
واشتكى إيليا النبي الشعب لله فقال: "قد غرت غيرة للرب إله الجنود، لأن بني إسرائيل قد تركوا عهدك، ونقضوا مذابحك، وقتلوا أنبياءك بالسيف، فبقيت أنا وحدي، وهم يطلبون نفسي ليأخذوها" (1 مل 19: 10).
وعبر إشعياء النبي عن مرارة نفسه من جهة الشعب بعبارة فريدة: "إلى متى أيها السيد؟" (إش 6: 11).
يرى بعض الدارسين أن اعترافات إرميا بصيغة الفرد نطق بها باسم الشعب كله، تعبر عن مرارة نفوسهم وسط الآلام، إذ كانوا يستخدمونها في العبادة الجماعية.
إن كان إرميا النبي قد عبَّر في اعترافاته عن مرارة نفسه لكن لا يمكننا قبول ما يراه بعض الدارسين أن إرميا قد ظن أن الله لم يفِ بوعده بخصوص حمايته، إنما جاءت عباراته كبعض عبارات داود النبي التي يبدو كمن يطلب النقمة لنفسه، وقد سبق لنا الحديث عنها في شرحنا لسفر المزامير. إنها تعبر عن مشاعره البشرية كإنسان له ضعفاته يئن من شدة الألم دون أن يفقد ثقته في الله مخلصه. كما أنه لا يطلب نقمة شخصية، إنما يطلب تأديبًا لمقاومي كلمة الله التي يعلنها النبي. وأن ما نطق به هو نبوات تتحقق كثمرة لشرهم.
يبدأ إرميا النبي اعترافاته، قائلًا:
"والرب عَّرفني فعرفت.
حينئذ أريتني أفعالهم" [18].
كشف له الرب عن المؤامرة التي دبروها لهلاكه، كشفها له ذاك الذي سبق فأكد له وهو بعد ولد: "لا تخف من وجوههم لأني أنا معك لأنقذك يقول الرب" (إر 1: 8).
كشف له الرب عن خطتهم وأفكارهم وكلماتهم وأعمالهم من نحوه كما عن قلوبهم وما في أعماقهم، لأنه هو فاحص الكلى والقلب [20]. كأنه يقول إن كانوا في خداع قد خططوا سرَّا لقتلي، لكن في واقع الأمر خدعوا أنفسهم لأنهم لم يدركوا أن الله فضح خطتهم لي، وما فعلوه ليس لهلاكي بل لهلاكهم. ذلك كما انخدع فرعون عندما خطط لإبادة إسرائيل بقتله الأطفال الذكور، وانخدع هيرودس حينما ظن أنه قادر على منع ظهور المسيا المخلص بقتله أطفال بيت لحم الذكور.
بمعنى آخر حسابات الأشرار خاطئة وخطيرة، لا على حياة الغير، بل على حياتهم، لأنهم لا يدركون إمكانيات الله الفاحص الكلى والقلب، والعارف بكل الأسرار الخفية، والقادر على تحويل شرورهم لبنيان ملكوت الله.
يعلق العلامة أوريجينوسعلى العبارة السابقة مؤكدًا أن الله وحده هو المعلم.
[إذا كان الكلام الموجود في الناموس والأنبياء والأناجيل والرسل، هو كلام الله، فإن من يتعلم من هذا الكلام، يجب أن يخص الله بلقب "معلم". لأن الذي ُيعَلِّم الإنسان المعرفة هو الرب، كما جاء في (مز 93: 10).
يؤكد المخلص أنه يجب ألا نعطي لقب "معلم" لإنسان على الأرض: "فلا تدعوا سيدي لأن معلمكم واحد هو المسيح" (مت 23: 8-9). في الواقع، الآب الذي في السموات هو الذي يُعَلّم: إما بنفسه، أو بالابن السيد المسيح أو بالروح القدس، وأيضًا بواسطة بولس أو بطرس أو أي من القديسين الآخرين، بشرط أن يأتي روح الرب وكلمته ليُعَلِّما. لماذا قلت ذلك؟ لأن النبي يقول بالتحديد: "والرب عرَّفني فعرفتُ" أو "عرّفني يا رب فأعرِف".
لأنني لن أعرف شيئًا إذا لم تُعرِفني أنتَ.
عرفت لأنك عرَفتني "فحينئذ" سأرى "أفعالهم"، وأفهم سلوكهم ونياتهم].
لم يعرف إرميا النبي أعمالهم فقط، وإنما ما هو أعظم عرف مركزه الجديد، أنه صار رمزًا لحمل الله الذي يُساق للذبح من أجل خلاص الغير، فيترنم قائلًا:
"وأنا كخروفٍ داجنٍ يُساق إلى الذبح،
ولم أعلم،
انهم فكروا عليّ أفكارًا، قائلين:
لنهلك الشجرة بثمرها،
ونقطعه من أرض الأحياء،
فلا يُذكر بعد اسمه" [19].
كلمة "خروف" في العبرية هنا استخدمت 116 مرة في العهد القديم، كلها فيما عدا خمس حالات اُستخدمت كذبيحة، لذلك ترجم البعض كلمة "يساق إلى الذبح" أو "يُساق كذبيحة" مع أن الكلمة العبرية تعني الذبح العادي .
حسبوه حملًا وديعًا، يقتلوه فلا يُذكر بعد اسمه، ولم يدركوا أنه رمز للسيد المسيح الذي بقتله يملك على القلوب، ويمزق بصليبه الصك الذي كان علينا ويجرد الرياسات والسلاطين ويشهرهم جهارًا ظافرًا بهم في صليبه (كو 2: 15). صار رمزًا للسيد المسيح الذي قيل عنه: "والرب وضع عليه إثم جميعنا؛ ظُلم أما هو فتذلل ولم يفتح فاه، كشاة تُساق إلى الذبح وكنعجة صامته أمام جازيها فلم يفتح فاه. من الضغطة ومن الدينونة أُخذ؛ وفي جيله من كان يظن أنه ُقطع من أرض الأحياء، أنه ُضرب من أجل ذنب شعبي" (إش 53: 6-8).
يقول العلامة أوريجينوس:
[يتكلم السيد المسيح عن نفسه: "وأنا كخروفٍ داجنٍ يُساق إلى الذبح ولم أعلم". لم يذكر ما هو الشيء الذي لا يعلمه. فهو لم يقل: "ولم أعلم الخير" أو "ولم أعلم الشر" أو "ولم أعلم الخطية"، وإنما قال فقط: "ولم أعلم". بذلك ترك لك مهمة البحث عن الشيء الذي لم يعلمه. لكي تعرف ذلك الشيء، تأمل هذه العبارة: "لأنه جعل الذي لم يعرف خطية، خطية لأجلنا" (2 كو 5: 21).معرفة الخطية معناها السقوط فيها، تمامًا مثل معرفة الحق أي ممارسته. من يتحدث عن الحق ولا يمارسه لا يعرف الحق ].
صار رمزًا للسيد المسيح، ليس فقط كحملٍ سيق إلى الذبح، ولكن كشجرة أيضًا يطلب الأشرار إهلاكها. بحسب الترجمة السبعينية "لنهلك الشجرة بجسدها" [19]. إذ قيل عن السيد المسيح: "اصلبه. اصلبه". طلبوا أن يهلكوه بالجسد على شجرة أو على الصليب. أرادوا قطعه، قائلين: خير أن يموت واحد عن الشعب.
يقول العلامة أوريجينوس:
["إنهم فكروا عليّ أفكارًا قائلين: هلم نلقى خشبًا في خبزه".
إن كان اليهود قد صلبوه، هذا أمر مفروغ منه، ونحن نعلمه بكل تأكيد؛ ولكن كيف نربط بين هذا الأمر وبين العبارة: "إنهم فكروا عليّ أفكارًا قائلين: هلم نلقى خشبًا في خبزه". إنه موضوع يصعب فهمه!
خبز السيد المسيح هو الكلمة والتعاليم التي نتغذى بها، وحينما رآه اليهود يُعَلِّم بين الشعب أرادوا أن يفسدوا تعاليمه بصلبهم إياه، فقالوا: "لنلقي خشبًا في خبزه". إضافة صلب السيد المسيح إلى تعاليمه هي بمثابة إلقاء خشبٍ في خبزه. حينما اجتمع هؤلاء الناس فيما بينهم ليتآمروا عليه قالوا: "هلم نلقي خشبًا في خبزه".
أما أنا فلي أيضًا - إلى جانب ذلك - رأى مختلف وهو: أن الخشب الُملقى في خبزه جعل هذا الخبز أكثر قوة وفاعلية. أذكر مثالًا لذلك من شريعة موسى: العصا "الخشب" المطروحة في المياه المرّة جعلتها عذبة (خر 15: 25). هكذا حينما أضيفت "خشبة" حب السيد المسيح إلى تعاليمه جعلت خبزه أكثر عذوبة ورقة. بالفعل قبل أن ضيف "الخشب" إلى "خبزه"؛ أي في فترة تعاليمه التي سبقت الصليب، لم تبلغ أقواله إلى أقصى المسكونة (مز 19: 5).لكن بعدما أخذ الخبز قوة من خلال "الخشب" المطروح فيه، بلغت أقوال تعاليمه إلى كل المسكونة.
كان الخشب قديمًا رمزًا لمحبة السيد المسيح التي بها صار الماء المرّ عذبًا، لأنني أعتقد أن الناموس إذا لم يُفهم بالمعنى الروحي يكون "ماءً مرًا"، لكن بمجيء خشب صلب السيد المسيح ومجيء تعاليمه، أصبح ناموس موسى عذبًا وحلوًا].
ونقطعه من أرض الأحياء،فلا يُذكر بعد اسمه" [19].
ظنوا أن بقتله يقطعونه (السيد المسيح) من أرض الأحياء، فينساه العالم، ولا يُذكر اسمه بعد، ولم يدركوا أنه القيامة واهب الحياة، وأن بفعلهم هذا حوّل السيد أرضنا - وادي الموت - إلى أرض الأحياء، حيث اختبرنا قيامة النفس، القيامة الأولى، أو الحياة الجديدة في المسيح يسوع. يلاحظ أن تعبير "أرض الأحياء" لم ُيذكر في سفر إرميا سوى هنا، وقد ورد في مواضع أخرى في العهد القديم 13 مرة.
استحقوا -كشجرة زيتون- أن تُحرق أغصانها الجافة التي بلا ثمر، لكنهم حكموا عليه أنه شجرة يجب إهلاكها، ولم يدركوا أنه بالشجرة التي يصدر عنها العفو، وينالون بر المسيح فيهم، يصيرون أغصانًا روحية ثابتة فيه.
العجيب أن حمل الله سبق فاخبرنا: "ها أنا أرسلكم كغنم في وسط ذئاب" (مت 19: 16)، تأكلنا الذئاب لتقطع ذكرانا أو ذكرى مسيحنا من أرض الأحياء، فإذا بالذئاب تتحول إلى خراف وديعة. كم حوّل الشهداء بدمائهم أو بشهادتهم للإنجيل العمل نفوس مضطهديهم إلى ملكوت سماوي؟! عوض أن يقطعهم الأشرار من أرض الأحياء تحولوا هم إلى حملان وديعة وانتقلوا من أرض الأموات إلى أرض الأحياء، يسكنها بر المسيح واهب الحياة!
يقول العلامة أوريجينوس:
[يضيفون بعد هذا القول: "ونقطعه من أرض الأحياء فلا يذكر بعد اسمه". قال عن ذلك: "إن لم تقع حبة الحنطة في الأرض وتمت فهي تبقى وحدها. ولكن إن ماتت تأتي بثمرٍ كثير" (يو 12: 4).لو لم يكن قد صُلب المسيح ومات لبقيت حبة الحنطة وحدها ولم تكن الجموع قد أثمرت منه وتبعته. أما موته فأعطى ثمارًا تتمثل في جميع المسيحيين. إذا كان الموت قد جاء بكل تلك الثمار، فكم تكون بالأكثر القيامة؟!].
رفع إرميا قلبه نحو الله، قائلًا:
"فيا رب الجنود القاضي العدل، فاحص الكلى والقلب،
دعني أرى انتقامك منهم،
لأني لك كشفت دعواي" [20].
سبق لنا الحديث عن طلبه الانتقام.
يدعو الله "فاحص الكلى والقلب" [20]، أي يعرف شخصية الإنسان في أعماقها (الكلي) ومشاعره (القلب). تشير الكلى إلى الشخصية بأسرارها الخفية، لأنها العضو الأعمق في الجسم، والمحمية بالعظام، كثيرًا ما ترتبط بالقلب (إر 17: 10؛ مز 7: 10؛ 26: 2).
* نضع ثقتنا فيه، إذ يعرف العواطف التي في خبايا نفوسنا عندما تتناغم معًا لكي ترضيه بكونه حاضرًا في كل عقل يراقبه ويتعهده، إذ هو فاحص القلوب والكلى (مز7: 9، إر 11: 20، 17: 10، رو 8: 27، رؤ 2: 23).
العلامة أوريجينوس
"لذلك هكذا قال الرب عن أهل عناثوث الذين يطلبون نفسك قائلين:
لا تتنبأ باسم الرب فلا تموت بأيدينا.
لذلك هكذا قال رب الجنود:
هأنذا أعاقبهم.
يموت الشبان بالسيف،
ويموت بنوهم وبناتهم بالجوع،
ولا تكن لهم بقية،
لأني أجلب شرًا على أهل عناثوث سنة عقابهم" [21-23].
يحاول الأشرار منع أولاد الله من الشهادة للحق، "قائلين: لا تتنبأ باسم الرب فلا تموت بيدِنا" [21]. وكما حدث مع القديسين بطرس ويوحنا إذ "دعوهما وأوصوهما أن لا ينطقا البتة ولا يُعلما باسم يسوع. فأجابهم بطرس ويوحنا وقالا: إن كان حقًا أمام الله أن نسمع لكم أكثر من الله فأحكموا، لأننا نحن لا يمكننا أن لا نتكلم بما رأينا وسمعنا" (أع 4: 18-20). هكذا حاول أقرباؤه -أهل عناثوث- منعه من الشهادة للحق، وقد أصروا على قتله، فإذا بهم يفقدون بنوهم وبناتهم بالسيف كما بالجوع!
يقول العلامة أوريجينوس:
[يؤخذ اسم "عناثوث" بالمعنى الرمزي، وهو يشير إلى اليهود. "عناثوث" بحسب ترجمة الأسماء العبرية ُتترجم "مختار". كان الشعب اليهودي هو شعب الله المختار، وكان ملكوت الله أيضًا عندهم. بخصوص هذا الملكوت تحققت الكلمات: "إن ملكوت الله يُنزع منكم ويُعطى لأمة تعمل أثماره" (مت 21: 43). في هذا أيضًا تحققت الكلمات أن "أهل عناثوث" الشعب المختار، "يطلبون نفسه"، ليس نفس إرميا، إنما قيل عن السيد المسيح.
"الذين يطلبون نفسك، قائلين: لا تتنبأ باسم الرب". لقد منع اليهود السيد المسيح من أن يعلم، "فلا تموت بأيدينا. لذلك هكذا قال رب الجنود: هأنذا أعاقبهم. يموت الشبان بالسيف ويموت بنوهم وبناتهم بالجوع". إنهم لم يهلكوا بالسيف في عهد إرميا وإنما الآن، بعد الخراب، حلّ الجوع عليهم، ليس جوعًا إلى الخبز ولا عطشًا إلى الماء، بل لسماع كلمة الرب (عا 8: 11). لم تعد تُقال بعد لهم العبارة التي كثيرًا ما تكررت: "هكذا قال رب الجنود". فالجوع يتمثل في أنه لم تعد توجد عندهم نبوات ولا حتى تعاليم. فقد نُزعت كلمة الرب من عندهم، وتحققت الكلمات: "فإنه هوذا السيد رب الجنود ينزع من أورشليم ويهوذا السند والركن، كل سند خبز وكل سند ماء. الجبار ورجل الحرب. القاضي والنبي والعرِّاف والشيخ. رئيس الخمسين والمعتبر والمشير والماهر بين الصناع والحاذق بالرقية" (إش 3: 1-3).
لم يعد أحد من بينهم يستطيع أن يقول: "كبَناء حكيم قد وَضَعْتُ أساسًا" (1 كو 3: 10).لقد مضى البناءون وعبروا إلى الكنيسة، ووضعوا السيد المسيح "أساسًا" لها، وأولادهم أيضًا بنوا عليه ].
رد مع اقتباس
إضافة رد


الانتقال السريع

قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً
الموضوع
آرميا النبي | في بيتي وجدت شرهم
آرميا النبي | بأمرٍ إلهي نزل إرميا النبي إلى وادٍ منخفض
آرميا النبي | يقدم الله أيضًا إجابة لتساؤل النبي
آرميا النبي | ما لحبيبتي في بيتي
آرميا النبي | يعلن الرب لإرميا النبي حدود خدمته


الساعة الآن 07:25 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024