رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
تسابيح بلا عمل: 1 اَلْكَلِمَةُ الَّتِي صَارَتْ إِلَى إِرْمِيَا مِنْ قِبَلِ الرَّبِّ قَائِلًا: 2 «قِفْ فِي بَابِ بَيْتِ الرَّبِّ وَنَادِ هُنَاكَ بِهذِهِ الْكَلِمَةِ وَقُلْ: اِسْمَعُوا كَلِمَةَ الرَّبِّ يَا جَمِيعَ يَهُوذَا الدَّاخِلِينَ فِي هذِهِ الأَبْوَابِ لِتَسْجُدُوا لِلرَّبِّ. 3 هكَذَا قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ إِلهُ إِسْرَائِيلَ: أَصْلِحُوا طُرُقَكُمْ وَأَعْمَالَكُمْ فَأُسْكِنَكُمْ فِي هذَا الْمَوْضِعِ. 4 لاَ تَتَّكِلُوا عَلَى كَلاَمِ الْكَذِبِ قَائِلِينَ: هَيْكَلُ الرَّبِّ، هَيْكَلُ الرَّبِّ، هَيْكَلُ الرَّبِّ هُوَ! 5 لأَنَّكُمْ إِنْ أَصْلَحْتُمْ إِصْلاَحًا طُرُقَكُمْ وَأَعْمَالَكُمْ، إِنْ أَجْرَيْتُمْ عَدْلًا بَيْنَ الإِنْسَانِ وَصَاحِبِهِ، 6 إِنْ لَمْ تَظْلِمُوا الْغَرِيبَ وَالْيَتِيمَ وَالأَرْمَلَةَ، وَلَمْ تَسْفِكُوا دَمًا زَكِيًّا فِي هذَا الْمَوْضِعِ، وَلَمْ تَسِيرُوا وَرَاءَ آلِهَةٍ أُخْرَى لأَذَائِكُمْ 7 فَإِنِّي أُسْكِنُكُمْ فِي هذَا الْمَوْضِعِ، فِي الأَرْضِ الَّتِي أَعْطَيْتُ لآبَائِكُمْ مِنَ الأَزَلِ وَإِلَى الأَبَدِ. "الكلمة التي صارت إلى إرميا من قبل الرب، قائلًا: قف في باب بيت الرب ونادِ هناك بهذه الكلمة، وقل: اسمعوا كلمة الرب يا جميع يهوذا الداخلين في هذه الأبواب لتسجدوا للرب. أصلحوا طرقكم وأعمالكم فأسكنكم في هذا الموضع" [1-2]. كان القديس إرميا في موقف لا يُحسد عليه، فقد جاءته الدعوة من قبل الرب أن يقف في باب بيت الرب ليحدث الجماهير المحتشدة التي جاءت لتمارس طقوس العبادة دون روحها، والتي لا تريد أن تسمع كلمة توبيخ أو نقد. كان من بين هذه الجماهير دون شك كهنة عناثوث الذين يحمل أغلبهم ذكريات الطفولة والصبوة مع إرميا، وهم يدركون جرأته وإمكانية إثارة الشعب ضدهم لمخالفتهم الشريعة. يمكننا تصور موقف إرميا النبي والجو المحيط به وهو يقف ليوبخ الجماهير ويطلب التوبة هكذا: كانت الجماهير متهللة لحركة إصلاح الهيكل الذي لم تمتد إليه يد منذ أكثر من 250 عامًا. في وسط هذه البهجة الجماهيرية وقف إرميا، يكاد يكون وحده، يهاجم الإصلاح الخارجي غير المتكئ على تغيير القلب والسلوك الروحي الحيّ. كان إرميا في نظرهم الرجل الناقد اللاذع، الذي يحول البهجة إلى غم، وعوض مدح القائمين بالعمل يهاجم الكل. بينما كان حلقيا رئيس الكهنة يتعاون مع مشير الملك وكاتبه شافان في جمع التبرعات والتقدمات للإصلاح إذا بإرميا يؤكد الحاجة إلى تقدمة القلب لا المال. وبينما كان البناؤون والنجارون وكل العاملين في الإصلاح يسمعون كلمات الإطراء من كل أحد، إذا بإرميا النبي يبكت ويؤنب. الكل يتحدث عن التقدم في البناء والإصلاح بفرح واعتزاز وإرميا النبي يطلب التوبة الصادقة والنوح والبكاء حتى لا يطردهم الموضع الذي لا يستحقونه، إذ يقول على لسان الرب: "اصلحوا طرقكم وأعمالكم فأسكنكم في هذا الموضع" [2]. هم يظنون أنهم قد أرضوا الله بإصلاح الهيكل، وكأنهم دائنون له بهذا العمل الجبار الذي لم تمارسه أجيال سابقة بينما يهددهم إرميا النبي بالطرد منه بل ومن كل الأراضي المقدسة لأنهم غير مستحقين للسكنى فيها بسبب شرهم. بدأ الإصلاح الداخلي بالدعوة إلى تحويل التسبيح من كلمات منطوق بها إلى حياة مُعاشه وسلوك... حياة مفرحة متهللة في الداخل مع استعذاب للوصية الإلهية. يقول: "لا تتكلوا على كلام الكذب قائلين: هيكل الرب، هيكل الرب، هيكل الرب هو" [4]. لعل هذه العبارة كانت قرارًا يتغنى به كل القادمين إلى العيد، حاسبين أن دخولهم الهيكل سند لهم دون حاجة إلى التوبة والسلوك الروحي المقدس. إن لم يهتموا بإصلاح الهيكل الداخلي تتحول التسابيح والترانيم حتى في بيت الرب إلى "كلام كذب"، لأنهم ينطقون بغير ما يعيشون. ظن يهوذا أن مجرد وجود بيت الرب في وسطهم يكفي لحمايتهم واستدرار مراحم الله؛ ولعلهم تقبلوا هذه العقيدة مما ورد في إشعياء النبي عن سنحاريب الطائش المتعجرف إنه لن يقدر أن يهدم خيمة الرب: "عيناك تريان أورشليم مسكنًا مطمئنًا، خيمة لا تنتقل، لا تقلع أوتادها إلى الأبد، وشيء من أطنابها لا ينقطع" (إش 33: 20). حينما صلى سليمان في بيت الرب مع الشعب بنقاوة قلب جاءه صوت الرب: "قد سُمعت صلاتك... قدست هذا البيت الذي بنيته لأجل وضع اسمي فيه إلى الأبد، وتكون عيناي وقلبي هناك كل الأيام" (1 مل 9: 3). في نفس الوقت حذرهم من الانحراف عن السلوك في وصاياه أو تركه وعبادة الأوثان مهددًا: "البيت الذي قدسته لاسمي أنفيه من أمامي، ويكون إسرائيل مثلًا وهزأة في جميع الشعوب، هذا البيت يكون عبرة. كل من يمر عليه يتعجب ويصفر ويقولون: لماذا عمل الرب هكذا لهذه الأرض ولهذا البيت؟!" (1 صم 9: 7-8). اعتمد الكهنة والأنبياء على قول سليمان "إنما قد بنيت لك بيت سكن مكانًا لسكناك إلى الأبد" (1 مل 8: 13) ونبوة إشعياء النبي أن صهيون لا تسقط أبدًا (إش 33: 20) كانوا مقتنعين أن إرميا النبي مخدوع تمامًا، وكانوا يحرضون الشعب ضده. هنا يحذرهم النبي: "لا تتكلوا على كلام الكذب، قائلين، هيكل الرب، هيكل الرب، هيكل الرب هو، لأنكم إن أصلحتم إصلاحًا طرقكم وأعمالكم. إن أجريتم عدلًا بين الإنسان وصاحبه. إن لم تظلموا الغريب واليتيم والأرملة... فإني أسكنكم في هذا الموضع" [4-7]. يمثل الهيكل حضرة الله وسط شعبه لتقديسهم، فإن تمسكوا بوجود البيت دون الاهتمام بتقديس حياتهم يفقد البيت مفهومه، بل ويتحول من بيت تسبيح إلى "مغارة لصوص" [11]، وهو ذات التعبير الذي استخدمه السيد المسيح حين طرد باعة الحمام والصيارفة من الهيكل (مت 21: 13). في التسبحة نقول: "السلام للكنيسة بيت الملائكة"، إذ فيه يجتمع الله معنا في حضرة ملائكته، كما يشير القول إلى المؤمنين المتشبهين بملائكته. لهذا يقول القديس يوحنا الذهبي الفم: [يشتهي الله أن يحل وسط شعبه فيقدسهم، لكن إن أرادوا أن يعيشوا في غلاظة قلوبهم بلا توبة لا يحتملوا حلوله في وسطهم. وكما قال الرب لموسى: "قل لبني إسرائيل أنتم شعب صلب الرقبة، أن صعدت لحظة واحدة في وسطكم افنيتكم" (خر 33: 5)]. ويتحدث القديس جيروم عن هيكل الرب الداخلي الذي يمكن للمؤمن أن يقتنيه أينما وُجد، بينما كثير من سكان أورشليم والأراضي المقدسة حرموا منه. * يليق بالذين يقولون: "هيكل الرب، هيكل الرب" (إر 7: 4) أن يصغوا إلى كلمات الرسول: "أنتم هيكل الرب" (2 كو 6: 16)، والروح القدس "ساكن فيكم" (رو 8: 11). الوصول إلى البلاط السماوي سهل سواء من بريطانيا أو أورشليم، لأن "ملكوت الله داخلكم" (لو 17: 21). أنطونيوس وطغمة الرهبان الذين في مصر ومصيصة وبنتس وكبادوكية وارمنيا لم يروا أورشليم قط، لكن انفتح لهم باب الفردوس. الطوباوي هيلاريون، مع أنه مواطن فلسطيني وقاطن هناك، لم يرَ أورشليم إلا يومًا واحدًا. إذ كان قريبًا من الأماكن المقدسة لم يشأ أن يهمل رؤيتها، وفي نفس الوقت لم يرد أن يحد الله بأماكن محدودة . القديس جيروم فتح حديث إرميا النبي الباب للأنبياء الذين جاءوا بعده ليتحدثوا عن هيكل جديد للرب له ملامح جديدة، فقد شغل هذا الموضوع ذهن حزقيال النبي في التسع أصحاحات الأخيرة (إر 40-48)، خاصة الأصحاح (إر 47: 1-12). رأى بيتًا للرب يقوم على مياه المعمودية ينعم سكانه بروح النبوة لله، يولدون فيها بالروح القدس، أما أبعاده فتُقاس بالألف ذراع إشارة إلى السمة السماوية، وقد غُرس على هذه المياه أشجار كثيرة جدًا من هنا وهناك، أولاد الله القديسون، ويكون السمك كثيرًا جدًا. هذه المياه هي سرّ شفاء وحياة كل منيأتي النهر إليه (حز 47: 9). "وعلى النهر ينبت على شاطئه من هنا ومن هناك كل شجر للأكل لا يذبل ورقه ولا ينقطع ثمره. كل شهر يبكر لأن مياهه خارجة من المقدس، ويكون ثمره للأكل وورقة للدواء" (حز 47: 12).ويتحدث زكريا النبي عن بيت جديد حيث تخرج مياه حيَّة من أورشليم إلى المشارق والمغارب "ويكون الرب ملكًا على كل الأرض" (زك 14: 9). تحدث السيد المسيح عن جسده كهيكل مقدس أقامه في ثلاثة أيام (يو 2: 18-22)، فيه نقوم لنحيا عابدين بالروح والحق. كما تحدث مع المرأة السامرية عن هيكلٍ جديدٍ لا يرتبط بالسامرة أو أورشليم (يو 4: 21)، وكشف لنا يوحنا الحبيب عن الهيكل السماوي (رؤ 22). |
|