ريح الشمال وريح الجنوب
استيقظي يا ريح الشمال، وتعالي يا ريح الجنوب!
هُبي على جنتي فتقطر أطيابها.
ليأتِ حبيبي إلى جنته ويأكل ثمره النفيس
( نش 4: 16 )
إن كلمة "ريح" تُستعمل كثيرًا في الكتاب المقدس كإشارة إلى الروح القدس. فكأن الرب، له المجد، يريد أن يعمل بروحه بوسائل متنوعة في قلوب شعبه المحبوب «جنته» لكي تقطر أطيابها. سواء بريح الشمال أو بريح الجنوب. فقد يستخدم الرب عصفًا عاتيًا من الشمال أو لفحة هادئة من الجنوب لكي تقطر أطياب جنته ولكي يجد فيها ثمرًا نفيسًا، فكل الظروف المختلفة والمتنوعة التي يجتازها القديسون تؤول إلى نموهم في النعمة وفي الإتيان بالأطياب وبالثمر النفيس.
لقد هبت ريح الشمال عندما حدث اضطهاد عظيم على الكنيسة ( أع 8: 1 - 3)، كما هبَّت ريح الجنوب عندما كان للكنائس سلام وكانت تُبنى في خوف الرب وبتعزية الروح القدس كانت تتكاثر ( أع 9: 31 ). وكذلك بولس وسيلا فإنهما اختبرا ريح الجنوب في بيت ليدية، ولكن عصفت عليهما ريح الشمال العاتية في سجن فيلبي (أع16).
ولا ريب في أنه في كلتا الحالتين قطرت هناك أطياب ذكية للرب الحبيب، فكل الظروف التي ترتبها المحبة الإلهية للقديسين، تؤول بكل يقين إلى الثمر المُبهج لقلب الرب «ونحن نعلم أن كل الأشياء (ريح الشمال وريح الجنوب) تعمل معًا للخير للذين يحبون الله» ( رو 8: 28 ).
ولقد ظهر الثمر في حياة العروس، ولذا تدعو حبيبها ليأتي إلى جنته ويأكل ثمره النفيس، وهو ـ له المجد ـ يُجيبها على الفور: «قد دخلت جنتي» ( نش 5: 1 ). إنه ـ تبارك اسمه ـ لا يرجئ الإتيان إليها، فلا يقول لها سأدخل، بل «دخلت»، فكأنه في اللحظة التي تدعوه فيها، تراه حاضرًا لأن قلبه على استعداد دائمًا أن يلبي نداء أحبائه.
«وبعد قليل جدًا» ستُنقل أغراس جنة الرب إلى الفردوس الأسنى، أو بالأحرى إلى بيت الآب نفسه حيث الهدوء والسلام والراحة الكاملة، وحيث لا تكون هناك حاجة إلى ريح الشمال العنيفة ـ ريح الضيق والتأديب. هناك لا يكون للخطية أثر، وبالتالي لا يكون هناك وجع أو حزن. هناك ترتوي أغراس الرب من ندى المحبة الأبدية، فلا تذبل أبدًا وتكون لبهجة قلب الآب ولمجد ربنا المعبود حيث الله الروح القدس معنا إلى الأبد.