![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
![]() بالأحزان أَيْضًا يُؤَدَّبُ بِالْوَجَعِ عَلَى مَضْجَعِهِ، وَمُخَاصَمَةُ عِظَامِهِ دَائِمَةٌ [19]. يسمح الله بالآلام تحل ببعض مؤمنيه حتى يلزموا الفراشً وهو في هذا لا يطلب آلامهم، إنما لكي يكبح رغبتهم نحو الخطية. في لحظات الضيق يعيد الإنسان التفكير في حياته، وتُقدم له الفرصة للتفكير في المصير الأبدي. أليهو يوضح هنا أن الضيق هو عمل تأديبي للبنيان، يستخدمه الله بروح الأبوة الحانية، من أجل توبة أولاده، ورجوعهم إليه، وتمتعهم بشركة الأمجاد. يشير السرير أو الفراش أو المضطجع إما إلى الملذات الجسدية أو الراحة بممارسة الأعمال الصالحة أو الراحة المؤقتة. عندما شفى السيد المسيح المفلوج سأله أن يحمل سريره ويمشي (مت 6:9)، أي لا يعود ينام في ملذات الجسد، بل بكلمة الرب يحمل سرير مرضه، ويتخلص من خطاياه. هنا يعلن أن الله يؤدب الإنسان الساقط في ملذات الجسد على سريره، فتصير الملذات نفسها مصدر آلامه وتأديبه. ما يظنه سرٌ بهجته يصير بالنسبة له علة حزنه. أما العظام التي تنبري، فتشير في الكتاب المقدس إلى الفضائل، حيث كُتب: "الرب يحفظ كل عظامهم، وواحدة منها لا تنكسر" (مز 20:34). لا تشير هنا إلى عظام الجسد بل إلى قوى العقل. فإن الكثير من عظام الشهداء انكسرت وذلك بالمفهوم الجسدي، كما كُسرت ساقا اللص الذي قيل له: "اليوم تكون معي في الفردوس" (يو 32:19، لو 23: 43). فإنه إذ يؤدبنا خلال شهواتنا الجسدية، يتبدد فينا الافتخار بفضائلنا، ونعترف بضعفنا. خلال التأديب ندرك ضعفنا، وبدونه نحسب أنفسنا أقوياء في حياة الفضيلة بقدراتنا الذاتية. فَتَكْرَهُ حَيَاتُهُ خُبْزًا، وَنَفْسُهُ الطَّعَامَ الشَّهِيَّ [20]. من التأديبات التي يستخدمها الله السماح بالمرض الذي يُفقد الإنسان شهيته حتى عن أكل الخبز، إذ تمقته نفسه، وهو تأديب نافع للمتألمين، إذ لا يعودوا يستطيبون الملذات والترف. يشمئز الإنسان من الأطعمة الفاخرة التي كان يشتهيها ويعافها. يقول المرتل عن الجهال الذين تذلهم آثامهم: "كرهت أنفسهم كل طعامٍ، واقتربوا إلى أبواب الموت" (مز 107: 18). ويصف الحكيم حال الميت: "والشهوة تبطل، لأن الإنسان ذاهب إلى بيته الأبدي، والنادبون يطوفون في السوق" (جا 12: 5). بعد أن تحدث عن قوة التأديب الإلهي، الذي يرفع الإنسان عن سرير الملذات الجسدية، ويبدد افتخاره بالحياة الفاضلة كأنها من عمل يديه، يقول هنا إنه يجعل خبزه دنسًا في شفتيه، فتكره حياته الخبز، وتُعاف نفسه الطعام الشهي. ماذا يعني بالخبز والطعام الشهي سوى الملذات التي كان يجد فيها لذة خاصة لا يقدر أن يستغنى عنها؟ خلال التأديب يتحول خبزه بالنسبة له إلى دنسٍ كريهٍ، حيث يدرك بطلان الملذات الجدسية، وتتحول العذوبة من الطعام الشهي إلى مرارة لا يطيقها. فَيَبْلَى لَحْمُهُ عَنِ الْعَيَانِ، وَتَنْبَرِي عِظَامُهُ فَلاَ تُرَى [21]. الجسم الذي كان يعتز به الإنسان ويفخر بجماله وقوته يبلى كأنه قد اختفى، ويصير كأنه غير موجود، والعظام التي كانت مختفية حيث يكسوها اللحم برزت من شده النحافة والمرض، وكأنها صارت عارية. يعلق البابا غريغوريوس (الكبير) على هذه العبارة التي جاءت ترجمته لها في كتاباته: "يبلي جسده، وعظامه التي كانت مغطاة تتعرى" بأن الجسد هنا يشير إلى شهوات الجسد، والعظام إلى فضائل النفس. فخلال عصا التأديب تبلى شهوات الجسد، ولا يكون لها سلطان علينا وتنكشف الفضائل التي كانت مستترة، فتتجلى وسط التأديب الإلهي. * لا يتعلم أحد عن مدى التقدم الذي صار له إلا وسط الضيق لأنه في الرخاء لا يمكن تمييز الشهوات عن القوة الروحية. عندما تأدب الرسل طُلب منهم ألا ينطقوا بعد باسم يسوع. أما هم ففرحوا فرحًا عظيمًا، أنهم حُسبوا أهلًا أن يهانوا من أجل اسم يسوع. وبثقة أجابوا خصومهم قائلين: "ينبغي أن نطيع الله أكثر من الناس" (راجع أع 29:5). ها أنتم ترون قوة الإيمان تشرق بأكثر حيوية في وسط الضيق. ها أنتم ترون سلامة (شهوات) الجسد تقطع، وعظام فضائلهم تُكشف. قيل عنهم بواسطة الحكمة: "الله زكٌاهم، ووجدهم أهلًا له" (حكمة 5:3). فإنهم إذ يُمتحنون بواسطة نفخات الخصم يًجدون أهلًا بتعرية عظامهم". فإن قوة كل إنسان تُعرف فقط بالضيق. البابا غريغوريوس (الكبير) وَتَقْرُبُ نَفْسُهُ إِلَى الْقَبْرِ، وَحَيَاتُهُ إِلَى الْمُمِيتِينَ [22]. هنا يعني الإنسان الساقط في ضيقة يصير كمن يعاني من الآم مبرحة تكاد تنهي حياته، فينقاد إلى المميتين، أي ملائكة الموت، أي الملائكة المنوطين من قبل الله ليأخذوا أرواح الناس. * "تقرب نفسه إلى الفساد، وحياته إلى المخربين" [22]. بقدر ما يُقاد بالضيق ويدرك أن قوته تقترب من الموت، يعمل ليجد حلًا، يجد الأساس الحقيقي للحياة، بالطيران إلى الحماية القادمة من الثقة بالله. البابا غريغوريوس (الكبير) |
![]() |
|