رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
رؤيته للرب بِسَمْعِ الأُذُنِ قَدْ سَمِعْتُ عَنْكَ، وَالآنَ رَأَتْكَ عَيْنِي [5]. يعترف أيوب أنه ما كان قبلًا يعرفه عن الله هو خلال السماع عنه، فكانت معرفته عنه غامضة ومظلمة. لكن الآن يراه ويتمتع ببهائه، فينال معرفة مباشرة خلال الرؤيا. معرفته له صارت واضحة وبهية خلال استنارة عينيه الداخليتين. يعترف أيوب أنه قد جاءت الإجابة إليه على غير ما يتوقع. ربما كان ينتظر من الله أن يكشف له خلال رؤيا أو حلم عن سبب ما حلّ به، فيستريح قلبه. ربما انتظر من الله أن يخبره بأن ما حلّ به لا يُقارن بجانب ما يعده له في الدهر الآتي. أما أن يظهر له الله ويتجلى أمامه، ويتحدث معه، فهذا ما لا يُمكن أن يتصوره. حقًا أن رؤية الله سواء بالقلب خلال الإيمان أو وجهًا لوجه في يوم الرب العظيم لمكافأة فائقة! إن أقصى ما يبغيه الإنسان هو أن يرى الله. * بهذه الكلمات يعلن بتأكيدٍ واضح جدًا أنه كما أن النظر أسمى من السمع، هكذا أيضًا صار التقدم الذي صار إليه خلال الألم، إذ جعله يختلف عن حاله السابق. وإذ يرى نور الحق بالعين الداخلية بأكثر وضوحٍ صار يميز بوضوحٍ ويرى ظلمة بشريته. البابا غريغوريوس (الكبير) لِذَلِكَ أَرْفُضُ وَأَنْدَمُ فِي التُّرَابِ وَالرَّمَادِ [6]. إذ رأى أيوب الرب اكتشف أيضًا نفسه أنه خاطي ودنس، كما حدث فيما بعد مع إشعياء، فإنه إذ رأى السيد تملأ أذياله الهيكل أدرك أنه نجس الشفتين (إش 6: 5). في دفاعه عن نفسه أمام أصدقائه كثيرًا ما حسب نفسه بارًا، إذ كان يقارن نفسه بالبشر المحيطين به. لكنه الآن استخف بنفسه أمام قداسة الله وبرَّه وجلاله. هذا ما فعله القديس بطرس الرسول حين صنع الرب معجزة وأدرك الرسول لاهوته، فصرخ: "يا رب أخرج من سفينتي، فإني إنسان خاطي" (لو 5: 8). باطلًا بذل الأصدقاء كل جهدهم لإقناع أيوب أنه خاطي عظيم، أما حضرة الله فدفعت أيوب إلى التوبة من كل القلب بتواضعٍ وانسحاقٍ. * كلما عجز الشخص عن رؤية نفسه يعجز عن الاستياء منذاته. وكلما ميَّز نور النعمة العظمي، أدرك أنه ملوم بالأكثر... أن يندم الإنسان في التراب والرماد بعد تأمله في الكائن الأسمى هو أن يعرف الإنسان نفسه أنه لا شيء سوى تراب ورماد. لذلك فإن الرب يقول في الإنجيل عن المدينة الجاحدة: "لأنه لو صُنعت في صور وصيداء القوات المصنوعة فيكما لتابتا قديمًا في المسوح والرماد" (مت 11: 21). فإن المسوح تعلن عن خشونة الخطية ووخزاتها، وأما الرماد فهو تراب الموتى. لهذا يُستخدم كلاهما عادة في الندامة، حتى نعرف ما نفعله خلال الخطية، وذلك بوخزات المسوح، وبأن نكون في تراب الرماد، فندرك ما بلغناه خلال الحكم. البابا غريغوريوس (الكبير) * بعين الإيمان يتطلعون إلى عدل الله، فلا يشتاقون إلى إقامة برِّهم الذاتي. إنهم يستهينون بأنفسهم، كما يقول أيوب، وينحلون ويحسبون أنفسهم ترابًا ورمادًا (أي 42: 6). هذا ما تعنيه العبارة: "يعودون إلى ترابهم"، ولكن إذ ينالون روح الله يقولون: "لا أحيا أنا، بل المسيح يحيا فيَّ" (غل 2: 20). هكذا يتجدد وجه الأرض بمجموع القديسين خلال نعمة العهد الجديد.* سيكون للعين قوة سامية متسعة. ليس قوة البصر الحاد، مثل تلك التي توصف بها الحيات والنسور، فإنها مهما بلغت حدة بصرها لا تقدر أن تميز إلا المواد الجسدية، وليس قوة إبصار غير الجسديات. هذه القوة العظيمة للرؤية التي ربما وُهبت لعيني القديس أيوب وهو بعد في الجسد المائت، حين قال لله: "بسمع الأذن قد سمعت عنك، والآن رأتك عيناي، لذلك أرفض وأندم في التراب والرماد" (أي 42: 5-6). هذا بالرغم من أنه ليس من سبب به نرفض فهم هذا بخصوص عين القلب التي يقول عنها الرسول: "مستنيرة عيون قلوبكم" (أف 1: 18). أما عن كون الله سيُرى بهذه العيون فهذا ليس من مسيحي يشك فيه، هذا الذي بالإيمان يقبل أن إلهنا وسيدنا يقول: "طوبى لأنقياء القلب لأنهم يعاينون الله" (مت 5: 8)، لكن سؤالنا هو هل سنرى الله أيضًا في الحياة المقبلة بالعين الجسدية؟ القديس أغسطينوس |
|