أو القديسة ميلانية الكبرى، وقد كانت هذه المرأة الفاضلة من أصل أسباني ولكنها تربَّت في روما، وكان أبوها قنصلًا عامًا ويدعى مارسلينوس، وكان زوجها في مركز حكومي كبير في الدولة، وقد ترملت وهي في الثانية والعشرين من عمرها وكان ذلك في عصر الإمبراطور فالنس (364-378 م). في الإسكندرية:
لما تولى الإمبراطور الوصاية على ابنها، أخذت ما تستطيع حمله من أموال وعتاد وعبيد وجاءت إلى الإسكندرية حيث باعت كل ما تمتلك وحولته إلى ذهب. ثم ذهبت إلى البرية (وادي النطرون) حيث تقابلت مع الآباء القديسين: بموا وأرسانيوس وسيرابيون وبفنوتيوس وغيرهم، وبقيت معهم هناك نصف سنة. خدمة المعترفين:
لما نفى حاكم الإسكندرية بعض القديسين إلى فلسطين بالقرب من قيصرية، ذهبت تخدمهم من أموالها. وكانت ترتدي ثياب إحدى خادماتها، وكانت تحمل لهم الطعام واحتياجاتهم الأخرى في ساعات متأخرة من الليل. وقبض عليها حاكم فلسطين بعدما اكتشف أنها امرأة ثرية حتى يحصل منها على المال، وحبسها في السجن بحجة مساعدة المحبوسين. ولكنها أرسلت له موضحة نسبها الإمبراطوري وأنها لا تريد أن تستغل هذا النسب في محاكمته لأنها مسيحية. فاعتذر لها وأمر أن تُعطَى التصريح بزيارة القديسين في السجن في أي وقت. شيدت القديسة ديرًا في أورشليم، بالقرب منها كان يقيم القديس روفينوس الذي من إيطاليا، وهو رجل تقي. قضت فيه سبعة وعشرين عامًا، وكانت تستقبل فيه زوار المدينة المقدسة، وأعطت صدقات كثيرة من أموالها للفقراء علاوة على ما كانت توزعه سرًا على الكنائس. عودتها إلى روما:
في سن الستين عادت إلى روما، حيث جذبت أبرونيوس الوثني، الذي كان في مركز إداري كبير، إلى المسيحية، كما أمالت غيره إلى الإيمان المسيحي وساعدت الفقراء وحملتهم من روما إلى أماكن هادئة ليتعبدوا فيها لله. كما دخلت في حوارٍ مع نساء البرلمان الروماني، وجاهدت معهن، كما لو كانت تصارع وحوشًا، من أجل كسبهن للمسيح، لأن أزواجهن كانوا يقاومونها بشدة، فكانت تقول لهم: "يا أولادي، إنه منذ أربعمائة عام قد كُتِب أن هذا الوقت هو الزمان الأخير (1يو2: 18)، فلماذا تتمسكون هكذا بحب العالم الفاني؟ احذروا لئلا يغلبكم عدو المسيح، ولا تتكلوا على أموالكم أو على ميراث آبائكم". وبهذا التعليم كسبتهم ليس للمسيح فقط بل لحياة الزهد أيضًا.بعدما عادت إلى أورشليم بأربعين يومًا تنيحت بشيبة صالحة.