رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
دانيال رجل الصلاة: إذ فتح دانيال الكتاب المقدس واكتشف كنوز المواعيد السمائية أدرك أن التمتع بهذه الكنوز يحتاج إلى الصلاة الممتزجة بالصوم مع الاتضاع والانسحاق. لقد كشف هذا السفر في أكثر من موضع عن شخصية دانيال كرجل صلاة. يُلاحظ في صلاته هنا الآتي: أ. الصلاة كلقاء حيّ مع الله: إذ يعلم أنه لم يكن هو أو شعبه مستعدًا روحيًا لتحقيق ما وعد به الله، التجأ إلى الله يعترف بخطاياه كما يعترف ببرّ الله [3-14]. بهذا يعترف دانيال أنه ينتظر العمل الإلهي ليس عن استحقاقٍ خاصٍ به أو بالشعب، أي ليس عن برٍّ بشري [18]. "فوجهت وجهي إلى الله السيِّد، طالبًا بالصلاة والتضرعات، بالصوم والمسح والرماد" [3]. الصلاة بالنسبة لدانيال ليست عملًا روتينيًا أو واجبًا يلتزم به، إنما هي تمتع برؤية وجه الله بعينيْ القلب، إذ يقول: "وجّهت وجهي إلى الله"، حتى يدخل معه في حوارٍ، بروح الحب والاتضاع. بهذا حقق ما قاله سليمان الحكيم يوم تدشين بيت الرب: "إذا أخطأوا إليك، لأنه ليس إنسان لا يخطئ، وغضبت عليهم ودفعتهم أمام العدو، وسباهم سابوهم إلى أرض العدو، بعيدة أو قريبة، فإذا ردوا إلى قلوبهم في الأرض التي يُسبون إليها، ورجعوا وتضرعوا إليك في أرض سبيهم، قائلين: قد أخطأنا وعوِّجنا وأذنبنا، ورجعوا إليك من كل قلوبهم، ومن كل أنفسهم في أرض أعدائهم الذين سبوهم، وصلُّوا إليك نحو أرضهم التي أعطيت لآبائهم، نحو المدينة التي اخترت، والبيت الذي بنيت لاسمك، فاسمع في السماء..." (1 مل 8: 46-48). ب. لم ينقص دانيال الإيمان أن الله يُحقق مواعيده: * سأل دانيال الله بمسحٍ ورمادٍ لكي يحقق وعده، ليس لأن دانيال كان ينقصه الإيمان بخصوص ما سيحدث في المستقبل، بل بالأحرى أراد أن يتجنب خطر الشعور بالأمان الذي يولد لامبالاة، واللآمبالاة تولد عصيانًا لله. القديس جيروم ج. الشعور بالعلاقة الشخصية مع الله:فيدعو: "الرب إلهي" [4، 20]. فإن كان يعترف بخطاياه هو وشعبه، لكنه يتقدم لله لا في رعبٍ، بل في ثقة ويقين بالله صديقه الشخصي والمنتسب إليه، واهب الوعود الصادقة. "وصليت إلى الرب إلهي واعترفت وقلت: أيُّها الرب الإله العظيم المهوب، حافظ العهد والرحمة لمحبيه وحافظي وصاياه" [4]. * "وصليت إليك... أيها الرب الإله القدير المهوب"، بمعنى: أنت مخوف للذين يستخفون بوصاياك. القديس جيروم د. الشعور بمشاركته شعبه خطاياه:فلا يلقي باللوم عليهم وحدهم، بل وعلى نفسه معهم.يُقدم لنا دانيال النبي مادة صلاته واعترافه، وهو يمزج بينهما، إذ يعترف في اتضاعٍ بعظمة الله المهوب ومراحمه كما يعترف بخطاياه هو وشعبه. يبدأ صلاته بالاعتراف بمجد الله وعنايته الفائقة بشعبه. لقد عرف دانيال أن الله يُتمم مواعيده لحافظي وصاياه. هذا ويربط الكتاب المقدس بين العهد الإلهي والمراحم الإلهية، إذ أقام العهد معتمدًا على مراحمه. عبر كل العصور يشعر المؤمن أن الله أمين في مواعيده وصادق ورحوم، إنما يليق بالمؤمن أن يعد نفسه للتمتع بالمواعيد الإلهية والمراحم. وذلك بإعلان إيمانه وثقته في الله مع توبته عن خطاياه. يقول الرسول: "أمين هو الله الذي به دُعيتم إلى شركة ابنه يسوع المسيح ربنا" (1 كو 1: 9)، "ولكن الله أمين الذي لا يدعكم تُجربون فوق ما تستطيعون" (1 كو 10: 13). "أمين هو الرب الذي سيثبتكم ويحفظكم من الشرير" (2 تس 3: 3). "أخطأنا وأثِمنا وعملنا الشرّ، وتمرَّدنا، وحِدنا عن وصاياك وعن أحكامك" [5]. إذ يستمر النبي في الاعتراف بخطاياه يُعلن أن ما حلّ به وبشعبه إنما بسبب خطاياهم، فالسبيّ هو تأديب عادل بسبب العصيان. ليس من حقهم التذمُّر على وحشية العدو الذي سباهم وما لحق بهم من أضرارٍ مادية وعارٍ وخزي. هذا وكثيرًا ما ينسب خطايا الشعب إليه، وكما يقول القديس جيروم: [كان يتطلع إلى خطايا الشعب كما لو كان قد ارتكبها هو شخصيًا على أساس أنه واحد منهم، كما نقرأ هكذا عن الرسول في الرسالة إلى أهل رومية]. إذ نقترب إلى الله بالصلاة مع الاعتراف لا نظن أننا ننال شيئًا بصلواتنا، لكننا كمجرمين في حقه نسترضيه بإيماننا بحبه ومراحمه وبره. استخدم دانيال النبي أكثر من تعبير في اعترافه بالخطايا، منها:
الذين باسمك كلموا ملوكنا ورؤساءنا وآباءنا وكل شعب الأرض" [6]. لم يُقدم النبي تبريرًا للخطأ، بل على العكس يبرر تأديب الله الذي حذرهم عن طريق أنبيائه. هذا وقد اشترك الكل في الخطأ، سواء على مستوى القيادات المدنية أو الدينية أو على المستوى الشعبي، فقد اندفع الكل نحو الشرّ بصورة جماعية. "لك يا سيِّد البرّ. أما لنا فخزْي الوجوه، كما هو اليوم. لرجال يهوذا ولسكان أورشليم ولكل إسرائيل، القريبين والبعيدين، في كل الأراضي التي طردتهم إليها من أجل خيانتهم التي خانوك إياَّها" [7]. إن كانوا قد سقطوا تحت الغضب الإلهي، ففي غضبه هو بار، أما هم فيليق بهم خزْي الوجوه، أي السقوط بوجوههم أمامه معترفين بخطأهم. وكما يقول الرسول: "ليكن الله صادقًا، وكل إنسانٍ كاذبًا، كما هو مكتوب لكي تتبرر في كلامك، وتغلب متى حوكمت" (رو 3: 4). لا نستطيع أن نمجد الله، خاصة ونحن ساقطون تحت التأديب ما لم نكتشف خطايانا ونعترف بها وندرك حكمته من تأديبنا. يقصد بالقريبين والبعيدين يهوذا وإسرائيل، حيث سُبي إسرائيل منذ زمن بعيد وتشتتوا أكثر من يهوذا.هؤلاء طردوا من أراضيهم بسبب الخيانة، لذا لاق بهم ألاَّ يرفعوا وجوههم، بل في خزي يعترفون للرب. "يا سيِّد لنا خزي الوجوه لملوكنا لرؤسائنا ولآبائنا، أخطأنا إليك. للرب إلهنا المراحم والمغفرة، لأننا تمردنا عليه" [8-9]. يعود فيُكمل النبي اعترافه أمام الله عن نفسه وعن الشعب بقياداته. حقًا لقد استحق الكل خاصة الملوك والعظماء والآباء خزْي الوجوه. وكما جاء في إشعياء: "كل الرأس مريض، وكل القلب سقيم. من أسفل القدم إلى الرأس، وليس فيه صحة، بل جُرح وإحباط وضربة طرية لم تُعصر ولم تُعصب ولم تُلين بالزيت" (إش 1: 6). وما سمعنا صوت الرب إلهنا لنسلك في شرائعه، التي جعلها أمامنا عن يد عبيده الأنبياء. وكل إسرائيل قد تعدى على شريعتك، وحادوا لئلاَّ يسمعوا صوتك، فسكبت علينا اللعنة والحلف المكتوب في شريعة موسى عبد الله، لأننا أخطأنا إليه" [10-11]. ارتكب إسرائيل خطأين خطيرين: أ. عدم الطاعة لشريعة الله التي أُعلنت لهم، والتي صارت بين أيديهم. ليس فيها شيء غامض أو موضع شكٍ، فقد أعلن الله عن برّه وإرادته ووصاياه بكل وضوح خلال شرائعه. هذا يجعل الشعب مستحقًا لعقوبة مضاعفة. ب. لم ينصتوا لصوت الأنبياء الذين حذروهم [6]. لم يحاول دانيال أن يبرر خطأ الشعب، بل أكد أمانة الله في مواعيده وعدم تقصيره من جهة شعبه. مرة أخرى يؤكد أن التعدي كان جماعيًّا. انسكبت اللعنة على الشعب بكل فئاته كفيضان لا يمكن الهروب منه. يستخدم هنا كلمة "سكبت tittach" وهي تستخدم في صهر المعادن وسكبها على أجسام المجرمين، هكذا كانت إحساسات المسبيِّين من جهة مرارة السبي والحرمان من بلادهم وهيكلهم وحريتهم. وهكذا كانت نفوسهم مُرّة من جهة تأديبات الله لهم. لكن الله سبق فحذرهم، باسطًا يديه إليهم منذ أجيال طويلة، بل منذ نشأة هذا الشعب في أيام موسى القائد الأول لهم. أنهم بلا عذر! هذا وقد حسب النبي كل خطية مهما كان دافعها موجهة ضد الله نفسه [11]. يعلق القديس جيروم على هذه العبارة قائلًا: ["وسكبت علينا (اللعنة) قطرة قطرة" (11 LXX)، بمعنى لا تسكب علينا كل غضبك، لأننا لا نقدر أن نحتمله، بل تسكب مجرد قطرة من غضبك لكي نعود إليك عندما نسقط في شبكتك]. "وقد أقام كلماته التي تكلم بها علينا، وعلى قضاتنا الذين قضوا لنا، ليجلب علينا شرًا عظيمًا، ما لم يُجْرَ تحت السموات كلها كما أُجْرِيَ على أورشليم" [12]. كأن ما حلّ بالشعب من تأديبات إنما هو تثبيت لما سبق أن أنبأ به على لسان موسى النبي منذ زمن بعيد. لقد سبق فحذر ليس فقط عامة الشعب، ولكن حتى الذين وهبهم حق القضاء؛ فإنه ليس أحد فوق القانون الإلهي. ليس لجسدٍ أن يفتخر أمام الله، ولا يعفيه مركزه المدني أو الديني من التأديب الإلهي. لقد نال القادة سلطانًا من الله، لكن في حدود ناموسه وإرادته. السلطان الممنوح من الله لا يتستر على خطاياهم، ولا يحميهم من التأديب. لقد امتدت فترة السبي إلى سبعين عامًا، لكن لم يتحرك الشعب بالتوبة، ولا رجعوا عن آثامهم وقبلوا الحق الإلهي. لقد اختار الرب أورشليم مدينة مقدسة له، لكنها إذ أخطأت وعصت وأصرت على عدم التوبة، صار تأديبها عظيمًا، لم يُسمع عنه من قبل في كل المسكونة [12]. "كما كُتب في شريعة موسى قد جاء علينا كل هذا الشرّ، ولم نتضرع إلى وجه الرب إلهنا، لنرجع من آثامنا، ونفطن بحقِّك" [13]. يعترف دانيال النبي أن تأديب الرب حلّ بهم، ومع هذا لم ينتفعوا من هذا التأديب، للأسباب التالية: أ. لم يتضرعوا إلى وجه الرب. حقًا لقد مارسوا صلوات كثيرة، سواء الذين بقوا في مدن إسرائيل ويهوذا أو الذين سُبوا؛ مارس الكهنة والقادة والشعب صلوات جماعية وفردية وعائلية، لكنها في عينيْ الله لا تُحسب تضرعًا إلى وجه الرب. مارسوا الشكليات الظاهرة في رياء، أما قلوبهم فلم ترتفع نحو السماء، ولا دخلت في حوارٍ حيٍّ مع الله. لم تصدر صلواتهم عن إيمانٍ حيٍّ، ولا عن حياة توبة صادقة. ب. لم يرجعوا عن آثامهم؛ الأمر الذي حرمهم من اللقاء مع القدوس، وحجب صلواتهم عنه. ج. لم يفطنوا بحق الله، إذ سلكوا بحكمة بشرية زمنية، واستهانوا بالحكمة الإلهية. لم تدفعهم سياط التأديب إلى الحكمة، بل بقوا في غباوتهم. بقوله: "لنرجع من آثامنا، ونفطن بحقِّك" [13]. يربط بين الحياة المقدسة والإيمان المستقيم أو الحق الإلهي؛ كما يربط بين السلوك الشرير والانحراف عن الحق. يقول القديس جيروم: [لتحسب حق الله معادلًا للرجوع عن الشر ]. يربط النبي الصلاة أو التضرع إلى وجه الرب بالرجوع عن الإثم مع التمتع بالحكمة الإلهية النابعة عن الحق الإلهي. "فسهر الرب على الشرّ وجلبه علينا، لأن الرب إلهنا بار في كل أعماله التي عملها، إذ لم نسمع صوته" [14]. "سهر" seked الرب؛ يُستخدم هذا الفعل ليعني يقظة الذهن والاهتمام بكل شيء، لهذا يُستخدم بالنسبة للحراس الذين يسهرون ليل نهار في يقظة لحراسة المدن. يُستخدم هنا ليُعلن أن ما حدث من كوارث لم يأتِ مصادفة، لكن الله الحارس للنفس والمهتم بخلاصها يسمح بحكمته أن تحل الضيقة أو ما نظنه شرًا. لقد أطال أناته إلى أجيال طويلة، وفي الوقت المناسب سمح بالسبي لبنيان شعبه بالتأديب، حتى وإن بدى قاسيًا. * كلما نُوبخ على خطايانا، يسهر الله علينا، ويفتقدنا بالتأديب. لكن عندما يتركنا الله وحدنا ولا نعاني من التأديب نكون غير أهلٍ لتوبيخ الرب، لهذا قيل أنه ينام. حسنًا نقرأ في المزامير: "يقوم الرب كمن هو نائم، كالثامل من الخمر" (مز 78). القديس جيروم أكد دانيال في كل السفر خطورة الاعتقاد بأن ما يحلّ بنا من ضيق جاء عارضًا نتيجة أحداث جُزافية. فإنه لا يوجد ما يُدعى بالحظ، إنما تسير كل الأمور خلال يدّ الله ضابط الكل، وإلاَّ نكون قد سلبنا الله عنايته الفائقة بخليقته، وأسأنا إلى قدرته وعدله.إنه في وسط ضيقتنا يود تأكيد أنه "الرب إلهنا"، المهتم بنا، يليق بنا أن نسمع صوته؛ أي نفهم خطته، وننصت إلى تعاليمه، ليس فقط خلال الوصايا، بل وخلال التأديب والألم! أنه يدخل بنا إلى مدرسة التأديب ويكشف لنا عن فلسفة الألم! "والآن أيها السيِّد إلهنا، الذي أخرَجْت شعبك من أرض مصر بيدٍ قوية، وجعلت لنفسك اسمًا كما هو هذا اليوم، قد أخطأنا، عملنا شرًا [15]. إذ اعترف دانيال النبي عن خطاياه وخطايا شعبه، كما اعترف أنه بعدلٍ سقطوا تحت التأديب، يعلن عن ثقته في الله مخلص شعبه، إذ حمل خبرة الخلاص حين أخرج الشعب من أرض مصر بيدٍ قوية، الآن يستطيع أن يخرج بهم من بابل، لكي يتمجد اسمه القدوس. آمن دانيال النبي أن الله الذي عمل في القديم لا يزال يعمل الآن. "يا سيِّد حسب كل رحمتك، اصرف سُخطك وغضبك عن مدينتك أورشليم جبل قُدسك، إذ لخطايانا ولآثام آبائنا صارت أورشليم وشعبك عارًا عند جميع الذي حولنا" [16]. إن كانت خطايانا عظيمة وشرورنا كثيرة ونستحق الموت مئات المرات، لكن مراحمك أيضًا غير محصاة، لذا نطلب "كل" رحمتك. إذ ندخل بجرأة أمام عرش رحمتك، تصرف غضبك عن مدينتك التي نعتز بها، وعن جبل قدسك الذي اخترته لنتقدس نحن فيه، إذ عليه نُقدم لك الذبائح المرضية أمامك. فاسمع الآن يا إلهنا صلاة عبدك وتضرعاته، وأضيء بوجهك على مقْدِسك الخرب من أجل السيِّد" [17]. كأنه يقول له: قدم لنا الدليل على مصالحتك لنا بإشراق نور وجهك علينا، فنضيء بك.لم يطلب من الله أن يسمح لهم ببناء الهيكل الذي خُرب، وإنما أن يشرق بنوره على الهيكل، فإنه ليس بالحجارة يُبنى بيت الرب، بل بسكناه فيه ورضاه على شعبه. يختم الصلاة بطلب تدخل الله السريع ليس عن شعور بالاستحقاق وإنما من أجل نعمة الله. لم يطلب من الله الرحمة من أجل ذاته، ولا من أجل إسرائيل، وإنما من أجل الله نفسه، لكي يتمجد اسمه، إذ يرى الأمم عجائبه معهم. لم يجد دانيال ما يُقدمه لله ليبرر التمتع بمراحمه، إنما يجد في الله المحب إمكانية العطاء بسخاء. "كل رحمة الله" [16]... فمراحم الله عظيمة [18]، ومتسعة وتغفر كل خطايانا وعصياننا. · "من أجل مدينة الله جبل قدسه" [16]، فقد صارت في عاٍر بسبب خطايانا، لكنها هي مدينة الله وجبل قدسه. هنا تظهر إحساسات الرسول بالحرمان الشديد والمرارة، لأن مدينة الله والهيكل المقدس يحتلان قلبه، وقد حُرم منهما. · "من أجل السيِّد" [17]،أي من أجل الله نفسه. · "من أجل اسمه" الذي دعيَ على الشعب وعلى المدينة. "أمل أُذنك يا إلهي، واسمع، افتح عينيك وانظر خُربنا والمدينة التي دُعي اسمك عليها، لأنه لا لأجل برنا نطرح تضرعاتنا أمام وجهك، بل لأجل مراحمك العظيمة. يا سيِّد اسمع، يا سيِّد اغفر، يا سيِّد اِصغ واِصنع. لا تُؤَخِّر من أجل نفسك يا إلهي، لأن اسمك دُعيَ على مدينتك وعلى شعبك" [18-19]. لا يطلب من الله أن يستمع إليه وينظر إلى الخراب الذي حلّ بالمدينة، إنما يطلب أن يميل الله بأذنه إليه، وأن يفتح عينيه ليرى. فإننا إذ نخطئ نشعر كأن الله يتجاهلنا تمامًا، يبتعد بأذنيه كي لا يسمع، ويغمض عينيه لكي لا يرى. بقوله هذا كأنه يقول: "نُريدك قبل أن تسمع وترى أن تلتصق بنا. نراك تميل بأذنيك كأبٍ ينحني نحو طفله، ويفتح عينيه بالحب فتستريح نفوسنا. نُريدك أنت! لتقترب إلينا، فإننا في حاجة إليك". ويقول القديس جيروم: [عندما يحول وجهه نظهر غير أهلٍ لاهتمام عينيه أو أذنيه]. شعر الشعب طوال فترة السبي كأن الله قد تركهم، ولم يعد يسمع لهم ولا يصغي ولا يعمل لحسابهم، الآن يطلب دانيال باسم الشعب أن يغفر دون تأجيل، فإنهم يطلبون التمتع بصلاحه ومراحمه. هكذا قدم دانيال لله مبررات لكي يرحم شعبه، متشبهًا بموسى الذي كان يشفع في الشعب. لم يبرر دانيال نفسه، لكنه شعر بالمسئولية كعضوٍ في هذه الجماعة، وأن له دوره الإيجابي الذي يلتزم به. حقًا لم يذكر الكتاب شيئًا عن خطايا شخصية ارتكبها دانيال، لكن هذا لا يمنعه من التوبة مع الشعب بشكل جماعي، إذ يقول: "اعترف بخطيتي وخطية شعبي" [20]. إذ كان دانيال النبي رجل صلاة تمتع بالبركات التالية: أ. ظهور ابن الإنسان له أكثر من مرة (دا 7: 13؛ 8: 15؛ 10: 5-9). هكذا تمتع دانيال بذاك الذي هو مشتهى الأمم. ب. انفراد دانيال برؤى سماوية فائقة، إذ يقول: "فرأيت أنا دانيال الرؤيا وحدي، والرجال الذين كانوا معي لم يروا الرؤيا، لكن وقع عليهم ارتعاد عظيم، فهربوا ليختبئوا، فبقيت وحدي ورأيت هذه الرؤيا العظيمة" (دا 10: 7-8). ج. تمتع بصحبة رئيس الملائكة جبرائيل الذي سأله ابن الإنسان أن يُفسر له الرؤى ويُفهمه أسرار مجيئه الأول والأخير وعمله الخلاصي (دا 8: 16؛ 9: 21؛ 11: 1)، كما كان يقوِّيه (دا 10: 19). د. دُعي بالرجل المحبوب جدًا من الله (دا 9: 23؛ 10: 19). المعنى الحرفي "الرجل الذي يشتهيه الله ويسرّ به". |
|