18 - 04 - 2023, 11:53 AM
|
|
|
† Admin Woman †
|
|
|
|
|
|
دعوة الحاضرين للاستماع
فأجاب أَلِيهو وَقَالَ: [1]
"فأجاب"، هذا لا يعني أن أحدًا ما سأل وقام أليهو بالإجابة عليه، فقد اعتاد الكتاب المقدس أن يبدأ الأحاديث بهذه الكلمة: "أجاب"، حتى وإن لم يسبقه أحد في الكلام، وذلك كما جاء في (أيوب 3: 2؛ إش 14: 10؛ زك 1: 10؛ 3: 4؛ 4: 11-12). أحيانًا تُستخدم هذه الكلمة لتعبر عن إجابة لسؤال خفي في ذهن شخصٍ آخر معارضٍ لم يفصح عنه علانية.
اسْمَعُوا أَقْوَالِي أَيُّهَا الْحُكَمَاءُ،
وَأصْغُوا لِي أَيُّهَا الْعَارِفُونَ [2].
في الأصحاح السابق وجه أليهو حديثه إلى أيوب، حيث أجاب على أسئلته بخصوص الأحزان والضيقات، موضحًا أنها بسماح الله لأجل نفع المؤمنين، حيث تُعطى الفرصة للمؤمن أن ينسحب إلى داخله، ويكتشف أخطاءه، ويطلب الوسيط الواحد الإلهي. لم يجبه أيوب، ولا علق على كلماته. الآن يوجه حديثه بصفة خاصة إلى أصدقائه الثلاثة، وقد دعاهم حكماء، وُهبت لهم المعرفة. وهو في هذا أراد أن يهيئهم للاستماع إليه باهتمام دون تحفزٍ. ولعله تطلع إليهم أنهم بالفعل هم حكماء، قادرون على تتبع أقواله وشرحه لبعض الأمور الصعبة.
لأَنَّ الأُذُنَ تَمْتحِنُ الأَقْوَالَ،
كَمَا أَنَّ الْحَنَكَ يَذُوقُ طَعَامًا [3].
يدعونا أليهو أن يكون لنا روح الإفراز، فكما يقوم الفم بتذوق الطعام، وتمييز ما هو صالح وما هو فاسد، هكذا يليق بآذاننا أن تفرز الكلمات الصالحة من الشريرة. هنا يتحدث مع الحاضرين خاصة الأصدقاء الثلاثة، وهو لا يتحدث عن الآذان الداخلية فحسب، بل والآذان الجسمية أيضًا، فلا يترك المؤمنون أبواب آذانهم تستقبل كل الكلمات بلا تمييز.
كما نُدان عن كلمة بطالة تفسد وقتنا، يلزمنا أن نحتاط من كل كلمة نسمعها، فنهرب ما استطعنا من الاستماع ليس فقط لما هو شرير، بل وما هو باطل وبلا نفع.
يرى كثير من الآباء أن التهاون بالاستماع إلى المنحلين أو الهراطقة قد يفسد نقاوة النفس واستقامة الإيمان، لذا يليق بالمؤمن أن يمتحن ما يُقال فلا يسمح لأذنيه أن تنصتا بلا تمييز.
"جربوا أنفسكم هل أنتم في الإيمان. امتحنوا أنفسكم، أم لستم تعرفون أنفسكم أن يسوع المسيح هو فيكم إن لم تكونوا مرفوضين" (2 كو 13: 5).
"امتحنوا كل شيءٍ، تمسكوا بالحسن" (1 تس 5: 21).
"أيها الأحباء لا تصدقوا كل روح، بل امتحنوا الأرواح هل هي من الله، لأن أنبياء كذبة كثيرين قد خرجوا إلى العالم" (1 يو 4: 1).
"لا تصنع شيئًا بغير تمييز" (سيراخ 33: 30).
"ولآخر عمل قوات، ولآخر نبوة، ولآخر تمييز الأرواح، ولآخر أنواع السنة، ولآخر ترجمة ألسنة" (1 كو 12: 10).
"وأما الطعام القوي فللبالغين، الذين بسبب التمرن قد صارت لهم الحواس مدربة على التمييز بين الخير والشر" (عب 5: 14).
* "لا تُساقوا بتعاليم متنوعة وغريبة" (عب 13: 9). هذا هو معنى التمييز بين الصلاح والشر. "الفم يذوق طعامًا, لكن النفس تمتحن الكلمات" (راجع أي 34: 3) .
* الإفراز هو أفضل من كل الفضائل.
* "يا رب برضاك ثبت لجمالي قوة" (أي 30: 8)... يتساءل البعض عن نتائج الفضيلة... يقول البعض: إن لكل فضيلة علة (سبب)، بينما يرفض البعض الآخر هذا التفسير... فمثلًا هدف الحكمة أو علتها هو التمييز بين الخير والشر... وبالتمييز نستطيع أن نختار وأن نرفض، وبالعدل ندرك ما يجب أن نعطيه وما لا يجب أن نعطيه... بالشجاعة ندرك ما يجب أن نخشاه وما لا يجب أن نخشاه... أما فضيلتي الجمال والقوة فليس لهما سبب... بل تأتي قيمتهما من فضائل أخرى لها علة... فالحكماء يدركون ماهية الجمال من خلال التوافق والتناسق الموجود في داخل نفوسهم... ويدركون القوة من خلال التنفيذ العملي للفضيلة النظرية.
* يا بُنىَّ، لا تتكلم بغضب، بل ليكن كلامك بحكمةٍ ومعرفةٍ، وكذلك سكوتك أيضًا، لأن آباءنا الحكماء كان كلامهم مملوءًا من الحكمة والتمييز، وكذلك سكوتهم.
القديس أنبا أنطونيوس الكبير
لِنَمْتَحِنْ لأَنْفُسِنَا الْحَقّ،
وَنَعْرِفْ بَيْنَ أَنْفُسِنَا مَا هُوَ طَيِّبٌ [4].
لنمتحن الأمور بأنفسنا، فلا نهتم بمديح الآخرين؛ إنما ما يشغلنا هو أن نبلغ إلى الحق، ونتعرف على الحقائق، ونسعى لكي نجد ما هو صالح.
يليق بالمؤمن أن يسعى لكي يكتشف ما هو حق وما هو عادل وما هو للبنين وسط الآراء والمفاهيم المتضاربة، ممتحنًا كل شيء في جديةٍ وإخلاصٍ، دون تحيز لآرائه أو آراء محبيه.
يرى القديس يوحنا الذهبي الفمأنه يليق بنا أن نمتحن أنفسنا، فننصت إلى صوت السيد المسيح الذي فينا، كما لصوته في الكنيسة المقدسة خلال معلمينا الكنسيين.
* انظروا إلى داخلكم، فتجدون المسيح فيكم. ولكن إن كان المسيح فيكم، كم بالأكثر يكون في معلمكم .
* إن كنا لا نعرف كيف يمتحن الواحد الآخر، فإننا لا نعرف إن كان المسيح فينا أم لا. الفشل في ممارسة الامتحان هو عدم معرفة الإيمان الموروث في إعلان إيماننا. من له حاسة الإيمان في قلبه يعرف أن يسوع المسيح فيه .
* كما في إسرائيل القديم وُجد بعض أنبياء نطقوا بكلمة الله، وآخرون لم يفعلوا هكذا، فإنه ما أن ظهر الرسل ينطقون في المسيح ولهم الروح القدس الذي أرسله إليهم الرب، حتى أرسل الشيطان رسلًا كثيرين كذبة يزيفون تعليم الإنجيل. إنه لأمر حيوي أن يكون لكم عطية الروح القدس التي تُدعى تمييز الأرواح حتى يمكنكم امتحان الأرواح، وتروا ما يلزم أن تؤمنوا به وما يلزم أن تنبذوه .
* يلزمنا أن نراعي بكل حرص هذا الأمر المثلث الجوانب، فلنختبر الأفكار التي تهاجمنا ببصيرة وحكمة، لندرك ما هو مصدر الفكر وأسبابه منذ بدايته. وبهذا يمكننا أن نأخذ في اعتبارنا هل نخضع له وذلك حسب نوع من يقترحه، فنكون كالصيارفة الحكماء كما يعلمنا بذلك الرب. إذ هم بمهارتهم وخبرتهم يميزون الذهب النقي الخالص الذي تنقى بالنار كما ينبغي، وبمهارتهم لا ينخدعون بقِطع النحاس المغشاة بطبقةٍ خفيفةٍ من الذهب والتي تبدو ذات قيمة عظيمة... إنهم بذكائهم ومهارتهم يدركون تمامًا العملات المزيفة التي يصكها كبار المخادعين...
هكذا يلزمنا أولًا أن نختبر بكل حرص كل فكر يدخل إلى قلوبنا وكل تعليم نتلقنه، لنرى ما إذا كان قد تنقى بنار الروح القدس الإلهي السماوي، أو ينتمي إلى ضلال الهراطقة، أو هو ثمرة كبرياء الفلسفة البشرية التي ليس لها إلا سطحيات التديّن.
نستطيع أن نعمل هذا إن سلكنا بنصيحة الرسول القائل: "أيها الأحباءُ لا تصدّقوا كلَّ روحٍ، بل امتحنوا الأرواح هل هي من الله..." (1 يو1:4). ينخدع البعض بهذا النوع، فيغويهم حُسن التنسيق، والتعاليم الفلسفية التي تخدع لأول وهلة بما فيها من بعض المعاني الورعة التي تتفق مع الدين، وذلك كما يخدع بريق الذهب ناظريه. هؤلاء تجذبهم المظاهر، لكن سرعان ما يشعرون أنهم في الواقع قد خرجوا فارغي اليد، ويسقطون في اليأس، ويكونون كمن قد انخدعوا بالنقود النحاسية المغشوشة .
|