لا نُحِبَّ بِالْكَلاَمِ وَلاَ بِاللِّسَانِ (قصّة روحيّة حياتيّة)

[souad jaalouk]

لاَ نُحِبَّ بِالْكَلاَمِ وَلاَ بِاللِّسَانِ، بَلْ بِالْعَمَلِ وَالْحَقِّ. (١يو ٣: ١٨)

قصّة روحيّة حياتيّة




في قريةٍ قريبة مِنْ بلدةِ نورمبرج الأوروبية (Nürnberg)،
في القرن الخامس عشر، عاشت عائلة مكونة مِنْ أبٍ
وأمٍّ وثمانية عشر طفلًا.
لذلك كانت ظروفهم المادية في غاية الصعوبة.
ولكن ذلك لم يمنع الأخوين الأكبرين من حلم كان يراودهما.
فالإثنان موهوبان بالرسم، ولذا حَلِمَا بالإنضمام إلى أكاديمية الفنون
وكان ذلك حلمًا لأنهما عَلِمَا أنَّ والِدَهُما لن يستطيع
أن يتكفّل باحتياجاتهما الماديّة وقت الدراسة
. أخيرًا تَوَصَّلا إلى حلّ بعد منافشاتٍ طويلة
إمتدت لساعات الفجر المبكرة ولأيامٍ عَديدَةٍ...
وهو أنْ يُجْرِيا قُرْعَة.

الخاسر يذهبُ للعملِ في المناجمِ ويتكفَّلُ بمصاريفِ أخيهِ
الفائزِ لِمُدَّةِ أربع سنوات هي فترة الدراسة في الأكاديمية.
وبعدها يذهب الآخر ليدرس ويتكفّل به أخوه ببيع الأعمال الفنيّة
أو بالعمل في المناجم لو اقتضت الضرورة. بعد القدَّاس يوم الأحد،
أُجْرِيَتْ القُرْعَةِ، فازَ بها الأخ الأكبر ألبرت دورير (Albrecht Dürer)، وذهبَ إلى الأكاديمية، أمَّا أخوه فذهب إلى المناجِمِ ليعمل فيها أربع سنوات. منذ البداية كان واضحًا أنَّ ألبرت
سيكون له شأن عظيم في عالم الفن، وعندما حان وقت تخرّجه، كانت لوحاته وتماثيله تدرُّ عليه دخلًا وفيرًا .

عادَ ألبرت إلى قريته بعد غياب أربع سنوات
وسط إحتفالٍ هائل، وصنعَ لأهلهِ وليمةً كبيرة.
وعندما انتهوا من الطعام وقف ألبرت وقال: يا أخي الحبيب،
الرَّبُّ يبارككَ عن تعبِ مَحَبَّتِكَ لي
. فلولاك لما استطعت أبدًا أنْ أدْرُسَ في الأكاديمية.
الآن حان دورك بالذهاب، وانا سأَتَكَفَّلُ بمصاريفك،
فلديَّ دخلٌ كبير من بيع اللوحات، اتَّجَهَت الأنظارُ صَوْبَ الأخ مُنْتَظِرَة ما سيقوله. أمّا هو فهزَّ برأسه ببطء وقال: لا يا أخي
، أنا لا أقْدِر على الذهاب الآن.

انْظُر إلى يَدَيَّ وما فَعَلَتهُ بهما السنوات الأربعةُ من العملِ في المناجِم.
لقد تكسَّرَ كثيرٌ من عظامها الصغيرة. لا يا أخي،
فإني لا أقدر على الإمساك بريشةٍ صغيرة والتحكّم بالخطوط الدقيقة
. وذاتَ يومٍ مَرَّ ألبرت على حُجْرَةِ أخيه، فوجده راكِعًا يُصَلِّي ويَداهُ مَضْمُومَتانِ،
فاسْتَوْقَفَهُ المَنْظَرَ وشعرَ بِرَهْبَةٍ شديدة.
وهنا أخذَ أدواته ورسمَ تلك اليدين،
كتكريمٍ للمحبّةِ الباذِلَةِ التي لا تُفَكِّر في نفسها
. أطلقَ على اللوحة اسم اليَدَيْن، وأمَّا العالم فأذهلهُ الرَّسم وأعادَ تَسْمِيَتَ اللوحة "باليَدَيْنِ المُصَلِّيَتَيْن". لقد مرَّت على هذه الأحداث أعوامٌ عِدَّةٌ.

وأعمالُ هذا الفّنان مُنْتَِرَة في مَتاحِفٍ كثيرة، ولكن مُعْظَمُنا لا يعرف مِنْ أعمالِهِ سوى هذه اللوحة الرائعة.

هكذا علينا أيضًا أنْ نَتَذَكَّرَ كلِّ يَدٍ قَدَّمَت لنا خِدْمَة،
كُلِّ يدٍ ضَحَّت مِنْ أجلِ راحَتِنا، كُلُّ يَدٍ بَذَلَت نَفْسِها مِنْ أَجْلِنا،
وفوق الكُلِّ، أنْ نتذكرَ يَدَيّ الرَّبّ يسوع المَثْقُوبَتَيْن مِنْ أَجْلِنا.

اليَدَيْنِ المُصَلِّيَتَيْن بالقلم الجاف والحبر بريشة ألبرت دورير (Albrecht Dürer) سنة ١٥٠٨. متحف ألبرتينا في فيينا ، النمسا.

[walaa farouk]

قصة جميله
ربنا يبارك حياتك

[Mary Naeem]

مشاركة جميلة جدا
ربنا يبارك حياتك