رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
جهله لوضع حدود للبحار وَمَنْ حَجَزَ الْبَحْرَ بِمَصَارِيعَ حِينَ انْدَفَقَ، فَخَرَجَ مِنَ الرَّحِمِ [8]. ربما يشير هنا إلى اليوم الثالث من الخلقة عندما قال الله: "لتجتمع المياه تحت السماء إلى مكان واحد" (تك 1: 9). كانت الأرض والغمر مختلطين معًا، وإذ أمر الله بفصلهما اندفعت المياه كما من رحم الأرض وتكونت البحار. تكونت البحار الضخمة وصارت كما لو كانت محبوسة بمصاريع أو أبوابٍ لا تخرج منها. يرى البابا غريغوريوس (الكبير) أن البحر هنا يرمز للقلب الذي لا يمكن للإنسان أن يحفظه أو يقدسه بدون النعمة الإلهية. * ما هو هذا البحر إلا قلبنا الثائر بصراعٍ عنيفٍ مرّ، يزهو بتشامخ الكبرياء، ويظلَّم بخداع الشر؟ يا لقدرة أمواجه الثائرة، الأمر الذي يدركه من يفهم في نفسه سرّ تجارب الأفكار. البابا غريغوريوس (الكبير) * لماذا يقول: "عندما وُلد (خرج من الرحم)"؟ ليظهر أن هذا تم على مراحل، وأن الخلقة لم تتم كما بضربة واحدة. إنها تعكس على السامع ما قاله موسى. كما لو كان قد وُلد، حيث تدفق البحر أولًا، وبعد ذلك أخذ شكله، واجتمع معًا في موضع واحد (تك 1: 9). فلا تظن أنه أمر طبيعي للبحر أن تحده شواطئه، إنما سمح الله له في البداية بالعكس أن يوجد الماء وينتشر على كل سطح الأرض. القديس يوحنا الذهبي الفم لقد وضع الله حدودًا للبحر البدائي. إِذْ جَعَلْتُ السَّحَابَ لِبَاسَهُ، وَالضَّبَابَ قِمَاطَهُ [9]. إذ يتطلع إلى البحر كطفلٍ حديث الولادة يحتياج إلى ملابس وقماط، فقدم له الله السحب كرداء يغطيه، والضباب كقماط يضمه. هكذا يتعامل الله مع البحر الضخم كطفلٍ صغيرٍ يحتاج إلى مرضعة تقمطه وتهتم به، بالرغم من أمواجه الشديدة الهياج وتياراته الجارفة. لم يقل جعل الجبال والصخور والتلال قماطه، إنما جعل الضباب هكذا، الأمر الذي لا يخطر على فكر إنسان. * لا تظن أن الضباب الذي فوق المياه أمرًا طبيعيًا. يقول إنه كائن بأمره (الإلهي). القديس يوحنا الذهبي الفم وَجَزَمْتُ عَلَيْهِ حَدِّي، وَأَقَمْتُ لَهُ مَغَالِيقَ وَمَصَارِيعَ [10]. لئلا يثور البحر ويتمرد فيحطم حياة الإنسان على الأرض ألزمه الله بحدودٍ معينة، وأقام له مغاليق وأبواب لوضع حدود لحركته. هذه الحدود والمغاليق والأبواب لم توضع لتُفقد البحر قيامه بدوره أو تحطم رسالته، إنما على العكس، هي لصالح البحر نفسه كما لنفع الأرض. يضع الله لقلوبنا ناموسًا إلهيًا أو وصية، لا ليكتم أنفسنا، ولا ليحرمنا من السعادة والحرية، وإنما بهذه الوصية الإلهية نتشكل فنعود لنصير على صورة الله ونتشبه به. هذا لسعادتنا وسعادة الغير. الوصية لا تحبسنا لنكون كما في سجن، إنما تعين قلوبنا لتتسع بالحب نحو الله والناس حتى المقاومين لنا، بل ونحب كل الخليقة، ونحب نفوسنا في الرب. وَقُلْتُ: إِلَى هُنَا تَأْتِي وَلاَ تَتَعَدَّى، وَهُنَا تُتْخَمُ كِبْرِيَاءُ لُجَجِكَ؟ [11] لا نجد هنا شيئًا من الأساطير التي انتشرت قديمًا، مثل ظهور حيوانات بحرية مرعبة ضخمة. إنما في أسلوب أدبي روحي رائع، يصور البحر كما لو وُلد في جو من الهدوء، له دوره الحيوي بالتفاعل مع اليابسة لخدمة الإنسان. مع ضخامة المحيط وشدة اللجج وضع الله قوانين لا يتعداها. * من يستطيع أن يخبر عن أعماق البحار وسعتها وقوة أمواجها الهائلة؟! ومع هذا فهي تقف عند حدود مرسومة لها، إذ قيل: "إلى هنا تأتي ولا تتعدى، وهنا تدخل، وهنا تتخم كبرياء لُججك" فيُظهر البحر الطاعة بوضوح، إذ يجري ليقف الشاطئ في خط واضح صنعته الأمواج، معلنًا لناظريه أنه لا يتعدى الحدود المرسومة له . القديس كيرلس الأورشليمي يقول إرميا النبي: "أإياي لا تخشون يقول الرب أولًا ترتعدون من وجهي أنا الذي وضعت الرمل تخومًا للبحر، فريضة أبدية لا يتعداها، فتتلاطم ولا تستطيع، وتعج أمواجه ولا تتجاوزها" (إر 5: 22). يقدم ثيؤدورت أسقف قورش البحر دليلًا على العناية الإلهية.* لكي أقنعك بهذا عُد ثانية إلى البحر، ولاحظ أعماقه وامتداده وأقسامه إلى خلجان وشواطئه وموانيه والجزائر التي في منتصفه، وأنواع السمك الذي فيه وأجناسه وأشكاله وتنوعه وولوعه نحو الشاطئ. لاحظ حدود أمواجه، ولجام العناية التي تضبطها، وتمنعها عن أن تفيض على البر. عندما تندفع الأمواج نحو الرمل تلتزم بالحدود، ملاحظين الناموس الإلهي منحوتًا هناك. إنها تشبه حصانًا روحيًا يكبحه مدربه، فتحني الأمواج رقبتها وتتراجع، كمن تقدم توبة متراجعة عند تلامسها مع الرمل. الأب ثيودورت أسقف قورش * بين أكثر الأمور ضعفًا هو الرمل، لا يقدر البحر أن يقاومه في عنفه، إذ يكون به مُلجمًا. القديس باسيليوس الكبير |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
أيوب | جهله قوة الله في الجو والظواهر الطبيعية |
أيوب | جهله للكواكب وأثرها على الأرض |
أيوب | جهله للسحب والبَرَدْ والرعد |
أيوب | جهله لإدراك ظل الموت والظلمة |
أيوب | جهله كيف يبرز نور الفجر |