منتدى الفرح المسيحى  


العودة  

الملاحظات
  رقم المشاركة : ( 1 )  
قديم 04 - 05 - 2023, 06:30 PM
الصورة الرمزية Mary Naeem
 
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو
  Mary Naeem غير متواجد حالياً  
الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,273,711

أيوب | وصف لوياثان


وصف لوياثان

مَنْ تَقَدَّمَنِي فَأُوفِيَهُ؟
مَا تَحْتَ كُلِّ السَّمَاوَاتِ هُوَ لِي [11].
يرى البعض أن العبارة هنا تعني: "من يصنع إحسانًا فأرده له؟"
يرى آخرون أنه يقصد من يستطيع أن يتنبأ مقدمًا عما سيحدث. فإن كان الإنسان لا يقدر أن يتنبأ مقدمًا بما سيحدث وهو يصطاد وحشًا كاسرًا، فكيف يظن أنه قادر أن يخضع الخالق نفسه، أو يرد له إحساناته؟ من يظن أن قادر أن يهبني شيئًا، وأنا مالك كل شيء؟ يليق بالإنسان أن يخضع للخالق، ويقبل كل شيء بشكرٍ.


لاَ أَسْكُتُ عَنْ أَعْضَائِهِ،
وَخَبَرِ قُوَّتِهِ وَبَهْجَةِ عُدَّتِهِ [12].
هنا يبدأ في تقديم وصف تفصيلي عن لوياثان الذي سبق فتحدث عنه في هذا الأصحاح بصفة عامة. يقول: إنني لا أستطيع أن أصمت عن الحديث عن فمه وأسنانه وحراشيفه وجفون عينيه وفتحات أنفه، ورقبته، وقلبه.
لم يُصف الحيوان المشار إليه هنا لإبراز جماله، وإنما كمن له قوة عظيمة وشرس للغاية: "خبر قوته، وبهجة (نعمة) عدته"، أو جمال أسلحته. موضوع حديثه ليس جمال الحيوان، وإنما أسلحة دفاعه.



مَنْ يَكْشِفُ وَجْهَ لِبْسِهِ،
مَنْ يَدْنُو مِنْ مَثْنَى لَجَمَتِهِ؟ [13]
ليس من يقدر أن يكشف وجه لباسه أو غطاءه، إي ينزع ثوبه القاسي المخادع، لكي يرى جلده الداخلي، ولا من يجسر أن يضع لجامًا لفكيه كما يحدث مع الحيوانات الأخرى عند تلجيمها. ليس ممكنًا أن يجسر ويأتي بلجامٍ مضاعف لضبط صفيّ أسنانه.
* لوياثان هذا يجرب أذهان المتدينين بطريقة ما، وأذهان الذين تكرسوا لهذا العالم بطريقة أخرى. فهو يقدم علانية للأشرار الشرور التي يشتهونها، ولكنه يلقى خفية الشباك للصالحين ، ويخدعهم تحت مظهر القداسة... لهذا فإن الرسول بولس، إذ رأى البعض يكرسون أنفسهم لخدمة بطونهم تحت ثوب الكرازة، يقول: "لأن الشيطان نفسه يغير شكله إلى شبه ملاك نور، فليس عظيمًا إن كان خدامه أيضًا يغيرون شكلهم كخدامٍ للبّر" (2كو 11: 14). خشي يشوع هذا التغيير عند رؤيته ملاكًا فسأله من أي جانب هو، قائلًا: "هل لنا أنت أو لأعدائنا؟" (يش 5: 13).
البابا غريغوريوس (الكبير)


مَنْ يَفْتَحُ مِصْرَاعَيْ فَمِهِ؟
دَائِرَةُ أَسْنَانِهِ مُرْعِبَةٌ [14].
يدعو فمه "مصراعي فمه"، فإنه كبابٍ له مصراعان.
ينطبق هذا بالأكثر عن التمساح، فيقول Bochait أن أسنان التمساح تبلغ الثلاثين، وهو عدد كبير وأحجامها كبيرة أن قورنت بحجم جسمه، بعضها يبرز من الخارج، والبعض مسنن كالمنشار، متى امسك بالفريسة لا تقدر أن تنجو منه.
جاءت الترجمة السبعينية: "من يفتح مصراعي وجهه؟"
* "مصراعًا وجهه" هم المعلمون الأشرار الذين يدعون أبواب وجهه، إذ يدخل كل واحدٍ خلالهم حتى يُرى لوياثان هذا كما لو كان قوته الملوكية... فإذ تُقبل كرازتهم الباطلة، ينفتح باب الهلاك للسامعين البائسين.
البابا غريغوريوس (الكبير)




فَخْرُهُ مَجَانُّ مَانِعَةٌ مُحَكَّمَةٌ مَضْغُوطَةٌ بِخَاتِمٍ [15].
صفوف حراشيفه مثل دروع تغطيه، يضم جسمه 17 صفًا، ليس من إمكانية لاختراق جسمه إلا عن طريق عينيه أو حنجرته (حين يفتح فمه)، أو بطنه.
يرى Umbreit وProf. Lee إن كلمة "فَخْرُهُ" هنا في الأصل العبري geewoh وهي مثل gewah أو gevah التي تعني ظهرًا back حيث يتغطى ظهر التمساح بالحراشيف.
إذ يغلق التمساح فمه يصير كما لو كان مختومًا بالشمع، فلا يتسرب هواء من بين فكيه ومن بين أسنانه.
*الشيطان قاسٍ وعديم الشفقة، وفي أعماقه لا يهدأ أبدًا، لأن الكتاب المقدس يقول عنه: " قلبه قاسٍ كالحجر، وهو يقف مثل سندان الحداد الصلب" (أي 41: 15 LXX). لكن القديسين وطأوه تحت أقدامهم بقوة المسيح، لأنه قال: "ها أنا أعطيكم سلطانًا لتدوسوا الحيات والعقارب. وكل قوة العدو، ولا يضركم شيء" (لو 10: 19). لذلك يقول المسيح "الشيطان طلبكم لكي يغربلكم كالحنطة، ولكني طلبت من أجلك لكي لا يفنى إيمانك" .
القديس كيرلس الكبير




الْوَاحِدُ يَمَسُّ الآخَرَ،
فَالرِّيحُ لاَ تَدْخُلُ بَيْنَهَا [16].
كُلٌّ مِنْهَا مُلْتَصِقٌ بِصَاحِبِهِ،
مُتَجَمِّدَةً لاَ تَنْفَصِلُ [17].
* حراشف الخطاة صلبه ومترابطة معًا، حتى تبدو أنه لا تقدر أية نسمة حياة أن تخترق فم الكارزين. فإن الذين يمارسون ذنوبًا مشابهة يجتمعون معًا، في دفاع شرير، يصيرون معًا في اتفاقٍ عنيدٍ، حتى يحمي الواحد الآخر بدفاعٍ مشتركٍ عن خطاياهم. إذ يخاف كل واحدٍ على نفسه عندما يرى غيره يُنتهر أوّ بُقوَّم... وإذ يحمون بعضهم البعض في شركة في شرورهم بدافعهم الشرير لا يسمحون لنسمة النصح المقدس أن تبلغ إليهم بأية وسيلة... الاتحاد يقوي الانحراف، ويجعلهم بالأكثر غير قابلين للتقويم، وبالتالي يصيرون متفقين معًا بالإجماع.
البابا غريغوريوس (الكبير)


عِطَاسُهُ يَبْعَثُ نُورًا،
وَعَيْنَاهُ كَهُدْبِ الصُّبْحِ [18].
الحيوانات البرمائية تغطس في المياه تكتم أنفاسها لمدة طويلة وفجأة تتنفس بقوة فتكون كما لو كانت تعطس، بينما توجه أعينها نحو الشمس فتبدو كما لو كانت تشع نارًا، أو تطرد النفس فيبدو كما لو كان أشعة شمس.
"هدب (جفون) الصباح": يبرز المصريون عيني التمساح إلى قدام وكأنها تشير إلى الصباح المبكر. عندما يصعد التمساح إلى السطح أول ما يبرز منه هو عيناه قبل كل جسمه فيكون كظهور الصباح.
يرى البعض أنه إذ يبقى التمساح مدة طويلة تحت الماء يصعد إلى السطح ليطرد باندفاع قوي الماء من فتحتي انفه، فتظهر كأنها قوس قزح.
حين يكون التمساح في الماء تظهر عيناه باهتتين أو كليلتين أما عند صعود نحو السطح فتظهران متألقتين جدًا.
* قال أنطونيوس: تظهر الشياطين غالبًا على هذا النحو، كما كشف الرب لأيوب بقوله: عيناه كهدب الصباح، ومن فمه تخرج مصابيح مشتعلة، وشرار نارٍ يتطاير منه. من منخريه يخرج دخانًا من قدرٍ منفوخٍ أو من مرجلٍ. نَفَسَه يشعل الجمر، واللهيب يخرج من فمه" (أي 41: 18-21). هكذا يظهر رئيس الشياطين، كما قلت سابقًا، مرعبًا، ومتكلمًا بافتخارٍ وعجرفةٍ، كما أدانه الرب حين قال لأيوب: "يحسب الحديد كالتبن، والنحاس كالعود النخر" (أي 41: 27). "يحسب البحر كأنه حمام ماءٍ، وقعر الهاوية كأنه أسير له، واللجة كأنها ممر له (أي 41: 24-25). وكما قال على لسان نبي: "وقال العدو: أتبعهم فألحقهم"(خر 15: 9).وقال على لسان نبي آخر: "سأقبض بيدي على المسكونة كلها، مثلما أقبض على العش، وسأرفعها كما يرفع المرء البيض المهجور" (إش 10: 14). هذه الأمور تفتخر بها الشياطين، ويعدون بها الذين يتقون الله ليخدعوهم. لذا لاق بنا نحن المؤمنون ألا نخاف من ظهورات (إبليس) ولا نأبه بكلماته، لأنه كذاب ولا يتكلم بالصدق أبدًا.
القديس أثناسيوس الرسولي


مِنْ فَمِهِ تَخْرُجُ مَصَابِيحُ.
شَرَارُ نَارٍ تَتَطَايَرُ مِنْهُ [19].
يوصف الحيوان هنا كمن يتقيأ نارًا، فإنه إذ يفتح فاه وتظهر أنيابه، يبث نارًا على من هم حوله. أو كمن يتنفس فيُخرج نسمات عنيفة نارية تقتل الفريسة وتحرقها.
* تصدر المصابيح عن فمه، إذ يشعل (المعلمون الأشرار) عقول سامعيهم بمحبة الآراء الخاطئة، وبينما يبدو كأنهم مشرقون بالحكمة إذا بهم يحرقون بالشر.
البابا غريغوريوس (الكبير)


مِنْ مِنْخَرَيْهِ يَخْرُجُ دُخَانٌ،
كَأَنَّهُ مِنْ قِدْرٍ مَنْفُوخ،ٍ أَوْ مِنْ مِرْجَلٍ [20].
ينطبق هذا التشبيه على الفرس المستخدم في المعارك، أنها تُخرج من أنوفها دخان نار حارق.
* نسمة لوياثان المكثفة تخرج من فتحتي أنفه، لأن شر كبريائه يصدر بقوة من نفخات خبثه الواضحة... يُقال عن الدخان أنه يخرج من فتحتي الأنف، وذلك بخداع معجزاته، الذي يولد شكًا إلى لحظة، حتى في قلوب المختارين. يخرج الدخان من فم لوياثان من أجل العجائب الكاذبة حتى يوجد ضباب منذر يفسد أعين حتى أصحاب العقول الصالحة.
البابا غريغوريوس (الكبير)


نَفَسُهُ يُشْعِلُ جَمْرًا،
وَلَهِيبٌ يَخْرُجُ مِنْ فَمِهِ [21].
استخدم ذات الوصف الشعري عند الحديث عن غضب الله (مز 18: 8).
* ما هو هذا الذي يدعوه جمرًا إلا أذهان الناس الفاسدين، الملتهبة بالشهوات الأرضية؟ إنهم يكونون على نارٍ عندما يطلبون أي أمرٍ زمنيٍ، بالتأكيد لأن اشتياقاتهم التي لا تسمح لأذهانهم أن تكون في هدوء واتزان تلهبهم. نسمة لوياثان تلهب الجمر عندما تقوي اقتراحاته السرية عقول البشر نحو الملذات الشريرة.
إن نسمته أشعلت البعض بمشاعل الكبرياء، وآخرين بالحسد، وآخرين بالشهوة، وآخرين بالطمع. ألهب مشعل الكبرياء في ذهن حواء، عندما اقترح عليها أن تستخف بكلمات وصية الرب. وأشعل ذهن قايين بلهيب الحسد عندما حزن لقبول ذبيحة أخيه، حتى بلغ إلى ارتكاب خطية قتل الأخ. أشعل قلب سليمان بمشاعل الشهوة، هذا الذي غلبه بمحبة النساء، وقادته إلى عبادة الأصنام، ونسي تقديم الكرامة اللائقة بخالقه عندما اجتذبته ملذات الجسد. أيضُا ألهب ذهن أخآب بحب الطمع عندما حثه- في تعجلٍ- أن يطلب كرم الغير، ودفعه هذا إلى جريمة القتل.
لهيب الفم بالحق هو بعينه تقديم اقتراح سري.
البابا غريغوريوس (الكبير)


فِي عُنُقِهِ تَبِيتُ الْقُوَّةُ،
وَأَمَامَهُ يَدُوسُ الْهَوْلُ [22].
"فِي عُنُقِهِ تَبِيتُ الْقُوَّةُ"، أي أن القوة تقيم على الدوام هناك. بينما تستقر القوة حول عنقه، إذ ينفث رعبًا يتهلل الرعب ويرقص طربًا قدامه، ينشر الرعدة على من هم حوله.
* نفهم من هذه الكلمات أنه يوجد ملك واحد، وهو خالق الكون كله. بينما على الجانب الآخر يوجد رئيس هذا العالم الذي يسمي نفسه ملك الظلمة. تخدم ربوات من الملائكة الملك الحقيقي، بينما يلتف حول رئيس قوَى الظلمة ربوات من الشياطين (كو 13:1). تتبع الرئاسات والسلاطين والفضيلة ملك الملوك ورب الأرباب. وفي الآخرة حين يُسلم المسيح المُلك لله الآب بعد أن يكون قد أباد كل رئاسة وكل سلطان وكل قوة للعدو، فإنه لا بُد أن يملك إلى أن يضع جميع الأعداء تحت موطئ قدميه (1 كو 24:15، 25).
القديس غريغوريوس النيسي
* ماذا تعني الرقبة التي للوياثان هذا سوى بسط كبريائه، حيث يتشامخ على الله، مع التظاهر بالقداسة، كما ينتفخ بكبرياء السلطة؟ يشهد النبي إشعياء عن هذا الكبرياء المُعبر عنه بالرقبة هذا الذي وبخ بنات أورشليم قائلًا: "يمشين ممدودات الأعناق" (إش 3: 16). يقال إن القوة تبقى (تبيت) في الرقبة التي للوياثان هذا، وبسبب السلطان الذي أضيف إلى كبريائه. فإنه يواصل كبريائه المتشامخ وكل خططه الخبيثة بقوة سلطانه الزمني.
البابا غريغوريوس (الكبير)
* بمثل هذه الكلمات (يو 31:12؛ 30:14؛ 11:16) يشير إلى الشيطان كرئيس ليس على خلائق الله، بل على الخطاة، هؤلاء الذين يشير إليهم هنا باسم "هذا العالم". عندما يستخدم اسم "العالم" بمعنى الشرير. يشير السيد فقط إلى محبي هذا العالم، الذين كُتب عنهم في موضع آخر: "محبة العالم عداوة لله" (يع 4: 4). حاشا لنا أن نفهم الشيطان أنه رئيس العالم كمن يسيطر على تدبير أمور كل العالم، السماء الأرض وما فيهما. مثل هذا العالم قيل عنه عندما تحدثنا عن المسيح الكلمة: "كوِّن العالم به" (يو 1: 10). العالم كله من أعلى السماوات إلى أسافل الأرض يخضع للخالق ليس للهارب؛ للمخلص لا للمخرب؛ للمنقذ لا للمستعبِد؛ للمعلم لا للمخادع.
*أما رئيس هذا العالم (الشيطان)، المسيطر حيثما وجد الضلال والاضطراب، فيبتعد عن إنسان تسود حياته السلام والترتيب الكامل ويسيطر عليها ابن الله. فعندما ينشأ هذا السلام من الداخل ويثبت، فإن جميع الاضطهادات التي يثيرها رئيس هذا العالم من الخارج، لا تستطيع أن تهز شيئًا من ذلك البناء الداخلي، بل تؤدي قوة البناء من الداخل إلى فشل مكائد إبليس من الخارج. لذا أكمل الرب قائلًا: "طوبى للمطرودين من أجل البرّ. لأن لهم ملكوت السماوات".
* لأنهُ إما أن يبغض الواحد ويحب الآخر أو يلازم الواحد ويحتقر الآخر. لا تقدرون أن تخدموا الله والمال . فمن يعبد المال يخدم الشيطان الذي لقبه ربنا (رئيس هذا العالم) وذلك لسيطرته بضلاله على الأشياء الأرضية" فالإنسان إما أن "يبغض" هذا الواحد "ويحب الآخر" أي الله. أو يلازم الواحد "الشيطان" ويحتقر الآخر "الله". لأن من يخدم المال يخضع للشيطان القاسي المهلك. فإذ يرتبك بشهوته للمال يخضع للشيطان ويلازمه رغم عدم محبته له، لأنه من منا يحب الشيطان؟! ويكون بذلك يشبه إنسانًا أحب خادمة لدى شخص عظيم، فبالرغم من عدم محبته لسيدها إلا أنه يخضع لعبوديته القاسية بسبب محبته للخادمة.
القديس أغسطينوس


مَطَاوِي لَحْمِهِ مُتَلاَصِقَةٌ،
مَسْبُوكَةٌ عَلَيْهِ لاَ تَتَحَرَّكُ [23].
عادة طبقات اللحم التي عند العنق وعند البطن رخوة وضعيفة، أما هذا الحيوان فإن طبقات اللحم عند رقبته متلاصقة، مسبوكة كما من الحديد، قوية.
يا لها من صورة بشعة، فكما ينمو جسد المسيح ليضم كل يوم نفوس تتمتع ببّر المسيح وقداسته وتصير شريكه معه في المجد، هكذا ينمو أيضًا جسم إبليس ليضم من هم أكثر شرًا من السابقين، ويتلاحم الكل معًا كمطاوي لحم إبليس المتلاصقة معا، وكأنها صارت كتلة واحدة كالحديد مسبوكة معًا لا تتحرك نحو التوبة والرجوع إلى الله. اتحاد الأشرار معًا مفسد للنفوس، يغلق الباب أمام الكثيرين للتفكير في جدية نحو التمتع بالحق الإلهي.
إن كان السيد المسيح قد ضمنا إليه لنكون أعضاء جسده الواحد، وذلك بتمتعنا بالإيمان به، وولادتنا بالروح أبناء لله في مياه المعمودية. رسالتنا أن نضم بالحب كل يوم الذين يخلصون ويتمتعون معنا بالشركة معه في الحياة الجديدة المقامة التي وهبنا إياها. هكذا فإن مطاوي جسم الشيطان هم الذين قبلوا البنوة له، واتحدوا معه خلال أعماله، وهم لا يكفون عن سحب الكثيرين معهم ليكونوا أعضاء في جسم إبليس يشاركونه مصيره الأخير أكثر منهم فالشرير يُسر حين يضم معه من يصير أشر منه.
* جسم لوياثان (الأشرار فعلًا) كله فاسد، إذ ليس لديهم اشتياق نحو مدينتهم الروحية. مطاوي جسم لوياثان هم الذين ينضمون إلى هؤلاء الأشخاص في حياة شريرة، بل ويسبقون الأولين في طريق الشر... في جماعة لوياثان هذا الشريرة، هؤلاء هم أعضاء جسمه الذين بأفعالهم الشريرة يضمون إليه من هم يصيرونهم أكثر شرًا منهم.
البابا غريغوريوس (الكبير)


قَلْبُهُ صُلْبٌ كَالْحَجَرِ،
وَقَاسٍ كَالرَّحَى [24].
يقول السيد المسيح: "إن الله قادر أن يقيم من هذه الحجارة أولادًا لإبراهيم" (مت 3: 9). ما هي هذه الحجارة التي تهب لإبراهيم أولادًا سوى عبدة الأصنام، الذين يعبدون الحجر، وأبناء إبليس الذين يحملون قلبه الصلد الحجري (أي 41: 24)، ليصيروا أولاد الله حاملين إيمان إبراهيم.
يرى البعض أن الحيوانات المفترسة الضخمة، مشاعرها ضعيفة، وقلبها قاسٍ إن صح التعبير، لا تبالي بصرخات الفريسة، والدماء المسفوكة منها وهي بين أنيابها.
يختار هنا حجر الرحى السفلي، لأنه يلزم أن يكون أقسى وأثقل من الحجر العلوي، حتى يحتمل حركة الحجر العلوي وضغطه عليه.
ربما يتساءل البعض: ألا تُعطى فرحته للشيطان أن يتوب؟ منذ سقوطه وهو ليس فقط في تصميم على مقاومة الله، وإنما يتزايد عنفًا في موقفه، بل ويثير البشرية للتشبه به، ومشاركته عنفه وقسوة قلبه، فمع الزمن يمتلئ بالأكثر كأس شره ولا يبالي بالعقاب الأبدي أنما يجد مسرته أن يشاركه بنو البشر هذا المصير.
* قلب العدو القديم سييقى كالحجر، فإنه لن يلين بأية ندامة للتوبة. إنه سيتهيأ فقط لنفخات العقوبة الأبدية.
البابا غريغوريوس (الكبير)
*إنه عنيف، لا يعرف الشفقة ولا يمكن تهدئته في القلب. وكما يقول عنه الكتاب المقدس: "قلبه قاسي كحجر، يقف كالسنديان لا يُضرب" (أي 24:41) LXX . لكن المسيح يضعه تحت أقدام القديسين. يقول: "ها أنا أعطيكم سلطانًا لتدوسوا الحيات والعقارب وكل قوة العدو، ولا يضركم شيء" (لو 19:10).
القديس كيرلس الكبير
* هكذا أيضًا يُغير الشيطان نفسه في شكل ملاك نور (كو 14:11)، لا لكي يصعد مرة أخرى إلى حيث كان، إذ قلبه صلب كالسنديان، فصارت إرادته عاجزة عن أن تتوب. إنما يفعل هذا بقصد إغراق السالكين في حياة ملائكية في ظلمات العمى والكفر المهلك.
ذئاب كثيرة تجول في ثياب حملان (مت 15:7)، نعم ثيابها ثياب حملان، وليس حوافرها أو أسنانها. وإذ هم يسيرون في الجلد الناعم يخدعون الأبرياء بمظهرهم، فيبثون فيهم من أنيابهم سم الدنس المهلك.
القديس كيرلس الأورشليمي
* إنني سأعلن في ثقة أنه يوجد من لا يتأثر كثيرًا بواسطة "مطرقة الأرض كلها". وحيث أن المثال قد قدم عن مطرقة يمكن إدراكها، ابحث عن مادة أقوى من المطرقة لا تتأثر بضرباتها. بالبحث عنها وجدتها فيما كتب: "أنظر إنسانًا يقف فوق الحصون من الأدمنت (حجر صلب كان يُظن أنه لا يُقطع، وقد ظن البعض أنه الماس). يسجل التاريخ عن الأدمنت أنه أقوى من كل مطرقة تضربه، إذ لن ينكسر ولا يلين. حتى إن كانت المطرقة هي إبليس يقف عليها، والحية التي بسنديانها الذي لا يُقهر تضعه تحتها، لكن الأدمنت لا يتأثر قط متى استقر في يد الله وتحت رعايته. هكذا فإن المقاومين للأدمنت هما المطرقة والسنديان الذي لا يتحرك. غير أنه يوجد بالحقيقة مثل شائع جدًا عند الأمم في اللغة العامية بخصوص الذين يعانون من القلاقل والظروف الصعبة للغاية. يقولون: إنهم بين المطرقة والسنديان. إلا أنه يمكن القول أن هذا يشير إلى الشيطان والحية، اللذين دائمًا يُقصدان بمثل هذين الاسمين في الأسفار المقدسة لأغراض متباينة. ويمكنك القول أن الشخص المقدس الذي هو حصن أدمنتي أو أنه أدمنت في يد الرب لا يتأثر لا بالمطرقة ولا بالسنديان، بل كلما ضرب ازداد بهاء فضيلته المشرقة .
* يقول: "هكذا أراني وإذا الرب واقف على حائط صلد (ماسي)، وفي يده كان صلدًا" (عا 7: 7 LXX ). فإن كان الشيطان هو مطرقة صلدة من فوق والتنين مثل السندان الصلد (أي 41: 15) قائم من أسفل، يكون صلدًا من هو في يد الرب وتحت حمايته فلا يستسلم قط. فإن الإنسان القديس هو حائط صلد، وإذ يبقى في يدي الرب لا يعاني شيئًا حتى وإن وضع بين المطرقة (إبليس) والتنين (السندان). وكلما نزلت عليه الطرقات تصير فضيلته أكثر بهاءً. فالشيطان إذ يجهل هذا النوع من الصخور (الصلدة) يود أن يحللها بضربات كثيرة كمطرقة صلدة، لكن الله وحده يعرف طبيعتهم جيدًا .

العلامة أوريجينوس




عِنْدَ نُهُوضِهِ تَفْزَعُ الأَقْوِيَاءُ.
مِنَ الْمَخَاوِفِ يَتِيهُونَ [25].
عند نهوضه للهجوم أو الدفاع عن نفسه يرتعب أمامه الأقوياء، فمن الخوف تنهار أفكارهم فيتيهون، أو يضلون الطريق. يحاولون الهروب منه فلا يعرفون إلى أين يذهبون.




سَيْفُ الَّذِي يَلْحَقُهُ لاَ يَقُومُ
وَلاَ رُمْحٌ وَلاَ حَرْبَةً وَلاَ دِرْعٌ [26].
لا يستطيع السيف أن يلحقه، حيث لا يقدر أن يحطم حراشيفه. وإذا صُوِّبت ضده الرماح ترتد دون أن تخترق حراشيفه.
* حربة الكرازة المقدسة رقيقة، عندما نُضرب بها نموت عن الخطية. أما سيف الدعوة الشيطانية فخبيثة، بها يُصاب الإنسان بجراحات قاتلة حتى يحرم من استقامة الحياة...
البابا غريغوريوس (الكبير)


يَحْسِبُ الْحَدِيدَ كَالتِّبْنِ،
وَالنُّحَاسَ كَالْعُودِ النَّخِرِ [27].
يقصد بالحديد والنحاس الأسلحة المعدنية المستخدمة لمقاومته، إنها أشبه بالقش والخشب والسوس لا قوة لها.
ما يشغل فكر إبليس ليس مصيره المُر، وإنما كيف يجتذب نفوس البشر إلى الشر، خاصة نفوس المؤمنين، فإن رأى نفسًا قوية كالحديد وصلدة كالنحاس، يوجه سهام شره حتى يتحول الحديد إلى قشٍ (تبن)، والنحاس إلى عود خشب هزيل. يركز العدو ضرباته بالأكثر من الكارزين والشاهدين للحق الإنجيلي، والعاملين في كرم الرب.
* عندما يمسك لوياثان هذا بذاك السيف الذي تدعوه الأسفار المقدسة "ضد المسيح"، لممارسة شره، يحول الحديد إلى قشٍ، والنحاس إلى خشبٍ، ما لم تتدخل النعمة الإلهية لتهب حماية منه، حتى لا يحول قوة الكارزين إلى قشٍ ويهلكهم بنار شره، ويجعلهم كالتراب بتحويل صبرهم إلى خشبٍ.
البابا غريغوريوس (الكبير)


لاَ يَسْتَفِزُّهُ نُبْلُ الْقَوْسِ.
حِجَارَةُ الْمِقْلاَعِ تَرْجِعُ عَنْهُ كَالْقَشِّ [28].
يمكننا تفسير هذه العبارة أنها تخص المؤمن، فإن كان عدو الخير يبذل كل الجهد لحث المؤمنين على الشر، معركته لا تتوقف قط ضد كنيسة المسيح، فإن المؤمن من جانبه لا يرهب هذه الحروب الشيطانية مادام مستترًا بالسيد المسيح، حاملًا سلاح الإيمان الحي. لا يرتعب من نبال قوس إبليس، ولا حجارة، فحجارة مقلاعه التي تصير أشبه بالقشٍ، لن تصيبه بأذيةٍ ما.
* إن قلت إن القوة المضادة قوية جدًا، وإن للشر سيادة كاملة على الإنسان، فإنك بهذا تنسب لله الظلم حينما يدين البشر بسبب خضوعهم للشيطان، لأن الشيطان قوي جدًا ويُخضع البشرية بقوة لا تُقاوم. بهذا تجعل الشيطان أعظم وأقوى من النفس، ثم تقول لي لا تخضع للشيطان. هذا مثل معركة بين شاب وطفل صغير، فإذ ينهزم الطفل يُدان على هزيمته. هذا ظلم عظيم!

القديس مقاريوس الكبير
* لا تخف إذن من الشيطان، حتى وهو بلا جسد، حين يقترب من الجسد. فإنه ليس من هو أضعف من ذاك الذي يقترب بهذه الكيفية مع أنه غير ملتحفٍ بجسدٍ، وليس أقوى من ذاك الشجاع الجريء حتى وإن حمل جسمًا قابلًا للموت!
القديس يوحنا الذهبي الفم


يَحْسِبُ الْمِطْرَقَةَ كَقَشٍّ،
وَيَضْحَكُ عَلَى اهْتِزَازِ الرُّمْحِ [29].
لا يمكن لأية أداة أو سلاح أن يجرح التمساح، ولا لقوةٍ بشريةٍ أن تلحق به.
يرى البابا غريغوريوس (الكبير)إن هذه العبارة تنطبق على إبليس الذي ينتهره الرب ويوبخه، وكأنه يُضرب بمطرقةٍ، لكن في إصرار على شره لا يبالي بضربات المطرقة بل يحسبها كالقش، بل يضحك في سخرية بهذه الضربات.
هذا ينطبق أيضًا على الأشرار المتمسكين بشرورهم في عنادٍ، فإن الله يسمح بتأديبهم لعلهم يرجعون إليه، لكن هذه الضربات بمطرقة التأديب تصير بالنسبة لهم كالقش، ولا يرجعون إلى الحق الإلهي. إنهم كسيدهم الشرير - إبليس - لا يبالون باهتزاز الرمح الإلهي لتأديبهم.
* يهز الرب الرمح ضد لوياثان، إذ يهدده بحكمٍ قاسٍ لدماره. فإن اهتزاز الرمح هو إعداد الموت الأبدي له بعقوبةٍ صارمةٍ. لكن الروح المعاند، إذ يستخف بخالق الحياة، حتى وهو يُهدد بموته يضحك على ذاك الذي يهز الرمح. مهما كانت رؤيته المسبقة لمصيره المرعب القاسي يقترب إليه بحكمٍ حازم، فإنه لا يخشى حلوله عليه. وإنما كلما أدرك أنه عاجز عن الهروب من العذابات الأبدية أزداد في ممارسته الشر بأكثر عنفٍ.
البابا غريغوريوس (الكبير)
مرة أخرى إذ تنطبق هذه العبارة على المؤمن الحقيقي، فإن عدو الخير الذي يود أن يضعه على السندان ويضربه بالمطرقة، يشَّكله على حسب هواه، فإن الله لا يمنع المطرقة، ويسمح له بوضعه على السندان، لكن تتحول ضربات المطرقة إلى قشٍ لا قيمة له، ولا تأثير له على فكر المؤمن وحياته.
الله لا يمنع تجارب الشيطان وإغراءاته، لكنه يهب مؤمنيه قوة، فتتحول التجارب إلى هباء، وينال المؤمن نصرة وإكليلًا.


تَحْتَهُ قُطَعُ خَزَفٍ حَادَّةٌ.
يُمَدِّدُ نَوْرَجًا عَلَى الطِّينِ [30].
ربما يشير هنا إلى حراشيف حادة وقاسية مثل قطع الخزف الحادة. يوجد في بعض أجزاء جسم التمساح حراشيف حادة، حتى عندما يستريح على الوحل الموجود على الشاطئ النهر يكون كمن هو مستقر على أسنان نورج حادة. ولعله يقصد أنه إذ يستريح على قطع صخرية حادة أو حجارة مسكورة لا يشعر بتعبٍ أو أذية منها، إنما يكون كما لو كان مستريحًا على وحلِ. ويرى بعض الدارسين أنه إذ تصوب حوله الرماح وغيرها من الأسلحة تنكسر وتتبعثر حوله، وكأنها قطع خزفية حادة ملقاة حوله. ويرى آخرون أن هذا الحيوان أن استراح على وحلٍ، فإنه عندما يترك المكان يترك أثار الحراشيف وكأنها أسلحة تركت آثارها على الوحل.


يَجْعَلُ الْعُمْقَ يَغْلِي كَالْقِدْرِ،
وَيَجْعَلُ الْبَحْرَ كَقِدْرِ عِطَارَةٍ [31].
بحركته السريعة تحت الماء يجعل النهر أو البحر أشبه بقدرٍ يغلي. إنه يجعل البحر أشبه بوعاء به عطور؛ هنا إشارة إلى رائحة المسك Musk التي تخرج من التمساح كما كانوا يظنون. يرى البعض أنه إذ يتحرك بقوة في أعماق البحر يثير الوحل الذي به، وذلك كما يحرك الإنسان وعاء العطر لكي يحمل الطيب الرائحة من الرواسب التي بالوعاء.
كلمة "بحر" هنا تشير إلى نهر النيل وذلك لاتساعه، فإلي يومنا هذا يُدعى في كثير من بلاد الصعيد "البحر". كما ينطبق أيضًا على نهر الفرات.
* ماذا يعني بالبحر سوى حياة المحبين للعالم، وماذا يعني بالعمق سوى أفكارهم العميقة الخفية؟ فإن لوياثان هذا يجعل هذا البحر العميق يغلي مثل قدرٍ، فإنه واضح جدًا أنه في أيام الاضطهاد الأخيرة يعمل على إثارة أذهان الأشرار ضد المختارين بلهيب القسوة.
حين تغلي الأطياب تخرج منها رائحة ذكية. سيخدع لوياثان قلوب الأشرار فيظنون أن مهما فعلوا من شرور عدم الإيمان، يحسبون أنهم يفعلونها من اجل الحق والإيمان المستقيم.
البابا غريغوريوس (الكبير)
يا لخداع العدو الخبيث، إنه يثير الأشرار الذين يشبهون البحر ويسيطر على أفكارهم الدفينة ليحثهم على مقاومة أولاد الله بكل وسيلة، وإذ يقتلونهم يحسبون أنفسهم يقدمون خدمة لله، كقول السيد المسيح نفسه (يو 16: 2).
تغلي أعماقهم بالشر، ويحسبون أنهم يقدمون أطياب الحق برائحته الذكية، مقابل ما يقدمه السيد المسيح - الحق- في حياة أولاده ليقولوا مع الرسول بولس: "لأننا رائحة المسيح الذكية لله" (2 كو 2: 15).


يُضِيءُ السَّبِيلُ وَرَاءَهُ
فَيُحْسَبُ اللُّجُّ أَشْيَبَ [32].
بسبب سرعة حركته يترك وراءه رغاوى foam بيضاء، وذلك كما يحدث عند سير السفن السريعة وسط المياه. أثاره تبدو كشعر الإنسان المسن الأشيب.
كما يجعل السيد المسيح مؤمنيه الحقيقيين "نور العالم" يضيئون به على المحيطين بهم ليدخلوا بهم إلى مملكة النور، هكذا يخدع العدو أتباعه. إنه يظهر كملاك نور (2 كو 11: 14)، ويوحي لأتباعه أنهم يعرفون والحق ويضيئون السبيل، وصارت لهم حكمة خفية فصارت لحجمهم أو أعماقهم أشبه بالإنسان الأشيب صاحب الخبرة الطويلة والحكمة العملية.
* لا يستغرب أحد للهرطقات الموجودة اليوم، إذ أنها كانت منذ البدء وذلك لأن الشيطان يحاول بمهارة الخلط بين الكذب والحقيقية. وكما أن الله منذ البدء وعد الإنسان بخيرات كثيرة، كذلك الشيطان يُغري دائمًا بوعوده المخادعة. الله زرع لهم جنة عدن، وجاء الشيطان وقال لهم: "ستكونون مثل آلهة" وفي الواقع لم يقدر أن يعطيهم شيئًا، كل ما في الأمر أنه بهرهم بوعوده فقط. وهذا ما يفعله المخادعون .
القديس يوحنا الذهبي الفم




لَيْسَ لَهُ فِي الأَرْضِ نَظِيرٌ،
صُنِعَ لِعَدَمِ الْخَوْفِ [33].
جاء في العبرية "على الطين". ليس من حيوان نظيره، أو أن الأرض لم تخرج حيوانًا مرعبًا من جهة قوته وعنفه وشجاعته وشراسته. كأنه خُلق لكي لا يخاف ولا يرهب أحدًا.
حقًا ليس لإبليس نظير على الأرض، وكما يقول البابا غريغوريوس (الكبير)مع معرفة البشر بسقوطه بسبب أفعاله، مع هذا فإنه لم يفقد إمكانياته الملائكية (قدراته التي حولها للشر)، فاجتذب الجنس البشري وأخضعه له. إنه يفاخر بقوة طبيعته التي استطاع بها أن يسيطر على البشر.
* هذا هو العدو الذي يجب أن نهرب منه. فمن هو هذا الأسد الذي يتتبعنا؟ ينبهنا القدِّيس بطرس ويقول لنا: "إبليس خصمكم كأسدٍ زائرٍ يجول ملتمسًا من يبتلعه هو، فقاوموه راسخين في الإيمان" (1بط 5: 8-9).
إذًا يوجد أسد قد صعد من غابته: فأين هي هذه الغابة؟ إنه سقط إلى أسفل. لقد نزل إلى أسافل الأرض، إلى أعماقها.
أنت إنسان، أنت أعلى من الشيطان، لأنك على أي حال من الأحوال أفضل منه. أما هو فبسبب فساده قد هبط إلى أسفل.
فإذا ما خرج هذا الأسد من غابته أي من مكان عقابه (الجحيم)، فسيقال: "قد صعد الأسد من غابته وزحف مهلك الأمم. خرج من مكانه ليجعل أرضك خرابًا" (إر 4: 7). إنه يريد أن يدخل إلى أرضك، ويريد أن يفترس كل واحدٍ منا.
"تخرب مدنك فلا ساكن. من أجل ذلك تنطَّقوا بمسوح". إذًا، بما أن الأسد قد صعد إليك ليهددك وليبيد أرضك، اَلبس المسوح، واِبكِ وتنهد وتضرع إلى الله بالصلوات أن يُفني هذا الأسد ويُهلكه حتى تتخلص منه، ولا تسقط بين أنيابه. لأنه يحاول أن يصطادك عن طريق أذنيك، حين يلقي إليك بكلمات كاذبة محببة إلى نفسك، ليجعلك تحيد عن طريق الحق. وهو يريد أيضًا أن يفترس قدميك، وينزعهما من فوق أرض الحق. ليكن! تمنطق بمسوحٍ، واقرع صدرك، اِبكِ، واصرخ صرخات الحرب حينما ترى العدو يهددك، حتى يرتد حمو غضب الرب عنك، لأنك تكون قد دخلت إلى المدينة الحصينة. فلنشكر الله الذي ينقذنا في المسيح يسوع الذي له المجد والقدرة إلى أبد الآبدين آمين.
العلامة أوريجينوس




يُشْرِفُ عَلَى كُلِّ مُتَعَالٍ.
هُوَ مَلِكٌ عَلَى كُلِّ بَنِي الْكِبْرِيَاءِ [34].
يختم وصفه بأنه في تشامخ يتطلع إلى كل الحيوانات الشرسة والعنيفة المتعالية أنها أقل منه، فهو يشرف عليها كملكٍ صاحب سلطان، ليس من حيوان يقدر أن يقاومه. الكل يخضع له، وهو لا يخضع لأحدٍ.
يُدعى الأسد ملك الغابة أو ملك الحيوانات، إنه أحد أبناء الكبرياء، حيث يتشامخ بقدرته وإمكانياته. لكن أمام الحيوان المذكور هنا يفقد الأسد لقبه.
* إنه يتطلع إلى أسفل كمن هو فوق الكل، الذين هم تحته. في صراعه ضد خالقه يستخف بأن يُحسب أحد مثله... في هذا حسنًا قيل بالنبي: "ويل للحكماء في أعين أنفسهم، والفهماء عند ذواتهم" (إش 5: 21). هكذا يقول بولس: "لا تكونوا حكماء عند أنفسكم" (رو 12: 16).
* "هو ملك على كل بني الكبرياء" . لوياثان هذا لكي يسقط في كل الأمور السابق ذكرها، ضرب نفسه بالكبرياء... لقد هاجم مسحة خلودنا بذات السلاح، وذلك كما حطم حياته المطوّبة. لكن الله قدم هذا في نهاية حديثه، إذ بإشارته لكبرياء لوياثان هذا بعد ذكر كل شروره يشير إلى أنها أشر الخطايا جميعها...
الإنسان الذي يتشامخ بلا خجل في ذهنه، يحل به الدمار سريعًا. مكتوب: "قبل الكسر الكبرياء" (أم 16: 18).
البابا غريغوريوس (الكبير)
* لقد سقطنا تحت سلطان أعدائنا - أي "مَلِكُ هذا الدهر” وأعوانه من قوَى الشر. نتيجة لهذا نشأت حاجتنا إلى الفداء بواسطة ذلك الذي يشترينا حتى نعود من حالة التغرب عنه. لذلك بذل مخلصنا دمه فدية عنا.... وإذ أن "مغفرة الخطايا”، وهي تتبع الفداء تصبح مستحيلة قبل أن يتحرر الإنسان، فلا بد لنا أولًا أن نتحرر من سلطان ذلك الذي أخذنا أسرى واحتفظ بنا تحت سيطرته، وأن نتحرر بعيدا عن متناول يده، حتى نتمكن من أن نحظى بغفران خطايانا وبالبُرْء من جراحات الخطية، حتى ننجز أعمال التقوى وغيرها من الفضائل.
*والحق؛ أما إذا فضَّلنا الشهوة عن الله فتملُك الخطيَّة علينا، حيث يقول الرسول: "إذًا لا تملُكنَّ الخطيَّة في جسدكم المائت" (رو 6: 12).
إذن ملِكان يبادران لكي يملُكا، تملُك الخطيَّة أو الشيطان على الأشرار، ويملُك العدل أو المسيح على الأبرار.
إذ كان إبليس يعلم أن المسيح جاء ليغتصب ملكوته، ويُخضع لقوته وسلطانه أولئك الذي كانوا قبلًا خاضعين للمخادع، "أراه جميع ممالك المسكونة" وكل سكان العالم، أراه كيف يملك على الواحد بالشهوة، وعلى الآخر بالبُخل، وثالث بحب المجد الباطل، ويأسِر آخرين خلال جاذبيَّة الجمال... وكأن الشيطان يقول له: أتريد أن تملك على كل الخليقة؟! وأراه الجموع غير المحصية التي تخضع له، والحق يُقال لو قبلنا أن نعرف في بساطة بؤسنا ونُدرك مصيبتنا لوجدنا الشيطان يملك في معظم العالم، لذلك يسمِّيه الرب "رئيس هذا العالم" (يو 12: 31؛ 16: 11). وعندما يقول إبليس ليسوع: أترى جميع الشعب الخاضع لسلطاني؟ يكون قد أراه ذلك "في لحظة من الزمان"، إذ يحسب الوقت الحالي لحظة أن قورن بالأبديَّة... حينئذ قال إبليس للرب: أجئت لتصارع ضدِّي، وتنزع عنِّي كل الذين هم تحت سلطاني؟ لا، لا تحاول أن تقارن نفسك بي، ولا تعرض نفسك لصعاب هذه المعركة. انظر كل ما أطلبه منك، "إن سجدت أمامي يكون لك الجميع".
بدون شك يريد ربَّنا ومخلِّصنا أن يملك، لكن بالعدل والحق وكل فضيلة... لا يريد أن يكلَّل كملكٍ بدون تعب (الصليب)...
أجابه الرب قائلًا: "مكتوب للرب إلهك تسجد، وإيّاه وحده تعبد" (تث 6: 13). إرادتي هي أن يكون الكل لي يعبدونني، ولا يسجدون لغيري. هذه هي الرغبة الملوكيَّة. أتريدني أن أخطئ أنا الذي جئت لأبيد الخطيَّة وأُحرَّر الناس منها؟!
لنفرح ولنبتهج نحن إذ صرنا له، ولنُصَلِ إليه ليقتل الخطيَّة التي ملَكت في أجسادنا (رو 6: 6) فيملك وحده علينا .
العلامة أوريجينوس
رد مع اقتباس
إضافة رد


الانتقال السريع

قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً
الموضوع
جسم لوياثان (الأشرار فعلًا) كله فاسد
أيوب | من يقف أمام لوياثان
لوياثان ( التمساح ) فى الكتاب المقدس
ما هو لوياثان؟
لوياثان


الساعة الآن 04:45 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024