رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
تسبحة حنة الخلاصية: حقق الرب طلبة حنة فقامت تشكره وتسبحه؛ كثيرون يلجأون إلى الرب وقت الضيق لكنهم ينسونه عند الفرج، أما حنة فإنها لم تنسه بل ولم تشكره فقط على عطية صموئيل إنما بالأكثر دخلت إلى أعماق جديدة إذ رأت فيه رمزًا لعمل الله الخلاصي. فجاءت تسبحتها تُقارب تسبحة القديسة العذراء مريم (لو 1: 46-55)؛ حنة تسبح من أجل الرمز والقديسة مريم من أجل المسيا نفسه. يمكننا أن نقول إن انفتاح لسان حنة الداخلي وبصيرتها الروحية وتجاوبها العميق مع عمل الله حمل انعكاسًا على ابنها صموئيل الذي سمع صوت الرب الهادئ في الهيكل دون أن يسمعه عالي رئيس الكهنة. لقد أرضعت ابنها حياة "التجاوب مع عمل الله ومع دعوته وكلماته"... الأمر الذي حُرم منه كثير من أبنائنا بسبب انغلاق قلب الوالدين وعمى بصرتهم الداخلية وثقل لسانهم في الحديث مع الله والتسبيح له. نعود إلى تسبحة حنة أو قل مزمورها الذي يحسب مزمورًا ملوكيًاإن قورن مع (مز 2: 1؛ 4: 10)، مشيرًا إلى الملك الممسوح. ويلاحظ في هذا المزمور: أ. بدأت حنة تسبحتها بإعلان فرحها لا لمجرد نوالها "صموئيل" كعطية إنما اتمتعها بواهب العطية نفسه، إذ تقول: "فرح قلبي بالرب" [1]. لقد امتلأت أعماقها الداخلية بالله نفسه مصدر الفرح، وكما يقول الرسول بولس: "وأما ثمر الروح فهو محبةٌ وفرحٌ..." (غلا 5: 22). هذا الفرح الداخلي يهب للنفس قوة فلا تخور تحت أي ظرف، إذ يقول: "أرتفع قرني بالرب" [1]. استخدام القرن (قرن الثور) ككناية عن "القوة" تعبير شائع في الأدب العبري . نالت "قوة" لا لإغاظة أعدائها أو مقاومتهم بل لكي يتسع فمها لتكرز لهم ببهجة الخلاص، إذ تقول: "اتسع فمي على أعدائي، لأني قد ابتهجت بخلاصك" [1]. فإنه ليس شيء يقدر أن يُحطم عداوة الأعداء مثل البهجة بخلاص الرب، الذي يجتذب الأعداء للتمتع ببشارة الإنجيل المفرحة. ب. "ليس قدوس مثل الرب، لأنه ليس غيرك، وليس صخرة مثل إلهنا" [2]. إن كان الله وحده هو القدوس (رؤ 15: 4)، فقد جاء كلمة الله المتجسد القدوس (لو 1: 49) ليضمنا إليه فنحمل الحياة القدسية فينا. هذا هو سر خلاصنا، ليس فقط غفر الرب خطايانا، وإنما حملنا فيه لنشاركه حياته القدسية، وتتحق فينا وصيته: "تكونون قديسين لأني أنا قدوس" (لا 11: 44-45). إنه الصخرة التي قدمت ماء لشعب إسرائيل في وسط القفر ليشربوا ويرتوا (خر 17: 6، عد 20: 11)، إذ يقول الرسول بولس: "لأنهم كانوا يشربون من صخرة روحية تابعتهم والصخرة كانت المسيح" (1 كو 10: 4). ج. إذ اختبرت حنة نعمة الله الفائقة أدركت أن موازين الله ومقاييسه تختلف عن موازين البشر ومقاييسهم، فقد كانت ضرتها أمًا لأولاد كثيرين بينما كانت هي عاقرًا في مذلة وعار؛ نالت الأخيرة عطية "صموئيل" فصارت كمن ولدت سبهة أولاد [5] بينما صارت ضرتها - كثيرة البنين - كمن هي في ذبول! لهذا أعلنت: "قسى الجبابرة انحطمت، والضعفاء تمنطقوا بالبأس. الشباعي آجروا أنفسهم بالخبز والجياع كفوا. حتى إن العاقر ولدت سبعة وكثيرة البنين ذبلت. الرب يميت ويحيي، يهبط إلى الهاوية ويصعد، الرب يفقر ويغني، يضع ويرفع. يقيم المسكين من التراب، يرفع الفقير من المزبلة للجلوس مع الشرفاء ويملكهم كرسي المجد" [4-8]. هكذا انكسرت فننة المتشامخة فتحطمت قسيها، صارت كمن يؤجِّر نفسه ليجد خبزًا يأكله، ذبلت بالرغم من إنجابها للبنين، فقدت الحياة وصارت كمن هبط إلى الهاوية؛ افتقرت وانحطت إلى التراب. وعلى العكس بروح الاتضاع تقبلت حنة من يد الله قوة فتمنطقت بالبأس وشبعت بعد الجوع، وانجبت الكثيرين بعد العقر، تمتعت بالحياة بعد أن كانت كميتة، رفعها الله وأغناها ووهبها كرامة لتجلس مع الشرفاء وتنعم بالمجد. يمكننا أيضًا أن نقول إن فننة تمثل جماعة اليهود الذين عاشوا زمانًا في الإيمان تحت الناموس فصاروا كجبابرة بأس، شبعي، مثمرين، أغنياء، أصحاب كرامة إلخ... ولكنهم جحدوا الإيمان فانهاروا وافتقروا روحيًا وذبلت حياتهم وفقدوا كرامتهم، بينما حنة تمثل الأمم الذين عاشوا ضعفاء وجياع عاقرين بل وأمواتًا، لكنهم إذ آمنوا بالرب المخلص تغير حالهم تمامًا. د. حتى إن العاقر ولدت سبعة وكثيرة البنين ذبلت" [5]. لم تكن حنة قد ولدت سبعة أبناء بل واحدًا فقط وهو صموئيل، بعد ذلك أنجبت ثلاثة بنين وبنتين [21]، فماذا عنت بالسبعة؟ ربما لأنها رأت في صموئيل - كرمز للسيد المسيح - أنه يُحسب كإنسان كامل يُقدر بسبعة بنين، لأن رقم 7 يعني الكمال. ولعلها قصدت أنها وهي رمز لكنيسة العهد الجديد التي جاء أعضاؤها من الأمم قد ولدت للرب كثيرين خلال مياه المعمودية بينما ضرتها فننة التي رمزت لكنيسة العهد القديم قد أنجلت قبلًا أولادًا لله ذبلت بسبب جحدها للإيمان بالمسيا. * إذ وُلد صموئيل كان رمزًا للمسيح... السبعة أبناء هم الكنائس السبع، لذا كتب بولس أيضًا لسبع كنائس، وعرض سفر الرؤيا للكنائس السبع لكي يحفظ رقم 7... مثل السبعة ملائكة الواقفين أمام وجه الله والداخلين والخارجين أمامه كقول روفائيل الملاك في سفر طوبيا، والمنارة ذات السبعة سراج في خيمة الاجتماع، والسبعة أعين الله التي تحفظ العالم، والحجر ذي السبعة أعين كما يقول زكريا، والسبع أرواح، والسبع منارات في سفر الرؤيا، والسبعة أعمدة التي بنت عليها الحكمة بيتها كما في سليمان. القديس كبريانوس ه. لأن للرب أعمدة الأرض وقد وضع عليها المسكونة" [8]. حديث مجازي يكشف عن رعاية الله لنا، فمن أجلنا أسس الأرض كمُلك له وأقامنا عليها. إنه ضابط الكل، لا يفلت من رعايته شيء يمس حياتنا. يهتم حتى بخطوات أقدامنا، مبطلًا فخاخ الأشرار التي ينصبونها لنا وسط الظلام: "أرجل أتقيائه يحرس والأشرار في الظلام يصمتون" [9]. وكما يقول المرتل: "لأنه يوصي ملائكته بك لكي يحفظونك في كل طرقك" (مز 91: 11)، "لا يدع رجلك تزلّ. لا ينعس حافظك" (مز 121: 3).مادمنا أتقياء الله تُحرس أرجلنا ولا نفقد سلامنا، يقول القديس جيروم: [مادمنا في حالة نعمة تكون نفسنا في سلام، لكن ما أن نبدأ نلهو مع الخطية حتى تسقط نفسنا في ارتباك لتصير كقارب تخطبه الأمواج]. يقول القديس أغسطينوس: [إن أردت أن تسمع كيف تثبت قدميك على الدرجات بأكثر أمانٍ، فلا تتعب أثناء الصعود ولا تتعثر أو تسقط، صَلِّ بهذه الكلمات: "لا يدع رجلك تزل" (مز 121: 3)... لا شيء يجعل الرِّجل تزل إلا الكبرياء. المحبة تحرك الرِّجل للسير والتقدم والصعود، أما الكبرياء فتدفع الرِّجل إلى السقوط]. "لأنه ليس بالقوة يغلب إنسان. مخاصمو الرب ينكسرون. من السماء يرعد عليهم. الرب يُدين أقاصي الأرض ويعطي عزًا لملكه ويرفع قرن مسيحه" [9]. * ينبغي علينا أن نعرف أننا لا نستطيع أن نُجاهد بدون معونة الله، ولا يصير لجهادنا أي نفع للحصول على عطية النقاوة العظمى ما لم توهب لنا بواسطة المعونة والرحمة الإلهية، لأن "الفرس معد ليوم الحرب، أما النصرة فمن الرب" (أم 21: 31)، "لأَنَّهُ لَيْسَ بِالْقُوَّةِ يَغْلِبُ إِنْسَانٌ". الأب بفوتيوس |
|