رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
كُنْتُ أَخْتَارُ طَرِيقَهُمْ، وَأَجْلِسُ رَأْسًا، وَأَسْكُنُ كَمَلِكٍ فِي جَيْشٍ، كَمَنْ يُعَزِّي النَّائِحِينَ [25]. في بساطة يبتسم بوقارٍ لكي يسكب على الحاضرين روح البشاشة، وفي نفس الوقت لا يتخلىٌ عن قيادة سفينة حياتهم، فهو ربان السفينة. "كنت أختار طريقهم، وأجلس رأسًا". ابتسامته لا تنزع مهابته كملكٍ وقائدٍ معركةٍ: "وأسكن كملكٍ في جيشٍ". متى أصدر أمرًا أطاعه الكل كما يطيع الجنود قائد الجيش. يقول لهذا أذهب فيذهب، ولذاك أن يأتي فيأتي، ولعبده أفعل هذا فيفعل" (مت 9:8). قيادته لا تسبب ضيقًا وتبرمًا، فهو لا يهوى السلطة، إنما يقود ليعزي النائحين برقة قلبه وتعضيده للجميع في الحق الممتزج بالحب. * "أختار طريقهم، فأجلس رأسًا (رئيسًا)" [25]. في قلوب الخطاة الهالكين تحتل أعمال الجسد مركز الصدارة، وأعمال النفس المركز التالي. بالتأكيد في أفكارهم لا يجلس المسيح في الصدارة، بل يحتل المركز الأخير. أما المختار فيهتم بالأمور الأبدية فوق كل شيءٍ. إن كان هناك أمر زمني، فيدبره كأمرٍ ثانويٍ، ويحتل اهتمامًا أقل. يقول صوت الحق: "اطلبوا أولًا ملكوت الله وبرَّه، وهذه كلها تُزاد لكم" (مت 33:6)... "حين جلست كملكٍ يحوط حولي جيش، لكنني كنت معزيًا للنائحين". يجلس الرب كملكٍ في القلب، إذ يحكم عواطف القلب الصاخبة في أفكارنا. فإنه في النفس التي يسكن فيها يهب حماسًا للخاملين، ويضبط القلقين، ويلهب الباردين، ويلطف من الملتهبين، ويلين القساة، ويربط المنحلين، حتى بهذا التنوع من الأفكار يحيط به نوع من الجيش. أو بالتأكيد يجلس كملكٍ يحوط حوله جيش، لأن ذاك الملك يحكم على عقول المختارين وسط طغمة من الفضائل. هو أيضًا "المعزي للنائحين"، خلال الوعد الذي قدمه، قائلًا: "طوبى للحزانى لأنهم يتعزون" (مت 4:5). مرة أخرى: "ولكني سأراكم أيضًا فتفرح قلوبكم، ولا ينزع أحد فرحكم منكم" (يو 22:16)... تتعزى أيضًا قلوب الحزانى بواسطة الكنيسة المقدسة، إذ ترشد نفوس المختارين. إنها تتثقل بويلات الرحلة الحاضرة، وتبهجهم بالوعد بالمدينة الأبدية... تمزج الكنيسة المقدسة الرجاء والخوف معًا للمؤمنين بها، فيتلامسون مع حنو المخلص وعدله في خدمتها المستمرة. تفعل هذا لكي لا يعتمدوا على الرحمة خلال الرخاوة، ولا أن يفقدوا الرجاء بالرعبٍ من العدالة. فهي تُبهج الذين يُحذرون بكلمات رأسها، قائلة: "لا تخف أيها القطيع الصغير، لأن أباكم قد سُرّ أن يعطيكم الملكوت" (لو 32:12). كذلك تحذر المتجاسرين: "اسهروا وصلوا، لئلا تدخلوا في تجربة" (مر 38:14). وتبهج الذين في رعبٍ، قائلة: "افرحوا بالحري أن أسماءكم كُتبت في السماوات" (لو 20:10). أما الذين يعتدون بذواتهم فترعبهم، قائلة: "رأيت الشيطان ساقطًا من السماء كالبرق". تبهج الذين في رعبٍ، قائلة: "خرافي تسمع صوتي، وأنا أعرفها فتتبعني، وأنا أعطيها حياة أبدية، ولن تهلك إلى الأبد، ولا يخطفها أحد من يدي" (يو 27:10-28)... * يمتزج الحنو بالقسوة (الحزم)... هذا بالحقيقة يظهر في تابوت العهد، حيث يُوجد فيه العصا والمن معًا بجانب لوحي الشريعة، هناك حيث توجد معرفة الكتاب المقدس في صدر الحاكم الصالح، مع عصا القسوة (الحزم)، فليوجد مّنْ العذوبة. هكذا يقول داود: "عصاك وعكازك يعزيانني" (مز 4:23). البابا غريغوريوس (الكبير) فإن كنَّا من أجل الشفاء الجسداني نقبل أدوية مرَّة كريهة، ونخاطر بقطع الأعضاء وكيّ النار، ونحن في ذلك نشكر الأطباء والجرَّاحين المعتنين بنا رغم العلاجات المؤلمة، فكم بالحري يدعونا الصواب إلى أن نفعل هذا من أجل خلاص نفوسنا، ولو كان علاج هو النصح والتوبيخ مرًا؟! القديس باسيليوس الكبير القديس أغسطينوس القديس يوحنا الدرجي |
|