|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ يُنْطَقُ عَلَيْكُمْ بِهَجْوٍ وَيُرْثَى بِمَرْثَاةٍ وَيُقَالُ: خَرِبْنَا خَرَابًا. بَدَلَ نَصِيبِ شَعْبِي. كَيْفَ يَنْزِعُهُ عَنِّي؟ يَقْسِمُ لِلْمُرْتَدِّ حُقُولَنَا. [4] إذ يَسلبون ممتلكات الغير يفقدون حتى ممتلكاتهم، فيتسلم العدو الحقول، ويستولي على أراضيهم ومحاصيلهم، فيفقدون الرخاء، كما يفقدون أراضي ميراثهم. إنها تُنزع عنهم نزعًا في غير توقعٍ، فيذهلون بسبب عنصر المفاجأة والعنف. إذ يأتي يوم التأديب القاسي تتحول أفراحهم إلى مراثٍ، وضحكهم إلى صراخٍ، ويصيرون مثلًا لدى أصدقائهم وجيرانهم. * هكذا تتزعزع هذه النفس الشقية (بالطمع)، ويلتف حولها تنين الطمع، فلا تستطيع فكاكًا، بينما تحاول جاهدة لمضاعفة كومة المال التي أحرزتها بطرق غير مشروعة واهتمام ممقوت، تصحبه كوارث لا تخفف من حدة طمع هذه النفس بل تزيده اشتعالًا، ويعميها عن كل شيء سوى الجري وراء الكسب والحصول على المال... والتجرد من الإيمان، كلما وجد بصيصًا من الأمل في إحراز المال. ولهذا فهو لن يتورع عن أن يرتكب جريمة الكذب، أو شهادة الزور، أو السرقة، أو كسر الوعد، أو الاسترسال مع نوبات الهياج الجارحة. أيضًا إذا فقد الأمل في الحصول على الكسب، فإنه لن يتورع عن أن يتجاوز حدود اللياقة والتواضع، وفي كل هذا يصبح الذهب ومحبة الربح القبيح إلهًا له، شأنه في ذلك شأن الذين يعبدون بطونهم. ولهذا فإن الرسول المطوّب، إذ نظر إلى سم هذه الآفة المميت لم يقل فقط أنه أصل لكل الشرور، ولكن سمَّاه أيضًا "عبادة الأوثان"، قائلًا: "والطمع الذي هو عبادة الأوثان" (كو 3: 5). فأنت ترى إذن قدر السقوط الذي يقود إليه هذا الجنون خطوة فخطوة، حتى أن الرسول يطلق الصيحة مدوية بأنه عبادة للأوثان المزيفة، ذلك لأنه بتخطيه صورة الله ومثاله (وهما اللذان يجب أن يحتفظ بهما كل من يعبد الله بالروح والحق في أعماق نفسه دون تزييف) قد آثر أن يحب ويتعلق بالصور المنقوشة على الذهب بدلًا من الله. بمثل هذه الخطوات الكبيرة، منحدرًا إلى أسفل، ينساق من سيء إلى أسوأ، وأخيرًا لا يهتم بأن يحتفظ لنفسه، لا بفضائل التواضع والمحبة والطاعة بل ولا بظلها، إلى جانب أنه يصبح غير راضٍ عن أي شيء، ويتذمر ويشكو من كل عمل. عندئذ وقد ضرب بكل خشوع عرض الحائط فإنه، كحصان جامح، يندفع متهورًا مطلَق العنان. * أتريد أن تعلم مدى خطورة هذه الغواية وأضرارها على صاحبها، ما لم تُقتلع بحذرٍ، والدمار الذي تلحقه به، وما يتشعب منها من فروع شتى للخطايا؟ انظر إلى يهوذا، المعدود من بين التلاميذ، وتأمل كيف بسبب عدم إقدامه على سحق رأس هذا التنين القاتل، قُضي عليه بِسمُه، وكيف أنه لما وقع في شباك هذه الشهوة ألقت به في الخطية وفي سقطة عاجلة، حتى أنها أغوته على بيع فادي الأنام، ومنشئ خلاص الإنسان بثلاثين من الفضة، وأنه لم يكن من المستطاع دفعه إلى هذه الخطية المنكرة، خطية خيانة سيده، ما لم يكن قد لطخته خطية الطمع. كذلك ما كان لينساق إلى الإجرام في حق سيده بهذه الصورة البشعة، ما لم يكن قد عوّد نفسه على السرقة من الكيس المودع لديه. القديس يوحنا كاسيان |
|