رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
إِذْ أُخْفِيَتْ عَنْ عُيُونِ كُلِّ حَيٍّ، وَسُتِرَتْ عَنْ طَيْرِ السَّمَاءِ؟ [21] شهوة قلب كل مؤمن وكل لاهوتي حقيقي أن يكون من حق المختارين أن يتمتعوا برؤية الله في الحياة الأبدية. هذا ما يعلنه القديس يوحنا الرسول: "لأننا سنراهُ كما هو" (1 يو 2:3). غير أنه في ذات الرسالة يقول: "الله لم ينظرهُ أحد قط" (1 يو 12:4). ويؤكد الرسول بولس: "ساكنًا في نورٍ لا يُدنَى منهُ، الذي لم يَرَهُ أحد من الناس ولا يقدر أن يراهُ" (1 تي 16:6). هذا يثير أسئلة كثيرة منها: 1. هل هذه الرؤية محفوظة فقط للحياة الأبدية؟ أم يمكن أن تبدأ هنا في خبرة داخلية في أعماق النفس؟ 2. هل رؤية السمائيين لله هي رؤية لجوهره؟ وهل يتمتع المؤمنون في السماء برؤية الجوهر الإلهي؟ لقد كتب القديس يوحنا الذهبي الفممقالًا بعنوان: "طبيعة الله غير المدركة"، يُظهر فيها استحالة رؤية الله في جوهره كما هو. أكدت مجامع القسطنطينية في القرن الرابع عشر (1341، 1351، 1368م) أن الله لا يمكن الدنو منه من جهة الجوهر، فهو ليس موضوع معرفة الملائكة أو القديسين أو موضوع رؤيتهم، إنما يُرى هذا الجوهر الإلهي خلال طاقاته الإلهية غير المخلوقة. وقد أفاض الأب غريغوريوس بالاماس في الحديث عن هذه النظرية. * عندما نسمع السيرافيم أنهم يطيرون حول العرش في سموه ورفعةٍ، يغطون وجوههم بجناحين... ويسترون أرجلهم باثنين، ويصيحون بصوتٍ مملوء رعدة، لا تظن أن لهم ريشًا وأرجلًا وأجنحة، فإنهم قوات غير منظورة... حقًا إن الله حتى بالنسبة لهذه الطغمات غير مدرك، ولا يقدرون على الدنو منه، لهذا يتنازل هو ليظهر بالطريقة التي وردت في الرؤيا. فإن الله لا يحده مكان ولا يجلس على عرش... إنما جلوسه على العرش وإحاطته بالقوات السمائية هو من قبيل حبه لهم. إذا ظهر على العرش وأحاطت به هذه القوات لا تقدر على معاينته، ولا احتملت التطلع إلى بهاء نوره، فتغطي أعينها بأجنحتها، ولا يعد لها إلا أن تسبح وتترنم بتسابيح مملوءة مجدًا ورعدة مقدسة، وبأناشيد عجيبة تشهد لقداسة الجالس على العرش. حرى بذاك الذي يتجاسر ليفحص عناية الله الذي لا تقدر القوات السمائية على لمسها أو التعبير عنها أن يختبئ مختفيًا تحت الآكام. القديس يوحنا الذهبي الفم إن كانت الحكمة، التي هي الله، مخفية عن عيون الأحياء، فبالتأكيد لا يستطيع أحد القديسين أن يرى هذه الحكمة. وإني أسمع يوحنا يتفق مع هذه العبارة: "الله لم يره أحد قط" (يو 18:1). ولكن عندما أتطلع إلى آباء العهد القديم أتعلم أن كثيرين منهم - كما يشهد تاريخ الكتاب المقدس - رأوا الله. فقد رأى يعقوب الرب وقال: "لأني نظرت الله وجهًا لوجه" (خر 30:32). بالمثل رأى موسى الله الذي كُتب عنه: "ويكلم الرب موسى وجهًا لوجهٍ كما يكلم الرجل صاحبه" (خر 11:33). أيوب نفسه هذا رأى الرب وقال: "بسمع الأذن قد سمعت عنك، والآن رأتك عيني" (أي 5:42). إشعياء النبي رأى الرب وقال: "في سنة وفاة عزيا الملك، رأيت السيد جالسًا على كرسي عالٍ ومرتفع" (إش 1:6). رأى ميخا الرب قائلًا: "قد رأيت الرب جالسًا على كرسيه، وكل جند السماء وقوف لديه عن يمينه وعن يساره" (1 مل 19:22). ماذا إذن يعني هذا أن كثيرين من آباء العهد القديم يشهدون أنهم رأوا الله، ومع هذا يُقال بخصوص هذه الحكمة التي هي الله،: "أخفيت عن عيون كل حيُ" (أي 21:28)، ويقول يوحنا: "الله لم يره أحد قط" (يو 18:1)؟ واضح لنا أن نفهم بأننا مادمنا نعيش هنا حياة قابلة للموت يمكن رؤية الله عن طريق ظهورات، أما رؤيته الحقيقية بطبيعته فلا يمكن تحقيقها. البابا غريغوريوس (الكبير) |
|