رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
الله يتعهد شعبه لأَنَّ الرَّبَّ لاَ يَرْفُضُ شَعْبَهُ، وَلاَ يَتْرُكُ مِيرَاثَهُ [14]. السماح بالتأديبات لا يعني رفض الله لشعبه الذي تحت التأديب ولا تخليه عنهم. حينما سمح الله ليعقوب بالتأديب تراءى الله له وباركه، بل وقال له: "يتبارك فيك وفي نسلك جميع القبائل. وها أنا معك، وأحفظك حيثما تذهب، وأردك إلى هذه الأرض. لأني لا أتركك حتى أفعل ما كلمتك به" (تك 28: 14-15). لقد سمح للأعداء أن يقاوموا شعبه، لكن يؤكد لهم موسى النبي: "تشددوا وتشجعوا. لا تخافوا، ولا ترهبوا وجوههم، لأن الرب إلهك سائر معك، لا يهملك ولا يتركك" (تث 31: 6). * لتفرحوا وأنتم تحت التأديب، لأن الميراث يحفظ لكم، "لأن الرب لا يرفض شعبه". إنه يؤدب إلى حين، ولا يدين إلى الأبد. أما الآخرون فيريحهم إلى حين ويدينهم إلى الأبد. القديس أغسطينوس لأَنَّهُ إِلَى الْعَدْلِ يَرْجِعُ الْقَضَاءُ، وَعَلَى أَثَرِهِ كُلُّ مُسْتَقِيمِي الْقُلُوبِ [15]. في الوقت المناسب، سواء في هذه الحياة أو الحياة الأبدية ينتصر العدل الإلهي ويتحقق، حيث يدرك الكل حكمة الله وعلة طول أناته على الأشرار، الأمر الذي يملأ مستقيمي القلوب سلامًا وفرحًا. مَنْ يَقُومُ لِي عَلَى الْمُسِيئِينَ؟ مَنْ يَقِفُ لِي ضِدَّ فَعَلَةِ الإِثْمِ؟ [16] يشعر الإنسان التقي أحيانًا بعنف الأشرار فعلة الإثم الذين يسيئون إليه، فيصرخ في أعماقه طالبًا من يقف أمامهم ويصد شرورهم. قليلون من يقفون مع الأتقياء في لحظات ضيقهم. لقد وجد داود النبي يوناثان يقف معه وينقذه من أبيه شاول الملك، كما وجد إرميا النبي عبد الملك في القصر يدافع عنه أمام الملك. لكن بولس الرسول أعلن أن الكل قد تركوه في شدته. يرى القديس جيروم أن المرتل يسأل أولًا من يقوم له، وبعد ذلك من يقف لحسابه ضد فعلة الإثم. إنه محتاج إلى من يقيمه من أرض السكوت [17]، أي من بين الأموات، من القبر. ليس من يقدر أن يقيمه إلا ذاك الذي قام بكونه بكر الراقدين ووقف لحسابه كي يقيمه معه. * "من يقوم لي على المسيئين (الأشرار)؟" جاء موسى ولم يقدر أن يُصلح الأمور؛ وجاء الأنبياء ولم ينقذوني من شباك الخطاة. إذن من يقوم لي؟ ببراعة يقوم، كمن كان نائمًا أو مستريحًا. "استيقظ! لماذا تتغافى يا رب؟" (مز 44: 23) "يا سيد، نجنا فإننا نهلك" (مت 8: 25). من يقوم لي ضد جموع الشياطين؟ من يقوم لمساندتي؟ من يقف بجواري ضد فاعلي الشر؟ في روعة قال: "من يقف معي"، فإنه إن لم يقم الرب الذي تمدد في آلامه بجوارنا؛ إن لم يقم ذاك الذي نام في الموت، لن نستطيع أن ننتصر على أعدائنا. هذا هو السبب الذي لأجله رأى استفانوس وهو يقاوم اليهود الذين حاربوا ضده، يسوع قائمًا عن يمين الآب. رآه قائمًا، فقد كان يحارب لحساب شهيده. "لولا أن الرب معيني" (مز 44: 17). لو لم يقم المسيح من العالم السفلي، لنزلت نفسي في الهاوية. القديس جيروم * أعني وقت محاربتي مع الرئاسات وسلطات ظلمة هذا الدهر أو مع أناسٍ أشرار، من الذي يعنني، ومن يضرني غيرك يا الله. لولا معونتك لهلكت نفسًا وجسدًا. الأب أنسيمُس الأورشليمي لَوْلاَ أَنَّ الرَّبَّ مُعِينِي، لَسَكَنَتْ نَفْسِي سَرِيعًا أَرْضَ السُّكُوتِ [17]. إن كان بالكاد يجد الصديق إنسانًا يقف في جانبه وقت الشدة إلا أن الله دائمًا يحوط حول أولاده ويظلل عليهم. لذا لاق به أن يتكل على الله. غالبًا ما يُقصد بأرض السكوت هنا القبر. عوض "أرض السكوت" جاء في تفسير القديس أغسطينوس: "جهنم". * جرمانوس: إذن أين مكان حرية الإرادة؟ وكيف يمكن أن نكون مستحقين للكرامة كثمرة للجهاد مادام الله هو الذي يبتدئ وهو الذي يختم كل شيءٍ فينا بخصوص خلاصنا؟ بفنوتيوس:... نحن نعرف أن الله يخلق لنا فرصًا للخلاص بطرق متنوعة، فإنه في مقدورنا نحن أن نستخدم الفرص الممنوحة من السماء، إما بجدية أو في رخاوة. يقدم الله الفرصة كقوله: "اذهب من أرضك"، لكن الطاعة كانت من جانب إبراهيم الذي خرج فعلًا. إن كان في الحقيقة قد تحول القول: "اذهب من أرضك" إلى فعل من قبل ذاك الذي أطاع، فإن إضافة هذه الكلمات "التي سأريك إياها" تأتي من نعمة الله الذي أمر ووعد. فمن المفيد لنا أن نتأكد أنه وإن كنا نمارس كل فضيلة بمجهودات لا تتوقف، لكننا لا نستطيع بلوغ الكمال بجهدنا وغيرتنا، فلا يكفي نشاط الإنسان وجهاده المجرد للبلوغ إلى عطية النعمة الغنية ما لم يصن جهاده بالتعاون مع الله وبتوجيهات الله للقلب نحو الحق. لهذا ينبغي أن نصلي في كل حين قائلين مع داود: "تمسكت خطواتي بآثارك، فما زلّت قدماي" (مز 17: 5)، "أقام على صخرة رجليَّ، ثبّت خطواتي" (مز 40: 2). الله هو المدبر غير المنظور للقلب البشري، يهبنا أن يوجه قلوبنا نحو الفضائل، ولكن بكامل إرادتنا، هذه التي لديها الاستعداد للانحراف نحو الرذيلة، إما بسبب نقص معرفتها للصلاح، أو بسبب اللذة بالشهوات. يظهر هذا بوضوح في قول النبي: "دحرتني دحورًا لأسقط، معلنًا ضعف إرادتنا الحرة"، ثم يقول: "وأما الرب فعضدني" (مز 118: 13)، معلنًا عون الله لإرادتنا. هكذا لا نهلك إذ نسقط بحرية إرادتنا، لأن الله يعضدنا ويعيننا، باسطًا يديه لنا. فبالقول: "إذا قلت زلّت قدمي" يقصد "زلّت إرادتي". وبالقول: "فرحمتك يا رب تعضدني" (مز 94: 18) يظهر عون الله لضعفنا، معترفًا أنه ليس بمجهودنا بل برحمة الله لنا لا تزل أقدام إيماننا. كذلك "عند كثرة همومي في داخلي" التي تنشا بالتأكيد عن إرادتي الحرة، "تعزياتك تلذذ نفسي" (مز 94: 19)، أي بدخول التعزيات في قلبي بالإلهام الإلهي، تعلن صورة البركات العتيدة التي أعدها الله للذين يعملون في اسمه، هذه التعزيات ليست فقط تنزع الهموم من القلب، بل وتنعم عليه بالابتهاج العظيم. وأيضًا: "لولا أن الرب معيني لسكنت نفسي سريعًا أرض السكوت" (مز 94: 17). يعلن هنا أنه بسبب ضعف إرادتنا الحرة نسكن في الهاوية (أرض السكوت) لو لم ينقذنا عون الله وحمايته... هذا أيضًا يُقال عن النقاوة الكاملة، فإنه لا يقدر أحد بذاته أن يطلب البرّ ما لم تمد الرحمة يدها وتعينه عند عثرته وسقوطه في كل لحظة، وإلاَّ سقط وهلك، وذلك عندما يزلّ بسبب ضعف إرادته الحرة . الأب بفنوتيوس * ألاّ تظن أنّ هذه هي مشيئة الله أن لا نسقط في الخيالات والأوجاع الأخرى، بل إنه بسبب تغافلنا يسمح لنا أن نقاسي من مثل هذه الأمور، ومن قِبَل تحنُّنه يُكسِبنا من شرورنا تواضعًا لأجل خلاصنا. ماذا إذن؟ هل ننسب خلاصنا لأوجاعنا الشريرة؟ حاشا! بل ننسبه إلى ملء رحمته وبراعة حكمته. فلاحظ، إذن، كيف أنّ الله يُنهِض ذهننا من جميع النواحي لنتذكر أن نقول: "لولا أنّ الرب معيني لسكنت نفسي سريعًا أرض السكوت (أو الجحيم)" (مز 94: 17). فإذ علمنا أنه بسبب ضعفنا وإهمالنا نقاسي من هذه الأمور، دعنا نعمل ما في وسعنا ألاّ نسقط فيها، والله برحمته ينقذنا منها. القديس برصنوفيوس إِذْ قُلْتُ: قَدْ زَلَّتْ قَدَمِي، فَرَحْمَتُكَ يَا رَبُّ تَعْضُدُنِي [18]. زلة القدم هنا تشير إلى خطر عظيم يحيق بالإنسان في الحياة. لكن رحمة الله تتدخل لتنقذ المؤمن في لحظة الخطر العظيم، في الوقت المناسب، حتى لا يهلك. ولعله يقصد بزلة القدم هنا سقوط الإنسان خطأ في خطر عظيم بالرغم من خبرته، لذا لاق به أن يعتمد على مراحم الله وعنايته. * "إذ قلت: قد زلت قدمي، فرحمتك يا رب تعضدني". التعرف على العجز يحقق فورًا اقتناء عون الله، فإنه يرضى جدًا بالتواضع كما أنه يُقاوم بالكبرياء. عندما أقول: "قد زلت قدمي"، أعترف بخطاياي. عندما لا أثق في قوتي، عندما لا افتخر بأنني قوي، تكون رحمتك في الحال كيدٍ تعينني. القديس جيروم * كلمة "قدماي" ليس معناها القدم الجسدي، بل مشي القلب وميله إلى شيءٍ ما. فإذا مال السير إلى ما لا يليق يُقال أنه زل قدما ذلك الإنسان، لأن الشيطان يُزلق السير ويقلبه، ليصرع العفيف من عفته. أما الذي يعترف بضعفه فتدركه رحمة الرب وتسنده. وكل من تاب عن خطاياه وينخسه ضميره على فعل الشر ويؤلم وجع الندامة قلبه، فبمقدار وجعه يعزيه الرب ويفرح نفسه. الأب أنسيمُس الأورشليمي عِنْدَ كَثْرَةِ هُمُومِي فِي دَاخِلِي، تَعْزِيَاتُكَ تُلَذِّذُ نَفْسِي [19]. تعزيات الله دائمًا فيها كل الكفاية لمساندة النفس وقت الأحزان والمتعب. بينما تبدو الكنيسة متألمة وفي أنين، غير أن السلام يملأ أعماقها. * يعلن الله عن رعايته الحانية نحونا، ليس فقط في تعزياته، وإنما أيضًا حينما يسمح الله لنا بالتعب. فإنني اليوم أكرر ما لا أكف عن القول به، أنه ليس فقط الخلاص من الشرور، بل والسماح بها يتم خلال صلاح الله. فعندما يرانا ساقطين في التواني وننسحب من الشركة معه ولا نبالي بالأمور الروحية، يتركنا إلى لحظة حتى نعود إلى التعقل ونرجع إليه بأكثر غيرة. القديس يوحنا الذهبي الفم * "عند كثرة همومي في داخلي، تعزياتك تلذذ نفسي". تهبني من رحمتك مقابل الحزن الذي تراه في قلبي من خلال صرخة التوبة، فإن كثرة الهموم تصير فرصة للتعزية. * وصايا الله تحمل ثقل التوبة، حمل مفيد يحوي دواءً للخطاة، فإنه بالعرق والتعب فقط تتم وصايا الله. بالتأكيد لن يتوقع أحد أن يكلل وهو في الملذات. "وأما المتنعمة فقد ماتت وهي حية" (1 تي 5: 6)... "ما أضيق الباب، وأكرب الطريق الذي يؤدي إلى الهلاك" (مت 7: 14). بغض النظر عن ما هي الفضائل، فإنها لا تُقتنى بدون مصاعب. الوصول إلى قمة جبل يتم بجهدٍ عظيمٍ وتعبٍ، فكم بالأكثر يكون التعب لازمًا لبلوغ السماء؟ يقول الإنجيل: "ملكوت السماوات يُغصب" (مت 11: 12). إنه يُغصب، لأن ما تفشل الطبيعة في أن تُخضعه فينا، يمكن للنعمة أن تلطفه. فمن حيث سقطت الملائكة إلى هناك يصعد البشر. حين يُحفظ التكامل الجسدي تسرع النفوس إلى أجسادها. * أسكب دمعة واحدة، فأتأهل لتعزية واحدة. أسكب عشر دمعات، فأستحق عشرة تعزيات. ثقل توبتي يتعادل مع عدد تعزياتك. القديس جيروم * "عند كثرة همومي في داخلي"، تلك الهموم التي تنبع بالتأكيد من إرادتي الحرة، "تعزياتك تلذذ نفسي" (مز19:94)، بدخول التعزيات في قلبي عن طريق الوحي، معلنة صورة البركات العتيدة التي أعدها الله للذين يعملون باسمه، هذه التعزيات ليست فقط تنزع الهموم من القلب، بل وتنعم عليه بالابتهاج العظيم . الأنبا بفنوتيوس * يبرهن كتاب الله المقدس في عدة عبارات أنه لابد للإنسان أن يعاني من اضطراباتٍ في هذه الحياة، كما تُتاح له تعزيات كثيرة أيضًا. وفي وسط تلك الأمور جميعها، فإن روحًا تتسم بالعزيمة القوية واليقظة وإدراك الحق، يجب أن تغلب الضيقات الراهنة، وتتطلع إلى تلك الوعود بالفرح الأبدي. إن التعزيات تفوق الضيقات والأتعاب حقًا وفعلًا، لأنها تمنح الهدوء والطمأنينة وسط الصعاب الحالية، وتعطي الرجاء في الأمور العتيدة. لهذا يقول بولس الرسول أيضًا: "إن آلام الزمان الحاضر، لا تُقاس بالمجد العتيد" (رو 8: 18). حقًا إنها لا تستحق أن تُقارن بالتعزية . القديس أمبروسيوس |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
مزمور 108 | الله رجاء شعبه |
مزمور 105| أمانة الله الدائمة مع شعبه |
يُعرض الله على شعبه “سبل الحياة” (مزمور 16: 11) |
مزمور 24 - الكنيسة هي سكني الله وسط شعبه |
مزمور 15 - الله أن يتحرك متقدمًا شعبه |