منتدى الفرح المسيحى  


العودة  

الملاحظات

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  رقم المشاركة : ( 1 )  
قديم 08 - 06 - 2023, 05:33 PM
الصورة الرمزية Mary Naeem
 
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو
  Mary Naeem متواجد حالياً  
الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,274,509

تفسير سفر صموئيل الأول




تفسير سفر صموئيل الأول




تسميته:

سفرا صموئيل الأول والثاني في الأصل العبري سفر واحد يحمل اسم "صموئيل"، ليس فقط لأن صموئيل يحتل الدور الرئيسي في الجزء الأول من السفر، وإنما أيضًا لأنه هو أول من مسح ملوكًا لإسرائيل: شاول، داود، وهو أول من قدم هذا النوع من الكتابة النبوية التاريخية بوحي الروح القدس، كما قام بأدوار رئيسية أخرى وردت في هذا لسفر.
كلمة "صموئيل" ليس كما يظن البعض تعني "سأل الله"؛ معتمدين على العبارة: "ودعت اسمه صموئيل، قائلة: "لأني من الرب سألته" (1 صم 1: 20)؛ إنما تعني "سمع الله"، فإن كانت حنة قد قالت "من الرب سألته" إنما عنت أن "الله سمع سؤالها". عبارة "سألت الله" أقرب إلى "شاول" منها إلى صموئيل . ويرى البعض إن كلمة "صموئيل" تعني "اسم الله" أو "اسمه إله".
قُسم السفر إلى اثنين في الترجمة السبعينية لمجرد أسباب عملية، إذ كانت هناك حاجة إلى استخدام درجين (لفتين roll) عوض درج واحد. واعتبرتهما ضمن "أسفار المملكة"، حيث ضمت الأسفار الحالية الأربعة (1 صم، 2 صم، 1 مل، 2 مل) بكونها تحوي تاريخًا كاملًا لمملكتي إسرائيل ويهوذا. وقد اتبع القديس جيرومذات التقسيم في ترجمة الفولجاتا اللاتينية، ودعاها "أسفار الملوك"Regum (1 مل، 2 مل، 3 مل، 4 مل)، عوض "أسفار المملكة".
أُخذ بهذا التقسيم في الكتاب المقدس العبري في القرن الرابع عشر، وظهر في الطبعة الثانية لدانيال بومبرج Danial Bomberg في فينيسيا عام 1517.
إذن جاءت التسمية الحالية "صموئيل الأول وصموئيل الثاني" عن العبرية، مع استخدام التقسيم اليوناني.
كاتبهما:

بحسب التقليد اليهودي الذي تسلمته كنيسة العهد الجديد كاتب السفرين هما صموئيل النبي -رئيس مدرسة الأنبياء ومؤسسها- إلى ما قبل خبر نياحته وجاد وناثان لتكملة السفرين (1 أي 29: 29-30).
واضح أن مدرسة الأنبياء التي أسسها صموئيل النبي كانت مركز الثقافة اليهودية، لذا احتفظت بسجلات خاصة بمعاملات الله مع شعبه، كما يظهر من القول: "فكلم صموئيل الشعب بقضاء المملكة وكتبه في السفر ووضعه أمام الرب" (1 صم 10: 25). يشير (2 أي 9: 29) إلى ناثان النبي ومعه أنبياء آخرون كمصدر لتاريخ مُلك سليمان.
موضوعه:

1. إقامة مملكة في الشعب؛ يحوي تاريخ حوالي 115 سنة من ميلاد صموئيل سنة 1171 ق.م. إلى موت شاول.
لقد قدمت لنا الأصحاحات الستة الأولى صموئيل كنبي ومن الأصحاح السادس أبرز السفر دوره أيضًا كقاضٍ. أما صموئيل الثاني فيُبرز داود كملك لا منازع له، يستولى على أورشليم ويقيمها مركزًا جديدًا للعبادة بإحضار التابوت وإقامته في المدينة (2 صم 5-6).
2. بالنسبة لإقامة ملك لإسرائيل، فقد كان الله نفسه ملكًا على الشعب، هو يختار لهم القادة كأنبياء مثل موسى، وصموئيل أو قضاة كجدعون وشمشون وصموئيل. ولكن لما زاغ الشعب والكهنة عن الحق حلّت بهم تأديبات الرب المتكررة في سفر القضاة، حتى متى شعروا بخطاياهم ورجعوا إلى الله بالتوبة يستجيب لهم ويرسل لهم قاضيًا يُخلصهم. بهذا لم تكن وظيفة القاضي رسمية تُسلم بالخلافة ولا مقصورة على سبط معين. وقد بلغ الانحطاط ذروته حتى ارتكب أبناء الكهنة والقضاة الشرور، وصاروا عثرة للشعب مثل ابني عالي الكاهن وأولاد صموئيل. شعر الشعب بما وصلوا إليه من انحطاط: هُم وقادتهم، ففكروا في العلاج بأسلوب بشري، بإقامة ملك يدافع هو وأولاده عنهم.
إذ تحدث هذا السفر عن بدء إقامة ملوك لإسرائيل، لذا نجده لأول مرة في الكتاب المقدس يُلقب الله "رب الجنود" (1 صم 1: 3)، ليُذكر هذا اللقب بعد ذلك أكثر من 280 مرة. وكأن الوحي قد أراد تأكيد أن الله هو الملك المهتم بشئون شعبه ومدبر أمورهم.
إذ تحدث السفر عن مسح الملوك، لأول مرة أيضًا نسمع في الكتاب المقدس عن "مسح الرب": "الرب يدين أقاصي الأرض ويعطي عزًا لملكه ويرفع قرن مسيحه" (1 صم 2: 10). وقد دُعي الملوك مسحاء الرب بكونهم رمزًا للسيد المسيح الذي يملك على الصليب، ويقيم ملكوته في القلب. لهذا لا نعجب إن رأينا داود لا يمد يده ضد شاول بالرغم من رفض الله له، ذلك لأنه مسيح الرب (1 صم 26: 11). هذا وقد صار داود نفسه رمزًا للملك المسيح الذي جاء من نسله حسب الجسد. لذا أكد العهد الجديد نسب ربنا يسوع المسيح لداود في سلسلة الأنساب، وأنه وُلد في مدينة داود، وأنه بالحقيقة ابن داود (راجع أع 2: 25-31؛ رو 1: 3).
هذا ويلاحظ أن هذا السفر [وتكملته (2 صم)] لا يهدف إلى تقديم تاريخ للدين، إنما ركز اهتمامه الأساسي في عرضه لتاريخ إسرائيل على الكشف عن دور الله في حياة شعبه، إذ هو يحكم التاريخ ويوجهه، خاصة في سلسلة الأحداث التي بها أدخل الله النظام الملكي أو سمح به، حيث وجهه إلى بيت داود ليملك إلى الأبد، كبيت مسياني يحمل وعدًا بديمومته.
سماته:

1. يعتبر العرض التاريخي في سفري صموئيل الأول والثاني أول عرض تاريخي رائع في تاريخ البشرية. فقد سبق الكاتب -بالوحي الإلهي- كل المؤرخين في منهجه.
فيما يلي تعليقات بعض الدارسين في هذا الأمر:
[قال أحد العلماء في العصر الحديث: "إن سفر صموئيل سفر رائع للغاية، لا يفوقه شيء في تاريخيته وفي تبصره بالطبيعة البشرية وأسلوبه الأدبي وقوة تصويره للحوادث". ويُظهر هذا السفر طرائق الله في معاملته للأشخاص سواء كانوا خيرين أم أشرارًا، وكذلك يظهر طرائق معاملة الله للشعوب، ويعطينا صورة صادقة لأعمال الله في قضائه وعقابه (تأديباته) كما في غفرانه ورحمته].
[يلزمنا أن ندرك أن سفري صموئيل يحويان بطريقة غير عادية تاريخًا موضوعيًا وأصيلًا، خاصة تاريخ داود الملوكي. لأول مرة نجد كتابات ما يمكن أن يُسمَّى بالتاريخ في معناه العادي الحديث بمعنى الكلمة. واضح أن تاريخ القصر (الملكي) كُتب بيد شاهد عيان للأحداث، أو باليد التي تقدم المعلومات لأول مرة. لقد كتب القصة بصراحة بأقل ما يمكن من الوعظ. لقد رأى يد يهوه في الأحداث، لكنه كان يفكر في يهوه العامل خلال الأشخاص والأحداث في الحياة العلمانية أكثر مما هو خلال المعجزات. وفي رأي بعض الدارسين أن واضع هذا التاريخ الملوكي هو أول مؤرخ في القديم بطريقة جازمة].
كتب Robert H. Pfeifferعن واضع سفري صموئيل الأول والثاني بكونه رائد التاريخ الذي سبق كل المؤرخين، قائلًا: [هو أبو التاريخ بكل ما تحمل الكلمة من معنى أكثر من هيروديت الذي جاء بعده بحوالي نصف ألف سنة. حسب معرفتنا هو الذي خلق التاريخ كفن، يستعرض الأحداث الماضية خلال فكر عظيم... من غير أن يكون أمامه نموذج سابق له يقتدي به. كتب نموذجًا رائعًا، لم يتخطَّ الحقيقة التاريخية، حاملًا نظرة سيكلوجية، بأسلوب أدبي في إخراج (تمثيل) قوي ].
2. ألقى سفرًا صموئيل الأول والثاني ضوءًا على أهم المؤسسات الدينية في ذلك الوقت، مثل النبوة [مدرسة الأنبياء] والكهنوت [العمل الروحي للكاهن ودوره التعبدي الطقسي غير المنفصل عن حفظ الوصية والطاعة لله بفهم روحي] والمسيانية [الملوك كمسحاء الرب يلتزمون بالطاعة لله في اتضاع لخدمة الشعب].
هذه المؤسسات يقودها روح الله القدوس بكونه أقنومًا إلهيًا، إذ هو:
* يهب النبوة
[1 صم 10: 6].
* يمنح القلب الجديد
[1 صم 10: 9].
* يعطي الغيرة الصالحة
[1 صم 11: 6].
* يمنح المواهب
[1 صم 16: 13، 18].
* يحفظ الإنسان من الأرواح الشريرة
[1 صم 16: 14].
3. يمكن اعتبار سفر صموئيل الأول مقالًا عن الصلاة وثمارها في حياة المؤمنين:
* جاء صموئيل النبي بركة للشعب ثمرة صلوات أمه
[1 صم 1: 10-28].
* نال إسرائيل النصرة بصلوات صموئيل النبي
[1 صم 7: 5-10].
* إذ رفض الشعب الله كملك عليهم لجأ صموئيل إلى الصلاة فعزاه الله
[1 صم 8: 5-6].
* الصلاة تهب إعلانًا عن الأسرار الإلهية
[1 صم 9: 15].
* اعتبر صموئيل كفه عن الصلاة من أجل شعبه خطية
[1 صم 12: 13].
* إذ رفض الله شاول سد أذنيه عن صلاته
[1 صم 28: 6].
يمكننا القول بأن آية هذا السفر الرئيسية هي: "وأما أنا فحاشا لي أن أخطئ إلى الرب فأكف عن الصلاة من أجلكم"
(1 صم 12: 23).
أقسامه:

1. صموئيل النبي والقاضي
[1 صم 1 - 7].
2. شاول الملك
[1 صم 8 - 15].
3. داود الملك
[1 صم 16 - 31].
وحدة السفر:

يرى بعض النقاد إن سفري صموئيل الأول وصموئيل الثاني قد كررا الحديث عن بعض الأحداث، فقال بعضهما بأنهما جاءا تجميعًا لمصدرين ، أحدهما مصدر مبكر Early Source يحبذ النظام الملكي، والآخر مصدر متأخرLate Source كتب في عصر السبي أو ما بعد السبي يُضاد النظام الملكي ويحمل جانبًا وعظيًا أكثر منه تاريخيًا، حيث ظهرت مساوئ النظام الملكي وفساده. بلغ بالبعض أن قسم عبارة واحدة إلى شطرين، ينسبون جزءًا منها للمصدر المبكر والآخر للمتأخر. كما نادى فريق آخر بأن السفرين جاءا عن ثلاثة مصادر أو أكثر.
وإنني أذكر هنا كلمات القديس أغسطينوس القائل: [بأن المصاعب التي يثيرها البعض عن الكتاب المقدس تدفعنا بالأكثر إلى التمتع بأعماق جديدة خلال دراستنا للكتاب المقدس].
قدم Oesterley and Robinson وغيرهما عرضًا لأهم الأحداث التي ركز عليها النقاد بكونها تكررت في السفرين ، وسأقدم ردّ بعض الدارسين إلى ذلك:
1. تأسيس النظام الملكي في مجموعة معادية للنظام الملكي (مثل 1 صم 8؛ 10: 17-25)، وأخرى محبذة للنظام الملكي (مثل 1 صم 9: 1-16؛ 11: 1-15).
إذا رجعنا إلى النصوص لا نجد تعارضًا بينها بل انسجامًا، إذ يلاحظ الآتي:
أ. في (1 صم 8) استاء صموئيل النبي من طلب الشعب إقامة ملك لهم، وهذا أمر طبيعي، إذ يعني هذا الطلب الآتي:
I. نكرانًا لخدمة صموئيل النبي الذي عاش بينهم باذلًا ومحبًا. لقد انحرف أولاده لكنه لم يلزمهم بقبولهم قضاة لهم، وكان يليق بهم أن ينتظروا عمل الله الذي يقيم لهم قاضيًا يخلصهم كما حدث قبلًا معهم.
II. تجاهلًا لعمل الله المستمر معهم في عصر القضاة، فكان يليق بهم أن ينسبوا الفشل لا إلى نظام الحكم الإلهي Theocaratical System (بطلب النظام الملكي Monarchy) بل إلى انحرافهم عن الله وفسادهم الروحي.
III. رغبتهم في التشبه بالأمم (1 صم 8: 5)، مهتمين بالمظاهر الخارجية.
أما نسبة مثل هذا النص إلى مصدر متأخر كُتب أثناء السبي أو بعده حيث ظهرت مساوئ النظام الملكي وأنه لم يُكتب في أيام صموئيل النبي، فيرد عليه بأن الشعب كان قد احتك بالأمم والشعوب المجاورة، وإن كانوا قد طلبوا أن يكون لهم ملك مثل سائر الشعوب لكنهم شعروا كيف تئن هذه الشعوب من نير الملوك الطغاة المستغلين لشعوبهم، فقد عانى آباؤهم أيضًا من مرارة الاستعباد على يد الفراعنة. أما ما هو أهم من ذلك فهو أن النقاد في كتاباتهم تجاهلوا العنصر الإلهي أو الوحي، لذا ينسبون بعض الأسفار إلى عصور متأخرة عن كتابتها لمجرد إشارتها إلى أحداث مستقبلية، حاسبين أن الكاتب لا بُد أن يكون معاصرًا أو لاحقًا للأحداث، إذ لا يقبلون قدرة الوحي عن الحديث عن أمور مستقبلية خلال النبوة. هنا نجد صموئيل النبي يعارض طلب الشعب على الله، وفي صراحة يعلن استياءه من الطلب، وبالرغم من استجابة الطلب إلا إن الله كشف لصموئيل عما سيحدث من مساوئ للملوك القادمين، وقد نقل صموئيل هذه الصورة بأمانة للشعب. إذن استياء صموئيل وحديثه الذي يبدو معاديًا للنظام الملكي لا ينسب لعصر السبي أو ما بعد السبي كما يدعي بعض النقاد إنما هو حديث نبوي فيه يكشف النبي عما سيحل بهم من جور الملوك.
ب. أما بالنسبة للنصوص التي تبدو محبذة للنظام الملكي، مثل قول الرب لصموئيل النبي: "غدًا في مثل الآن أُرسل لك رجلًا من أرض بنيامين، فامسحه رئيسًا لشعبي إسرائيل فيخلص شعبي من يد الفلسطينيين، لأني نظرت إلى شعبي لأن صراخهم قد جاء إليّ" (1 صم 9: 16)، فلا يعني هذا تناقضًا للعبارات أو النصوص السابقة؛ إنما هذه هي طبيعة الله الصالحة إنه يراعي الحرية البشرية، خاصة إن كان الطلب جماعيًا. لقد أعطاهم سؤل قلبهم، مستخدمًا بصلاحه شرهم للخير. هذا ما سبق أن فعله مع أخوة يوسف حيث استخدم بيعهم لأخيهم عبدًا فرصة لإقامة النبتة الأولى لشعبه في مصر. لقد عزّى قلب نبيَّه صموئيل قائلًا له: "لأنهم لم يرفضوك أنت بل إياي رفضوا حتى لا أملك عليهم"(1 صم 8: 7)، وفي نفس الوقت قال له: "فالآن أسمع لصوتهم" (1 صم 8: 9).
2. أصل المثل "أشاول أيضًا من الأنبياء؟!". قيل هذا المثل حين حلّ روح الرب على شاول وتنبأ بين الأنبياء يوم مسحه ملكًا (1 صم 10: 11)، وأيضًا حين طارد داود إلى نابوت حيث كان يسكن صموئيل، إذ تنبأ أمام صموئيل وداود بعد أن خلع ثيابه (الخارجية) وانطرح عريانًا النهار كله والليل كله (1 صم 19: 24). لقد ادعى Welhausen أن النص الثاني وليد عصر متأخر مبغض للملكية، إذ يظهر شاول في صورة مزرية يستمتع بها صموئيل وداود.
يُرد على ذلك بأن المثل قيل في المرة الأولى عند مسحه لأن الله أعطاه قلبًا آخر (1 صم 10: 9)، وصار المثل بين عارفيه بكونه لم يدخل مدرسة الأنبياء ولم يتوقع أحد نواله نعمة النبوة كعطية إلهية، فصارت مثلًا في حدود ضيقة بين عارفيه وأصدقائهم (1 صم 10: 11-12). أما تكرارها في المرة الثانية بعد زيغان قلبه فهو أمر طبيعي لشخص مثل شاول عُرف بتقلبه المستمر وانفعالاته القوية المتغيرة، كما يظهر في معاملاته مع داود، تارة يبكي أمامه ويمدحه وأخرى يصوب الرمح ضده ليعود فيقيم معه عهدًا ثم ينقصه... لقد رأى صموئيل وداود فثارت فيه ذكريات كثيرة هزت نفسه فترنح، وخلع ثوبه الخارجي ليهذ في النبوة... هنا يتكرر المثل الذي بدأ يُشاع ليتثبت أكثر، إذ تنبأ شاول الذي سبق فانحرف مقاومًا الحق. أما صموئيل وداود فلم ينظرا إليه بهزء كما ظن Welhausen.
3. يدعى بعض النقاد أن مبايعة شاول في المصفاة (1 صم 10: 17-27) جاءت عن مصدر متأخر مقاوم للنظام الملكي بينما تجديد المملكة في الجلجال (1 صم 11: 14) جاء عن مصدر مبكر محبذ للنظام الملكي. يُرد على ذلك بأنه كان لزامًا على صموئيل النبي عند مبايعته لشاول في المصفاة أن يبرز أن الله استجاب لطلب الشعب وأعطاهم سؤل قلبهم بالرغم من رفضهم لملكه، مبرزًا صلاح الله ومعاملاته الرقيقة مع الإنسان. أما في الجلجال إذ صارت غلبة على الأعداء وقد رفض شاول قتل بني بليعال (من شعبه) لأنهم رفضوا قبلًا قائلًا: "لا يُقتل أحد في هذا اليوم، لأنه في هذا اليوم صنع الرب خلاصًا في إسرائيل" (1 صم 11: 13)، لهذا كان لائقًا أن يُمدح شاول وتجدد مملكته ويكون فرح وسط الشعب.
هنا نود تأكيد أن صموئيل النبي لم يهدف إلى مقاومة نظام سياسي معين أو تحبيذه إنما كان يرفض كل فساد داخلي وكل علاج مقنّع يحمل مظهرًا خارجيًا دون إصلاح روحي داخلي. حين كان شاول يسلك حسب الوصية امتداحه صموئيل النبي علانية وحين انحرف صار يوبخه في شجاعة وبصراحة. هذا ونجد صموئيل مسح داود وكان سندًا له حتى النهاية.
4. أورد السفر قصتين متشابهتين بخصوص سماحة داود النبي عندما سقط شاول مطارده بين يديه (1 صم 24، 26). ويلاحظ أن القصتين تمثلان واقعتين مختلفتين:
أ. تكرارهما أمر طبيعي لما عاناه شاول من مرض نفسي، فكان متقلب المزاج، فبعد أن رفع شاول صوته وبكى معلنًا لداود: "أنت أبر مني لأنك جازيتنني خيرًا وأنا جازيتك شرًا" (1 صم 24: 17) عاد ليُطارد مرة أخرى.
ب. في المرة الأولى (1 صم 24) أبلغ الزيفيون شاول عن موقعه في تل حخيلة إذ كانوا أعداء له، أما في المرة الثانية (1 صم 26) ففعلوا ذلك خوفًا من الانتقام.
ج. مع وجود تشابه في القصتين مثل تقدير رجال شاول ب 3000 حارس، لأنهم حرسه المرافق له، فإن القصتين تكشفان عن مناسبتين مختلفتين:
أ. في الأولى كان شاول في كهف نهارًا، أما في الثانية فكان في معسكر ليلًا.
ب. في الأولى هرب داود مسرعًا، أما في الثانية التجأ إلى الفلسطينيين لأن داود النبي فقد الثقة تمامًا في شاول بعد تكرار الأمر، (هكذا يؤكد حدوث الأمر مرتين).
لكي لا أطيل الحديث فإنني سأعرض للأحداث التي أوردها النقاد بكونها متكررة في دراستنا لصلب السفر وتفسير ذلك. هنا أود أن أكرر ما ذكره بعض الدارسين الذين فندوا آراء هؤلاء النقاد، وهو:
أ. أن العمل ليس وليد مصدرين - واحد لاحق وآخر سابق، إنما هو عمل مترابط يحمل هدفًا واضحًا بعرض رائع منسجم معًا .
ب. لم يُوضع السفران بهدف تاريخي بل بقصد الكشف عن خطة الله ومعاملاته مع شعبه، لذا جاءت الأحداث الواردة فيهما ليست دائمًا مرتبة على أساس زمني.
ج. أجمعت الآراء أن سفري صموئيل الأول والثاني امتازا باللغة العبرية الفصحى التي تدل على أن الوقت الذي كتب فيه كان العصر الذهبي للأدب العبري. فلو كان السفران أجزاء متناثرة من عصور مختلفة لما حملت هذا الطابع الأدبي الرائع.
د. يقول Driver إن السفر حوى بعض عبارات شائعة الاستعمال في ذلك الوقت (العصر المبكر) مثل: "حية هي نفسك"، "بنو بليعال"، "رب الجنود"، "وهكذا يعمل الرب وهكذا يزيد"، "مبارك أنت من يهوه (الله)" إلخ...

رد مع اقتباس
قديم 09 - 06 - 2023, 09:39 AM   رقم المشاركة : ( 2 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,274,509

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem متواجد حالياً

افتراضي رد: تفسير سفر صموئيل الأول

تفسير سفر صموئيل الأول





مرحلة انتقالية

[1 صم 1-7]

تمثل حياة صموئيل النبي والقاضي مرحلة انتقالية، خلالها عبر إسرائيل من حكم القضاة إلى النظام الملكي. وُلد صموئيل من والدين تقيين كثمرة لصلاة أمه وإيمانها، تعهده عالي الكاهن والقاضي، رجل تقي ضعيف الشخصية خاصة أمام ابنيه.

تربى صموئيل في بيت الرب بشيلوه حيث استقرت خيمة الاجتماع هناك حوالي 300 سنة، إذ خربها الفلسطينيون في إحدى هجماتهم، غالبًا بعد معركة أفيق (1 صم 4)، إذ لم يرجع التابوت بعد ذلك إليها.
جاء تاريخ حياته كقاضٍ (1 صم 7: 6، 15-17) مثل عالي الكاهن له سمة خاصة هو الدور الروحي العامل بالصلاة وتقديم المشورة دون قيادة الجيوش للخلاص بواسطة الحروب. اتسم بالإصلاح الروحي قدر المستطاع إذ اتسم الشعب بالزيغان عن الله والجهل وهما السمتان اللتان غلبتا عليهم في عصر القضاة، لذا سمح الله لهم بالمذلة على أيدي الفلسطينيين.
طلب الشعب إقامة ملك لهم مثل سائر الأمم. حسب صموئيل النبي ذلك رفضًا لمُلك الله وله، لكن بأمر إلهي مسح لهم شاول ملكًا الذي اتسم بالعصيان فرفضه الله. مُسح داود ملكًا في الخفاء وبقى شاول يطارده طالبًا قتله مهما كلفه الثمن.
ميلاد صموئيل

وُهب صموئيل لأمه التقية والعاقر حنَّة من قبل الرب، إذ جاء ابنًا لإيمانها وصلواتها، وتربى في هيكل الرب، ليكون سبب بركة للكثيرين.

1. حنة التقية العاقر:

كان لألقانة امرأتان: فننة وتعني "مرجانة" أو "لؤلؤة"، وحنّة وتعني "حنان" أو "نعمة".
أ. قيل عن ألقانة إنه أفرايمي [3] لأنه سكن في جبل أفرايم، لكنه كان من سبط لاوي من عشيرة قيهات (1 أي 6: 22-28، 32-38)، لكنه لم يمارس منصب اللاويين. كان رأسًا لعشيرة صوفيم التي تسمى بها قرية "رمتايم صوفيم" أي "رابيتا الصوف" أو "مرتفعتا الصوف"، وقد دعيت هكذا لتمييزها عن المدن الأخرى التي حملت ذات الأسم "رامة". ربما هي "رام الله" الحالية.

ب. اعتاد ألقانة أن يأخذ كل أفراد أسرته إلى شيلوه ليسجد ويذبح للرب، أي يقدم ذبيحة سلامة (لا 7: 11-21). يرى البعض أنه كان يصعد لتقديم ذبيحة خاصة بعائلته، بخلاف التزامه بالصعود في الأعياد الثلاثة: عيد الفطير أو الفصح، عيد الحصاد أو الخمسين، عيد المظال (خر 23: 14)، غير أن بعض الدارسين يرون أن اليهود في ذلك الوقت اكتفوا بالصعود مرة واحدة سنويًا للاحتفال بعيد الحصاد بفرح عظيم، وهذا ما جعل عالي الكاهن يظن أن حنة سكرى .
كانت شيلوه أو شيلو (غالبًا سيلون الحالية) هي مركز العبادة، اختارها يشوع مقرًا للخيمة والتابوت، وفيها قسم البلاد عن الأسباط (يش 18: 1، 8). سكنها عالي الكاهن وصموئيل النبي، كما سكنها أخيّا النبي (1 مل 14: 2)، وهي تبعد حوالي 17 ميلًا شمال أورشليم.
ج. كان ألقانة يحب حنة العاقر، ويعطيها نصيب اثنين الأمر الذي غالبًا ما ألهب قلب ضرتها فننّة ليزداد حسدًا وغيرة. لعل ألقانة -وهو رجل- قد أخطأ في هذا إذ وسّع الهوة بين المرأتين. على أي الأحوال حملت المرأتان رمزًا لكنيستي العهدين القديم والجديد. فإن كانت فننة تعني "لؤلؤة" أو "مرجانة" وأنجبت أولادًا، فإن كنيسة العهد القديم قد تمتعت بكنوز الله إذ تسلمت الشريعة ونالت المواعيد وأنجبت رجال الله الآباء والأنبياء إلخ... لكن هذه الأم الولود صارت عاقرًا عندما رفضت الإيمان بالسيد المسيح، وكما ترنمت حنة، قائلة: "العاقر ولدت سبعة وكثيرة البنين ذبلت" (1 صم 2: 5). أما حنة فاسمها يعني "حنانًا" أو "نعمة"، إذ تمتعت كنيسة العهد الجديد بحنان الله الفائق المعلن خلال ذبيحة الصليب ونعمة الروح القدس واهب البنوة لله والشركة معه. إنها الكنيسة المحبوبة لديه، جمعت من الأمم من كانوا عواقر لينجبوا بنين الله.
لقد سمح الله لحنة التقية أن تشبع نفسها من المرارة لتصرخ من أعماق قلبها فيهبها الابن الذي سبق أن أعده لها، بل ولكل شعبه، والذي صارت حياته وخدمته جزءًا لا يتجزأ من الكتاب المقدس. هكذا يسمح الله لكنيسته في تقواها أن تدخل تحت الآلام لتشاركه ضيقة الصليب وتختبر موته فيها فتثمر بهجة داخلية وسلامًا فائقًا للعقل. "إن كنا نتألم معه لكي نتمجد أيضًا معه" (رو 8: 17).

لقد تركها الرب وسط الآلام "سنة بعد سنة" [7]، لكنها إذ انتظرت إلى ملء زمانها قدم لها الرب أكثر مما سألت أو فكرت، فنالت "صموئيل" العظيم بين الأنبياء.
د. تأمل عتاب رجلها الذي يحبها، واهبًا إياها نفسه قبل أن يقدم لها نصيبًا مضاعفًا، إذ يقول لها: "يا حنة، لماذا تبكين؟ ولماذا لا تأكلين؟ ولماذا يكتئب قلبك؟ أمَا أنا خير لكِ من عشرة بنين؟!" [8]. هكذا يعاتبنا رب المجد يسوع عريس نفوسنا: "لماذا تحزن على أمور زمنية؟ أو بسبب ضيقات وقتية؟ أما أستطيع أن أشبعك وأُعزيك؟ أما يكفيك أني عريس نفسك الأبدي؟!".
ليتنا نردد مع الرسول بولس قائلين: "الذي لم يشفق على ابنه بل بذله لأجلنا أجمعين كيف لا يهبنا أيضًا معه كل شيء...؟! من سيفصلنا عن محبة المسيح؟! أشدة أم ضيق أم اضطهاد أم جوع أم عري أم خطر أم سيف...؟! فإني متيقن أنه لا موت ولا حياة ولا ملائكة ولا رؤساء ولا قوات ولا أمور حاضرة ولا مستقبلة، ولا علو ولا عمق ولا خليقة أخرى تقدر أن تفصلنا عن محبة الله التي في المسيح يسوع ربنا" (رو 8: 32-39).
لنحب الله من أجل شخصيه، لنقبله ساكنًا فينا، فيعلن ملكوته الإلهي في داخلنا ولا يحرمنا حتى من البركات الزمنية مادامت لبنياننا... هكذا تمجد الله في حنة وأعطاها صموئيل ثمرة إيمانها وصلواتها.
2. ابن الصلاة:


أ. كانت حنة مُرّة النفس [10]، هذه المرارة لم تمنعها عن أن تشترك في الأكل مما قُدم للرب، إذ لم يكن هذا الأكل للتنعم واللذة إنما علامة شركة المؤمنين معًا في الذبيحة ليكون الكل مصالحًا معًا في الله. مرارة نفسها لم تجلب لها كراهية أو حقدًا ضد ضرتها إنما طلبت العون الإلهي ليحقق لها ما ينزع عنها عارها. اشتهت أن تنجب ليس كرغبة طبيعية في الإنجاب وممارسة الأمومة، وإنما لما هو أقوى؛ فإن كل سيدة يهودية كانت تترقب أن يأتي المسيا من نسلها، كما يظهر من تسبحة حنة نفسها عندما قدمت ابنها عارية للرب كل أيام حياته (1 صم 2: 1-10).
بعد الأكل قامت لتمارس صلاة شخصية سرية أمام هيكل الرب (دعيت الخيمة هيكل الرب لأنها كانت قد استقرت حوالي 300 سنة في شيلوه، وأقيمت حولها أبنية وأمامها باب وقائمة ومكان لجلوس رئيس الكهنة لأجل القضاء).
صارت تُصلي وعالي رئيس الكهنة يُراقبها لكنه لم يقدر أن يدرك سر قوة صلاتها، بل حسب المرأة سكرى [14]، أما الرب فاستجاب لها.
صارت حنة مثلًا حيًا -عبر الأجيال- للصلاة الصامتة النابعة عن إيمان عميق داخلي، وقد امتزجت صلاتها بإيمانها وأيضًا بوداعتها.
فيما يلي تعليقات بعض الآباء على صلاة حنة الصامتة، إذ تحدثت بقلبها كما بدموعها:
* بالنسبة لحنّة، ما أن حملت فكرًا حتى وُهب الحبل بالطفل صموئيل. يقول الكتاب: اسألوا وأنا أعمل، فكروا وأنا أعطي. إننا نسمع عن الله أنه يعرف القلب، ولا يحكم مثلنا نحن البشر من خلال الحركات (الظاهرة) للنفس ولا من الأحداث (الخارجية)؛ فمن السخافة أن تفكر هكذا.

* الصلاة هي أن تتكلم بعظم دالة، محاورًا لله. إن كنا بالهمس دون فتح الشفتين نتحدث في صمت فإننا نصرخ من الداخل. الله يسمع على الدوام كل حديث داخلي...
الآن إن كان البعض يحدد ساعات معينة للصلاة -مثل الساعات الثلاثة والسادسة والتاسعة- لكن الغنوسي (الإنسان الروحي صاحب المعرفة) يصلي خلال حياته كلها، ساعيًا أن تكون له شركة مع الله بالصلاة.
* يمكن النطق بالصلاة بدون صوت، وذلك بتركيز الطبيعة الروحية الداخلية كلها على تغيير الذهن، بدون تشتيت له عن التفكير في الله.
القديس أكليمندس الإسكندري
* حنة - المذكورة في الكتاب الأول من الملوك (1 صم) - رمز الكنيسة تمسكت بالصلاة لله لا بطلبات صاخبة وإنما في صمت ووداعة في أعماق قلبها. نطقت بصلاة خفية بإيمان واضح. لم تتكلم بصوتها إنما بقلبها، إذ عرفت أن الله يسمع مثل هذا نالت - بطريقة فعّالة - ما طلبته، لأنها سألت بإيمان. هذا ما يؤكده الكتاب قائلًا: "كانت تتكلم في قلبها وشفتاها فقط تتحركان، وصوتها لم يُسمع (والله سمع لها)" [13]. نقرأ في المزامير: "تكلموا في قلوبكم على مضاجعكم واسكتوا" (مز 4: 4).
القديس كبريانوس
* لم يُسمع صوت حنة؛ لقد حققت كل رغبتها إذ كان قلبها يصرخ! أما هابيل فصلى ليس فقط وهو صامت وإنما وهو ميت إذ كان دمه يصرخ في وضوح أكثر من أي بوق!

* دموعها سبقت لسانها، بها ترجت أن يذعن الله لقبول طلبتها.

* كانت دموعها تصرخ في أكثر وضوح من أي بوق، لذلك فتح الله رحمها، وجعل الصخرة الصماء حقلًا مثمرًا.
إن بكيتَ تصير هكذا تابعًا لربك، نعم فقد بكى على لعازر وعلى المدينة، كما اضطرب جدًا بخصوص يهوذا. هكذا الأمر (البكاء) كثيرًا ما كان يفعله، لكنه لم يوجد قط ضاحكًا .
القديس يوحنا الذهبي الفم
لم يكن ممكنًا لرئيس الكهنة عالي أن يميز بين امرأة منسحقة الروح تستجيب السماء لتنهداتها الداخلية وبين ابنة بليعال (اسم عبري معناه "عديم النفع" أو "شرير"، ينعت به كل شرير لا يخاف الله (2 كو 6: 15)) سكرى... لكن الله فاحص القلوب وحده يقدر أن يميز بين هذه وتلك.
مزجت حنة صلاتها الخفية بوداعتها فعندما اتهمها عالي الكاهن بالسكر أجابته في وداعة: "لا يا سيدي، إني امرأة حزينة الروح ولم أشرب خمرًا ولا مسكرًا بل أسكب نفسي أمام الرب. لا تحسب أمتك ابنة بليعال، لأني من كثرة كربتي وغيظي قد تكلمت إلى الآن" [15-16].

لقد تأثر القديس يوحنا الذهبي الفم بهذه الوداعة فمدحها أكثر من مرة، إذ يقول: [هنا برهان القلب المنسحق، عندما لا نكون في غضب ضد من يسبنا فلا نسخط عليهم، بل نُجيب في حدود الدفاع عن النفس ].
لقد تحدثت بأدب ولطف واتضاع، قائلة: "لتجد جاريتك نعمة في عينيك" [18].
يظهر إيمان حنة من قول الكتاب: "مضت المرأة في طريقها ولم يكن وجهها بعد مغيرًا" [18]. هكذا استراح قلبها بعد الصلاة.

ليت الرب يهبنا هذا الإيمان فلا نقلق ولا نضطرب، خاصة بعد الصلاة وتسليم أمورنا بين يدي الله أبينا.
إذ يتحدث العلامة أوريجانوسعن فاعلية الصلاة في حياة حنة العاقر وغيرها، يتطلع إلى النفوس المجدبة التي بلا ثمر لكي تنعم بما نالته حنة قائلًا: [النفوس التي بقيت مجدبة (عاقرًا) إلى زمان طويل، إذ تدرك عقم عقلها وجدب فكرها تحبل بالروح القدس وتلد كلمات خلاصية مملوءة بمفاهيم الحق وذلك بالمثابرة في الصلاة]. بمعنى آخر، نحن في حاجة أن نكتشف عمقنا الداخلي ليتمرر داخلنا وتنسحق نفوسنا أمام الرب، نسأله بإيمان واثقين أنه وحده قادر أن يحول عمقنا إلى خصوبة، مانحًا إيانا من ثمر روحه القدوس في داخلنا.
3. ميلاد صموئيل:

رجوع حنة إلى أسرتها بوجه باش لتُشاركهم الحياة الأسرية بلا تذمر يكشف عن إدراكها أن علاج المشاكل ليس في يد إنسان ولا في الظروف الخارجية إنما في الدخول إلى أعماق النفس واكتشاف إمكانيات الله فينا. هكذا دخلت حنة إلى أعماقها والتقت بإلهها خلال صلاتها السرية، عندئذ شعرت بقوة الله القادرة أن تحل كل المشاكل. لذا عندما كرز الرسول بولس لأهل كورنثوس قدم لهم "قوة الله" (1 كو 2: 4-5) وليس سمو الكلام والحكمة الإنسانية المقنعة.
لقد حان الوقت ليهب الله حنة ابنًا، دعته صموئيل، وبقيت مع طفلها حتى تفطمه لتحقق نذرها بتقديمه عارية للرب، يتراءى أمامه ويقيم في بيته كل أيام حياته [22].

4. صموئيل عارية الرب:


أ. "ثم حين فطمته أصعدته معها" [24]. ربما يتساءل البعض: كيف قدمته لبيت الرب بعد الفطام مباشرة (بعد حوالي 9 شهور)؟ اعتادت الأمهات في منطقة الشرق الأوسط ألا تفطم الولد تمامًا إلا في الثالثة من عمره وفي بعض الحالات يُترك حتى الخامسة، ربما كنوع من التدليل.
ب. ماذا تعني بقولها: "وأنا أيضًا قد أعرته للرب جميع أيام حياته هو عارية للرب" [28] لقد سبق أن وعدت: "إني أعطيه للرب كل أيام حياته" [11]، والآن لا تقول: "أعطيه" بل "أعرته" للرب، فإنها وإن كانت لم تتراجع عن الوعد إذ سلمته للرب ليكون خادمًا له كل أيام حياته، لكنها أرادت تأكيد ارتباطها به كأم لذا حسبته "عارية". لقد وهبها الله إياه، وهي تتمسك به كابن لها وفي نفس الوقت تقدمه للرب كل أيام حياته. إنها صورة حيَّة للحب العائلي في الرب!
* أيتها النساء اقتدين بهؤلاء النساء العجيبات. هل أنجبت إحداكن طفلًا؟ فلتتمثَّل بحنة [24]، ولتنظر ماذا فعلت. لقد أحضرته إلى الهيكل. من منكن لا تُريد أن يكون أبنها صموئيل فيصير أفضل من ملك على العالم ربوات المرات؟!
* إنها لم تقل "لمدة عام" أو "عامين" كما نفعل نحن، ولا قالت: "إن أعطيتني طفلًا أقدم لك مالًا"، بل "أرد لك العطية بكاملها، أقدم ابني البكر، ابن صلاتي". بالحق إنها ابنة إبراهيم.
لقد قدم إبراهيم (ابنه) عندما طُلب منه، أما هي فقدمته حتى قبلما يُطلب منها.
القديس يوحنا الذهبي الفم
لقد أعارت حنة ابنها صموئيل للرب كل أيام حياته، فأقامه الرب نبيًا عظيمًا (1 صم 3: 20)، أدرك اسمه في العهد القديم مع موسى وهرون (مز 99: 6، إر 15: 1)، وأُشير إليه في العهد الجديد كأول الأنبياء (أع 3: 24). ويعتبر صموئيل مؤسس مدارس الأنبياء (1 صم 19: 20) في الرامة والتي تبعتها مدارس أخرى في بيت إيل (2 مل 2: 3) وأريحا (2 مل 2: 5) والجلجال (2 مل 4: 38). كما يعتبر مؤسس النظام الملكي بالرغم من استيائه أولًا منه، فمسح شاول الذي نجح إلى حين، ثم داود الذي توارث نسله الملوكية. عاش صوئيل ليمسح داود ملكًا لكنه تنيح قبل أن يتوج داود.

إذ فُطم صموئيل صعدت به أمه [24]، ولم يذكر الكتاب أن أباه هو الذي أصعده، ليس لأن حنة اغتصبت رئاسة البيت، وإنما لأجل إيمانها السامي سبقت رجلها وارتفعت عليه في عيني الله، فنسب إليها الصعود إلى بيته بصموئيل والتقدمات التي هي:
أ. ثلاثة ثيران، قدم منها ثور محرقة (لا 1: 1-9، 1 صم 1: 25). لأن صموئيل قُدم كمحرقة للرب، يقدم كل حياته وإمكانياته ذبيحة حب ملتهبة لحساب الرب وحده؛ أما الثوران الآخران فكانا تقدمة ألقانة السنوية: ذبيحة سلامة وذبيحة خطية (لا 3، 4).
ب. إيفة دقيق، أي نحو عشرة أرطال (رقم 10 يشير إلى إتمام الناموس).
ج. زق خمر، يشير إلى الفرح... إذ قدمت ابنها للرب بفرح، تشعر أنها كرامة عظيمة لها أن يتقبل الرب ابنها تقدمة حب، وليس خسارة وفقدان لابنها.
  رد مع اقتباس
قديم 10 - 06 - 2023, 05:03 PM   رقم المشاركة : ( 3 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,274,509

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem متواجد حالياً

افتراضي رد: تفسير سفر صموئيل الأول

تفسير سفر صموئيل الأول





دعوة صموئيل



في وسط الظلام الخارجي الدامس، "قبل أن ينطفئ سراج الله... في الهيكل" [3] دعا الله صموئيل، ليقيمه سراجًا وسط شعبه، يعلن إرادته الإلهية ويشهد للحق.




1. دعوة صموئيل:

أ. يبدو أن الله دعا صموئيل قُبيل الفجر، وسط الظلام الخارجي الحالك، إذ قيل: "وقبل أن ينطفئ سراج الله وصموئيل مضطجع في هيكل الرب الذي فيه تابوت العهد" [3]. جاء في (خر 27: 21، لا 24: 2-3) أن السراج (المنارة) يُشعل من المساء حتى الصباح، وكأن دعوة الرب جاءت قبل الصباح في نهاية الليل.
بجانب الظلام الملموس وُجد ظلام آخر، إذ قيل: "وكانت كلمة الرب عزيزة في تلك الأيام؛ لم تكن رؤيا كثيرة" [1]. عبر المرتل عن هذا الظلام بقوله: "لماذا رفضتنا يا الله إلى الأبد؟‍... آياتنا لا نرى، لا نبي بعد، ولا بيننا من يعرف حتى متى" (مز 74: 1، 9) كما عبّر عنه عاموس النبي: "هوذا أيام تأتي يقول السيد الرب أرسل جوعًا في الأرض، لا جوعًا للخبز، ولا عطشًا للماء، بل لاستماع كلمات الرب" (عا 8: 11).

وسط هذا الظلام الحالك، والمجاعة الروحية، أعد الله صبيًا صغيرًا يخدم الهيكل (خيمة الاجتماع) بأمانة، خلاله ينير الله وسط شعبه. هكذا في كل جيل يقيم الله بقية أمينة تشهد له وتخدمه بالروح والحق. فعندما سقط الشعب في العبودية أرسل لهم موسى، وعندما ثار أريوس ضد لاهوت المسيح أرسل الله أثناسيوس الرسولي وهكذا يبقى الله ساهرًا على كنيسته حتى إن ظن الظلام أنه قد ساد. بمعنى أخر. بقوله: "قبل أن ينطفئ سراج الله" [3] عني أنه وسط الظلام كان صاحب البيت نفسه - يهوه - ساهرًا، قائمًا على بيته، مهتمًا برعاية شعبه.
ب. إذ قدم لنا الكتاب المقدس الظروف التي خلالها دعا الله صموئيل، يقول: "كان عالي مضجعًا في مكانه وعيناه ابتدأتا تضعفان، لم يقدر أن يبصر... وصموئيل مضطجع في هيكل الرب الذي فيه تابوت الله" [2، 3]. لم يكن صموئيل مضطجعًا في ذات الخيمة، القدس أو قدس الأقداس، وإنما في أحد الأبنية الملحقة به وكان عالي مضطجعًا في حجرة أخرى في ذات المبنى، ومع هذا قيل عن صموئيل إنه كان مضطجعًا في هيكل الرب الذي فيه تابوت الله بينما قيل عن عالي إنه مضطجع في مكانه؛ لماذا؟ من حيث الجسد كان كلاهما مضطجعين في مبنى واحد، لكن في عيني الله حُسِب صموئيل أنه في هيكل الرب أمام تابوت الله حتى في لحظات نومه، إذ يقول مع العروس: "أنا نائمة وقلبي مستيقظ" (نش 20: 5). بجسده ينام خارج الخيمة أما قلبه فكان ملاصقًا لها، في داخلها. أما عالي رئيس الكهنة فكان نائمًا في مكانه، أي حيث يوجد جسده تبقى نفسه حبيسة المكان!
كان صموئيل نائمًا لكن بصيرته تعاين القدسات، أما عالِ فلم يقدر أن يبصر! لقد دبت فيه شيخوخة العجز الداخلي وأصيبت بصيرته بالعمى خلال تهاونه بالمقدسات الإلهية بسب ابنيه!

ج. قيل "ولم يعرف صموئيل الرب بعد ولا أُعلن له كلام الرب بعد" [7]. شتان بين عدم معرفة صموئيل وعدم معرفة ابني عالي، صموئيل لم يكن بعد قد تعرف عليه خلال صوته والرؤى لكنه تعرف عليه خلال الإيمان والخبرة اليومية، أما ابنا عالي فلم يعرفاه إذ لم يتمتعا بالطاعة والمحبة وخبرة الشركة معه.
في ملء الزمان لم نسمع الصوت فحسب -كما حدث مع صموئيل النبي- وإنما جاء الكلمة الإلهي ذاته متجسدًا، وحلَّ بيننا لنعاينه ونتعرف ونثبت فيه، فيحملنا إلى حضن أبيه ويكشف لنا أسراره الإلهية. هذه هي المعرفة التي لأجلها تهلل يسوع رب المجد عندما قدمها للمؤمنين خلال البساطة (لو 10: 21).

وقد دعا القديس أكليمندس الإسكندري المسيحيَّ الحق "غنوسيًا" أي صاحبَ معرفة روحية، غايته أن يتعرف على الله (الحق) ويراه، أي يعبر إلى كمال المعرفة خلال الإيمان، وذلك بخبرة الحياة النقية والتأمل الدائم. هذه المعرفة هي هبة إلهية نتقبلها خلال الابن، بقبولنا إياه وتشبهنا به، أي خلال نقاوة القلب نُعاين الله وندرك ما يبدو للآخرين غير مُدْرَك .
د. نادى الرب صموئيل، وكان الصبي في حوالي الثانية عشرة من عمره كما يقول القديس يوسيفوس: [سمع الصوت لأن أوتار قلبه تحمل حساسية لتسمع صوت الله وإن كان قد ظنه صوت عالي الكاهن].
إذ سمع الصوت ظن عالي يُناديه لذلك "ركض إلى عالي وقال: هأنذا لأنك دعوتني" [4]. بلا شك كان صموئيل يرى بعينيه عثرات ابني عالي وفسادهما، لكنه في روح الحب والاتضاع إذ سمع الصوت "ركض"، أي جرى مسرعًا لئلا يكون عالي في حاجة إلى خدمة أو مساعدة. لقد تدرب على خدمة الغير بفرح بلا تردد دون النظر إلى استحقاقاتهم. والعجيب أن الأمر تكرر ثلاث مرات، وفي كل مرة يسرع إلى الكاهن الشيخ دون تذمر مع أن الوقت كان قبل الفجر. عاش صموئيل الصبي يخدم الكاهن الشيخ ويطلب إرشاده مطيعًا له.



يفتتح القديس يوحنا كليماكوس مقاله عن "الطاعة" بكونها مع الشعور بالغربة يمثلان جناحين ذهبيين يصعدان الإنسان كحمامة إلى السماء (مز 54: 6)، على أن تكون الطاعة "حبًا في المسيح" .
* الطاعة التي هي بنت الاتضاع ليست أن يصنع الإنسان ما يشاء... ولكن هي أن يقطع الإنسان جميع هوى نفسه، ويعمل هوى الذي ائتمنه على نفسه، يعني الأب الروحاني، دفعة واحدة.
مار فيلوكسينوس
* طريق الطاعة هو أقصر المسالك وإن يكن أكثرها صعوبة.
القديس يوحنا الدرجي
ه. نادى الرب صموئيل باسمه شخصيًا، ومع هذا لم يكن ممكنًا لهذًا المبارك أن يتعرف عليه ويلتقي به دون إرشاد عالي الكاهن الذي اتسم بالتهاون في حق الله مع أولاده. هكذا يليق بنا ألا نستهين بالكاهن كمرشد وأب، إذ يقودنا للقاء الشخصي مع الله أبينا يسوع مخلصًنا بواسطة روح الله القدوس.
* الله لم يعلم صموئيل النبي بالحديث المباشر ولا بالحوار الإلهي، بل سمح له بالذهاب مرة أخرى إلى الشيخ (عالي الكاهن). لقد شاء أن يتدرب - ذاك الذي استحق سماع صوت الله - على يدي (عالي) الذب أغضب الله... حتى يختبر ذاك الذي دُعي إلى وظيفة إلهية حياة الاتضاع، ويكون قدوة للشباب في هذا الأمر.
القديس موسى

* يقول سفر الأمثال: "الذين ليس لهم تدبير يسقطون كالأوراق، أما الأمان ففي كثرة المشورة" (أم 14: 11) (راجع الترجمة السبعينية)... انظروا ماذا يعلمنا الكتاب المقدس. إنه يؤكد لنا أنه يلزمنا ألا نقيم أنفسنا كمركز قيادة، فنحسب أنفسنا ثاقبي الفكر، ونعتقد أننا قادرون على توجيه أنفسنا. نحتاج إلى عون وإرشاد بجانب نعمة الله. ليس من بائس ولا مَن يصطاد بسهولة في غير حذر مثل ذاك الذي لا يقوده أحد في طريق الله...
كيف يمكننا أن نتعرف على إرادة الله أو نطلبها كاملة إن وثقنا فقط في أنفسنا وتشبثنا بإرادتنا الذاتية؟
لذلك اعتاد الأب بومين Poemen أن يقول: [الإرادة (الذاتية) هي حائط نحاسي بين الله والإنسان]...
إن أراد إنسان الأمان لنفسه عليه أن يُعرى كل أفكاره الخفية ويسمع من مرشد مختبر: "افعل هذا، وتجنب ذلك. هذا حق وذاك لا. هذه فضيلة وتلك إرادة ذاتية". أو مرة أخرى يسمع: "إنه ليس وقتًا مناسبًا لعمل هذا" وفي وقت أخر: "الآن وقت لائق لعمل هذا". بهذا لا يجد الشيطان فرصته لأذيته وضربه، إذ يكون على الدوام في حالة ضبط وحذر وفي أمان.
الأب دوروثيؤس من غزة
* من يعتمد على رأيه الذاتي ولو كان قديسًا فهو مخدوع، وخطر خداعه أخطر من خطر المبتدئ الذي سلم تدبيره بيد غيره.
القديس يوحنا الذهبي الفم
* من يسمع من آبائه فمن الرب يسمع... ومن لا يسمع منهم فلا يسمع من الرب.
القديس أنبا أنطونيوس
و. "فجاء الرب ووقف ودعا كالمرات الأُوَل: صموئيل صموئيل" [10]. هكذا يصور لقاء الله مع صموئيل كأنما قد ترك الرب عرشه الشاروبيمي ونزع الحجاب ليقف في المسكن المقدس يدعو الصبي. يا له من تنازل إلهي عجيب، ومحبة فائقة له نحو الإنسان! الله يقف ليدعو صبيًا إلى عمل فائق!

ز. جاءت إجابة صموئيل: "فإن عبدك سامع" تعلن أن جوهر النبوة هو الاستماع والطاعة للصوت الإلهي. هكذا تدرب صموئيل النبي منذ طفولته على الطاعة، مدركًا أنها أفضل من ذبائح كثيرة، الأمر الذي لم يختبره شاول الملك (1 صم 15: 22).
2. حديث صموئيل مع عالي:

تحدث الرب مع صموئيل عن أمور مستقبلة كأنه تتحقق في الحاضر [11]، معلنًا له أنه يحقق ما سبق أن تكلم به عن بيت عالي من أمور مخفية قائلًا له: "أقسمت لبيت عالي أنه لا يكفر عن شر بيت عالي بذبيحة أو بتقدمة إلى الأبد" [14]. لم يذكر له تفاصيل العقوبة، إذ لا حاجة لتكرارها، إنما كانت كلمات الرب واضحة وصريحة وحازمة، ربما ليعطي لعالي وابنيه فرصة للتوبة... خاصة أن هذا الحديث تم قبل تحقيق الأحداث بحوالي عشر سنوات...
لقد خاف صموئيل أن يخبر عالي بالرؤيا [15]، ليس خوفًا من أن يغضب عليه، وإنما خشية جرح مشاعره وهو شيخ وقور وأب محبوب لديه جدًا، لم يرد أن يكدره. لكن إذ طلب منه عالي تحدث في صراحة ولم يخفِ عنه شيئًا.
كانت إجابة عالي تكشف عن تقواه بالرغم من ضعف شخصيته أمام ابنيه، إذ قال: "هو الرب، ما يحسن في عينيه يعمل" .
3. الله يسند صموئيل:

إذ دعا الله صموئيل لعمل نبوي قيادي أعطاه إمكانيات العمل ألا وهي:
أ. المعية مع الله: "وكبر صموئيل وكان الرب معه" [19]... الله نفسه هو سر قوة أولاده، يُرافقهم ليهبهم نفسه ويقدم إمكانياته الإلهية بين أيديهم فلا يعوزهم شيء. هذه هي عطيته لمحبوبيه، معيته لهم، كما حدث مع إبراهيم (تك 21: 22) ويعقوب (تك 28: 15) ويوسف (تك 39: 2) وموسى (خر 3: 12) ويشوع (يش 1: 5) وجدعون (قض 6: 16) وداود (1 صم 16: 18).
سر قوة معلمنا بولس الرسول في خدمته هو إدراكه تمتعه بنعمة الله التي هي في جوهرها تجلى الله نفسه في حياته، لذا قال: "لا أنا بل نعمة الله التي معي" (1 كو 15: 10).

* الله هو الكرَّام، ولو تم على أيدي الأنبياء أو الرسل فهو الكراّم. فماذا نكون نحن؟ ربما عمال لدى الكرَّام، نعمل بقوته وبنعمته الممنوحة لنا من لدنه.
القديس أغسطينوس
* "هكذا فليحسبنا الإنسان كخدام للمسيح ووكلاء سرائر الله" (1 كو 4: 1). فالوكيل يقوم بإدارة أمور موكله حسنًا دون أن ينسب لنفسه ما لموكله... أتريد أن ترى مثالًا لوكلاء أمناء؟ اسمع ما يقوله بطرس: "لماذا تشخصون إلينا كأننا بقوتنا أو تقوانا قد جعلنا هذا يمشي" (أع 3: 12).
وعند كرنيليوس أيضًا قال: "قم أنا أيضًا إنسان"... وبولس الرسول لم يَقِلْ عنه أمانة في قوله: "أنا تعبت أكثر من جميعهم؛ ولكن لا أنا بل نعمة الله التي تعمل معي" (1 كو 15: 10).
القديس يوحنا الذهبي الفم
ب. أعطاه نعمة في عيني شعبه إذ "لم يدع شيئًا من جميع كلامه يسقط إلى الأرض؛ وعرف جميع إسرائيل من دان إلى بئر سبع أنه قد أؤتمن صموئيل نبيًا للرب" [19-20]. تعبير "من دان إلى بئر سبع" يعني أنه من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب، أي في كل أرجاء البلاد (قض 20: 1).
ج. بدأ الله يتراءى في شيلوه معلنًا ذاته لصموئيل بكلمته ليقطع فترة الظلمة حيث كانت كلمة الرب عزيزة [1].




  رد مع اقتباس
قديم 16 - 07 - 2023, 04:51 PM   رقم المشاركة : ( 4 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,274,509

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem متواجد حالياً

افتراضي رد: تفسير سفر صموئيل الأول

تفسير سفر صموئيل الأول





دعوة صموئيل



في وسط الظلام الخارجي الدامس، "قبل أن ينطفئ سراج الله... في الهيكل" [3] دعا الله صموئيل، ليقيمه سراجًا وسط شعبه، يعلن إرادته الإلهية ويشهد للحق.



1. دعوة صموئيل:

أ. يبدو أن الله دعا صموئيل قُبيل الفجر، وسط الظلام الخارجي الحالك، إذ قيل: "وقبل أن ينطفئ سراج الله وصموئيل مضطجع في هيكل الرب الذي فيه تابوت العهد" [3]. جاء في (خر 27: 21، لا 24: 2-3) أن السراج (المنارة) يُشعل من المساء حتى الصباح، وكأن دعوة الرب جاءت قبل الصباح في نهاية الليل.
بجانب الظلام الملموس وُجد ظلام آخر، إذ قيل: "وكانت كلمة الرب عزيزة في تلك الأيام؛ لم تكن رؤيا كثيرة" [1]. عبر المرتل عن هذا الظلام بقوله: "لماذا رفضتنا يا الله إلى الأبد؟‍... آياتنا لا نرى، لا نبي بعد، ولا بيننا من يعرف حتى متى" (مز 74: 1، 9) كما عبّر عنه عاموس النبي: "هوذا أيام تأتي يقول السيد الرب أرسل جوعًا في الأرض، لا جوعًا للخبز، ولا عطشًا للماء، بل لاستماع كلمات الرب" (عا 8: 11).
وسط هذا الظلام الحالك، والمجاعة الروحية، أعد الله صبيًا صغيرًا يخدم الهيكل (خيمة الاجتماع) بأمانة، خلاله ينير الله وسط شعبه. هكذا في كل جيل يقيم الله بقية أمينة تشهد له وتخدمه بالروح والحق. فعندما سقط الشعب في العبودية أرسل لهم موسى، وعندما ثار أريوس ضد لاهوت المسيح أرسل الله أثناسيوس الرسولي وهكذا يبقى الله ساهرًا على كنيسته حتى إن ظن الظلام أنه قد ساد. بمعنى أخر. بقوله: "قبل أن ينطفئ سراج الله" [3] عني أنه وسط الظلام كان صاحب البيت نفسه - يهوه - ساهرًا، قائمًا على بيته، مهتمًا برعاية شعبه.
ب. إذ قدم لنا الكتاب المقدس الظروف التي خلالها دعا الله صموئيل، يقول: "كان عالي مضجعًا في مكانه وعيناه ابتدأتا تضعفان، لم يقدر أن يبصر... وصموئيل مضطجع في هيكل الرب الذي فيه تابوت الله" [2، 3]. لم يكن صموئيل مضطجعًا في ذات الخيمة، القدس أو قدس الأقداس، وإنما في أحد الأبنية الملحقة به وكان عالي مضطجعًا في حجرة أخرى في ذات المبنى، ومع هذا قيل عن صموئيل إنه كان مضطجعًا في هيكل الرب الذي فيه تابوت الله بينما قيل عن عالي إنه مضطجع في مكانه؛ لماذا؟ من حيث الجسد كان كلاهما مضطجعين في مبنى واحد، لكن في عيني الله حُسِب صموئيل أنه في هيكل الرب أمام تابوت الله حتى في لحظات نومه، إذ يقول مع العروس: "أنا نائمة وقلبي مستيقظ" (نش 20: 5). بجسده ينام خارج الخيمة أما قلبه فكان ملاصقًا لها، في داخلها. أما عالي رئيس الكهنة فكان نائمًا في مكانه، أي حيث يوجد جسده تبقى نفسه حبيسة المكان!
كان صموئيل نائمًا لكن بصيرته تعاين القدسات، أما عالِ فلم يقدر أن يبصر! لقد دبت فيه شيخوخة العجز الداخلي وأصيبت بصيرته بالعمى خلال تهاونه بالمقدسات الإلهية بسب ابنيه!
ج. قيل "ولم يعرف صموئيل الرب بعد ولا أُعلن له كلام الرب بعد" [7]. شتان بين عدم معرفة صموئيل وعدم معرفة ابني عالي، صموئيل لم يكن بعد قد تعرف عليه خلال صوته والرؤى لكنه تعرف عليه خلال الإيمان والخبرة اليومية، أما ابنا عالي فلم يعرفاه إذ لم يتمتعا بالطاعة والمحبة وخبرة الشركة معه.
في ملء الزمان لم نسمع الصوت فحسب -كما حدث مع صموئيل النبي- وإنما جاء الكلمة الإلهي ذاته متجسدًا، وحلَّ بيننا لنعاينه ونتعرف ونثبت فيه، فيحملنا إلى حضن أبيه ويكشف لنا أسراره الإلهية. هذه هي المعرفة التي لأجلها تهلل يسوع رب المجد عندما قدمها للمؤمنين خلال البساطة (لو 10: 21).

وقد دعا القديس أكليمندس الإسكندري المسيحيَّ الحق "غنوسيًا" أي صاحبَ معرفة روحية، غايته أن يتعرف على الله (الحق) ويراه، أي يعبر إلى كمال المعرفة خلال الإيمان، وذلك بخبرة الحياة النقية والتأمل الدائم. هذه المعرفة هي هبة إلهية نتقبلها خلال الابن، بقبولنا إياه وتشبهنا به، أي خلال نقاوة القلب نُعاين الله وندرك ما يبدو للآخرين غير مُدْرَك .
د. نادى الرب صموئيل، وكان الصبي في حوالي الثانية عشرة من عمره كما يقول القديس يوسيفوس: [سمع الصوت لأن أوتار قلبه تحمل حساسية لتسمع صوت الله وإن كان قد ظنه صوت عالي الكاهن].
إذ سمع الصوت ظن عالي يُناديه لذلك "ركض إلى عالي وقال: هأنذا لأنك دعوتني" [4]. بلا شك كان صموئيل يرى بعينيه عثرات ابني عالي وفسادهما، لكنه في روح الحب والاتضاع إذ سمع الصوت "ركض"، أي جرى مسرعًا لئلا يكون عالي في حاجة إلى خدمة أو مساعدة. لقد تدرب على خدمة الغير بفرح بلا تردد دون النظر إلى استحقاقاتهم. والعجيب أن الأمر تكرر ثلاث مرات، وفي كل مرة يسرع إلى الكاهن الشيخ دون تذمر مع أن الوقت كان قبل الفجر. عاش صموئيل الصبي يخدم الكاهن الشيخ ويطلب إرشاده مطيعًا له.


يفتتح القديس يوحنا كليماكوس مقاله عن "الطاعة" بكونها مع الشعور بالغربة يمثلان جناحين ذهبيين يصعدان الإنسان كحمامة إلى السماء (مز 54: 6)، على أن تكون الطاعة "حبًا في المسيح" .
* الطاعة التي هي بنت الاتضاع ليست أن يصنع الإنسان ما يشاء... ولكن هي أن يقطع الإنسان جميع هوى نفسه، ويعمل هوى الذي ائتمنه على نفسه، يعني الأب الروحاني، دفعة واحدة.
مار فيلوكسينوس
* طريق الطاعة هو أقصر المسالك وإن يكن أكثرها صعوبة.
القديس يوحنا الدرجي
ه. نادى الرب صموئيل باسمه شخصيًا، ومع هذا لم يكن ممكنًا لهذًا المبارك أن يتعرف عليه ويلتقي به دون إرشاد عالي الكاهن الذي اتسم بالتهاون في حق الله مع أولاده. هكذا يليق بنا ألا نستهين بالكاهن كمرشد وأب، إذ يقودنا للقاء الشخصي مع الله أبينا يسوع مخلصًنا بواسطة روح الله القدوس.
* الله لم يعلم صموئيل النبي بالحديث المباشر ولا بالحوار الإلهي، بل سمح له بالذهاب مرة أخرى إلى الشيخ (عالي الكاهن). لقد شاء أن يتدرب - ذاك الذي استحق سماع صوت الله - على يدي (عالي) الذب أغضب الله... حتى يختبر ذاك الذي دُعي إلى وظيفة إلهية حياة الاتضاع، ويكون قدوة للشباب في هذا الأمر.
القديس موسى
* يقول سفر الأمثال: "الذين ليس لهم تدبير يسقطون كالأوراق، أما الأمان ففي كثرة المشورة" (أم 14: 11) (راجع الترجمة السبعينية)... انظروا ماذا يعلمنا الكتاب المقدس. إنه يؤكد لنا أنه يلزمنا ألا نقيم أنفسنا كمركز قيادة، فنحسب أنفسنا ثاقبي الفكر، ونعتقد أننا قادرون على توجيه أنفسنا. نحتاج إلى عون وإرشاد بجانب نعمة الله. ليس من بائس ولا مَن يصطاد بسهولة في غير حذر مثل ذاك الذي لا يقوده أحد في طريق الله...
كيف يمكننا أن نتعرف على إرادة الله أو نطلبها كاملة إن وثقنا فقط في أنفسنا وتشبثنا بإرادتنا الذاتية؟
لذلك اعتاد الأب بومين Poemen أن يقول: [الإرادة (الذاتية) هي حائط نحاسي بين الله والإنسان]...
إن أراد إنسان الأمان لنفسه عليه أن يُعرى كل أفكاره الخفية ويسمع من مرشد مختبر: "افعل هذا، وتجنب ذلك. هذا حق وذاك لا. هذه فضيلة وتلك إرادة ذاتية". أو مرة أخرى يسمع: "إنه ليس وقتًا مناسبًا لعمل هذا" وفي وقت أخر: "الآن وقت لائق لعمل هذا". بهذا لا يجد الشيطان فرصته لأذيته وضربه، إذ يكون على الدوام في حالة ضبط وحذر وفي أمان.
الأب دوروثيؤس من غزة
* من يعتمد على رأيه الذاتي ولو كان قديسًا فهو مخدوع، وخطر خداعه أخطر من خطر المبتدئ الذي سلم تدبيره بيد غيره.
القديس يوحنا الذهبي الفم
* من يسمع من آبائه فمن الرب يسمع... ومن لا يسمع منهم فلا يسمع من الرب.
القديس أنبا أنطونيوس
و. "فجاء الرب ووقف ودعا كالمرات الأُوَل: صموئيل صموئيل" [10]. هكذا يصور لقاء الله مع صموئيل كأنما قد ترك الرب عرشه الشاروبيمي ونزع الحجاب ليقف في المسكن المقدس يدعو الصبي. يا له من تنازل إلهي عجيب، ومحبة فائقة له نحو الإنسان! الله يقف ليدعو صبيًا إلى عمل فائق!
ز. جاءت إجابة صموئيل: "فإن عبدك سامع" تعلن أن جوهر النبوة هو الاستماع والطاعة للصوت الإلهي. هكذا تدرب صموئيل النبي منذ طفولته على الطاعة، مدركًا أنها أفضل من ذبائح كثيرة، الأمر الذي لم يختبره شاول الملك (1 صم 15: 22).
2. حديث صموئيل مع عالي:

تحدث الرب مع صموئيل عن أمور مستقبلة كأنه تتحقق في الحاضر [11]، معلنًا له أنه يحقق ما سبق أن تكلم به عن بيت عالي من أمور مخفية قائلًا له: "أقسمت لبيت عالي أنه لا يكفر عن شر بيت عالي بذبيحة أو بتقدمة إلى الأبد" [14]. لم يذكر له تفاصيل العقوبة، إذ لا حاجة لتكرارها، إنما كانت كلمات الرب واضحة وصريحة وحازمة، ربما ليعطي لعالي وابنيه فرصة للتوبة... خاصة أن هذا الحديث تم قبل تحقيق الأحداث بحوالي عشر سنوات...
لقد خاف صموئيل أن يخبر عالي بالرؤيا [15]، ليس خوفًا من أن يغضب عليه، وإنما خشية جرح مشاعره وهو شيخ وقور وأب محبوب لديه جدًا، لم يرد أن يكدره. لكن إذ طلب منه عالي تحدث في صراحة ولم يخفِ عنه شيئًا.
كانت إجابة عالي تكشف عن تقواه بالرغم من ضعف شخصيته أمام ابنيه، إذ قال: "هو الرب، ما يحسن في عينيه يعمل" .
3. الله يسند صموئيل:

إذ دعا الله صموئيل لعمل نبوي قيادي أعطاه إمكانيات العمل ألا وهي:
أ. المعية مع الله: "وكبر صموئيل وكان الرب معه" [19]... الله نفسه هو سر قوة أولاده، يُرافقهم ليهبهم نفسه ويقدم إمكانياته الإلهية بين أيديهم فلا يعوزهم شيء. هذه هي عطيته لمحبوبيه، معيته لهم، كما حدث مع إبراهيم (تك 21: 22) ويعقوب (تك 28: 15) ويوسف (تك 39: 2) وموسى (خر 3: 12) ويشوع (يش 1: 5) وجدعون (قض 6: 16) وداود (1 صم 16: 18).
سر قوة معلمنا بولس الرسول في خدمته هو إدراكه تمتعه بنعمة الله التي هي في جوهرها تجلى الله نفسه في حياته، لذا قال: "لا أنا بل نعمة الله التي معي" (1 كو 15: 10).
* الله هو الكرَّام، ولو تم على أيدي الأنبياء أو الرسل فهو الكراّم. فماذا نكون نحن؟ ربما عمال لدى الكرَّام، نعمل بقوته وبنعمته الممنوحة لنا من لدنه.
القديس أغسطينوس
* "هكذا فليحسبنا الإنسان كخدام للمسيح ووكلاء سرائر الله" (1 كو 4: 1). فالوكيل يقوم بإدارة أمور موكله حسنًا دون أن ينسب لنفسه ما لموكله... أتريد أن ترى مثالًا لوكلاء أمناء؟ اسمع ما يقوله بطرس: "لماذا تشخصون إلينا كأننا بقوتنا أو تقوانا قد جعلنا هذا يمشي" (أع 3: 12).
وعند كرنيليوس أيضًا قال: "قم أنا أيضًا إنسان"... وبولس الرسول لم يَقِلْ عنه أمانة في قوله: "أنا تعبت أكثر من جميعهم؛ ولكن لا أنا بل نعمة الله التي تعمل معي" (1 كو 15: 10).
القديس يوحنا الذهبي الفم
ب. أعطاه نعمة في عيني شعبه إذ "لم يدع شيئًا من جميع كلامه يسقط إلى الأرض؛ وعرف جميع إسرائيل من دان إلى بئر سبع أنه قد أؤتمن صموئيل نبيًا للرب" [19-20]. تعبير "من دان إلى بئر سبع" يعني أنه من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب، أي في كل أرجاء البلاد (قض 20: 1).
ج. بدأ الله يتراءى في شيلوه معلنًا ذاته لصموئيل بكلمته ليقطع فترة الظلمة حيث كانت كلمة الرب عزيزة [1].
  رد مع اقتباس
قديم 16 - 07 - 2023, 04:51 PM   رقم المشاركة : ( 5 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,274,509

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem متواجد حالياً

افتراضي رد: تفسير سفر صموئيل الأول

تفسير سفر صموئيل الأول


فقدان تابوت العهد



إذ خرج إسرائيل لمحاربة الفلسطينيين، دون تقديس لحياتهم أو استشارة الرب، انهزموا. عوض التوبة والرجوع إلى الله حملوا تابوت العهد إلى المعركة مع الكاهنين حفني وفينحاس. أُخذ تابوت العهد منهم ومات حفني وفينحاس وسقط من إسرائيل ثلاثون ألفًا وانكسرت رقبة عالي الكاهن ومات!




1. أخذ تابوت العهد:

في (قض 13: 1) قيل إن الرب دفع إسرائيل ليد الفلسطينيين أربعين سنة، ربما الحوادث المذكورة هنا كانت خلال هذه الفترة. لقد نزل الفلسطينيون إلى أفيق والإسرائيليون إلى حجر المعونة بالقرب منهم في مواجهتهم.
"أفيق"كلمة عبرية ربما تعني "قوة" أو "حصن"، وجُدت خمس مدن تحمل ذات الاسم، من بينها هذه المدينة وهي كنعانية سبق أن استولى عليها يشوع (يش 12: 18). اجتمع فيها الفلسطينيون مرتين لمحاربة إسرائيل، مرة في زمن عالي الكاهن [1] والأخرى في زمن شاول الملك (1 صم 29: 4). موقعها حاليًا رأس العين على ما يظن. أعيد بناء المدينة في القرن الأول ق.م. بواسطة هيرودس ودعاها أنتيباتريس على اسم والده؛ قضى فيها بولس ليلة خلال رحلته من أورشليم إلى قيصرية (أع 23: 31).

حجر المعونة: أخذت هذا الاسم بعد الحوادث المذكورة بحوالي 20 عامًا (1 صم 7: 12). تدعى بالعبرية Ebenezer (eben-ha ezer)، إذ وضع صموئيل حجرًا تذكاريًا بين المصفاة والسن، في جنوب شرقي أفيق.
دارت المعركة بين الطرفين فانهزم إسرائيل جزئيًا في الحقل حيث قُتل منهم أربعة آلاف رجل (1 صم 3: 2)، فرجع الشعب إلى المحلة. هنا نسمع عن الشعب وليس عن رجال حرب أو عن جيش، فقد كان الشعب يحارب بغير استعداد وفي غير نظام، بجانب فظاعة فساده الخلقي.
تساءل الشيوخ إسرائيل: "لماذا كسرنا اليوم الرب أمام الفلسطينيين؟" (1 صم 3: 3). كان يلزم أن تكون الإجابة: بسبب الفساد والانحراف عن الله، فيرجعوا إليه بالتوبة ويحلّ في وسطهم كسرّ غلبتهم. لكن ما حدث هو تغطية على الفساد بحمل التابوت في وسطهم ليخلصهم من أعدائهم. وبالفعل جاءوا به من شيلوه مع الكاهنين الفاسدين حفني وفينحاس، وقد عبّر المرتل عن ذلك بقوله:
"فجربوا وعصوا الله العليّ، وشهاداته لم يحفظوا...
انحرفوا كقوس مخطئة.
أغاظوه بمرتفعاتهم وأغاروه بتماثيلهم.
سمع الله فغضب ورذل إسرائيل جدًا.
ورفض مسكن شيلو الخيمة التي نصبها بين الناس.
وسلم للسبي عزَّه وجلاله ليد العدو.
ودفع إلى السيف شعبه وغضب على ميراثه.
مختاروه أكلتهم النار وعذاراه لم يُحمدن.
كهنته سقطوا بالسيف وأرامله لم يبكين" (مز 78: 56-64)

لماذا سمح الله بذلك؟

أ. إحضارهم للتابوت لم يكن يحمل رجوعًا قلبيًا إلى الله بالتوبة وإنما اتكلوا على شكليات العبادة الظاهرة. هذا ما تكرر عبر الأجيال، ففي أيام إرميا النبي ظن القادة والشعب أن الله لن يسلم مدينة أورشليم -بكونها مدينة الرب - ولا هيكله بالرغم من إنذارات الرب لهم الكثيرة والمتكررة بواسطة الأنبياء، وعوض التوبة صاروا ينشدون: "هيكل الرب هيكل الرب هيكل الرب هو" (إر 7: 5). اتكلوا على "كلام الكذب الذي لا ينفع" (إر 7: 8) فسُبيت أورشليم وهدم الهيكل. هذا أيضًا ما أعلنه حزقيال النبي إذ قال: "وخرج مجد الرب من على عتبة البيت... وصعد مجد الرب من على وسط المدينة" (خر 10: 18؛ 11: 22).
يقول القديس أغسطينوسمعلقًا على المزمور السابق:
["رفض مسكن شيلوم الخيمة التي نصبها بين الناس" (مز 78: 60) لقد أوضح بكياسة لماذا رفض خيمته عندما قال: "التي نصبها بين الناس". فإنهم إذ صاروا غير مستحقين أن يسكن هو بينهم فلماذا لا يرفض الخيمة التي بحق أقامها ليس لأجله بل لأجلهم. هؤلاء الذين يُحكم الآن عليهم أنهم غير أهل لسكناه في وسطهم.
"وسلم للسبي عزهم (فضيلتهم) وجمالهم ليد العدو" (مز 78: 61). التابوت ذاته الذي حسبوه أنه لا يُقهر... دعاه "فضلتهم" أو "جمالهم" (هذا سلمه للسبي). أخيرًا، إذ عاشوا في الشر وافتخروا بهيكل الرب - فيما بعد - ارعبهم بنبي قائلًا لهم: "انظروا ما صنعت بشيلو حيث كانت خيمتي" (راجع إر 7: 12).
"ودفع إلى السيف شعبه وغضب على ميراثه" (مز 78: 62).
"شبابهم أكلتهم النار"، أي أكلهم الغضب (الإلهي).
"وعذارهم لم ينحن" (مز 78: 63)، إذ لم يكن ذلك ملائمًا بسبب الخوف من العدو.

"كهنتهم سقطوا بالسيف وأراملهم لم يبكين" (مز 78: 64). لأن ابني عالي سقطا، وصارت زوجة أحدهما أرملة وقد ماتت في الحال وهي تلد [19]؛ هذه لم تقدر أن تبكي بسبب الارتباك ولم تميز الجنازة ].
ب. جاء حفني وفينحاس إلى المعركة ومعهما التابوت؛ لقد كانا فاسدين ومفسدين للشعب، وقد ظنا أن الله يلتزم أن يُحارب عن الشعب ليس من أجلهما، إنما من أجل التابوت بكونه يمثل الحضرة الإلهية.
حقًا لقد أعلن الله أنه قادر أن يحمي التابوت وأن يدافع عن مجده لكنه بعد تأديب الشعب مع الكهنة بسبب فسادهم.
إذ تحدث المرتل عن تسليم الرب للتابوت والخيمة في أيدي الأعداء وتأديب شعبه وكهنته، أضاف "فاستيقظ الرب كنائم كجبار معيط من الخمر، فضرب أعداءه إلى الوراء؛ جعلهم عارًا أبديًا" (مز 78: 65-66)

يعلق القديس أغسطينوس قائلًا: ["فضرب أعداءه في مواضع مخيفة" بمعنى أن الذين تهللوا بأنهم قادرون على أخذ التابوت قد ضُربوا في مواضع من وراء (البواسير)... هم أحبوا الأمور التي من خلف لذلك بعدل تألمت هذه المواضع فيهم ].
ج. عند دخول تابوت عهد الرب إلى المحلة هتف جميع إسرائيل هتافًا عظيمًا حتى ارتجت الأرض. أمام هذا الهتاف خاف الفلسطينيون، قائلين: "قد جاء الله إلى المحلة" [7].
لقد هتفوا بألسنتهم وحناجرهم حتى ارتجت الأرض، أما قلوبهم فكانت ساكنة لا تتحرك نحو الله بالتوبة، ولا ارتجت أجسادهم التي تدنست. لهذا حتى وإن خاف الفلسطينيون لكنهم عوض التراجع ازدادوا حماسًا وتشددوا ليستعبدوا إسرائيل، وصارت لهم الغلبة ولكن إلى حين.
هتف الشعب بألسنتهم، ولم يدركوا أن الغلبة لا بهتاف اللسان إنما بنقاوة القلب والطاعة لله، كما جاء في سفر التثنية: "وإن سمعت سمعًا لصوت الرب إلهك لتحرص أن تعمل بجميع وصاياه التي أنا أوصيك بها اليوم يجعلك الرب إلهك مستعليًا على جميع قبائل الأرض... يجعل الرب أعداءك القائمين عليك منهزمين أمامك. في طريق واحدة يخرجون عليك وفي سبع طرق يهربوم أمامك" (تث 28: 1، 7)؛ "ولكن إن لم تسمع لصوت الرب إلهك... يجعلك الرب منهزمًا أمام أعدائك. في طريق واحدة تخرج عليهم وفي سبع طرق تهرب أمامهم وتكون قلقًا في جميع ممالك الأرض" (تث 28: 15، 25). لهذا يقول المرتل: "إن راعيت إثمًا في قلبي لا يستمع لي الرب" (مز 66: 18).
يعلق القديس أغسطينوس على كلمات المرتل قائلًا: [ارجع إلى نفسك، كن ديانًا لنفسك في الداخل. تطلع إلى مخدعك الخفي، في أعماق قلبك، حيث هناك تكون أنت وذاك الذي تراه (الله) وحدكما، هناك فليكن الإثم مكروهًا لديك، فتكون أنت موضع سرور الله].
2. موت عالي الكاهن:


إذ حدثت الضربة العظيمة (انكسار الشعب، قتل 30,000 شخص، موت الكاهنين، أخذ تابوت العهد) ركض رجل بنياميني إلى شيلوه ليبلغ الخبر، وكانت على بعد حوالي 20 ميلًا من حجر المعونة. جاء أمام رئيس الكهنة وقد مزق ثيابه ووضع ترابًا على رأسه ليجد عالي يراقب الطريق "لأن قلبه كان مضطربًا لأجل تابوت الله" [13]. واضح أن عالي لم يكن موافقًا على حمل التابوت إلى الميدان، لكنه خضع لإرادة الشعب.
إذ جاء الرجل يخبر بما حدث صرخت المدينة كلها، فاستدعى عالي الكاهن -المتقدم في السن والفاقد البصر- الرجل ليسمع منه الخبر الذي سمع الأخبار المؤلمة والخاصة بانكسار الشعب وموت الكثيرين وأيضًا موت ابنيه أما خبر أخذ التابوت فلم يحتمله، إذ سقط عن كرسي إلى الوراء إلى جانب الباب فانكسرت رقبته ومات.
لقد قضى لإسرائيل أربعين عامًا [18]، لكن تهاون ابنيه في مقدسات الله أفقده كل ثمر، وأنهى حياته بصورة مؤسفة.
3. ميلاد ايخابود بن فينحاس:

لقد دعت امرأة فينحاس طفلها "ايخابود" (= أبن المجد) ، قائلة: "زال المجد من إسرائيل لأن تابوت الله قد أُخذ" [22]. لقد أخطأت الفهم، فإن الواقع أن التابوت قد أًخذ لأنه قد زال المجد من إسرائيل. فقد إسرائيل مجده بانحرافه عن الله وزيغانه عنه، لذلك أسلم الله التابوت للأعداء لتأديب الطرفين معًا.
لقد كانت نكبتها في أخذ التابوت أشد وقعًا إلى نفسها من موت حميها ورجلها. لقد أدركت أن خسارتها بموت حميها وموت رجلها وخسارة ابنها بموت أبيه قبل أن يولد أمر لا يُذكر أمام خسارة الشعب بفقدان التابوت، علامة ترك الله شعبه.
_____
  رد مع اقتباس
قديم 16 - 07 - 2023, 04:52 PM   رقم المشاركة : ( 6 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,274,509

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem متواجد حالياً

افتراضي رد: تفسير سفر صموئيل الأول

تفسير سفر صموئيل الأول

سقوط داجون أمام التابوت



سمح الله للفلسطينيين أن يأخذوا تابوت العهد لأجل تأديب إسرائيل، ليدركوا أنهم بالانحلال فقدوا حلول الله في وسطهم. وفي نفس الوقت أعلن الله مجده وقدرته إذ سقط داجون معبود الفلسطينيين وتحطم أمام التابوت وحلت بهم الأمراض لذا فكروا في إعادته.




1. سقوط داجون أمام تابوت العهد:

يبقى الله أمينًا بالرغم من عدم أمانتنا (2 تي 2: 13)، فإن كان بسبب انحلال شعبه سلم تابوت عهده للوثنيين لكنه أظهر قوته ومجد بسقوط داجون معبودهم. كان يلزم لأهل أشدود أن يدركوا أنه لا شركة بين الله وداجون في بيت واحد، وأن يقبلوا الواحد دون الآخر. لكنهم تجاهلوا الأمر فجاءوا في الصباح التالي ليجدوه أيضًا ساقطًا ورأسه ويداه مقطوعة على عتبة البيت. لقد أكد لهم أن معبودهم بلا رأس، عاجزًا عن القيادة والتدبير؛ وأيضًا بلا يدين عاجز عن العمل لحسابهم.

إن كنا قد أقمنا في القلب أو الفكر معبودًا كداجون، مثل محبة المال أو شهوة الجسد أو حب انتقام أو محبة مجد الباطل... فإن دخول رب المجد يسوع وقبوله في أعماقنا يحطم داجون، ينزل به إلى الأرض ويقطع رأسه ويديه على العتبة كي نطأها تحت أقدامنا.
يقول القديس أغسطينوس: [ليدخل تابوت العهد قلوبكم، وليسقط داجون إن أردتم. لتضعوا الآن ولتتعلموا أن تشتاقوا إلى الله. كونوا مستعدين أن تتعلموا كيف ترون الله].
لقد وجدوا رأس داجون ويديه مقطوعة على العتبة [4]، علامة الانحدار والاحتقار، إذ صارت هذه الأعضاء موضع الدوس بالأقدام. هكذا كل فكر مقاوم لله وكل عمل مضاد لإرادته قد يتشامخ إلى حين لكن نهايته المذلة والمهانة من الجميع.
داجون: يُقال إن اسمه مشتق من الكلمة العبرية "داج" وتعني سمكة. إله فلسطيني له رأس إنسان ويدا إنسان أما بدنه فعلى شكل سمكة. يعتبر إله الخصوبة مثلCeres ذلك لأن البحر يفيض بسمك كثير. هذا الإله لم يكن في الأصل يمثل العبادة القومية للفلسطينيين بل هو إله سامي تبناه الفلسطينيون بعد الغزو السامي على كنعان. عبادة الإله داجون (داجان) في منطقة ما بين النهرين ترجع إلى الأسرة الثالثة لأور في القرن 25 ق.م. عُرفت عبادته بين الأموريين والأشوريين. هدم يوناثان معبد داجون بأشدود وذلك في عهد المكابيين (1 مك 10: 84).
جاء الفلسطينيون بتابوت العهد إلى بيت داجون بكونه في ذلك الوقت من أعظم آلهتهم؛ جاء هذا التصرف كعلامة على غلبتهم لا على إسرائيل فحسب وإنما على إلههم، حاسبين أن داجون انتصر على إله إسرائيل الذي أنقذهم من مصر، لكن هذا الافتخار لم يدم طويلًا.
في كبرياء وعجرفة وضع الفلسطينيون تابوت العهد -وهم يدركون أنه يمثل الحضرة الإلهية- في بيت داجون، فتحدث معهم الله باللغة التي يفهمونها ألا وهي لغة المرض وحلول الكوارث، إذ ضرب أهل أشدود بالبواسير وبضربه الفيران.
2. ضرب أهل أشدود بالبواسير:


"فثقلت يد الرب على الأشدوديين وأخرجهم وضربهم بالبواسير في أشدود وتخومها" [6]. وكأن تابوت العهد الذي هو سبب النصرة وبركة للمؤمنين إن عاشوا في حياة قدسية بالرب، يصير هو نفسه سبب شقاء لغير المؤمنين، وكما يقول القديس الرسولبولس: "فإن كلمة الصليب عند الهالكين جهالة وأما عندنا نحن المخلصين فهي قوة الله" (1 كو 1: 18). "لأن رائحة المسيح الذكية في الذين يخلصون وفي الذين يهلكون، لهؤلاء رائحة موت لموت ولأولئك رائحة حياة لحياة" (2 كو 2: 15-16).
"البواسير" هنا ربما تعني طاعونًا يُصيب الغدد اللمفاوية والفخذ.
جاء في الترجمة السبعينية أن البلاد ضُربت أيضًا بالفيران على غير العادة وأكلت محصولاتهم.
إذ شعر أهل أشدود أن يد الرب قست عليهم وعلى إلههم داجون أرسلوا إلى أقطاب الفلسطينيين يطلبون مشورتهم بخصوص "تابوت إله إسرائيل". غالبًا ما تشاور أقطاب المدن الخمس الرئيسية: أشدود وغزة وأشقلون وجت وعقرون وقرروا نقل التابوت إلى مدينة جت. جاء قرارهم في الغالب لظنهم أنه متى انتقل التابوت من بيت الصنم يرفع الله غضبه عنهم. لم يدركوا أنه لا يمكن أن يبقى التابوت في وسطهم مادام داجون أو غيره محتلًا قلوبهم الداخلية. ربما أيضًا ظنوا أن ما حدث في بيت داجون كان عرضًا، لذا أرادوا نقل التابوت للتأكد من دور التابوت وقدرته.
"أشدود" ربما تعني "قوة"، اسمها الحالي أشدود تبعد حوالي 19 ميلًا جنوب غرب ليدا، في منتصف الطريق بين غزة ويافا. كانت في القديم تُستخدم كمدينة تابعة لميناء. هي إحدى مدن فلسطين الخمس العظمى، ومركزًا لعبادة الإلهة داجون. هدم عزيا ملك يهوذا أسوارها (2 أي 26: 6). حاصرها ترتان -القائد الأشوري أثناء حكم سرجون- وأخذها (إش 20: 1). هددها عاموس (عا 1: 8) وصفنيا (صف 2: 4) وزكريا (زك 9: 6).

قاوم أهلها إعادة بناء أسوار أورشليم في أيام نحميا (نح 4: 7). كما أخذ بعض اليهود الراجعين من السبي زوجات من أهلها فلقوا قصاصًا صارمًا من نحميا (نح 13: 23-24). استولى عليها المكابيون مرتين في القرن الثاني ق.م؛ في المرة الثانية خربوا هيكل داجون (1 مك 5: 68؛ 10: 84). في أشدود نادى فيلبس الرسول بالإنجيل (أع 8: 4).
3. ضرب أهل جت بالبواسير:

"جت" كلمة عبرية تعني "معصرة" ، وهي إحدى مدن فلسطين الخمس العظمى: أشدود، جت، عقرون، غزة، أشقلون (1 صم 6: 17). أغلب الدارسين يرون أن موقعها الحالي "عراك المنشية" تبعد حوالي 7 أميال غرب بيت جبرين. كانت إحدى مدن العناقيين (يش 11: 22)، نشأ فيها العمالقة (2 صم 21: 22، 1 أي 20: 21)، أشهرهم جليات الجبار الذي قتله داود النبي (1 صم 17). كانت أحد حصون الفلسطنيين، أخذها داود منهم (2 صم 15: 18، 1 أي 18: 1) ثم تناقلت بين أيدي الفلسطنيين (1 مل 2: 39) ويهوذا (2 أي 11: 8) وآرام (2 مل 12: 17) ثم يهوذا (2 مل 13: 25) فلسطينيين إلخ...
إذ نُقل تابوت العهد إلى جت كانت الضربة أشد حتى يدرك الفلسطينيون أن ما يحدث ليس اعتباطًا إنما هو تأديب إلهي، إذ قيل: "إن يد الرب كانت على المدينة باضطراب عظيم جدًا، وضرب أهل المدينة من الصغيرة إلى الكبيرة ونفرت لهم البواسير" [9].

4. ضرب أهل عقرون بالبواسير:

المدينة الشمالية من مدن الفلسطينيين الخمس العظمى، تسمى الآن "عاقر". وهي قرية صغيرة تقوم على تل، تبعد حوالي 12 ميلًا من يافا. كانت في البداية من نصيب يهوذا، على تخومه الشمالية ثم أُعطيت لدان، وقد استرجعها الفلسطينيون بعد مدة. عبد أهلها بعل زبوب (2 مل 1: 2). هددها عاموس (عا 1: 8) وصفنيا (صف 2: 4) وإرميا (إر 25: 20) وزكريا (زك 9: 5). أعطاها الإسكندر ليوناثان كمكافأة له لنصرته على أبولونيوس (1 مك 10: 89).
إذ نقل إليها تابوت العهد على غير رغبة شعبها كانت يد الله ثقيلة جدًا هناك، فصرخوا "فصعد صراخ المدينة إلى السماء" [12]. لقد طلبوا عودة التابوت إلى مكانه.
5. قرار جماعي بإعادة التابوت:

يعتبر هذا القرار شهادة لقداسة الله وقدرته. وكأن الله استخدم حتى شرهم لاستنارتهم؛ منذ البداية كانوا يعلمون أنه إله قوي خلص شعبه من مصر بعجائب (1 صم 4: 7-8) لكنهم تشددوا لمقاومته، أما الآن فقد أيقنوا أنهم لن يستطيعوا مقاومته. لقد حقق الله ما قيل في إشعياء النبي: "أنا الرب هذا اسمي، ومجدي لا أعطيه لآخر، ولا تسبيحي للمنحوتات" (إش 42: 8).




  رد مع اقتباس
قديم 16 - 07 - 2023, 04:52 PM   رقم المشاركة : ( 7 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,274,509

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem متواجد حالياً

افتراضي رد: تفسير سفر صموئيل الأول

تفسير سفر صموئيل الأول





عودة تابوت العهد





لقد طالت مدة إقامة تابوت العهد في وسط الوثنيين إلى سبعة أشهر، ليتأكد الكل أن ما حل بالوثن (الإله داجون) وما حل بالناس (مرض البواسير) وأيضًا بالأرض (جرذان أو فئران كبيرة تأكل محاصيل الأرض) لم يكن محض صدفة إنما علامة غضب الله على الوثنيين. وأيضًا لكي يقدم المؤمنون توبة صادقة مشتاقين بالحق للتمتع بالحضرة الإلهية المعلنة بوجود التابوت في وسطهم:
1. عمل قربان إثم:

"وكان تابوت الله في بلاد الفلسطينيين سبعة أشهر" [1]. لا نعرف ما هي مشاعر إسرائيل نحو الأحداث في ذلك الوقت. لقد دُهشوا أن التابوت أُخذ منهم كما في خزي وضعف والكاهنين قتُلا وكثيرين سقطوا وفقد الشعب كرامته... لقد مرت الأيام والأسابيع وأيضًا الشهور ولم يسمعوا شيئًا عن التابوت، لكن الله كان يعمل مؤكدًا قدرته على الخلاص، وشعر الوثنيون بالرهبة أمام الله، فاستعدوا الكهنة والعرافين قائلين: "ماذا نعمل بتابوت الرب؟ أخبرونا بماذا نرسله إلى مكانه؟" [2].
لقد استخدم الله حتى كهنة الوثنيين والعرافين للشهادة له، وكما يقول القديس يوحنا الذهبي الفم: [شهد أعداء الله أنفسهم له؛ نعم قدم معلموهم أصواتهم عنه ].

العرافون هم الذين يدعون بأنهم قادرون على معرفة الأمور المستقبلية بواسطة علامات طبيعية كطيران الطيور أو أمعاء حيوان مذبوح أو النظر إلى الكبد أو السهام أو ماء في كأس أو استدعاء أرواح الأموات أو قراءة الكف أو تتبع حركة النجوم إلخ... هذه عادات شائعة في الشعوب القديمة خاصة الشرقية، ولا تزال قائمة في بلاد شرقية كثيرة. خلال العرافة يأخذ البعض قرارتهم مثل اختيار شريك الحياة أو القيام بحرب في وقت محدد، وقد نهى عنها الكتاب المقدس (لا 20: 27؛ 18: 9-14، إر 14: 14؛ حز 13: 8-9).
طلب الكهنة والعرافون ألاَّ يرسلوا التابوت فارغًا بل يردوا له قربان إثم اعترافًا منهم أنهم أخطئوا وأن ما حل بهم هو تأديب وثمرة لإثمهم في حق الله، وكنوع من التعويض الأدبي والمادي لما أصاب شعبه. طلبوا أن تشترك كل مدينة من المدن الخمس العظمى في هذا القربان ليكون الاعتراف جماعيًا والقربان عن الشعب كله.
كانت العادة لدى الوثنيين تقديم تمثال الجزء المصاب بمرض للآلهة عند البرء من المرض، ولذا طلب الكهنة والعرافون تقديم خمسة بواسير من ذهب وخمسة فئران من ذهب، غير أن الشعب زادوا هذا العدد وصنعوا فئران الذهب بعدد جميع المدن من المدينة المحصنة إلى قرية الصحراء لأن الضربة كانت عامة [18].
لقد أدرك الوثنيون حقيقتين:

أ. أن الله لا يُرشى بذهب أو فضة إنما ما يقدمونه من قربان إثم هو اعتراف وشهادة لمجده، إذ قالوا: "أعطوا إله إسرائيل مجدًا لعله يخفف عنكم وعن ألهتكم وعن أرضكم" [5].
ب. أن مقاومته لن تُجدي، فقد أغلظ فرعون قلبه فهلك [6]. كأن ما حدث منذ حوالي 350 عامًا في مصر انتشرت معرفته في كل البلدان في منطقة الشرق الأوسط.
2. رد التابوت على عجلة جديدة:

لقد عمل الفلسطينيون عجلة جديدة تجرها بقرتان مرضعتان لم يعلهما نير [7]، تحمل تابوت العهد وقربان الإثم. بالفعل استقامت البقرتان في الطريق، وكانتا تسيران في سكة واحدة وتجران، لم تميلا يمينًا ولا يسارًا، وأقطاب الفلسطينيين يسيرون وراء تابوت الرب.

ما أروعه منظرًا يشهد لحب الله لشعبه! فمهما طالت إقامة التابوت في أرض الأعداء، لكن الله يشتاق أن يسكن وسط شعبه ويحل فيهم، لقد ساق البقرتين رغم ميلهما الطبيعي لصغيريهما، واستقامتا في الطريق نحو شعب الله. ما أعظم رحمة الله بنا، فإنه يُريد أن يتناسى أخطاءنا ويسكن فينا ويستريح في أحشائنا.
العجلة الجديدة والبقرتان اللتان لم يعلهما نير تكشف عن إدراك الوثنين أيضًا أن الله لا يقبل التعرج بين الفريقين، يُريد أن يكون القلب الحامل له بالكامل له لا يمزج بين حب الله وحب الخطية أو بين ملكوت الله ومملكة إبليس. وكما يقول القديس بولس: "وأية شركة للنور مع الظلمة، وأي اتفاق للمسيح مع بليعال؟!" (2 كو 6: 14).
يقول العلامة أوريجانوس: [لا يقوم ملكوت الله مع مملكة الشر. لذلك إن كانت إرادتنا أن نكون تحت مُلك الله ليته لا تملك أية خطية في جسدنا المائت (رو 6: 12)، ولا نطيع وصاياها، عندما تحث نفوسنا أن تمارس أعمال الجسد (غلا 5: 19) والأمور الغريبة عن الله].
لقد طلب الوثنيون عمل عجلة جديدة وإحضار بقرتين مرضعتين لم يعلهما نير... وقد رأينا في الشريعة البقرة الحمراء تقديم بقرة لم يعلها نير (عد 19: 2)، وعندما دخل السيد المسيح أورشليم ركب جحشًا لم يجلس عليه أحد من الناس (مر 11: 2).
طلب الكهنة والعرافون ترك العجلة بلا قيادة لينظروا إن كانت تسير نحو تخم التابوت، أي تخم أرض إسرائيل التي كان التابوت فيها، متجهة إلى بيتشمس. وهي مدينة للكهنة (يش 21: 16) على تخم يهوذا، على بعد حوالي 12 ميلًا جنوب شرقي عقرون، حاليًا تدعى عين الشمس.
3. حجر شهادة في حقل يهوشع:


إن كانت العجلة تمثل كنيسة العهد الجديد التي تضم شعبًا من فريقين: من أصل يهودي ومن الأمم، وقد صار الكل بروح الله "جديدًا" في الرب كمن لم يعلُهما نير، فإن العجلة انجذبت إلى حقل يهوشع البيتشمسي [18]، لماذا؟
يُجيب القديس يوستين مقدمًا مقارنة بين دخول الشعب أرض كنعان تحت قيادة يشوع الذي كان قبلًا يهوشع وبين دخول العجلة الجديدة بالتابوت إلى حقل يهوشع قائلًا: [البقرتان اللتان لم يقدهما إنسان لم تذهبا إلى الموضع الذي أُخذ منه التابوت بل إلى حقل رجل معين يدعى "يهوشع"... اسمه مأخوذ عن "يسوع (يشوع)"... لتظهرا لكم أنهما كانتا مقادتين بقوة الاسم، كما حدث قبلًا مع الشعب الذي تبقى من الخارجين من مصر. لقد قادهم إلى الأرض ذاك الذي حمل اسم يسوع (يشوع) والذي كان يُدعى قبلًا يهوشع ].
بقى حجر الشهادة الذي وُضع عليه تابوت العهد في حقل يهوشع شاهدًا لعمل الله مع شعبه ، تتطلع إليه الأجيال لتذكر رعاية الله واهتمامه بأولاده.
4. ضرب أهل بيتشمس:

أ. كنا نتوقع من الشعب أن يسقطوا على وجوههم عند معاينتهم للتابوت، ويقدموا توبة للرب، ويستدعى الكهنة واللاويين لحمله والاحتفال به، لكنهم في تجاهل للشريعة التفوا حول التابوت. ضُرِب من الشعب خمسون ألف رجل وسبعون رجلًا. لقد كرّمه الفلسطينيون بالرغم من جهلهم أكثر من الشعب المُعْطَى له وصايا صريحة بشأنه. نحن أيضًا كم مرة ندوس مقادس الله ونتقدم إلى الأسرار الإلهية في تهاون ونستمع إلى كلمته بغير خشوع؟!
ب. يميز الكتاب بين الخمسين ألفًا والسبعين المضروبين بسبب رؤية التابوت، ربما لأن الخمسين ألفًا من كل بني إسرائيل سمعوا من كل موضع وجاءوا يحتفلون برجوعه بينما السبعون هم وحدهم من بيتشمس. يرى البعض أن النسخ العبرية القديمة لم تذكر سوى رقم 70.
لم يرجع التابوت إلى شيلوه، غالبًا لأنها كانت قد دُمرت بواسطة الفلسطينيين، هذا واضح من الحفريات ومن (إر 7: 12).
أُصعد التابوت من بيتشمس إلى قرية يعاريم (مدينة الغابات أو مدينة المدن)، على تخم يهوذا وبنيامين، كانت تابعة ليهوذا (قض 18: 2). يُرجح أنها قرية العنب التي تسمى أيضًا اباغوش تبعد حوالي 9 أميال غرب أورشليم. بقى بها تابوت العهد حتى نقله داود النبي إلى بيدركيدون وبيت عوبيد أدوم الجتي (1 أي 13: 5-13، 2 أي 1: 4).


  رد مع اقتباس
قديم 16 - 07 - 2023, 04:52 PM   رقم المشاركة : ( 8 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,274,509

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem متواجد حالياً

افتراضي رد: تفسير سفر صموئيل الأول

تفسير سفر صموئيل الأول




شاول الملك

بدء عصر الملوك

طلب الشعب من صموئيل إقامة ملك لهم كسائر الأمم، ومع ما حمله هذا الطلب من رفض لمُلك الله ولصموئيل لكن أعطاهم الله سؤل قلبهم، وأقيم شاول ملكًا، الذي نجح إلى حين.
لقد أرادوا التشبه بالأمم، غير أن النظام الملكي هنا له مفهوم فريد. ففي مصر كان يُنظر إلى فرعون كإله يعود إلى دائرة أفقه عند موته. وفي أشور أو بابل ينظر إلى صاحب السلطة على أنه كائن قابل للموت لكنه كمحبوب الآلهة لا يمكن أن يخطئ وهو يمثل رأس الدولة وفي نفس الوقت الرأس الديني؛ كلمته تعتبر قانونًا لا يُراجع فيها. أما بالنسبة لإسرائيل فالملك إنسان يلتزم أن يحكم حسب نعمة الله، يمسحه الكاهن وليس له حق العمل الكهنوتي. الشريعة الإلهية فوق الكل، عليه أن يخضع لها ويحترمها. لهذا عندما قدم شاول ذبيحة، وعندما أخذ داود امرأة أوريا، وعندما استولى آخاب على كرم نابوت اليزرعيلي صدرت أحكام ضدهم وعوقبوا. ليس عجيبًا أن يُعاقب الملوك المخطئون، فقد عرف داود الملك حق ناثان النبي في اتهامه ليعترف أمامه أنه أخطأ في حق الله.

عاش صموئيل النبي حتى مسح داود ملكًا، لكنه تنيح قبل تجليسه. تمتع داود بالوعد أن يرث نسله المُلك أبديًا، وقد وضع داود النبي الأساسات التي بنى عليها الملوك الصالحون المملكة.
طلب ملكك

انشغل الشعب بمظاهر العظمة والأبُهة التي لملوك الأمم المحيطين بهم، وحسبوا ذلك مجدًا وكرامة حُرموا هم منهما، لذا استغلوا شيخوخة صموئيل النبي وعدم سلوك ابنيه في طريق أبيهما ليطلبوا من صموئيل إقامة ملك يقضي لهم كسائر الأمم [5].













1. طلب ملك:

ربما يتساءل البعض: لو لم يطلب الشعب ملكًا، هل كان الله قد أعد لهم إقامة مملكة؟
أ. لا نجد للنظام الملكي موضعًا حقيقيًا في الشريعة الموسوية إلا ما جاء في (تث 17: 14-20). ربما كان هذا نبوة عن إقامة نظام ملكي في أرض الموعد، وربما كانت نصائح تقدم للشعب إن اختار له ملكًا وقواعد يلتزم بها الملك ليعيش كما يليق كعضو في الجماعة المقدسة.
ب. كان الخطأ لا في طلب إقامة ملك إنما في تعجل الأحداث وفي إساءة فهم النظام الملكي. فمن جهة الزمن كان الله يدبر لهم إقامة ملك قلبه مثل قلب الله، فقد سمح بمجيء راعوث من بين الأمم، تلك التي من نسلها يخرج داود النبي والملك. لو انتظروا قليلًا لنالوا أفضل مما طلبوا، ولَمَا أُقيم شاول الجميل الصورة الذي سبب لهم شقاءً عظيمًا.
أما من جهة فهم النظام الملكي، فقد أرادوا ملكًا يقود الجيش عوض صموئيل النبي رجل الصلاة، وقد حطمهم الملك الذي نالوه حسب قلبهم عوض بنيانهم ونصرتهم. لقد أرادوا أيضًا ملكًا يحكمهم هو ونسله من بعده بينما في ظل نظام القضاة كان يمكنهم اختيار قائد للحرب دون الارتباط بالنظام الملكي وتسليم القيادة في أيدي نسله بالوراثة.

لقد شاخ صموئيل النبي والقاضي، وأقام ابنيه يوئيل وأبيا قاضيين في بئر سبع، اللذين لم يسلكا في طريق أبيهما إذ مالا وراء المكسب المادي والرشوة وعوَّجا القضاء [1]. كان يليق بصموئيل النبي أن يقيم قضاة مستقيمين عوض ابنيه.
لماذا لم يوبخ الله صموئيل على انحراف ابنيه كما فعل مع عالي؟ ربما لأن عالي كان رئيس كهنة وقد ارتكب ابناه الكاهنان خطايا بشعة ورجاسات تستوجب لا العزل بل القتل حسب الشريعة.
وكان الابنان يعملان مع أبيهما وتحت مسئوليته كرئيس كهنة. أما بالنسبة لابني صموئيل، فيحتمل أن يكون انحرافهما - قبول الرشوة - جاء مؤخرًا بعدما تسلما العمل بفترة، فابتدأ الاثنان بالاستقامة لكن محبة المال أغوتهما، هذا وكان الاثنان يعملان في بئر سبع وليس مع أبيهما في الرامة، وربما جاء اختيارهما بناء على رغبة الشعب لأنهما لا يرثان المركز (القاضي) بالخلافة.
يتساءل البعض لماذا دُعيَ البكر هنا "يوئيل" بينما في (1 أي 6: 28) قيل (البكر "وشني")؟ كلمة وشني في العبرية تعني "والثاني"، ولذا يرى الدارسون أن كلمة "يوئيل" حذفت سهوًا في النساخة وأن كلمة وشني قُصد بها (والابن الثاني) وليست اسمًا للبكر.
اعتراض شيوخ إسرائيل على انحراف ابني صموئيل يكشف عن وجود ضمير حيّ فيهم، على خلاف فترة حكم عالي الكاهن إذ لا نجد أحدًا يعترض على تصرفات ابنيه البشعة. هذا وتنصيب الابنين للقضاء في بئر سبع في الجنوب بينما كان صموئيل يقضي في الشمال يكشف أن حكم صموئيل شمل البلاد كلها من الرامة إلى بئر سبع، وأن استقرارًا داخليًا قد حل بالبلاد، وأنهم كانوا مستريحين من حكم الفلسطينيين.
يليق بكل قائد أن يحذر من محبة المال والرشوة فقد أفسد المال قلبي القاضيين وسبب متاعب لهما ولأبيهما كما للشعب.
2. صموئيل النبي يحسب ذلك إهانة له:

لقد حسب صموئيل النبي ذلك الطلب رفضًا لعمله القضائي، وحسب الرب ذلك رفضًا له هو شخصيًا كملك على شعبه، إذ قال لصموئيل نبيه: "إسمع لصوت الشعب في كل ما يقولون لك؛ لأنهم لم يرفضوك أنت بل إياي رفضوا حتى لا أملك عليهم" [7].

ما أعظم حكمة صموئيل، فإنه كرجل صلاة لم يثر عليهم ولا وبخهم بل طلب أولًا مشورة الله وإرشاده، وقد وهبه الله راحة أن الشعب لم يرفض صموئيل بل رفض الرب نفسه. والعجيب أن الله يطلب من صموئيل: "اسمع لصوت الشعب في كل ما يقولون لك". إنه يقدس الحرية الإنسانية، ويستجيب للطلبات الجماعية وإن كان يكشف لهم الحق منذرًا إياهم بسبب سوء رغبتهم. إنه لا يلزمهم ولا يقهرهم على نظام معين بل يطلب منهم أن يتفهموا الحق بكامل حريتهم.
3. الله يقبل طلبتهم مع تحذيرهم:

استجاب الله لطلبتهم، هذا لا يعني رضاه عن ذلك، إنما كما يقول المزمور: "يعطيك سؤل قلبك" (مز 37: 4). فإن كان سؤل قلبنا سماويًا ننعم بالسماويات كبركة لنا، وإن كان سؤل قلبنا لغير صالحنا أو بنياننا يسمح بتحقيقه لأجل التأديب. وكما يقول المرتل: "فأعطاهم سؤلهم وأرسل هزالًا في أنفسهم" (مز 106: 15).
إن كان الرب قد استجاب طلبتهم، إلا أنه أوضح لهم حقيقتين:
الحقيقة الأولى أن كل رفض لرجاله هو رفض له، إذ يقول: "لأنهم لم يرفضوك أنت بل إياي رفضوا" [7]. يقول رب المجد لتلاميذه: "الذي يسمع منكم يسمع مني، والذي يرذلكم يرذلني، والذي يرذلني يرذل الذي أرسلني" (لو 19: 16، مت 8: 4).
* لكوني كنت جاهلًا بهذه الأمور، فقد هزأت بأبنائك وخدامك القديسين، ولكن لم أربح من وراء هذا سوى ازدرائك بي.
القديس أغسطينوس

* يليق بكم أن تطيعوا أسقفكم بدون رياء تكريمًا لله الذي يُريد منا ذلك. فمن لا يفعل هذا فهو في الواقع لا يخدع الأسقف المنظور بل يسخر من الله غير المنظور. فهذا العمل لا يخص إنسانًا بل الله العالِم بكل الأسرار.
القديس أغناطيوس الثيؤفورس
الحقيقة الثانية أن اختيارهم للنظام الملكي لم يكن لصالحهم، موضحًا لهم ما سيصيبهم من ظلم الملوك واستغلالهم لكل إمكانياتهم.
4. صموئيل يحذر الشعب:

تحدث صموئيل النبي مع الشعب في صراحة ووضوح بجميع كلام الرب، ليكشف لهم عن مساوئ طلبتهم لإقامة ملك، والتي تتلخص في الآتي:
أ. تسخير بنيهم للخدمة العسكرية لا لصالح الشعب إنما بالأكثر لصالحه الشخصي كعبيد له.
ب. يستغل بناتهم كعطارات وطباخات وخبازات لتَرَفِه هو وعائلته ورجاله.
ج. يغتصب أجود حقولهم لحساب خصيانه (كبار موظفيه) وعبيده.
د. استغلال طاقاتهم في زراعة أرضه الخاصة والعمل لحسابه.
ه. إذ يحل بهم الظالم لا يجدون من يصرخون إليه، فإن الله نفسه لا يسمع لهم لأنهم اختاروا ملكهم حسب هواهم الشخصي.

لم يسمع الشعب لنصيحته بل أصروا على إقامة ملك [19]، عندئذ فض صموئيل الاجتماع ليذهب كل واحد إلى مدينته [22]، وقد تأكد الجميع أن صموئيل يدبر لهم الأمر.


  رد مع اقتباس
قديم 16 - 07 - 2023, 04:53 PM   رقم المشاركة : ( 9 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,274,509

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem متواجد حالياً

افتراضي رد: تفسير سفر صموئيل الأول

تفسير سفر صموئيل الأول



لقاء شاول مع صموئيل



إذ أصر الشعب على الطلبة أقام لهم شاول بن قيس البنياميني؛ كان شابًا حسنًا لم يكن في بني إسرائيل أحسن منه، من كتفه فما فوق كان أطول من كل الشعب [12]. يقول الرب لنبيَّه صموئيل: "امسحه رئيسًا لشعبي إسرائيل، فيُخلص شعبي من يد الفلسطينيين لأني نظرت إلى شعبي، لأن صراخهم قد جاء إليّ" [16].




1. شاول وأتن أبيه الضالة:

إذ سأل الشعب صموئيل النبي أن يقيم لهم ملكًا أُختير "شاول الذي يعني "سؤال" ملكًا. لقد أعطاهم ملكًا حسب سؤل قلبهم، إنسانًا حسن الصورة طويل القامة، أما قلبه فلم يكن مستقيمًا.
وكما يقول القديس أغسطينوس: [قيل إن "شاول" تعني "سؤلًا". من المعروف جيدًا أن الشعب سأل عن ملكٍ لهم، فتسلموه ملكًا لا حسب إرادة الله بل حسب إرادتهم الذاتية].
لم يتجاهل الكتاب المقدس الجوانب الطيبة التي اتسم بها شاول بل على العكس أبرزها، لكن لم يحتمل شاول الغنى والكرامة إذ كشفا انعوجاج قلبه الداخلي واهتمامه بحب الكرامة الزمنية والمظاهر الخارجية لذا انتهت حياته برفض الله له وحرمان نسله من تولي الملك.
بدأ هذا الأصحاح بإبراز نسب شاول الذي يقدمه الله للشعب لاختياره ملكًا حسب هوى قلبهم . كشف الكتاب أنه من سبط بنيامين، من نسل الستمائة الذين نجوا من الحرب وأقاموا في الصخرة رمون (قض 20: 47). وهو سبط صغير العدد جدًا بسبب حرب الأسباط الأخرى ضده (قض 20)، لكنه كان سبطًا مقتدرًا له كرامته. أما شاول نفسه فكان شابًا حسن الصورة "ولم يكن رجل في بني إسرائيل أحسن منه، من كتفه فما فوق كان أطول من كل الشعب" [2].

يروي لنا هذا الأصحاح الأحداث التي انتهت بمسح شاول ملكًا، أحداث قد يراها البعض عارضة، أو محض صدفة، تبدو أحداثًا تافهة بلا قيمة، لكن الوحي الإلهي يكشف لنا كيف أن الله ضابط الكل، يُحّوَّل الأحداث جميعها - مهما بدت تافهة - لتحقيق خطة إلهية من جهتنا، وليس شيء ما يتم مصادفة. هنا نجد أتن قيس تضل فيخرج شاول يبحث عنها لا ليجد الأتن وإنما لكي يُدعى للمُلك، خروج الغلام معه، الذي يشير عليه أن يلتقيا بالرائي، أيضًا وجود نصف شاقل فضة لدى الغلام، لقاء شاول والغلام مع الفتيات الخارجات ليستقين، لقاؤهما مع الرائي... هذه جميعها بدت في الظاهر كأنها أمور تمت بلا تدبير مسبق، لكن الواقع أن الله كان وراء كل هذه الأمور يستخدمها لتحقيق خطته. ليتنا نؤمن أن كل ما يمر بحياتنا -مهما بدا تافهًا - يسير بتدبير الله العارف حتى بعدد شعور رؤوسنا (مت 10-30) والمعتني بالعصافير.
لقد ضاعت أتن قيس وخرج شاول والغلام يبحثان عنها
وكما يقول القديس باسيليوس: [إن الله يستخدم كل فرصة لكي يدعونا للعمل ضاعت الأتن لكي يوجد ملك لإسرائيل ].
"الأتن" من الجانب الرمزي تشير إلى "الجهل"، فإن شاول دُعي للمُلك حين ضاعت الأتن، وهكذا لكي نملك مع السيد المسيح يلزم انتزاع الجهل من نفوسنا والتمتع بنور المعرفة. لتخرج الأتن من بيتنا الداخلي وليحل نور المعرفة في أعماقنا فنملك مع مسيحنا النور الحقيقي. عندئذ نقول مع الملك داود: "بنورك يا رب نعاين النور".
يقول القديس أكليمندس الإسكندري: [إن الغنوسي أو صاحب المعرفة الروحية بحق لا يضطرب من شيء ما... لا يخشى الموت، إذ له الضمير الصالح واستعداد لمعاينة القوات (السماوية)].
مع أن الأتن أمر زهيد لكن شاول بذل جهدًا في البحث عليها إذ عبر في جبل أفرايم ثم في أرض شليشه ثم أرض شعليم فأرض بنيامين وأخيرًا أرض صوف... وإذ مرت ثلاثة أيام في البحث عنها دون جدوى خشى شاول أن يقلق أبوه عليه، فقال للغلام: "تعال نرجع لئلا يترك أبي الأتن ويهتم بنا" [5]. هذه جوانب طيبة في شاول: بحثه الجاد عن الأتن، اهتمامه بمشاعر أقرب الناس إليه، ثم تشاوره مع الغير (الغلام)... هذه سمات تجعل الإنسان جديرًا باستلام دور قيادي وإن كان كبرياء قلبه قد أفسد هذا كله فيما بعد.

"شليشه" تعني "ثلاثي" ، وهي مقاطعة في جبل أفرايم، جنوب غربي شكيم.
"أرض شعليم" تعني "أرض الثعالب" ، مقاطعة في أفرايم.
بحسب التقليد اليهودي الغلام المرافق لشاول هو دواغ الأدومي الذي صار فيما بعد مشيرًا له، بسببه قُتل كهنة نوب ونساؤهم وأولادهم حتى ماشيتهم أهلكها (1 صم 22: 7-23).
2. الغلام يشير عليه باللقاء مع الرائي:

إذ أراد شاول العودة حتى لا ينشغل أبوه بأمره هو والغلام، سأله الغلام أن يستشير رجل الله ليخبرهما عن طريقهما التي يسلكان فيها [6].
اعتاد اليهود أن يدعو النبي "رجل الله" (يش 14: 6، 1 مل 12: 22؛ أي 11: 2)، لأنه يعمل على التقدم بالشعب إلى الله خلال الصلاة والوصية الإلهية والإرشاد والنبوة؛ كما يدعى "إنسان الروح" (هو 9: 7)، بكونه مهتمًا بالروحيات، يعمل بقيادة روح الله؛ وأيضًا يدعى "الرائي" إذ ينظر إلى بعض أمور المستقبل كما ببصيرة روحية مفتوحة.
ادعى بعض النقاد أن هذا السفر يحوي مصدرين مختلفين في الفكر، كما رأينا في المقدمة، قائلين إننا نرى في الحوار بين شاول وغلامه أن الأول يجهل اسم الرائي وموضوعه بينما يسكن قريبًا منه، وكأن صموئيل رٍاء مجهول حتى ممن هم قاطنون بالقرب منه، بينما نجد في ذات السفر صموئيل كنبي عظيم وقاضٍ يحكم الشعب كله ويوجهه... كيف يكون ذلك؟

أ. يُجاب على هذا بأن شاول عاش في قريته لا يُبالي بالأمور السياسية والدينية الجارية في عصره، فلم تكن الشخصيات البارزة معروفة لديه كما يحدث مع كثيرين من سكان القرى، خاصة مع عدم وجود وسائل إعلام قوية كالعصر الحديث. أذكر أنه في عام 1953 بعد قيام الثورة المصرية كتب أحد المدرسين المنقولين إلى الصعيد إلى عائلته في القاهرة يقول: هنا يوجد أناس لازالوا يظنون أن الملك فؤاد هو حاكم مصر؛ وكأنهم على غير علم بموته وجلوس الملك فاروق ثم عزله وقيام الثورة في يوليو 1952. ربما حمل الحديث نوعًا من المبالغة لكنه يوضح كيف لا ينشغل بعض سكان القرى بالرئاسات الدينية أو المدنية العليا.
يقدم لنا واضع تفسير صموئيل الأول (مركز المطبوعات المسيحية) مثلًا واقعًيا حدث في إسكتلنده، حيث دُعي رئيس كنيسة إسكتلنده ليلقي خطابًا في حفل عام، وكان زعيمًا بارزًا في جيله، كتبت عنه الصحف عدة شهور ونشرت له صورًا مرارًا كثيرة. فلما قدمه رئيس المؤتمر إلى رئيس مجلس المدينة وهو عضو في تلك الكنيسة، سأل: "من هو هذا الرجل؟"... على ذات القياس، في كل عصر نجد الكثيرين ممن لا يهتمون حتى بمعرفة اسم الرئيس الديني.
هذا ونلاحظ أن الغلام الذي يخدم شاول كانت لديه معلومات أكثر عن الرائي وكرامته وموضع سكناه، إذ قال: "هوذا رجل الله في هذه المدينة، والرجل مكرم، كل ما يقوله يصير" [6].
هذا ولا ننسى أيضًا أن صموئيل مثل عالي الكاهن اختلف الاثنان عن بقية القضاة السابقين لهما وربما البعض كانوا معاصرين لهما، إذ التزما بالعمل القيادي الروحي والتوجيه في المسائل الزمنية دون قيادة الجيوش بنفسيهما، إذ لم يكونا رجلي حرب، الأمر الذي لم يكسبهما شهرة بين الشباب، لأن الشباب غالبًا ما تستهويه أخبار الحروب والانتصارات والأعمال البطولية.
تساءل شاول: "ماذا نقدم للرجل، لأن الخبز قد نفذ من أوعيتنا وليس من هدية نقدمها لرجل الله، ماذا معنا؟" [7].

إن كان شاول قد جهل اسم الرائي وموضع سكناه لكنه تربى منذ الطفولة ألاَّ يدخل بيت الله بيد فارغة، ولا يلتقي برجل الله بيد فارغة. وكانت العادة السائدة أن يقدم الإنسان من طعامه أو محصولاته كما من أمواله.
هذه العادة عاشتها الكنيسة الأولى، فقيل عن والد القديس تكلا هيمانوت الأثيوبي، وهو كاهن، أنه لم يكن يدخل الكنيسة بيد فارغة. الكاهن الروحي محب للعطاء أكثر من الأخذ... أينما وجد يشتاق أن يُعطي. أقول إن كل نفس تلتقي بالله المحبة يحمل طبيعة العطاء في أعماقه، يفرح ويشبع داخليًا مع كل عطاء للغير.
كان مع الغلام ربع شاقل فضة، وهو مبلغ زهيد للغاية، لم يخجل هو وشاول من تقديمه، فإن العبرة لا في الكمية بل في طبيعة العطاء ذاتها أو اتساع القلب بالحب.
كانت الرامة - مدينة صموئيل- قائمة على أكمتين (رامتايم 1: 1)، لذا قيل "وفيما هما صاعدان في مطلع المدينة" أي متجهان نحو باب المدينة، التقيا بفتيات خارجات لاستقاء الماء، قلن لهما: "هوذا هو أمامكما، أسرعا الآن، لأنه جاء اليوم إلى المدينة لأنه اليوم ذبيحة للشعب على المرتفعة" [12].
إن كانت الرامة القائمة على أكمتين تمثل كنيسة المسيح القائمة على العهدين، القديم والجديد، فإنه يليق بكل قلب أن يترك ما هو عند السفح ويصعد بروح الله خلال كلمة الله -العهدين- ليعيش في الرامة كرٍاء ينعم بالبصيرة المفتوحة المطَّلِعة على أسرار الله وأمجاده السماوية، ما هؤلاء الفتيات الخارجات لاستقاء الماء إلا رجال العهدين القديم والجديد الذين خلال النبوات والكرازة الإنجيلية يشيرون إلى المسيح السائر أمامنا يرعانا، يفتح طريق الحق ويعبر بنا إلى الجلجثة لننعم بأسرار ذبيحته المخلِّصة.
ماذا قالت الفتيات لهما؟

"عند دخولكما المدينة للوقت تجدانه قبل صعوده إلى المرتفعة ليأكل، لأن الشعب لا يأكل حتى يأتي لأنه يبارك الذبيحة، بعد ذلك يأكل المدعوون" [13].
إذ ننعم بالصعود إلى كنيسة المسيح، ماذا نرى؟ نرى مسيحنا الذي تقدم ليأكل، مقدمًا جسده المبذول ذبيحة حب مشبعة لشعبه. يبارك الذبيحة بيديه الطاهرتين ليُعطي مدعويه ليأكلوا ويشبعوا ويثبتوا فيه.
لما دخل الرجلان إلى وسط المدينة "إذ بصموئيل خارج للقائهما ليصعد إلى المرتفعة" [14]. هكذا إذ ننعم بالعضوية الكنسية، ندخل إلى كنيسته فيحملنا إلى جبل الجلجثة (المرتفعة) لنتمتع بسر الذبيحة واهبة المصالحة والمشبعة لاحتياجات النفس.
3. صموئيل يكشف لشاول رسالته:

لقد كشف الله لصموئيل النبي بخصوص مسح شاول ملكًا أو رئيسًا لشعبه، وذلك قبل اللقاء معه بيوم [15]. ويلاحظ أن كلمة "رئيس" جاءت هنا في العبرية nagid تعني "رئيسًا" أو "أميرًا" غير أن الحديث عنه هنا كملك، كما أنه المسحة ذاتها تعني نواله الملوكية.
استضاف صموئيل النبي شاول، وكشف له كل شيء، إذ قال له: "وأما الأتن الضالة لك منذ ثلاثة أيام فلا تضع قلبك عليها، لأنها قد وُجدت، ولمن كل شهيِّ إسرائيل؟ أليس لك ولكل بيت أبيك؟!" [20].
في اتضاع أجاب شاول: "أمَا أنا بنياميني من أصغر أسباط إسرائيل، وعشيرتي أصغر كل عشائر أسباط بنيامين؟! فلماذا تكلمني بمثل هذا الكلام؟!" [21].
هنا يليق بنا أن نقف قليلًا لندرك عطايا الله للإنسان المرتفع إلى مدينة الرامة، أي إلى الكنيسة، والملتقى مع صموئيل رمز السيد المسيح.


أ. طلب صموئيل النبي من شاول ألا ينشغل بالأتن الضالة، فإنها أمر تافه للغاية أمام ما سيناله من عطايا، مقابل هذا أعلن له أنها قد وجدت، وأنه ينال كل شهي إسرائيل. ألم يسألنا السيد المسيح ألا نهتم بشيء إلا بملكوت الله وهذه كلها تزاد لنا.؟ فإن الله في محبته يهبنا في هذا العالم مئة ضعف (مت 19: 29) بجانب تمتعنا بملكوت الله.
لنترك عنا الارتباك بالأتن الضالة، فيردها الرب إلينا ويعطينا مركبات وخيل، أما ما هو أعظم فإنه يهبنا ملكوته السماوي، كما بقيادة مركبته السماوية، لنترك الأتن الوضيعة الأرضية فنتقبل مركبة الله السماوية!
ب. أخذه صموئيل هو وغلامه إلى المنسك، أي إلى الغرفة بالمرتفعة عند المذبح المعدة للولائم الخاصة بالذبائح، وجعلهما على رأس المدعوين وهم نحو ثلاثين رجلًا [22]، ثم أوصى الطباخ أن يقدم له الساق وما عليها [24]. على أي الأحوال من يترك الانشغال بالزمنيات يرتفع كما إلى الوليمة السماوية وينعم بالطعام السماوي وينال كرامة مضاعفة وشبعًا.
ج. تمتع شاول بحديث سري مع صموئيل عند طلوع الفجر على السطح [25-26]. هكذا إذ ننعم بالطعام السماوي ندخل إلى علاقة سرية مع مسيحنا، نلتقي به مبكرًا، حيث نوجد كما على السطح، مرتفعين نحو السماء لننظر أسراره الإلهية وننصت إلى كلماته الخاصة، محدثًا إيانا عن إقامتنا ملوكًا روحيين (رؤ 1: 6؛ 5: 10).

  رد مع اقتباس
قديم 16 - 07 - 2023, 04:53 PM   رقم المشاركة : ( 10 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,274,509

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem متواجد حالياً

افتراضي رد: تفسير سفر صموئيل الأول

تفسير سفر صموئيل الأول



مسح شاول ملكًا





مُسح شاول ملكًا، وقدمت له كل إمكانيات ليعيش في مخافة الرب قائدًا قويًا يتمم الإرادة الإلهية، دون أن يلتزم بالعمل حسب إرادة الله قسرًا.


1. مسحه ملكًا:

"فأخذ صموئيل قنينة الدهن وصبَّ على رأسه، وقبّله وقال: أليس الآن الرب قد مسحك على ميراثه رئيسًا؟!" [1].
تضايق صموئيل النبي عندما طلب الشعب إقامة ملك لهم كسائر الأمم، لكن إذ قبل الرب طلبتهم خضع، بل وبعدها صب الدهن على رأسه قائلًا: "أليس الآن الرب قد مسحك على ميراثه رئيسًا؟!". لقد قبّله برضى في اتضاع معلمًا إيانا روح الخضوع، وكما يقول القديس بطرس الرسول "فاخضعوا لكل ترتيب بشري من أجل الرب. إن كان للملك فكمن هو فوق الكل، أو للولاة فكمُرسلين منه للانتقام من فاعلي الشر وللمدح لفاعلي الخير" (1 بط 2: 13-14).
مسحه بقنينة الدهن، التي يمسح بها الكهنة والأنبياء والملوك، فيحسبون مسحاء الرب، بكونهم رمزًا للسيد المسيح، فهو وحده تجتمع فيه الثلاث وظائف معًا لأنه في العهد القديم كان الكهنة من سبط لاوي وحده والملوك من سبط يهوذا (داود ونسله)، فلا يتمتع أحد بالوظيفتين معًا.

ما أجمل عبارة صموئيل النبي للملك الممسوح حديثًا: "لأن الرب قد مسحك على ميراثه رئيسًا". فإنه ما ناله شاول هو عطية إلهية نالها كنعمة مجانية وليس على استحقاق أو برّ ذاتي. أقامه وكيلًا على شعبه الذي دعاه ميراثه. حقًا إن الأرض كلها للرب، لكن شعبه
هو ميراثه ونصيبه الذي يعتز به وينشغل به كما ينشغل الإنسان بميراثه الخاص.
2. صموئيل يُنبئه بما يتم معه:

إذ مُسح شاول بالدهن المقدس ملكًا أنبأه بما سيحدث معه:
1. يذهب إلى قبر راحيل في تخم بنيامين حيث يلتقي برجلين يخبرانه بأن الأتن قد وجدت وأن أباه مهتم بأمره هو والغلام [2]. كان له أن يفخر بهذا السبط، وإن كان قد صار أصغر الأسباط بسبب المذبحة التي وردت في (قض 20: 46). كان يليق به أن يدرك أن بنيامين الذي كان ابن حزن أمه راحيل قد صار ابنًا لليمين بالنسبة لأبيه يعقوب. وهو في هذا يشير إلى السيد المسيح الذي هو ابن حزن أمه -جماعة اليهود- التي رفضته، وقد جلس عن يمين الآب. بمعنى آخر يليق بشاول عند ذهابه إلى قبر راحيل أن يتشبه ببنيامين الذي تمتع بالجلوس عن يمين أبيه حتى وإن أحزن قلوب الكثيرين. لكن للأسف اهتم شاول أن يرضي الناس -أمه- لا الله، فصار من أبناء اليسار لا اليمين.
قبر راحيل، يبعد حوالي ميل شمال بيت لحم (تك 35: 16-20) وأربعة أميال من تخم بنيامين الجنوبي. أما صلصح المذكورة هنا [2] فهي غالبًا ما بين قبر راحيل وتخم بنيامين الجنوبي.

أعطاه النبي علامة أنه يجيد رجلين عند القبر يخبرانه بأن الأتن قد وُجدت وأن أباه يفتش عن ابنه، لماذا؟ تأكيد مقابلة رجلين ينزع عن شاول الفكر أن ما يحدث هو محض صدفه، إذ يليق به في بداية مسحه ملكًا أن يدرك يد الله الخفية العاملة حتى في الأمور البسيطة.
ب. يلتقي بثلاثة رجال في بلوطة تابور [3] صاعدين إلى الله إلى بيت إيل يحملون 3 جداء و3 أرغفة وزق خمر، يسلمون عليه دون أن يعرفوا أمر مسحه ملكًا ويقدمون له رغيفي خبز. ماذا يعني هذا؟ إنهم لا يقدمون له من الجداء لأنه ليس كاهنًا، بل يصعدون بالذبائح إلى بيت إيل إلى بيت الله خلال الكهنة، ولا يقدمون خمرًا لأنها تمثل نوعًا من الترف، إنما يقدمون له رغيفين أي الاحتياجات الضرورية له ولمن معه (هو والغلام). كأنه يليق به كملك ألا يتدخل في الأمور الكهنوتية، ولا يطلب الكماليات إنما يعيش بروح الكفاف ليأكل خبزًا هو ورجاله متفرغًا للعمل لحساب شعب الله.
ج. يذهب إلى جبعة الله، إلى أنصاب الفلسطينيين، حيث يلتقي هناك بزمرة الأنبياء، ويحل عليه روح الرب فيتنبأ معهم [5-6]. يعتبر صموئيل هو مؤسس مدرسة الأنبياء، التي منها نشأ نظام المجمع اليهودي Synagogue System ليمدهم بالتعليم الحاخامي وبقيادات للمجمع (راجع أع 3: 24؛ قارن 1 صم 10: 5 مع 19: 20) . يلتقي بالأنبياء نازلين من المرتفعة وأمامهم رباب ودف وناي وعود وهم يتنبأون، أي يسبحون الرب بفرح وتهليل [5].
يمكننا القول بأن شاول - كأول ملك لإسرائيل - تعلم بعد مسحه مباشرة المبادئ الأساسية التالية لينجح في حكمه:
أ. أن يموت عن الأمور الزهيدة (زيارته قبر راحيل) وعدم انشغاله بالأتن الضائعة.
ب. أن يصعد مع الرجال الثلاثة بقلبه إلى بيت الرب ينعم بالذبيحة (3 جداء) والطعام الروحي (الخبز) وحياة الفرح (زق الخمر).

ج. ألا يتعدى حدوده، فلا يمارس العمل الكهنوتي بتقديم ذبائح.
د. أن يكتفي بالضروريات له ولرجاله (أخذ رغيفين) ولا يطلب الكماليات (لم يأخذ خمرًا).
ه. أن يلتقي بزمرة الأنبياء يشاركهم فرحهم وعبادتهم ويقبل مشورتهم، فلا يمارس عملًا دون طلب صلواتهم عنه.
بعد أن قدم صموئيل هذه العلامات الثلاث التي حوت دستور الحياة الناجحة لملوك إسرائيل، قال له: "فيحل عليك روح الرب فتتنبأ معهم وتتحول إلى رجل أخر" [6]. هذه هي عطية الله العظمى، يهبنا روحه القدوس - واهب العطايا - يسكن فينا فنعبده (نتنبأ) وتتجدد طبيعتنا. من الذي يغير شاول من رجل فلاح وراعي غنم بسيط إلى ملك مقتدر يهتم بألوف شعب الله عوض الأتن والحقل إلا روح الله القدوس؟ هكذا بعمل الروح القدس تتجدد طبيعتنا في مياه المعمودية، ونتمتع بالتقديس المستمر حتى نحمل صورة مسيحنا ملك الملوك.
* الروح القدس هو قوة التقديس.
* دُعي روح القداسة لأنه يقدم القداسة للكل.
* كل صلاح بشري... يوهب خلال الروح القدس.
* من يقتني الطهارة فعلًا على مستوى بشري ويذهب ليغتسل في معمودية الله... يقدر الروح القدس أن يجعل منه مسكنًا له، وتكون قوته العلوية كثوب له.
العلامة أوريجانوس

* هذه هي نعمة الاستنارة (المعمودية) أن شخصياتنا لا تبقى كما كانت عليه قبل نوالنا الحميم.
* إذ نعتمد نستنير، وإذ نستنير نصير أبناء، وكأبناء نصير كاملين، وككاملين نضحى غير مائتين، كم قيل: "أنا قلت إنكم آلهة وبنو العلي كلكم" (مز 82 (81): 6).
القديس أكليمندس الإسكندري
3. أشاول أيضًا من الأنبياء؟‍!

إذ مُسح شاول تغير قلبه: "وكان عندما أدار كتفه لكي يذهب من عند صموئيل أن الله أعطاه قلبًا آخر" [9]. وإن كان قد فسد هذا القلب فيما بعد إذ اعتمد على الحكمة البشرية لا على العمل الإلهي.
تحققت كل كلمات صموئيل النبي، وإذ جاء شاول إلى جبعة حيث أنصاب الفلسطينيين -أي آثار أو أعمدة لهم [5]- التقى بزمرة الأنبياء وحل عليه روح الله فتنبأ في وسطهم [10]. لم يتوقع أهل جبعة العارفون شاول منذ ولادته حق المعرفة بأنه غير متديّن، الآن -دون سابق تعّلم في مدرسة الأنبياء- أن يجتمع بالأنبياء ويسبح معهم كواحد منهم، بروح لم يعتادوها فيه. لذلك قيل: "أشاول أيضًا بين الأنبياء؟!‍"، وصارت مثلًا يكني عن عمل الله الفائق في حياة المؤمنين.
إذ انتهى شاول من التنبوء جاء إلى المرتفعة [13] في جبعة ليسجد لله.
إذ نتقبل عمل روح الله القدوس فينا -الذي يُجدد على الدوام حياتنا- يلهب قلبنا للعبادة ويفتح ألسنتنا للتسبيح
لذا يقول العلامة أوريجانوس: [لا نستطيع أن نقيم صلاة ما لم يُلقِ الآب عليه ضوءًا، ويعلمها الابن، ويعمل الروح القدس في داخلنا].

4. لقاؤه مع عمه:

التقى شاول بعمه -ربما كان نَيْر (1 صم 14: 5)- في المرتفعة أو ربما في المنزل بعد عودة شاول. سأله عمه عن حديث صموئيل معه فأخبره بأن صموئيل أعلمه بوجود الأتن الضائعة، وأخفى عنه ما قاله بخصوص المملكة، ربما لأنه حسب ذلك حديثًا سريًا لا يجوز إعلانه قبل اختيار الشعب له وتجليسه ملكًا أمام الجميع.
5. إعلان ملكه في المصفاة:


"استدعى صموئيل الشعب إلى الرب" [17]، أي استدعى الذكور من سن عشرين فما فوق ليتمثلوا في حضرة الرب في المصفاة، حيث عاد فوبخهم على طلبهم ملك، لكنه غالبًا ما ألقى قرعة فأخذ سبط بنيامين، ثم ألقيت القرعة على العشائر، وأخيرًا على الأشخاص فأُخذ شاول بن قيس الذي كان مُختبئًا بين أمتعة القادمين من السفر.
لا نعرف لماذا اختبأ شاول، هل لشعوره بعدم الاستحقاق أم هربًا من المسئولية؟ أم لأنه خاف بسبب رفض الشعب لله وطلبهم ملكًا؟
أعلن الرب عن موضعه، وإذ جاءوا به إلى الشعب وجدوا فيه سؤل قلبهم -جماله وطول قامته- لذا هتفوا فرحين دون أن يقدموا الشكر لله.

احتقره بنو بليعال، وحسبوه عاجزًا عن أن يخلصهم، لذا لم يقدموا له هدية. ربما لأن سبطه أصغر الأسباط ولأن عشيرته هي الدنيا بين عشائر بنيامين... على أي الأحوال التزم شاول الصمت في حكمةٍ "فكان كأصم" [27]، بهذا حفظ الشعب من قيام ثورة داخلية بسببه بين الأسباط. لقد اعتبر صمته غلبة داخلية لحقها بعد شهر من الزمان نصرة خارجية حيث غلب ناحاش ورجال جيشه العمونيين.
الصمت المقترن بالحكمة يمثل نصرة داخلية للنفس، لذا كثيرًا ما أوصى به الآباء.
* إن كنت تحب الحق، أحبب الصمت. هذا يجعلك تنير في الرب مثل الشمس ويخلصك من خداع الجهل.
* الصمت يوحّدك مع الله نفسه.
مار إسحق السرياني



  رد مع اقتباس
إضافة رد


الانتقال السريع

قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً
الموضوع
تفسير الكتاب المقدس - العهد القديم - صموئيل ثاني 14 - تفسير سفر صموئيل الثاني
تفسير الكتاب المقدس - العهد القديم - صموئيل ثاني 12 - تفسير سفر صموئيل الثاني
تفسير الكتاب المقدس - العهد القديم - صموئيل ثاني 10 - تفسير سفر صموئيل الثاني
تفسير الكتاب المقدس - العهد القديم - صموئيل ثاني 4 - تفسير سفر صموئيل الثاني
تفسير الكتاب المقدس - العهد القديم - صموئيل ثاني 2 - تفسير سفر صموئيل الثاني


الساعة الآن 01:18 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024