رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
تقدمات وذبائح لله والأوثان: 17 «أَمَا تَرَى مَاذَا يَعْمَلُونَ فِي مُدُنِ يَهُوذَا وَفِي شَوَارِعِ أُورُشَلِيمَ؟ 18 الأَبْنَاءُ يَلْتَقِطُونَ حَطَبًا، وَالآبَاءُ يُوقِدُونَ النَّارَ، وَالنِّسَاءُ يَعْجِنَّ الْعَجِينَ، لِيَصْنَعْنَ كَعْكًا لِمَلِكَةِ السَّمَاوَاتِ، وَلِسَكْبِ سَكَائِبَ لآلِهَةٍ أُخْرَى لِكَيْ يُغِيظُونِي. 19 أَفَإِيَّايَ يُغِيظُونَ، يَقُولُ الرَّبُّ؟ أَلَيْسَ أَنْفُسَهُمْ لأَجْلِ خِزْيِ وُجُوهِهِمْ؟ 20 لِذلِكَ هكَذَا قَالَ السَّيِّدُ الرَّبُّ: هَا غَضَبِي وَغَيْظِي يَنْسَكِبَانِ عَلَى هذَا الْمَوْضِعِ، عَلَى النَّاسِ وَعَلَى الْبَهَائِمِ وَعَلَى شَجَرِ الْحَقْلِ وَعَلَى ثَمَرِ الأَرْضِ، فَيَتَّقِدَانِ وَلاَ يَنْطَفِئَانِ. 21 « هكَذَا قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ إِلهُ إِسْرَائِيلَ: ضُمُّوا مُحْرَقَاتِكُمْ إِلَى ذَبَائِحِكُمْ وَكُلُوا لَحْمًا. 22 لأَنِّي لَمْ أُكَلِّمْ آبَاءَكُمْ وَلاَ أَوْصَيْتُهُمْ يَوْمَ أَخْرَجْتُهُمْ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ مِنْ جِهَةِ مُحْرَقَةٍ وَذَبِيحَةٍ. 23 بَلْ إِنَّمَا أَوْصَيْتُهُمْ بِهذَا الأَمْرِ قَائِلًا: اسْمَعُوا صَوْتِي فَأَكُونَ لَكُمْ إِلهًا، وَأَنْتُمْ تَكُونُونَ لِي شَعْبًا، وَسِيرُوا فِي كُلِّ الطَّرِيقِ الَّذِي أُوصِيكُمْ بِهِ لِيُحْسَنَ إِلَيْكُمْ. 24 فَلَمْ يَسْمَعُوا وَلَمْ يُمِيلُوا أُذْنَهُمْ، بَلْ سَارُوا فِي مَشُورَاتِ وَعِنَادِ قَلْبِهِمِ الشِّرِّيرِ، وَأَعْطَوْا الْقَفَا لاَ الْوَجْهَ. 25 فَمِنَ الْيَوْمِ الَّذِي خَرَجَ فِيهِ آبَاؤُكُمْ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ إِلَى هذَا الْيَوْمِ، أَرْسَلْتُ إِلَيْكُمْ كُلَّ عَبِيدِي الأَنْبِيَاءِ، مُبَكِّرًا كُلَّ يَوْمٍ وَمُرْسِلًا. 26 فَلَمْ يَسْمَعُوا لِي وَلَمْ يُمِيلُوا أُذُنَهُمْ، بَلْ صَلَّبُوا رِقَابَهُمْ. أَسَاءُوا أَكْثَرَ مِنْ آبَائِهِمْ. 27 فَتُكَلِّمُهُمْ بِكُلِّ هذِهِ الْكَلِمَاتِ وَلاَ يَسْمَعُونَ لَكَ، وَتَدْعُوهُمْ وَلاَ يُجِيبُونَكَ. 28 فَتَقُولُ لَهُمْ: هذِهِ هِيَ الأُمَّةُ الَّتِي لَمْ تَسْمَعْ لِصَوْتِ الرَّبِّ إِلهِهَا وَلَمْ تَقْبَلْ تَأْدِيبًا. بَادَ الْحَقُّ وَقُطِعَ عَنْ أَفْوَاهِهِمْ. يبدو أن إرميا النبي قد تأثر جدًا عندما طالبه الله: "لا تُصلِ لأجل هذا الشعب ولا ترفع لأجلهم دعاء ولا صلاة ولا تلح عليّ لأني لا أسمعك" [16]، فتساءل: "لماذا يا رب؟" وجاءت الإجابة صريحة وواضحة: "أما ترى ماذا يعملون في مدن يهوذا وفي شوارع أورشليم؟ الأبناء يلتقطون حطبًا، والآباء يوقدون النار. والنساء يعجن العجين ليصنعن كعكًا لملكة السموات ولسكب سكائب لآلهة أخرى لكي يغيظونني" [17-18]. غاية العائلة هو الحب والتعاون ليعيش الكل بروح الله في الأحضان الإلهية، لكن الخطية شوهت هذه الغاية حتى صار الأعضاء في العائلة الواحدة يدفعون بعضهم بعضًا إلى الهلاك الروحي. هذه الصورة التي أوضحها الله على فم إرميا النبي لا تزال قائمة في عائلات كثيرة حيث يدفع الآباء والأمهات أولادهم وبناتهم إلى البعد عن حياة الشركة مع الله في المسيح يسوع ربنا، بل أحيانًا يلزموهم بالسلوك غير اللائق تحت حجة الخوف على أولادهم من الرغبة في التكريس الكامل لخدمة الله وعبادته في أية صورة من الصور. كان الكعك على شكل نجم ذي ثمان أطراف رمزًا لآلهة السموات (إر 49: 19). هكذا تحولت العائلات (الكنائس الصغيرة) عن هدفها لا للخدمة لله بل لمقاومته. لكنهم في الواقع كانوا يقاومون أنفسهم، إذ يقول: "أفإيّاي يغيظون يقول الرب؟ أليس أنفسهم لأجل خزي وجوههم؟ لذلك يقول السيد الرب: ها غضبي وغيظي ينسكبان على هذا الموضع على الناس وعلى البهائم وعلى شجر الحقل وعلى ثمر الأرض فيتقدان ولا ينطفئان" [20]. * يريدنا أن ننتقم لأنفسنا من معاصينا، بهذا لا تحلّ نقمته علينا. لهذا السبب يهدد على الدوام بالعقوبة، لكيما بالخوف يحطم الاستخفاف، وعندما يكون التهديد وحده كافيًا أن يحل الخوف فينا لا يسمح الله لنا أن ندخل في الضيقة عمليًا. القديس يوحنا الذهبي الفم لا تسيء الخطية إلا إلى فاعلها، تسكب من طبيعتها عليه، فيحمل الخزي والعار وتحل الخسارة على الناس والبهائم والأشجار والمحاصيل. تحل على النفس البشرية (الإنسان) وعلى الجسد (البهائم) وعلى مواهب الإنسان وقدراته (النباتات)، تحطم طبيعته وإمكانياته! في الأصحاح الرابع أعلن أنه إن رجع إسرائيل يكون سر بركة للشعوب الأخرى حيث تتبرك الشعوب بالله وبه يفتخرون (إر 4: 2)... وعلى العكس هنا يعلن أنه إن سقط الشعب في الشر يحل غضب الله لا على الناس فحسب بل وعلى البهائم وشجر الحقل وثمر الأرض. هكذا قد يكون الإنسان سّر بركة للآخرين أو سّر لعنة حتى للخليقة الجامدة التي خلقها الله من أجله. كانوا يقدمون الذبائح والتقدمات وفي نفس الوقت يتجاوزون كل وصايا الله ويجرون وراء آلهة غريبة [9]، وكأن الذبيحة فريضة لإرضاء الله دون طلب الله نفسه. لقد فقدت الذبيحة والمحرقة كل معني روحي في حياتهم، لهذا يوبخهم قائلًا: "ضموا محرقاتكم إلى ذبائحكم وكلوا لحمًا" [21]. لقد فقدت محرقاتكم وذبائحكم طبيعتها كتقدمة للرب وصارت في نظري لحمًا لا آكله، تأخذوه من قدامي وتأكلوه أنتم فلا حاجةليبه، أو كما سبق فقال بإشعياء النبي: "لماذا لي كثرة ذبائحكم... أتخمت من محرقات كباش مسمنات، وبدم عجول وخرفان وتيوس ما أُسر" (إش 1: 11). إن كانت الذبيحة هي سرّ المصالحة مع الله لكي يجد الإنسان له موضعًا في حضنه بالمسيح الذبيح، فما قيمتها إن ُقدمت مع إصرار الإنسان على عدم المصالحة وعدم الرغبة في الدخول إلى حضن الله؟! لهذا يعاتبهم قائلًا: "لأني لم أكلم آباءكم ولا أوصيتهم يوم أخرجتهم من أرض مصر من جهة محرقة وذبيحة، بل أوصيتهم بهذا الأمر، قائلًا: اسمعوا صوتي فأكون لكم إلهًا وأنتم تكونونليشعبًا..." [22-23]. هذا العتاب بعينه قاله على لسان عاموس النبي: "هل قدمتم لي ذبائح وتقدمات في البرية أربعين سنة يا بيت إسرائيل؟!" (عا 5: 25). رفض الذبيحة ليس بسبب شرٍ فيها، وإنما بسبب شرهم. * إذ لم يؤمنوا ساروا في الفهم الخاطئ للشريعة، يفسرون الأمور حسب فهمهم وليس حسب فهم الكتاب المقدس. وبطريقة ريائية تفسد النصوص الواضحة للكتاب... لهذا حذرهم بإرميا... فإنهم إذ ظهروا أنهم يحفظون الفصح كانوا عاجزين عن أن يُعبروا عن الفرح والبهجة، كما قال إرميا: "وأبطل من مدن يهوذا ومن شوارع أورشليم صوت الطرب وصوت الفرح، صوت العريس وصوت العروس" (إر 7: 34)... لهذا فإن هذه الذبائح والتقدمات لن تُسر الله، ولا طلبتها الكلمة الإلهية منهم. البابا أثناسيوس الرسولي * هذا تفسيري، وإنني أرجو في الرب أن يمنحني بصلواتكم ألا أكون بعيدًا عن الحق. يبدولي أن الله لم يعطِ وصاياه وشرائعه بخصوص الذبائح عندما أخرجهم من مصر في الحال. ولا ذاك الذي قدم الشريعة عني بالمحرقات في ذاتها هكذا، إنما كان يتطلع إلى ما ترمز إليه وما تشير إليه: "لأن الناموس له ظل الخيرات العتيدة" (عب 10: 1) وأن هذه الفرائض "موضوعة إلى وقت الإصلاح" (عب 9: 10). لهذا السبب لا يعالج الناموس موضوع الذبائح مع أنه يحوي أوامر خاصة بها. البابا أثناسيوس الرسولي * لا يقبل منكم الذبائح، ولا أمركم بتقديمها عن احتياج إليها إنما بسبب خطاياكم. القديس يوستين الشهيد * ماذا يقول؟ "لأني لم أكلم آباءكم بهذه الأمور يوم أخرجتهم من أرض مصر، بل أوصيتهم: لا يحمل أحد فكرًا في قلبه ضد أخيه" (إر 7: 22-23، زك 7: 10). العلامة أوريجينوس * إذا كنا غير فاقدي الذكاء فعلينا إن نفهم مقاصد الله وصلاحه... إنه يقول: "الذبيحة لله قلب متواضع" (مز 50: 19)، والقلب المنسحق عطر للرب الذي خلقه. رسالة برناباس * أخشى لئلا يُقال عنا نفس الشيء: "انظر ماذا يفعلون؟ ليس من يطلب أمور المسيح، بل الكل يطلب ما لذواتهم. أطفالهم يجرون نحو الدنس، وآباؤهم يجرون نحو الطمع والنهب، ونساؤهم إذ لا يرجعن أزواجهن عن مغريات العالم وأباطيله يلهبوا شهواتهم للعالم. القديس يوحنا الذهبي الفم عرف إرميا النبي والكاهن أن الله أمرهم بتقديم ذبيحة الفصح في مصر قبيل خروجهم، كما قدم شرائع خاصة بالذبائح في الشريعة الموسوية؛ بل وأدرك اليهود خلال التقليد الشفوي منذ آدم وما بعده: إبراهيم وإسحق ويعقوب عن ضرورة تقديم ذبائح دموية، فلماذا يقول هنا: "لأني لم أكلم آباءكم ولا أوصيتهم يوم أخرجتهم من أرض مصر من جهة محرقة وذبيحة" [22]؟ أوضح ذلك بتكملة الحديث أنهم سلكوا بروح العصيان ولم يسمعوا لأنبيائه وكانوا غير مستعدين للاستماع، فحُسبت وصية تقديم المحرقات والذبائح بلا قيمة، إذ يقول: "لم يسمعوا ولم يميلوا أذنهم، بل ساروا في مشورات وعناد قلبهم الشرير، وأعطوا القفا لا الوجه. فمن اليوم الذي خرج فيه آباؤكم من أرض مصر إلى هذا اليوم أرسلت إليكم عبيدي الأنبياء مبكرًا كل يوم ومُرسلًا؛ فلم يسمعوا لي، ولم يميلوا أذنهم، بل صَّلبوا رقابهم. أساءوا أكثر من آبائهم. فتكلمهم بكل هذه الكلمات ولا يسمعون لك، وتدعوهم ولا يجيبونك... باد الحق وقُطع عن أفواههم" [24-28]. في عناد قلبهم وغلف أذانهم أعطوا الله القفا لا الوجه. وقد سبق لنا في دراستنا لسفر حزقيال أن نتفهم هذه العبارة. فالإنسان الروحي يتشبه بالشاروبيم المملوء أعينًا، كله وجوه، وليس فيه قفا. بمعنى أنه لا يقدر أن يعطي القفا لله أو لأخيه،أي لا يحمل كراهية خفية أو ظاهرة ضد خالقه ومخلصه ولا ضد إخوته. |
|