راحــــة القلــــب
تعالوا إليَّ يا جميع المتعبين والثقيلي الأحمال،
وأنا أُريحكم. احملوا نيري .. وتعلموا مني،
لأني وديع ومتواضع القلب، فتجدوا راحة لنفوسكم
( مت 11: 28 ،29)
لا يجوز لنا أن نخلط بين الراحة التي يعطيها الرب يسوع والراحة التي نجدها. فالنفس المُتعبة والمثقلة بالخطايا، بمجرد أن تأتي إلى الرب يسوع بالإيمان الصريح الصادق البسيط، يعطيها راحة وطيدة، الراحة الناشئة عن اليقين التام بالعمل الكامل الذي بمقتضاه قد أُبطلت الخطية إلى الأبد ونالت تلك النفس براً كاملاً.
هذه هي الراحة التي يعطيها الرب يسوع لنا بمجرد أن نأتي إليه. ولكن من الجهة الأخرى علينا أن نجتاز الحياة اليومية بكل مناظرها وظروفها، ولا بد وأن نصادف أثناء اجتيازها تجارب وضيقات وتدريبات وصدمات ومعاكسات وخيبة آمال متنوعة، وهذه كلها لا تستطيع أن تؤثر قط على الراحة التي يعطيها الرب يسوع، ولكنها ربما تؤثر كثيراً على الراحة التي نجدها. هذه الأشياء كلها لا تُتعب الضمير ولكنها ربما تُتعب القلب كثيراً وتجعله في حالة القلق والفزع والاضطراب.
وكيف يليق بنا أن نقابل مثل هذه الحالة؟ وما هي الطريقة والواسطة التي تهدئ القلب المضطرب وتلطف من حدة الذهن المتقد؟ أحتاج في مثل هذه الحالة إلى الراحة، ولكن أين أجدها؟ أجدها إذا طأطأت رأسي، وحملت نير المسيح على كتفي، ذلك النير الذي حمله السيد في أيام جسده، نير الخضوع الكامل لإرادة الله. أحتاج لأن أكون في حالة أستطيع أن أقول فيها من أعماق قلبي وبدون قيد ولا شرط "لتكن مشيئتك يا رب". أحتاج إلى شعور حي عميق بمقدار محبة الله الكاملة من نحوي وحكمته غير المحدودة في كل معاملاته معي حتى أرضى بما يرضيه في كل شيء ولا أرغب عنه بديلاً. بمعنى أنه لو كان في مقدوري أن أغير مركزي وظروفي لما أقدمت على تحريك إصبعي نحو ذلك.
هذا هو سر راحة القلب الثمينة العميقة بالمقابلة مع اضطراب القلب وارتباكه، وهذا السر عبارة عن إمكانية تقديم الشكر القلبي لله في كل شيء مهما كان يخالف إرادتنا الذاتية أو يتعارض مع مشروعاتنا الخاصة، وهذا كله يستلزم التسليم القلبي الصادق بالحق القائل: "كل الأشياء تعمل معاً للخير للذين يحبون الله" ( رو 8: 28 )، ويستلزم أيضاً الشعور الأكيد والتحقق العملي من أن ما يعيِّنه لنا الله لا بد وأن يكون أحسن شيء لنا.