رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
لقاء مع الملك: "حينئذ دخل أريوخ بدانيال إلى قُدام الملك مُسرعًا. وقال له هكذا: قد وجدت رجلًا من بني سبيّ يهوذا الذي يُعرف الملك بالتعبير" [25]. قدم أريوخ دانيال للملك كمن صنع خيرًا للملك يستحق المكافأة، إذ يقول له: "قد وجدت رجلًا..."، بينما لم ينسب دانيال لنفسه شيئًا، بل أعطى كل المجد لله. لقد سبق أن دخل دانيال إلى الملك وطلب منه مُهلة ليُقدم له السرّ، فلماذا يقدمه أريوخ كما لو كان الملك على غير علمٍ بأمر دانيال؟ ربما لأن الملك قد أعطى دانيال مُهلة يومٍ واحدٍ، لكنه في حديثه الودي مع أريوخ أظهر يأسه من أن دانيال أو غيره من الحكماء يمكن معرفة السرّ، حاسبًا أن مُهلة اليوم التي قدمها لدانيال إنما هي لتبرير عدالته في قتل كل الحكماء بما فيهم دانيال. أجاب الملك وقال لدانيال الذي اسمه بلطشاصَّر: هل تستطيع أنت على أن تُعرِّفني بالحلم الذي رأيت وبتعبيره؟" [26]. واضح من هذا التساؤل يأس الملك من وجود إنسان قادرٍ على اكتشاف الحلم ومعرفة تفسيره. تحدث الملك مع دانيال مؤكدًا استحالة تحقيق الأمر، هذا مجَّد الله بالأكثر، وأظهر عمله الفائق مع دانيال. أجاب دانيال قُدام الملك وقال: السرّ الذي طلبه الملك لا تقدر الحكماء ولا السحرة ولا المجوس ولا المنجِّمون على أن يُبيِّنوه للملك. لكن يُوجد إله في السموات كاشف الأسرار وقد عرف الملك نبوخذنصَّر ما يكون في الأيام الأخيرة. حلمك ورؤيا رأسك على فراشك هو هذا" [27-28]. في بدء حديثه مع الملك أوضح أن الحلم نبوي، مؤكدًا فكرة الملك بأن الحلم ليس حلمًا عاديًا بالمرة. مادام الحلم ليس طبيعيًا ولا بشريًا لهذا لا يقدر إنسان ما أن يُظهره أو يُفسره، إنما الله الذي أعطى الملك الحلم بروحه يكشف سرًّه. لقد وهبه الله إعلانًا عما يكون في الأيام الأخيرة، حيث يسقط كل ملكٍ ليقوم آخر بدلًا منه، حتى يأتي ملك الملوك ويُقيم ملكوته الروحي في القلوب. "أنت يا أيها الملك أفكارك على فراشك صعدت إلى ما يكون من بعد هذا، وكاشف الأسرار يُعرِّفك بما يكون" [29]. أثارَ دانيال مشاعر الملك بالأكثر حين أخبره أن حلمه ليس حلمًا طبيعيًا إنما هو صعود لأفكاره وارتفاع لها لتنعم بحضرة الله كاشف الأسرار، الذي حباه بهذا الحلم. "أما أنا فلم يكُشف ليّ هذا السرّ لحكمة فيَّ أكثر من كل الأحياء. ولكن لكي يعرِّف الملك بالتعبير ولكي تعلم أفكار قلبك"[30]. الله بحكمته رفع أفكار الملك ليتمتع بسرّ خاص بالأيام الأخيرة، لكنه لم يستطع أن يفهم الحلم؛ أما دانيال فلم ينل الحلم بل نال معرفة حلم الملك ومعرفة تفسيره. لم ينسب دانيال لنفسه الحكمة ولا المعرفة أكثر من غيره من بني البشر، إنما يُقدم المجد لله الذي يكشف له السرّ لئلا يثور الملك ويخطئ في حق الله الذي أعطاه الحلم ثم نزع عنه تذكره كما لم يُقدم له التفسير، قال دانيال: الله الذي وهبك الحلم وهبك إيَّاي مفسرًا للحلم. وكأن كل ما يحدث إنما بخطة إلهية مُحكمة. ربما يسأل أحد: هل يحدثنا الله الآن بالأحلام؟ أنه قادر أن يفعل ذلك، لكنه يعطينا ما هو أعظم، إذ يقول بولس: "كلمنا في هذه الأيام الأخيرة في ابنه" (عب 1: 2). |
|