قيل أنه حبس نفسه في قلايته بصبرٍ عظيمٍ، حتى أنه لم يكن يخرج أحيانًا لقضاء حاجته فثار عليه الشيطان وملأه بالضجر من القلاية، فذهب وبنى له قلاية أخرى بجوار المدينة. بعد نحو أربعة أشهر من حبسه في قلايته الجديدة جاءه الشيطان ليلًا في زي جندي روماني يحمل مقلاعًا في يده، وبدأ يرشق باب القلاية بالحجارة. فقال له القديس: "من أنت يا من ترمني بهذه الحجارة؟" فرد الشرير عليه: "أنا الذي جعلتك تهرب من قلايتك الأولى، وقد جئت لكي تهرب من هاهنا". فلما أدرك أن الشيطان سخر منه لتركه قلايته الأولى رجع إليها وتعبّد بها سبعة وثلاثين عامًا ولم يبرح منها. وقد حاول عدو الخير إخراجه منها بكافة الوسائل ولكن دون جدوى. مات عن كل الأساقفة!
ذات مرة حضر إليه بعض الأساقفة، فاضطر أن يخرج خطوة واحدة ولم يرافقهم لمسافة أبعد. فقال له من معهم من الناس: "لقد منعك كبرياؤك من مرافقة الآباء الأساقفة". فأجابهم بتواضعٍ: "إنني قد مُتُّ مرة عن كل الأساقفة وعن كل العالم، ولديّ سرًا يعلمه الله عن سبب عدم خروجي". كشف خداع شيطان:
ذات مرة ظهر له الشيطان في شكل شابٍ صغيرٍ، وكان المساء قد حلَّ، وتظاهر المخادع بأن حماره قد سقط بحمله في النهر وبدأ يصيح: "يا أبي نثنائيل ساعدني". سمعه القديس من الداخل، وهو يكذب ويعلن أنه كان يحمل خبزًا، وأنه كان سيصنع به وليمة محبة في اليوم التالي، وأنه يريده أن يساعده لئلا تأكله الضباع. فتحير القديس بين عمل الرحمة وبين كسر ما تعهّد به مع نفسه. وأخيرًا قال لنفسه: "إن الرب الذي ساعدني على حفظ قانونه قادر أن يحفظ الغلام". ثم صلى وقال للصبي: "إنني أؤمن أن الله الذي أخدمه يستطيع أن يرسل لك العون ويحفظك من الضباع. ولكن إن كنت شيطانًا مجرِّبًا فليكشفك الله". ثم أغلق القديس بابه في هدوء فتحول الشيطان إلى دوامة من الرياح وخزي من القديس الذي استطاع أن يغلبه بالصلاة.