كم كان الأمر معقد وصعب وفي أحشاء مريم البتول الآن اتمام الوعد الإلهي والذي ينتظره
العالم والبشرية عبر الأجيال والسنون فنسل المرأة المعلن لحواء الساقطة:” وَأَضَعُ عَدَاوَةً بَيْنَكِ وَبَيْنَ الْمَرْأَةِ، وَبَيْنَ نَسْلِكِ وَنَسْلِهَا. هُوَ يَسْحَقُ رَأْسَكِ، وَأَنْتِ تَسْحَقِينَ عَقِبَهُ».“(تكوين 15:3)، بعد كل ذلك التأخير قد ظهر الآن على الأرض ومن المقرر ان يولد من عذراء الناصرة وفيها مصير البشرية كلها يتحدد ورأس الحيّة القديمة سيُسحق. وضع عليها أعظم شرف يمكن ان يوضع على شخص من البشرية الساقطة فالله الكلمة اخذ من جسدها ووضع نفسه لكي يُدعى ابنا لمخلوقة-مثل ذلك لهو سرعميق. من الطبيعي ان تشعر مريم في داخلها انها على غير استحقاق ولا يمكنها التعبير عما يدور في قلبها ومرة اخرى كان تواضعها عظيم وضعفها في عيون العالم فلا تملك الا ان تقول:” «هُوَذَا أَنَا أَمَةُ الرَّبِّ.“(لوقا38:1). وكان لدى مريم علاوة على ذلك طهارة ونقاوة القلب يعكس رؤية مشرقة للإيمان وثقتها الكاملة في الله والذى أثار فيها كل هذه المشاعروالذي لا يمكننا نحن البشر العاديين ان نتفهمها. لا يمكننا ان نتفهم كل تلك المشاعر ونكرر انشودتها يوما بعد يوم – مع ذلك فلنفكر للحظة في مدى اختلاف ترديدنا لتلك الأنشودة عن الطريقة التى نطقت بها القديسة مريم لأول مرة. نحن حتى نسرع في ترديدها ولا نفكّر في معنى تلك الكلمات التى جاءت على لسان تلك المختارة من الله:” «تُعَظِّمُ نَفْسِي الرَّبَّ، وَتَبْتَهِجُ رُوحِي بِاللهِ مُخَلِّصِي، لأَنَّهُ نَظَرَ إِلَى اتِّضَاعِ أَمَتِهِ. فَهُوَذَا مُنْذُ الآنَ جَمِيعُ الأَجْيَالِ تُطَوِّبُنِي، لأَنَّ الْقَدِيرَ صَنَعَ بِي عَظَائِمَ، وَاسْمُهُ قُدُّوسٌ، وَرَحْمَتُهُ إِلَى جِيلِ الأَجْيَالِ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَهُ”(لوقا46:1-50).