رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
القديسة فوستينا تذهب الى فارسو لزيارة أمها المنازعة 396- كانت رفيقات سفري في غاية اللطف، كانت معي في الحجرة عدّة نساء من أخوية مريم. شعرتُ أن واحدة منهن تتألّم جدًّا وتخوض معركة قاسية في نفسها. بدأت بالصلاة بالروح من أجل هذه النفس. في الساعة الحادية عشر ذهبتْ تلك النساء إلى حجرة أخرى للتحدّث وتتركنا نحن الاثنين وحدنا في مؤخرة عربة القطار. شعرتُ أن صلاتي تسبّبت بعراك أكثر قساوة من نفسها. لم أعزّها بل صليت بحرارة كلية. أخيرًا اتجهتْ السيدة نحوي وسألتني إذا كانت مرغمة أن تُتمّم وعدًا ما قطعه لله. آنذاك تلقيتُ معرفة داخلية عن وعدها وأجبت: «أنت مجبرة حتمًا أن تفي بوعدك وإلا ستشقين طيلة ما تبقى من حياتك. ستلاحقك هذه الفكرة في كل مكان وتقلقك». فتحت قلبها لي متعجّبة من جوابي. كانت معلّمة مدرسة. وقبيل الامتحانات وعدت الله أن تكرّس ذاتها لخدمة، إن هي أجادت الامتحان، أي أن تدخل إحدى المؤسّسات الرهبانية. إجتازت الامتحان بنجاح كبير. «ولكن» قالت، «لمّا دخلت في عجقة العالم وإنهماكاته لم أعد أريد دخول الدير. غير أن ضميري أقلقني ورغم اللهو أجد نفسي دائمًا تعيسة». بعد حديث طويل تبدّلت تمامًا وقالت لي أنها ستأخذ عاجلًا الخطى اللازمة لدخول الدير. طلبت إليَّ أن أصلّي من أجلها وشعرت أن الله سيُكرمها بنعَمهِ. 397- بلغتُ إلى فارسو صباحًا وفي الساعة الثامنة مساءً وصلتُ إلى البيت. يا لفرح أهلي وكلّ العائلة. يصعب عليّ وصف هذا الفرح. كانت صحّة أمي تحسّنت قليلًا ولكن لم يعطيها الطبيب أملًا بالشفاء التّام. بعد أن سلّمتُ على كل واحد بمفرده سجدنا لنشكر الله على النعمة لجمعينا مرة أخرى في هذه الحياة. 398- لما رأيت كيف يصلي والدي خجلت كثيرًا من نفسي لأنني بعد سنين عديدة في الدير لم أتوصل بعد أن أصلّي بهذا الصدق والحرارة. فلم أنقطع عن شكر الله على حالة أهلي هؤلاء. 399- كم تبدّلت الأمور طيلة هذه السنين العشر إلى حدّ لم أعد أميّزها. لقد صغرت الجنينة فلم أعدْ أعرفها. لقد كبر إخوتي وأخواتي وقد غادرتهم أولادًا. ودهشت لأني لم أجد كما كانوا يوم غادرت البيت. كان (ستانلي) يرافقني كل يوم إلى الكنيسة وشعرت أنه كان مرضيًا لله كثيرًا. 400- في آخر يوم، لمّا غادر الجميع الكنيسة، ذهبتُ معه أمام القربان المقدّس وتلونا معًا صلاة المجد. وبعد برهة سكوت، قدّمتُ نفسه لقلب يسوع الكلّي عذوبة. كما كانت الصلاة سهلة في تلك الكنيسة الصغيرة. تذكرت كل النعم التي قبلتها هناك ولم أفهمها في ذلك الوقت وأسأت استعمالها أحيانًا. ودهشت كم كنتُ انذاك عمياء. وبينما كنتُ أندم على عماي، رأيت الرب يسوع فجأة، مشعًّا بجمال يفوق الوصف وقال لي بحنان: «أنتِ يا من اخترتك، سأعطيك أيضًا نعمًا أوفر لتستطيعي ان تشهدي لرحمتي اللامتناهية عبر الأبدية». 401- مرّت أيام في البيت برفقة أناس عديدين. كل واحد أراد أن يراني ويتحدّث إلي. كنتُ غالبًا أحصي هناك قرابة الخمسة والعشرين شخصًا يصغون بانتباه متزايد أخبار القديسين. وبدا لي أن بيتنا أصبح حقًا بيت الله، فلا نتحدّث كل مساء إلا عن الله. لمّا كنتُ أتعب من تلك الأحاديث وتتوقف نفسي إلى الهدوء والسكينة كنتُ اخرج خلسة إلى الجنينة في المساء لأتحدّث إلى الله وحدي ولم أوفّق دائمًا في ذلك، فسرعان ما يأتي اخوتي واخواتي لإعادتي على البيت حيث، مرة أخرى، كان عليّ أن أتحدّث مع تلك الأعين المحدقة بي. لكن كنت أكتشف وسيلة للحصول على بعض الراحة. كنتُ أسأل اخوتي أن يغنّون لي لاسيّما أن اصواتهم هي في غاية الجمال، بالإضافة إلى أن أحدهم كان يعزف على الكمنجة والآخر على المندولينة. استطعت طيلة ذلك الوقت أن أتكرّس للصلاة الداخلية دون أن أتحاشى رفقتهم. كان علي أيضًا أن أقبّل الأولاد، هذا ما يكلّفني غاليًا. كانت النساء اللواتي عرفتهنّ يأتين بأولادهنّ ويطلبن إليّ أن أحملهم إلى ذراعيّ، ولو لوقت قصير، وأن أقبّلهم. كنّ يعتبرنَ ذلك نعمة كبرى، أما بالنسبة لي فكانت فرصة لممارسة الفضي حيث ان العديد من الأولاد كانوا وسخين جدًّا. ولكن كنت أقبّل الطفل الوسخ مرتين بغية السيطرة على شعوري وعدم إظهار الاشمئزاز. جاءت إحدى الصديقات مع طفل وعيناه مصابتان بمرض ومملوءتان قيحًا وقالت لي: “أرجوك يا أختي، أن تحمليه على ذراعيك، لبرهة وجيزة” فاشمأزّيت أولًا ولكن دون أن أنتبه على أي شيء آخر، أخذت الطفل وقبّلته مرتين حيث الإصابة، سائلة الله أن يشفيه. كان لدي مناسبات عديدة لممارسة الفضيلة. كنتُ أستمع للناس يروون مصائبهم ولم أرَ قلبًا واحدًا سعيدًا لأنني لم أجد أحد يحب الله حقًا، ولم أتعجّب من ذلك أبدًا. حزنتُ جدًا لعدم رؤيتي اثنتين من أخواتي. شعرتُ في داخلي أن نفسيهما هما في خطر، وامتلك الحزن قلبي عندما فكرت بهما. لمّا شعرتُ مرة أنني قريبة جدًّا من الله، سألت الرب بحرارة أن يعطيهما النعمة فستجابني الربّ: «سأهبهما ليس فقط النعم اللازمة بل أيضًا نعمًا خاصة». فهمت ان الله يدعوهما إلى اتحاد وثيق به وهلّلت فرحًا لمشاهدة هذا الحبّ السائد في عائلتنا. 402- بينما كنتُ أغادر أهلي طالبة بركتهم شعرتُ بقوّة قلبي نعمة الله تحلُّ في نفسي. باركني أبي وأمي وجدّتي والدمع في أعينهم وتمنّوا لي أمانة كبرى لنعم الله، وتوسّلوا إليّ أن لا أنسى أبدًا كم حَباني الله من نِعم بدعوته لي إلى الحياة الرهبانية. طلبوا إليّ أن أصلّي من أجلهم. لم أذرف دمعة واحدة رغم أن الجميع كانوا يبكون. حاولت أن أبقى شُجاعة وان أعزّيهم بقدر استطاعتي، مذكّرة إياهم بالسماء حيث لا يفرق هناك بعد. رافقني ستانلي إلى السيارة. أخبرته كم يحب الله النفوس الطاهرة وأكّدت له أن الله هو راضٍ عنه. لمّا كنتُ أخبره عن صلاح الله وكيف يفكّر فينا، أجهش بالبكاء كطفلٍ صغير، ولم أتعجّب من ذلك لأن نفسه كانت نقيّة وهو بفضل ذلك قادر أن يعترف إلى الله. 403- لمّا صعدت على السيارة تركتُ قلبي يسير على هواه، وبكيت أنا كطفلة من الفرح بأن الله وهب عائلتنا هذه النِعم الغزيرة واستغرقت طويلًا في صلاة الشكر. عند المساء وصلت إلى فارسو. حيّيتُ أولًا رب البيتِ [يسوع في الأفخارستيا] ثمّ ذهبت لأحيّي كل الجماعة. 404- لما دخلت الكنيسة لأمسّي الربّ بالخير، قبل أن أنزوي، وعند اعتذاري عن قلّة حديثي معه لمّا كنتُ في البيت، سمعت هذا الصوت في نفسي: «أنا مسرورٌ جدًّا وإن لم تتحدّثي معي فقد جعلتِ النفوس تدرك صلاحي ودفعتِ بها إلى محبتي». 405- قالت لي الأم الرئيسة [ماري جوزيف] “نحن ذاهبون سويّة غدًا إلو جوز جينكس Jozeginex يا أختي، وستحظين بالحديث مع الأم الرئيسة العامة [مايكل] فسررت جدًّا. الأم الرئيسة هي دائمًا كما كانت، مليئة بالصلاح والسلام وروح الله. تحدّثت طويلًا معها. واشتركنا في خدمة بعد الظهيرة ورتّلنا طلبة قلب يسوع الأقدس. كان يسوع مصمودًا في حقّ القربان. 406- بعد قليلٍ، رأيت الطفل يسوع يخرج من البرشانة ويستريح في يديّ. دام ذلك وقتًا وجيزًا وغمر الفرح نفسي. كان يسوع شبيهًا بما كان عليه ساعة دخلت الكنيسة مع الأم الرئيسة- مديرتي السابقة، ماري جوزيف. عدتُ في اليوم التالي إلى فيلينوس التي أحبّ. 407- آه كم شعرتُ بالفرح عندما رجعت إلى ديرنا. بدا لي وكأنني دخلت الدير للمرّة الثانية. استرسلتُ بسعادة لا حدود لها في الصمت والسلام الذي بفضله تستطيع النفس أن تستغرق بسهولة في الله، يساعدها كل واحد دون أن يزعجها أحد. |
|