اِهْتِفِي لِلرَّبِّ يَا كُلَّ الأَرْضِ [1].
مع أن هذا المزمور يخص العبادة في الهيكل أثناء خدمة ذبائح الشكر، لكن العابد الحقيقي وهو يشكر الله على عطاياه الكثيرة، ينفتح قلبه على كل البشرية، فيشتهي أن تتحول الأرض إلى خورسٍ واحدٍ متهلل، يهتف بكل قوةٍ، ويعبد الرب بفرحٍ لا يُنطق به.
يقول المرتل: "طوبى للشعب الذي يعرف الهتاف"، وهنا يدعو الأرض كلها أن تهتف للرب. كأن الرب قد خلق البشرية كلها لكي لا يُحرم أحد منها ليس من الفرح فحسب، بل ومن الهتاف الذي لا يُعبر عنه.
الخليقة السماوية والأرضية، وخلقة الإنسان نفسه إنما تدعونا للهتاف للرب بلا توقف. أما وقد وعدنا برؤية الخالق نفسه فهذا يفوق كل عطية. لقد كلفه ذلك خلاصًا هذا مقداره وهذه تكلفته!
* "اِهْتِفِي لِلرَّبِّ يَا كُلَّ الأَرْضِ" (مز 100: 1) يحثنا هذا المزمور على الهتاف للرب. لا يحدث هذا كمن يحث ركنًا معينًا من الأرض، أو موضع سكنى لمجموعة من البشر، بل لندرك أنها تزرع بركات في كل جانب، في كل موضع توجد بهجة عظيمة.
هل كل الأرض تسمع صوتي؟ ومع ذلك فإن كل الأرض بالفعل تسمع هذا الصوت.
كل الأرض تبتهج بشدة فعلًا في الرب... لأن البركة ممتدة من كل جانب، حيث بدأت الكنيسة تمتد من أورشليم إلى كل الأمم (لو 24: 27).
في كل موضع يهتدي الأشرار، في كل موضع تُبنى التقوى، الصالحون ممتزجون مع الأشرار في كل الأرض. كل موقع مملوء من الساخطين المتمرمرين من الأشرار، وأيضًا من البهجة العظيمة التي للصالحين.
ماذا إذن يعني "اهتفي"؟ لأن عنوان المزمور الحاضر يجعلنا ننتبه لهذه الكلمة على وجه الخصوص: "مزمور اعتراف".
ماذا يعني الهتاف مع الاعتراف؟ هذا المعنى عُبِّر عنه في مزمور آخر: "طوبي للشعب الذي يعرف الهتاف"...
من يهتف لا ينطق بكلمات، إنما هو تعبير للذهن يفيض بالفرح، يعَّبر قدر المستطاع عن مشاعر لا تُحد...
متى إذن نهتف؟ عندما نحمد بما لا يمكن أن ننطق به.
فإننا نلاحظ كل الخليقة: الأرض والبحر وكل ما فيها، نلاحظ أن كل شيء له مصادره وأسبابه، يحمل قوة الإنتاج، نظام الميلاد، ووجود حد للوجود... الأجيال تتسلسل دون ارتباك، والكواكب تتحرك كما من الشرق إلى الغرب، ويتم نظام السنوات... إني ألاحظ كل الخليقة قدر ما استطيع... متى يمكنني أن أدرك ذاتي في داخلي؟ كيف يمكنني أن أدرك ما هو أعلى مني؟
ومع ذلك فإن رؤية الله قد وُعد بها للقلب البشري، وأن عملًا معينًا لنقاوة القلب يتحقق. هذه هي مشورة الكتاب المقدس...!
تأمل ذاتك، وأنظر من أنت؟ ماذا ترى؟ إنسان يرى الله!
أنا أدرك أن هذا ليس عن استحقاق الإنسان، بل من رحمة الله. أحمد الله من أجل رحمته!
القديس أغسطينوس
* لست أتجاسر فأحدّ قدرة الله الكلية أو أقيّدها بشريحة ضيّقة من الأرض، هذا الذي الأرض والسماء لا تسعانه. كل مؤمن يُدان ليس حسب مسكنه هنا أو هناك، وإنما حسب براري إيمانه.
العابدون الحقيقيون يعبدون الآب، لا في أورشليم، ولا على جبل جرزيم .
القديس جيروم
* قول النبي: "كل الأرض" معناه جميع سكان الأرض. هللوا له بتسبحة الغلبة، لأنه غلب عدونا، واعبدوا للرب بفرحٍ.
بما أن سيادته حليمة، ونيره طيب، وحمله خفيف، فلا نعمل بضجرٍ وكآبة، لأنه هو الذي صنعنا، واخترعنا من العدم إلى الوجود. ولسنا نحن خلقنا بعضنا بعضًا، لأن الوالدين ليسا هما السبب بميلادنا، بل الله هو الذي يأمر بتصور الطفل في البطن.
الأب أنسيمُوس الأورشليمي