رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
الله هو المدافع عن شعبه بكونه "رب الجنود اسمه" [17]. لذا يليق بشعبه كجنودٍ تحت قيادته ألا يخافوا الآلهة الأخرى، هذه التي "في وقت عقابها تبيد" [15]. ط. الله واهب القوة والحكمة والفهم لأولاده المقدسين فيه. للعلامة أوريجينوس تعليق جميل على العبارة: "صانع الأرض بقوته، مؤسس المسكونة بحكمته، وبفهمه بسط السموات" [12]. يرى أن من بين سمات الله ثلاث: القوة والحكمة والفهم. يهب القوة لجسدنا الترابي (الأرض)، والحكمة لنفوسنا (المسكونة التي يقطنها الثالوث القدوس)، والفهم لإنساننا الداخلي الذي على صورة آدم الثاني (السموات)، إنه يقول: [لنأخذ هنا ما يمكننا أن نطلق عليه ثلاث صفات من سمات الله، وهي: قوته وحكمته وفهمه. ينسب النبي إلى كل منها عملًا خاصًا: للقوة الأرض؛ للحكمة المسكونة؛ للفهم السموات. يقول: "صانع الأرض بقوته، مؤسس المسكونة بحكمته وبفهمه بسط السموات". بما أننا أرض،أي تراب، لأنه قيل لآدم: "أنت تراب"، فإننا نحتاج إلى قوة الله. وبدون قدرة الله لا نستطيع أن نقوم بأي عمل يفوق قدرات الجسد، لكننا ما أن نميت الأعضاء الأرضية، نقوم بالأعمال التي توافق إرادة الروح، يقول الرسول: "الروح يميت أعمال الجسد". إذا طبقت هذا الكلام "صانع الأرض بقوته" على الأرض الحقيقية، تجد في سفر أيوب: "أين كنت حين أسست الأرض... من وضع قياسها...؟!أو من مد عليها مطمارًا. علىأي شيء قرت قواعدها أو من وضع حجر زاويتها؟!" (أي 38: 4-6).أيأن قوة اللههي التي حافظت على الأرض في توازنٍ كاملٍ وعجيبٍ. انتقل أيضًا إلى المسكونة. إنني أعرف ما هي النفس المسكونة وماهي النفس الخالية. إذا كانت النفس لا تحمل الله، إذا كانت لا تحمل السيد المسيح الذي قال: "إن أحبني أحد يحفظ كلامي ويحبه أبي وإليه نأتي وعنده نصنع منزلًا" (يو 14: 23)، وإذا كانت لا تحمل الروح القدس، فإنها تكون خالية. لكنها تكون مسكونة حينما تكون ممتلئة من الآب والابن والروح القدس. توجد أمثلة عديدة في الكتاب المقدس، لوجود الآب والابن والروح القدس في نفس الإنسان. يطلب داود النبي في مزمور التوبة من الآب أن يمنحه هذه الأرواح: "وبروح مدبر عضدني"، "روحًا مستقيمًا جدده في أحشائي"، "روحك القدوس لا تنزعه مني". من هم هؤلاء الأرواح الثلاثة؟ الروح المدبر هو الآب، الروح المستقيم هو السيد المسيح الابن، والثالث هو الروح القدس. قلنا هذا لكي نوضح أن المسكونة لم تخلق إلا بحكمة الله. وذلك بما أن: "الحكمة تجعل الحكيم أقوى من عشرة حكام في المدينة"، وأيضًا: "لأن مزدرى الحكمة والتأديب شقي. إنما رجاؤهم باطل وأتعابهم بلا ثمرة وأعمالهم لا فائدة فيها" (حك 3: 11)، كما يقول سفر الحكمة لسليمان. وأيضًا، بما أن المسكونة قد أسست بحكمة الله، فليكن لنا نحن أيضًا الاشتياق أن يقيم الرب ويؤسس مسكونتنا التي ربما تكون قد سقطت. لأن هذه المسكونة التي لنا قد سقطت حينما جئنا في موضع الفساد، وسقطت حينما أخطأنا وابتعدنا عن الرحمة والحق، وكانت محتاجة أن ُتؤسس. الله هو الذي "أسس (أعاد تأسيس) المسكونة". فإذا أخذت كلمة المسكونة بمعناها الحرفي المادي، ابحث كيف يمكن أن نقول أن الله قد أعاد تأسيس المسكونة. هل سقطت المسكونة قبل ذلك حتى يعيد الله تأسيسها؟ أما إذا أخذت كلمة المسكونة بالمعنى الذي أشرت إليه قبلًا، وهو النفس البشرية، فإن كل من يوجد في هذه المسكونة يحتاج حتمًا إلى إعادة تأسيس. وإلا لما احتاج أحد إلى إعادة تأسيس لو لم يكن قد سقط قبل ذلك. من المؤكد أن كل الذين في هذه المسكونة سقطوا بسبب الخطية ثم أقامهم الرب وأعاد تأسيسهم. "إن الجميع ماتوا في آدم" هكذا سقطت المسكونة، واحتاجت أن تُؤسس ثانية حتى أنه "في المسيح الجميع يحيون" بذلك نكون قد قدمنا تفسيرًا مزدوجًا للمسكونة. لقد أوضحنا من جهة كيف أنه في كل إنسان تكون نفسه إما مسكونة أو خالية، ومن جهة أخرى أوضحنا معنى إعادة تأسيس المسكونة نفسها. "وبفهمه بسط السموات". لم يختبر إرميا كلمة "فهم" مع السموات اعتباطًا. تجد في سفر الأمثال العبارة: "الله في حكمته أسس الأرض وهيأ السموات بفهمه". إذًا يوجد عند الله فهم لن تستطيع أن تجده في أي موضع سوى في المسيح يسوع. فإن كل الصفات الإلهية تتمثل في السيد المسيح: هو حكمة الله؛ وهو قدرة الله؛ وعدل الله؛ والقداسة؛ والخلاص؛ وهو كذلك فهم الله. فمع كونه واحدًا مع الآب في الجوهر، إلا أنه يحمل أسماء متعددة تشير إلى أشياء مختلفة. إنك لا تستوعب نفس المعنى بخصوص السيد المسيح حينا تنظر إليه بكونه الحكمة وحينما تنظر إليه بكونه العدل. عندما تنظر إليه بكونه الحكمة تفهم من ذلك عِلْمِهِ بالأشياء الإلهية والإنسانية. وعندما تنظر إليه بكونه العدل تفهم من ذلك قدرته على إعطاء كل ذي حقٍ حقه. وإذا نظرت إليه بكونه القداسة فإنك تفهم من ذلك قدرته على تقديس كل المؤمنين بالرب والمكرسين له. وبنفس الطريقة أيضًا سوف تدركه بكونه الفهم، فهو العالم بالخير والشر وبما هو ليس خيرًا ولا شرًا. يوجد فصل بين الذين يسكنون السماء أو الذين يلبسون الإنسان السماوي وبين الشر، لأن الله في بسطه للسموات فصل بين الأشياء الفاسدة والأشياء الصالحة، حتى لا يتدنس الإنسان البار الذي يُعتَبَر سماءً. لذلك قيل: "وبفهمه بسط السموات". كيف إذًا تم بسط السموات؟ الحكمة هي التي تبسطها. تشير هذه الآية إلى كيفية بسط السموات بواسطة الحكمة: "لقد بسطت كلامي وأنتم لم تنتبهوا إليه". الأمر هنا يتعلق ببسط الكلام. بهذه الطريقة تم بسط السموات. وقد قيل أيضًا في المزمور: "الباسط السموات كشقة (كخيمة)" (مز 103: 2). كذلك نحن أيضًا، فإن نفوسنا التي كانت قبلًا منكمشة، سوف تُبسَط حتى تستطيع أن تستقبل حكمة الله. نرجع الآن إلى موضوعنا. فقد قلنا أن السموات خلقت بالفهم. وأن الذين لبسوا الإنسان السماوي هم أيضًا سموات. في الواقع إذ قيل للخاطئ: "أنت تراب وإلى التراب تعود"، أفلا يمكننا بالأولى أن نقول للبار: "أنت سماء وإلى السماء تعود"؟ كما يُقال أيضًا للإنسان الترابي الذي يحمل صورة الإنسان الترابي: "أنت تراب وإلى التراب تعود"، أفلا يقال لك إذا كنت تحمل صورة الإنسان السماوي: "أنت سماء وإلى السماء تعود؟" وكل إنسان منا له أعمال سماوية وأخرى أرضية. الأعمال الأرضية هي التي تؤدي إلى الأرض لأنها تحمل الطبيعة الأرضية، مثل ذاك الذي يكنز في الأرض بدلًا من أن يكنز في السماء. وعلى العكس، فإن أعمال الفضيلة تؤدي إلى المواضع التي تحمل نفس طبيعتها إلى السموات، فالإنسان الذي يكنز في السماء هو الذي يحمل صورة السماوي]. |
|