رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
*"استيقظي يا ريح الشمال، وتعالي يا ريح الجنوب" (نش 4: 16)... دعنا نوجه اِهتمامنا إلى الطريقة التي تجعل بها الملكة ريح الشمال يبتعد عنها ثم يرجع إليها. إنها لا تأمره أن يسكن كما أمر السيد المسيح العاصفة أن تهدأ عندما كان سائرًا على المياه (لو 8: 23-24) ولكنها أمرت ريح الجنوب أن تهب وأن لا تعترضها أي ريح معاكسة قالت لريح الشمال: "استيقظي" ما هو السبب في حركة هذه الرياح؟ تتكلم الأمثال عن هذه الرياح: "من يخبئها يخبئ الريح ويمينه تقبض على الزيت" (أم 27: 16)، ولكن لا تهب ريح الشمال عن يمين الشخص في اِتجاه الغروب... وحركة الشمس في اِتجاه الغروب. أنت تفهم حقيقة ما تحتويه هذه الكلمات من أسرار: تشرق الشمس من الشرق وتسرع نحو الغروب أي ناحية قوى الظلمة، يقع الشمال على يمين الشمس ويستقبل إهانات أثناء رحلته التي تنتهي في الظلمة. لذلك يجد الشخص الغير منضبط نفسه كأنه ريح الشمال يسلك ويعمل أعمالًا مشينة. هذه الريح الشريرة على اليمين تمتلئ طمعًا عندما ترفع أكوامًا من الأشياء المالية، كأنها رمل أو تراب، ونتيجة لهذا فإن ريح الشمال تتعاون مع أخطاء كل شخص وتهبّ على جانبه الأيمن ولكن إذا كانت هذه الريح شديدة جدًا فإنها تغيّر وتقلب الأمور وتزيل متعة الفرح، لذلك تجعل العروس ريح الشمال التي تأتي قوتها من الأهواء أن تهرب تحت مسئوليتها: "اِستيقظي يا ريح الشمال". تشير ريح الشمال إلى القوى المضادة (لله)، ويظهر هذا بوضوح لأي شخص يبحث في طبيعة الحق المرئي فمن لا يدري بمسار الشمس بعد شروقها؟ أنها تظهر وكأنها تتحرك نحو الجنوب وتغرب في الغرب. ويقول الخبراء أن الأرض كرويّة، فإذا أضيء نصف الأرض بالشمس يكون النصف المقابل له مظلمًا لوقوعه في منطقة ظل الأرض. ولما كان القطب الشمالي للأرض باردًا باِستمرار ولا تدفئه أو تضيئه أشعة الشمس، فإن القوة المتحكمة في الظلمة تُحجز النفوس وتجعلها جامدة، يسمي النشيد هذا التجمد: "الشمال" أي تأثير ظلام الشتاء. إني أُسميه الشتاء الذي أشار إليه الإنجيل قائلًا: "وصلوا لكي لا يكون هربكم في الشتاء" (مت 24: 20). وفي الشتاء تنطفئ الصفات المزدهرة حسب الفضيلة. أصابت الملكة حينما أمرت بسلطانها دفع ريح الشمال بعيدًا. ونادت على ريح منتصف النهار الدافئ الذي تسميه ريح الجنوب، وبواسطته يفيض تيار جارف من السرور: "تعالي يا ريح الجنوب، هبِّي على جنتي فتقطر أطيابها". وتشبِه هذه الريح القوية التي هبت في العلية عندما كان التلاميذ فيها (أع 2:2) "وظهرت لهم ألسنة منقسمة كأنها من نار، واستقرت على كل واحد منهم". وكأنهم نباتات حيَّة تساعد هذه الريح حديقة الله على إنتاج الأعشاب العطرة، وتصدر نبوءات يفوح منها روائح ذكية ووصايا الخلاص للإيمان بفم الرسل ويخرج منها عطر تعاليمهم بكل اللغات. لقد جعلت ريح الجنوب هذه تعاليم المائة والعشرين... الذين كانوا نابتين في بيت الرب تفيض على كل أمم الأرض (أع 1: 15). تقول العروس الآن لريح الجنوب "هبِّي على جنتي"، لأن عريسها جعلها أمًا للحدائق: ويشمل النص حدائق وينبوع. من أجل هذا يرغب العريس لحديقته، الكنيسة، التي تمتلئ بالأشجار الحيّة، أن تهب عليها هذه الريح، لكي تحمل منها روائح عطورها. ويقول النبي: "الريح العاصفة الصانعة كلمته" (مز 148: 8). تزينت العروس بزينة الملكة البهية، وغيّرت النهيرات التي تفيض عطرًا إلى شيء أكثر جمالًا، فجعلتها تفيض من أشجار الحدائق بواسطة قوة الروح القدس. ويمكننا بهذه الصورة أن نتعلم الفرق بين العهدين القديم والجديد: يمتلئ نهر النبوة بالمياه بينما تمتلئ أنهار الإنجيل بالعطر. وكان نهر القديس بولس يحمل رائحة المسيح العطرة، ويفيض من حديقة الكنيسة بواسطة الروح القدس. والأمثلة الأخرى كيوحنا، ولوقا ومتى ومرقس وجميع الرسل الآخرين كلهم يرمزون إلى نباتات نبيلة في حديقة العروس، وعندما تهب عليها في منتصف الظهيرة تصير ريح الجنوب جميعًا ينابيع عطور لرائحة الأناجيل الزكية. القديس غريغوريوس النيسي |
|