رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
تملك مساكن ليست لها: كان الكلدانيّين يعتدون على أموال الغير ونفوسهم، حاسبين أن كل شيء هو لهم وحدهم، من حقّهم أن يغتصبوا ويملكوا بلا عائق، ماداموا أصحاب القوّة والسلطان. هكذا يسطو عدوّ الخير على البشريّة التي ليست من عمل يديه ولا هي ملكه، بل هي ملك ذاك الذي "كل شيء به كان وبغيره لم يكن شيء مما كان" (يو 1: 3). طبيعة عدوّ الخير السطو على ما لله ليقيم مسكنه ومملكته في القلب الذي أوجده له ليكون هيكلًا مقدسًا له. لقد عبّر إرميا النبي عن هذه السمة الشيطانيّة بالمثل القائل: "حجلة تحتضن ما لم تبض، مُحصّل الغنى بغير حق، في نصف أيّامه يتركه، وفي آخرته يكون أحمق" (إر 17: 11). ويفسر العلامة أوريجانوس هذا المثل قائلًا: [إن الحجلة وقد عرفت كطائر ماكر تدور حول قدميّ الصيّاد لينشغل بها حتى تطمئن أن صغارها قد هربوا، وعندئذ تطير فلا يأخذ الصيّاد الصغار ولا أمهم، بهذا تشبه الشيطان الذي يشغل ذهن الإنسان بالأرضيّات فلا ينال الأرضيّات ولا السماويات. هذا الحجلة غالبًا ما تحتضن بيضًا ليس لها، وعندما يفرخ البيض يبقى الصغار معها حتى تأتي الأم الأصليّة فتُعطي صوتًا يفهمه الصغار فيتركون الحجلة المخادعة ويرجعون إلى أمهم. إنها صورة حيّة لما حدث، إذ احتضن إبليس البشريّة كصغار له وأغواها بخداعاته، لكن في نصف أيّامه جاء السيّد المسيح يُعطي صوت محبّته معلنًا إيّاه عمليًا على الصليب، مجتذبًا البشريّة المخدوعة لترجع إلى خالقها الحقيقي، فخسر إبليس ما اقتناه بدون حق، أما في آخر الدهور فيكون أحمقًا إذ يهلك تمامًا في نيران جهنم. إذ كان إبليس كالكلدانيّين ملكوا مساكن ليست لهم أو كالحجلة التي احتضنت ما لم تبض فإنه يخسر كل شيء حتى نفسه خلال الصليب الذي ردّ المؤمنين إلى خالقهم ومخلّصهم والذي أدان إبليس وكل جنوده وقد رفعه من الوسط مسمّرًا إيّاه بالصليب، إذ جرّد الرياسات والسلاطين أشهرهم جهارًا ظافرًا بهم فيه" (كو 2: 15). |
|