رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
أَمَّا هُوَ فَوَحْدَهُ، فَمَنْ يَرُدُّهُ؟ وَنَفْسُهُ تَشْتَهِي فَيَفْعَلُ [13]. مع شعور أيوب بضعفه البشري وفي نفس الوقت لا يقدر أن يتجاهل أمانته وجديته في حفظ وصايا الرب، وتقديره الفائق لها، كان يود أن يدخل في حوار مع الله ليتعرف على مقاصده الإلهية وراء ما حل به. لكن أيوب يدرك حدوده أنه مخلوق ضعيف لا يعاتب لكي يغير خطة الله، ولا يتوقع أنه يقاوم الله. يعلم أن الله هو القدير الحكيم الآب، ما يريده هو للخير، وقادر على أن يفعله. وكأن أيوب يود في حواره أن يفتح الله بصيرته بالأكثر ليسبح في محبته الله الفائقة حتى وإن كانت الضيقات تلاحقه من كل جانب. بهذا الحوار ينتفع أيوب فيزداد إيمانهوحبه ويسمو فوق الكلام. الله هو الحق المطلق، مشورته غير متغيرة، لا يشترك معه أحد في المشورة، ليس من يغير إرادته ومقاصده. حقًا بالتوبة يعفو، لكنه مقاصده لا تتغير "معلومة عند الرب منذ الأزل جميع أعماله". إنه قدير، ما يشتهيه يحققه. ليس كالبشر الذين يشتهون أمورًا كثيرة لا يفعلونها، أو لا يقدرون أن يفعلوها، أو لا يجسرون على ذلك، إذ هو كلي القدرة. "كل ما شاء الرب صنع" (مز 135: 6). *"إن كان يُحاكم، فمن هو هذا الذي يعارضه؟ فإنه يريد الشيء ويتممه". تُحفظ المعرفة في حدود الطبيعة بكل طرقها، أما الإيمان فيجعل رحلتها فوق الطبيعة... الإنسان الذي يتبع الإيمان يصير للحال حرًا وحاكمًا لنفسه، وكابنٍ يُخضع كل طبائع الخليقة وكأنه إله، فإنه بالإيمان يتحقق السلطان على شبه الله ليقيم خليقة جديدة. إنه يقول: "أنت تفعل ما تريد، وكل الأشياء حاضرة أمامك". وفي مرات كثيرة يمكن للإيمان أن يحضر كل شيءٍ من العدم. القديس مار أفرام السرياني *"لكنه هو نفسه وحده، ولا يستطيع إنسان ما أن يغير فكره"... إذ توجد كثرة من الأشياء في دائرة الطبيعة، فلماذا يُقال بصوت الطوباوي: "إنه هو وحده"؟ يوجد فارق بين ما يوجد، وما هو موجود أصلًا، بين ما يخضع للتغير والوجود والمستقل عن التغير. فإن كل هذه الأشياء موجودة، لكنها لا تقوم بذاتها، فلو لم تقم بيد من يحكمها ما كان يمكن لها أن توجد قط. فإن كل الأشياء تقوم في ذاك الذي خلقها، وهم ليسوا مدينين بحياتهم لأنفسهم، ولا أولئك الذين يتحركون ولا يحيون قد صارت لهم الحركة حسب نزواتهم. إنما (الله) هو الذي يحرك كل الأشياء، هذا الذي يحيي البعض، واهبًا لهم الحياة، بينما الكائنات الأخرى التي بلا حياة يقوم هو بحفظها، مودعًا إياها بطريقة عجيبة ككائنات أقل وأدنى. خُلقت كل الأشياء من العدم، وينتهي وجودها إلى العدم، ما لم يمسك بها خالق الأشياء بيد تدبيره. إذن كل الأشياء المخلوقة لا تقدر بذاتها أن تقوم، ولا أن تتحرك، وإنما ينبغي أن تخضع لجابلها، بهذا فقط تتحرك... على أي الأحوال، فانه حتى وإن وجدت مقاومة ضدنا من الخارج (أي ضيقات) يليق بنا أن ندرك أن الله يعمل فينا من الداخل... إذن في كل الأحوال يُنظر إلى الله كمن هو وحده، هذا القائم من البدء، والقائل لموسى: "أنا هو الذي هو، هكذا تقول لبني إسرائيل، ذاك الذي هو كائن يرسلني إليكم" (خر 14:3). هكذا عندما نُعاقب بالأمور التي نراها، يلزمنا أن نخاف ذاك الذي لا نراه... بخصوص عدم إمكانية تغيره، أضاف بطريقة مباشرة لائقة: "لا يقدر إنسان أن يغٌير فكره"، فإنه إذ هو بالطبيعة غير قابلٍ للتغير، فهو غير قابل للتغير في الإرادة. "لا يقدر أحد أن يغٌير فكره"، حيث ليس لإنسانٍ ما سلطان لمقاومة أحكامه الخفية... هكذا مكتوب: "يصدر قانونًا لا يتغير". وأيضًا: "السماء والأرض تزولان، وأما كلامي فلا يزول" (مر 31:13). أيضًا: "لأن أفكاري ليست كأفكاركم، ولا طرقكم كطرقي" (إش 8:55)... فإنه حتى تلك الأمور التي تبدو أنها تُصنع ضد إرادته ومخالفة لها، فلنتطلع إلى أن ما لم يأمر به يُسمح به أحيانًا أن يتم لكي تخدم ما أمر به وتحققه بأكثر تأكيد. فإن إرادة الملاك المقاوم شريرة، لكن الله يأمر بطريقة عجيبة حتى يستخدم الله ذات حيله المخادعة لصالح الأبرار الذي يتطهرون خلال جهادهم. لهذا فإن كل ما ترغبه نفسه (الله) يفعله"، مستخدمًا ذات المصدر الذي قد يبدو مقاومًا لإرادته ليحقق به إرادته... البابا غريغوريوس (الكبير) |
|