رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
وليمة بيلشاصر: " بيلشاصر الملك صنع وليمة عظيمة لعظمائه الألف وشرب خمرًا قدام الألف" [1]. يترجم البعض "شاصر" بمعنى "النار"، أما كلمة "بيلشاصر (Bel-shar-usur)Bel-Sharra-Utsur" فتعني "بيل يحمي الملك". كانت الولائم العظيمة من سمات الأزمنة القديمة. ومن الواضح أن كلمة "الألف" تعني الضخامة، وهي تمثل رقمًا تقريبيًا. وقد جرت العادة في الولائم الشرقية أن يجلس الملك أو رئيس المتكأ على منصة مرتفعة، فيراه كل الحاضرين. لذا جاء التعبير: "شرب خمرًا قدام الألف" يكشف عن دقة الحديث والوصف. "وإذ كان بيلشاصر يذوق الخمر، أمر بإحضار آنية الذهب والفضة التي أخرجها نبوخذنصَّر أبوه من الهيكل الذي في أورشليم، ليشرب بها الملك وعظماؤه وزوجاته وسراريه. حينئذ أحضروا آنية الذهب التي أخرجت من هيكل بيت الله الذي في أورشليم، وشرب بها الملك وعظماؤه وزوجاته وسراريه [2-3]. كلمة "أب" تحمل معانٍ كثيرة، هنا تعني جده أو أحد أسلافه. بينما كانت الدولة البابلية في خطر من فارس حيث كان كورش محاصرًا المدينة، كان بيلشاصر منشغلًا بإقامة وليمة تضم ألفًا من العظماء القادمين من كل موضع، مع نسائه وسراريه. كان يظن أنه من المستحيل لكورش أو غيره أن يقتحم أسوار المدينة الضخمة، فتركه يُحاصرها في استخفافٍ به وبجيشه. كانت أسوار بابل كما جاء في هيرودوت Herodotus لا يقل عرضها عن 87 قدمًا وارتفاعها عن 350 قدمًا، مع وجود 250 برجًا تعلو 100 قدمًا أخرى في الهواء. لذلك ظن بيلشاصر أنه لا يمكن غزو بابل. الجهد الذي بذله بيلشاصر في إقامة الوليمة والإمكانيات التي قُدمت لا يمكن تقديرها. هذا مع تحدِّيه لله، فعوض الصوم في وقت الحصار، والصراخ لله لكي ينقذه وينقذ مدينته، إذا به يُقيم وليمة، ويستخدم الأواني المقدسة للشرب، في جوٍ من الفساد والإباحية، يكشف عن إصرار الملك على الحياة غير اللائقة. لقد عرف كورش عن الوليمة لضخامتها ولدعوة الكثيرين بالاشتراك فيها، فأدرك أن الملك ورجاله غارقون في الخمر، لا يبالون بشئون بلدهم، ووجدها فرصة ذهبية لاقتحام المدينة. بينما كان بيلشاصر يفتتح الوليمة كان جيش كورش على أبواب بابل. يروي لنا المؤرخ الوثني زينوفون Xenophon أن قائدي بيلشاصر جبرايس Godatas, Gobryas المنشقين خاناه. فقد خصى أحدهما للتشهير به، وقتل ابن الثاني في أثناء حياة أبيه، لا لشيء إلاَّ لأنه كان يصطاد معه فضرب سهمه قبله، فأراد الانتقام منه. لقد حوَّل كورش مجاري كثيرة لنهر الفرات واقتحم المدينة فجأة. لم يكن إحضار الآنية للتمتع بلذة الشرب، وإنما لإهانة الله وتدنيس الآنية المكرسة لخدمة هيكله وللتشهير. إمعانًا في الإهانة مجدوا الأوثان أثناء الشرب بها. يرى القديس يوحنا كاسيان في مقدمة كتابه "المعاهد"، في هذه الوليمة تحذيرًا للمؤمنين من الانشغال بالأواني المقدسة الذهبية أو الفضية التي يمكن للملوك الأشرار أن يسلبوها، بل يلزمهم الاهتمام بالأواني الروحية، أي نفوس المؤمنين المقدسة التي لا يمكن اغتصابها. * حينما تضع في خطتك أن تبني هيكلًا لله حقيقيًا ومعتدلًا، لا بحجارة جامدة، بل بمجمع القديسين، ليس بمبني مؤقت ينحل، بل بمبنى أبدي لا يهتز، وتريد أيضًا أن تقدس للرب أكثر الأواني قيمة، ليس من معادن صماء، من ذهب وفضة، هذه التي يمكن لملك بابل أن يأخذها فيما بعد ويكرسها لملذات سراريه وعظمائه، إنما يُشكِّل نفوسًا مقدسة تشرق باستقامة الطهارة والبرّ والنقاوة، وتحمل المسيح ساكنًا فيها كملك. حيث أنك مشتاق أن تؤسس في مقاطعة (نفسك الداخلية) معاهد الشرق، خاصة مصر، تقوم فيك دون وجود أديرة مع أنك أنت كامل في كل الفضائل والمعرفة ومملوءة بكل غنى روحي. القديس يوحنا كاسيان وجد النقاد فرصتهم لمهاجمة السفر خلال هذا الأصحاح، فقد سبق أن قرر المؤرخان لبابل الوثنيان بيروسوس Berosus وأبيدنس Abydenus بأن نابونيدس Nabonidus هو آخر ملوك بابل، وأنه كان له مركزه المكرم حتى بعد استيلاء الفارسيين على بابل. بينما جاء في هذا الأصحاح أن بيلشاصر هو آخر ملوك بابل، وأنه لاقى الموت مقتولًا.أكد علم الآثار أن كلًا ما ذكره المؤرخان وأيضًا دانيال حقيقي. فقد جاء في النقوش الآشورية التي وجدها Sir Herbert Rawlinson عام 1854م أن بيلشاصر كان ابن الملك نابونيدس، وأنه شاركه في الحكم كما سبق فرأينا في مقدمة السفر (دانيال وعلم الآثار) هذا يتفق مع القول بأن دانيال كان الثالث في المملكة. في الحفريات بأور Ur وُجد نقش لنابونيدس يحوي صلاة عن نفسه ثم عن ابنه البكر Bel- Shar- Usur. مثل هذه الصلاة لم تكن تقدم إلاَّ للذين تولوا الحكم. كما وُجدت مستندات "إسفينية مسمارية"، وهي حروف اُستخدمت في بابل، تُسجل كيف قدم بيلشاصر خرافًا وعجولًا في هياكل سيبار Sippar كذبائح عن الملك . في وقت قريب حدثت فياضانات غزيرة على حي في بابل القديمة يُدعى هيلا Hillah، فظهرت أواني فخارية ضخمة مملوءة بألواح تمثل إيصالات وعقود لمؤسسة خاصة بالبنوك في بابل، يظهر منها أن بيلشاصر كان له بيت وسكرتاريون وحراس. بيلشاصر هذا ربما هو نفس بلطشاصر المذكور في السجلات البابلية والذي قام بمهمة النائب الأول للملك. وقد أصبح ملكًا بالنيابة عن أبيه وفقًا للسجلات البابلية سنة 553 ق.م. واستمر في هذا المركز إلى سنة 539 ق.م. ومع أن نابونيدس كان متغيبًا طوال الوقت في تيماء بشمال شبه الجزيرة العربية إلاَّ أنه لم يترك الملك إلى أن فتح كورش بابل . أما لماذا تُرك بيلشاصر ملكًا في بابل؟ فذلك يرجع لشخصية والده نبونيدس الذي كان رجلًا له اهتمامات دينية وثقافية، كما كان عالمًا للآثار، فكان يبحث في نقوش الملوك القدماء وأساسات وأحجار المباني العامة، ويبحث عن الوثائق التي تكشف الماضي. وكانت اهتماماته الدينية قوية جدًا، وكانت ابنته مكرسة لإله القمر، ويبدو أن أمه كانت كاهنة معبد "سين Sun" إله القمر. وهذا ما شغله عن أمور الحكم، ومن الواضح لنا، مما كشفه علم الآشوريات، أنه قضى معظم أيام حكمه ليس في بابل ولكن في تيماء، ومن ثم فقد ترك ابنه بيلشاصر لحكم بابل، بنفس الطريقة التي كان بها نبوخذنصَّر مع والده نبوبلاسر. هذه الحقائق قدمها لنا رايموند دورتى Raymond P. Dougherty أستاذ علم الآشوريات [New Haven, Yale 1929]. "كانوا يشربون الخمر ويسبحون آلهة الذهب والفضة والنحاس والحديد والخشب والحجر" [4]. إذ دنسوا الأواني المقدسة، سبحوا الآلهة الوثنية بكونها واهبة النصرة على الإله الحقيقي، وكما جاء في سفر حبقوق: "لذلك تذبح لشبكتها وتبخر لمصيدتها، لأنه بهما سمن نصيبها وطعامها مُسمن" (حب 1: 16). لقد أكلوا وشربوا فشبعوا وسمنوا، وسخَروا بالله واهب العطايا. لقد أحضر الملك الأواني المقدسة عمدًا قبل الشرب، وأشعل السكر بالأكثر مشاعره الفاسدة، ودفعه إلى التمادي في السخرية. هذا ولم يخطئ الملك وحده بل دفع عظماءه ونساءه وسراريه للاشتراك معه، فتحولت الوليمة إلى مجلس مستهزئين. * يا لعظم غباوتهم! إذ كانوا يشربون في أوانٍ ذهبية سبحوا آلهة من خشبٍ وحجارة . القديس جيروم يرى القديس جيروم أن آلهة الذهب تُشير إلى الذين يُهاجمون الحق مستخدمين براهين عقلية تبدو مقبولة، وآلهة الفضة تُشير إلى الذين يستخدمون البلاغة والخطابة لنفس الهدف، وأما آلهة النحاس والحديد فتُشير إلى من يستخدم الأشعار بما تحمله من خزعبلات واهية بعضها لها تذوقها الصالح والأخرى تحمل غباوة. آلهة الخشب والحجارة تُشير إلى من يقدم سخافات واضحة . |
|