11 آب عيد القديسة كلارا الأسيزية.
هذه رؤيا فالتورتا لأعجوبة القربان الشهيرة التي ردّت الغزو الإسلامي عن دير أسيزي:
+... ديرٌ صغير جداً، واطئ جداً، يغوص سقفه إلى الأمام، مع حصن صغير... ممرّات مُعتِمة، قصيرة، ضيقة، تنفتح عليها أبواب الحجرات.
ذعرٌ وألمٌ يُقلِقان مسكن السلام الحقير هذا. الدير يضجّ مثل خليّةِ أصوات ٍ مُصلّية ونواحات. يُشبه هذا الدير الصغير حقاً حليّة يخيفها اجتياح.
جلبة المعارك الخارجية تدخل حتى، ضامّةً صيحاتها الضارية إلى الأصوات المُصلّية.
لا أدري إذا كانت أختٌ عاملة تحمل نبأ أن عصابات عدوّة تُحاول اجتياح الدير، أو أنه ساكنٌ ما من أسيز يُنذِر الكلاريسيات بالخطر.
أعلم في المقابل أن الذعر يبلغ ذروته، فيما تندفع كلّهن نحو حجرة الرئيسة؛ هذه الأخيرة، ساجدة، مُصلِّية عند طرف فراشها، تنهض، شاحبة، مُنهَكة، إنما جميلة جداً ومُهيبة، لاستقبال بناتها الخائفات.
تُنصِت إليهن وتأمرهن بالنزول إلى الخورس بنظامٍ سليم وبإيمان، محترِماتٍ صمت القانون، "لأن ما من شيءٍ، قالت، مهما كان رهيباً، يجب أن يُنسي القانون المُقدَّس".
تتبعهن وتدخل الخورس الصغير والحقير الذي تبدأ ما وراءه كنيسة صغيرة مسدودة بحواجز، مُظلِمة. ليس هناك سوى شعلتين قصيرتين: واحدة في الكنيسة، الأخرى في الخورس، تلمعان بهدوءٍ أمام حُقّ القربان...
يُصلِّين، مُنتفضات عند كل صياحٍ أقوى وأقرب. وحين تدخل إحداهن صارخةً من دون تحفُّظٍ بالنسبة إلى المكان:" يا أمي، إنهم عند الباب!"، تنحني الكلاريسيات كأنهن ضُربن حتى الموت.
لا الأخت كلارا.
على العكس، تنهض، تمضي إلى وسط الخورس بالضبط وتقول:" لا تَخَفن. إنهم رجال، وهم خارجاً. نحن هنا، في الداخل، ومع يسوع. تذكَّروا قوله:'لا تسقط شعرة من رأسكم.' نحن حماماته ولن يسمح بأن تدنسها الصقور."
موجة الضوضاء تصير أقوى، في الخارج، مُكذِّبةً كلامها.
لكنها لا تخاف.
تُخاطب الله، وقد رأت أن الكلاريسيات مذعورات جداً للتغلب على الشك والرعب:" يا يسوع الوديع، إغفِر لعزيزتك كلارا المسكينة تجرّؤها على وضع يدها حيث كاهنٌ وحده يمكنه القيام بذلك. إنما لا يوجد هنا سواك أنت ونحن. يجب أن تقول لك إحدانا إذا ً:' تعال'. يداي غسلتهما الدموع. وتستطيعان لمس عرشك".
تتقدّم بتصميمٍ نحو حقّ القربان، تفتحه، تأخذ منه لا معرض القربان، كما يُقال، بل علبةَ قربانٍ شبيهة بعلبة مجوهرات؛ ليست هذه من معدن ثمينٍ، تبدو لي من عاجٍ أو صدف، على أي ِّ حالٍ من الخارج وبما يسمح لي النور الضعيف بتمييزه.
تأخذها بالاحترام الذي تحمل به الله-الطفل.
وبخطوٍ واثق، تهبط بضع الدرجات وتتوجه مُرتِّلةً نحو باب الدير، فيما الأخوات يتبعنها، مُرتجفات إنما خاضعات.
" إفتحي الباب، يا ابنتي.
_ لكنهم هنا، خارجاً! أتسمعين كيف يصيحون وكيف يقرعون؟
_ إفتحي الباب يا ابنتي.
_ لكنهم سوف يندفعون إلى الداخل!
_ إفتحي الباب! احتراماً للطاعة!" أولا ً لطيفة ومُقنعة، تأخذ كلارا نبرةً حاسمة لا تحمل أي تردُّد...
تفتح الكلاريسيّة، بتأوّهٍ وارتجافٍ يُبطئ العمليّة، والأُخريات يرتجفن مثلها، وراء الرئيسة. يرسمن إشارة الصليب مُغمِضات عيونهن، مُستعدات للإستشهاد. ويُسدِلن حجابهن ليمُتن مُحجَّبات.
الباب مُنفرِج، أخيراً. تتحوَّل صيحات المهاجمين صرخات انتصار، ويأخذون في الركض نحو الباب الذي ينفتح، وقد كفّوا عن استخدام أسلحتهم.
كلارا، ووجهها ببياض علبة الذخيرة التي تُمسِك بها عالياً جداً، بمثابة حجاب وحيد لوجهها راهبةً، تخطو خطوتين ما وراء العتبة، ثم ثلاثاً، ثم خمساً. لا أدري إذا كانت ترى ما أمامها، أرضها، أعداءها.
لا أعتقد.
عيناها لا تقومان إلا بعبادة القربان الأقدس الذي تحمله.
طويله القامة ونحيلة جداً، مُنهكة كما هي، بيضاء مثل زنبقة، خطوها بطيء، تعطي الإنطباع بأنها ملاك أو شبح.
لي أنا تبدو ملاكاً، للآخرين، يجب أن تشبه شبحاً. تتحطم ثقتهم؛ يتوقّفون، وحين يرونها تخطو خطوةً جديدة إلى الأمام، يهربون مُشتَّتين.
إذاك تترنّح كلارا، تنحني، لأنها كانت على وشك السقوط، وتُسارع إلى عبور العتبة ثانيةً.
" لقد هربوا. ليكن الرب مباركاً! الآن... الآن اسنُدن أمّكن، لأتمكّن من إعادته إلى مذبحه. أنشِدن، يا بناتي، واسندنني. أمّكن متعبة جداً الآن!"
وبالفعل، لها وجه منازع، كأنها تركت هناك كل قواها. إنما لها أيضاً ابتسامة عذبة جداً، وقوى كثيرة في يديها الشاحبتين، للإمساك بعلبة القربان بحزم!
يدخلن الخورس، وتضع كلارا علبة الذخيرة في حق القربان وهي تبدأ إنشاد 'تسبيحة الشكر '، وبعد ذلك تلبث، منهارة فوق درجتيّ المذبح، كأنها ميتة، فيما تواصل الكلاريسيات نشيد الشكر.
هوذا ما أراه.
وبالنسبة إلي، ثمة ذلك فقط: بضع كلماتٍ للقديسة كلارا، في ثيابها الفردوسية، لا ثياب الكلاريسية:
" بذلك(تُشير إلى القربان الأقدس)، يمكننا الإنتصار على كل شيء. سيكون قوّة الفردوس والأرض العظمى طالما توجد احتياجات أرضية. بالاستحقاقات اللامتناهية للجسد الاقدس الذي انمحق لأجلنا، نحن، قدّيسو السماء، ننال نعماً لكم، وبفضله تُحرِزون انتصارات. ليُسبَّح بحمد الحمل الإفخارستي! ليمنحك الرب سلاماً وبركة."
( دفتر ماريا فالتورتا الخامس)