رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
جهل أيوب لكيفية خلقة الأرض أَيْنَ كُنْتَ حِينَ أَسَّسْتُ الأَرْضَ؟ أَخْبِرْ إِنْ كَانَ عِنْدَكَ فَهْمٌ [4]. أول سؤال يقدمه له الله يمس وجود ذاته، إذ يسأله أين كان حين وضع الله أساسات الأرض من أجله؟ فمن جانب لم يكن بعد أيوب ولا آدم نفسه قد خُلق، ومن جانب آخر فإن الله خلق الأرض له ولإخوته قبل أن يكون لهم وجود. لم يكن أيوب في الوجود حين أسس الله الأرض، وبالتالي لم تكن له قدرة على العمل مع الله في الخلقة أو تقديم استشارة أو حتى إدراك وفهم ما يفعله الله من أجله. كيف إذن يجسر أن يشكو من خطة الله نحوه. غن كان أيوب عاجزًا عن فهم وضع أساسات الأرض، فهل يقدر أن يدرك خطة الله وحكمته؟ * يقول الله: ماذا تقول؟ من أجلك أسست الأرض بعناية هكذا، فهل أهمل مَنْ مِنْ أجله خلقتها...؟ ينطق بهذا للذين يطلبون منه أن يقدم حسابًا وتفسيرًا للأحداث دون التطلع إلى سمو حكمته. من الذي دفعني لهذا؟ من الذي أشار عليَّ؟ من الذي جاء ليعاونني؟ القديس يوحنا الذهبي الفم مَنْ وَضَعَ قِيَاسَهَا؟ لأَنَّكَ تَعْلَمُ! أَوْ مَنْ مَدَّ عَلَيْهَا مِطْمَارًا؟ [5] يسأله: إن كنت تعرف، من الذي وضع مقاييس الأرض وحدَّد أبعاد خط الاستواء؟ من هو المهندس المعماري الذي صمم أبعاد الأرض؟ من الذي أمسك بالمطمار لقياسها، محددًا مناطقها وأبعادها؟ يبرز الحديث الإلهي أن الأرض التي يعيش عليها الإنسان لم تُوجد مصادفة بلا تخطيط، وإنما وراءها المهندس الأعظم الذي وضع خطة دقيقة لإنشائها، خُلقت بحكمة الخالق وقدرته الفائقة. * إنها ليست بدون إبداع أُخذت المقاييس، ولا جاءت مصادفة أو بطريقة عشوائية، ولكن الله صممها بهدف متناسق، عمل كمعماري بارع. القديس يوحنا الذهبي الفم يقدم لنا البابا غريغوريوس (الكبير)تفسيرًا رمزيًا لهذة العبارة، فيرى أن هذه الأرض هي حياة الإنسان، وأن الأساس الذي تقوم عليه حياتنا هو الإيمان الثابت في مخافة الرب. هذا الإيمان بكل مقاييسه هو من عمل الله فينا، ليس لنا أن ننسبه لأنفسنا.* أساس هذه الأرض هو الإيمان. يوضع أساس هذه الأرض عندما تتسم أماكن القلب الخفية بخوف الله بكونه العلة الأولى للثبات... يُقال لأيوب: لا تنسب لنفسك الفضائل التي أخذتها مني... فلكي لا أحطم فيك ما قد بنيته يليق بك ألا تكف عن التأمل في الحال الذي أوجدتك عليه... فإنه يمكننا أن نحفظ حسنًا ما نحن عليه إن كنا لا نتجاهل قط ما كنا عليه... من الذي يضع أساسات هذه الأرض إلا خالقنا؟ هذا الذي بالتدبير الخفي لخطته الداخلية يهب لواحٍد كلمة حكمة، ولآخر كلمة معرفة، ولآخر إيمانًا كاملًا، ولآخر نعمة الشفاء، ولآخر عمل معجزات، ولآخر نبوة، ولآخر تمييز الأرواح، ولآخر أنواع ألسنة، ولآخر تفسير عظات... هكذا يفعل خالقنا وواضع النظام لكل الأشياء ليحفظنا من الزهو بالعطية التي ينالها الشخص ويتواضع بالفضائل التي لم ينلها... الله يدبر كل الأمور هكذا، فينال الكل مواهب خاصة، وتُحسب كلها ملكًا لكل شخص بمفرده وذلك خلال رباط المحبة. كل واحد يملك في الآخر ما ينقصه هو، وبتواضع يقدم للآخر ما يتقبله كملكية خاصة به. وكما يقول بطرس: "ليكن كل واحدٍ بحسب ما أخذ موهبة يخدم بها بعضكم بعضًا كوكلاء صالحين على نعمة الله المتنوعة" (1 بط 4: 10)... ويقول بولس: "بالمحبة اخدموا بعضكم بعضًا" (غل 5: 13)... وأيضًا: "كما قسم الله لكل واحدٍ مقدارًا من الإيمان (رو 12: 3). البابا غريغوريوس (الكبير) "من مدّ عليها مطمارًا؟" يرى البابا غريغوريوس (الكبير) أن الذين يمدون المطمار على الأرض لبث روح الإيمان هم الكارزون، هؤلاء الذين لا يقدرون أن يعملوا إلا بالله نفسه. ضرب مثالًا بذلك الرسول بولس الذي أهمل الكرازة في مكدونية فظهر له رجل مكدوني في رؤيا أن يذهب ليعينهم (أع 16: 9). وعندما حاول الرسول أن يذهب إلى بيثينية منعه (أع 16: 7). عَلَى أَيِّ شَيْءٍ قَرَّتْ قَوَاعِدُهَا، أَوْ مَنْ وَضَعَ حَجَرَ زَاوِيَتِهَا [6]. الحديث هنا رمزي، حيث يتحدث عن خلقة الأرض كقصر أقامه الله للإنسان الملك، حفر أساساته، ووضع حجر زاوية لإقامة مبنى متكامل قوي ومتسع للغاية. إن كان السيد المسيح، كلمة الله المتجسد، أو الإيمان به هو الأساس الذي قامت عليه الأرض الجديدة، كنيسة الله، فإن قواعدها أو الأعمدة التي قامت على هذا الأساس هي الحياة المقدسة في الرب أو الفضائل التي نمارسها ببرّ المسيح ونعمته، حيث تتقدس قلوبنا وإرادتنا وكل طاقاتنا الداخلية. إذ يرى البابا غريغوريوس (الكبير) أن الأرض المقدسة التي أسسها الرب هي الإيمان، فما هي قواعد هذه الأرض؟ * بماذا نفهم القواعد التي لهذه الأرض سوى معلمي الكنيسة المقدسة...؟ يمكن أيضًا أن تشير القواعد إلى الأنبياء، فعندما تحدثوا أولًا بصراحة عن تجسد الرب رأيناهم كقواعد تقوم على الأساس (ربما يقصد السيد المسيح أساس الإيمان) ويحملون المبنى القائم عليهم... "أو من وضع حجر زاويتها؟"... واضح للكل من هو هذا الذي يدعوه الكتاب المقدس حجر الزاوية. بالحق هو ذاك الذي أخذ في نفسه اليهود في جانب والشعب الأممي في جانب آخر، ووحدهما معًا كحائطين في مبنى الكنيسة. كُتب "جعل الاثنين واحدًا" (أف 2: 14). أظهر نفسه كحجر الزاوية ليس فقط في الأمور السفلية، بل وفي العلوية، إذ وحّد شعوب الأمم مع شعب إسرائيل على الأرض، ووحّد كليهما معًا مع الملائكة في السماء. فقد أعلنت الملائكة عند ميلاده: "على الأرض السلام" (لو 2: 14). البابا غريغوريوس (الكبير) "من أنت أيها الجبل العظيم، أمام زربابل تصير سهلًا، فيخرج حجر الزاوية بين الهاتفين كرامة كرامة له" (زك 4: 7)."مبنيين على أساس الرسل والأنبياء ويسوع المسيح نفسه حجر الزاوية" (أف 2: 20). يرى القديس أغسطينوس أنه بدعوة السيد المسيح رأس الزاوية، وهو رأس الكنيسة، بهذا تكون الكنيسة هي الزاوية التي ضمت اليهود من جانب والأمم من الجانب الآخر. *حدث في ذلك اليوم الذي هو يُدعى ميلاده رآه الرعاة اليهود، بينما في هذا اليوم يليق أن يُدعى "الظهور الإلهي" أي "الإعلان" سجد له المجوس الأمميون... حقًا لقد وُلد كحجر زاوية للاثنين، وكما يقول الرسول: "لِكَيْ يَخْلُقَ الاثْنَيْنِ فِي نَفْسِهِ إِنْسَانًا وَاحِدًا جَدِيدًا، صَانِعًا سَلاَمًا، وَيُصَالِحَ الاثْنَيْنِ فِي جَسَدٍ وَاحِدٍ مَعَ اللهِ بِالصَّلِيبِ" ]15-16[. ما هو حجر الزاوية إلاَّ ربط حائطين ذوي اتجاهين مختلفين، وكأنهما يتبادلان القبلة! المختونون مع غير المختونين، أي اليهود مع الأمم، اللذان كانا يحملان عداوة مشتركة، ولهما أمور أساسية تعزلهما عن بعضهما البعض، فاليهود كانوا يعبدون الله الواحد الحق، والأمم كانوا يعبدون آلهة كثيرة باطلة. الأولون كانوا قريبين والآخرون كانوا بعيدين. لقد قاد الفريقين إلى نفسه، ذاك الذي صالحهما مع الله في الجسد الواحد، وكما قال نفس الرسول: وذلك بالصليب قاتلًا العداوة . القديس أغسطينوس عِنْدَمَا تَرَنَّمَتْ كَوَاكِبُ الصُّبْحِ مَعًا،وَهَتَفَ جَمِيعُ بَنِي اللهِ؟ [7] عند بناء بيت ما أو كنيسة أو مشروع ما يحتفل الإنسان مع أصدقائه بالبدء في حفر الأساسات والبدء في وضعها. في بدء إعادة بناء الهيكل "أقاموا الكهنة بملابسهم بأبواقٍ، واللاويين بني آساف بالصنوج لتسبيح الرب، وغنوا بالتسبيح والحمد للرب، لأنه صالح لأن إلى الأبد رحمته على إسرائيل، وكل الشعب هتفوا هتافًا عظيمًا للرب لأجل تأسيس بيت الرب" (عو 3: 10-11). وإذ يقيم الرب كنيسته، قيل: "فيخرج حجر الزاوية بين الهاتفين كرامة كرامة له: (زك 4: 7). عند ولادة السيد المسيح حجر الزاوية لكنيسة العهد الجديد "ظهر بغته مع الملاك جمهور من الجند السماوي، مسبحين الله" (لو 2: 13). يا لها من صورة رائعة حيث انطلقت الطغمات السمائية المنيرة "كواكب الصبح" تهتف وتسبح الله عندما رأوا أساسات الأرض قد وُضعت. فمع أنها لم توضع لأجلهم، وإنما لأجل الإنسان القادم، وليس لأجلهم. بالحب حسبوا سعادة الإنسان سعادتهم، وما يُقدم لهم كأنه لهم. يشبّه الله نفسه بمهندس أنشأ بيتًا عجيبًا، حين خلق العالم، فتهللت الطغمات السماوية لهذا العمل الفائق. أين كان أيوب في ذلك الحين؟ في الفصل السابع من مناظرة الأب سيرينوسأوضح أن الله خلق السمائيين قبل خلقه العالم. "عندما صُنعت الكواكب معًا سبحتني الملائكة بصوٍت عالٍ" (أي 7:38 LXX). فقد كانت الملائكة موجودة في بدء خلقة العالم تسبحه على أعمال خلقته للعالم المنظور لنا. في تعليق للقديس يوحنا الذهبي الفم على علامات المنتهى الواردة في متى 29:24، يقول بأن الملائكة سبحت الرب بصوتٍ عالٍ حين خلق الكواكب (راجع أي38: 7 LXX). بالأكثر يسبحونه حين يتم التغير النهائي حيث تتساقط النجوم، إذ لا يعود لها حاجة حيث لا يوجد ليل في الأبدية. * كل التناسق المجيد غير المنطوق به الذي للسمائيين العلويين سواء في خدمة الله أو في الاتفاق المشترك بين القوات السماوية يمكن أن يُحفظ بتوجيه الروح. القديس باسيليوس الكبير * من يتجاسر فيظن أن الملائكة قد خُلقت بعد ستة أيام الخليقة؟ إن كان غبيًا هكذا، فإن غباوته تُزال بالكتاب المقدس الذي له سلطان مشابه، حيث يقول الله: "عندما خلقت الكواكب هتفت الملائكة لي بصوتٍ عالٍ (أي 38: 7). إذا وًجدت الملائكة قبل الكواكب، الكواكب خلقت في اليوم الرابع. فهل نقول إن الملائكة خُلقت في اليوم الثالث؟ حاشا! فإننا نعلم ما الذي خلق في ذلك اليوم. اليابسة انفصلت عن المياه، وكل عنصر أخذ شكله المميز، وأنتجت الأرض كل ما عليها. القديس أغسطينوس |
|