منتدى الفرح المسيحى  


العودة  

الملاحظات

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  رقم المشاركة : ( 1 )  
قديم 27 - 03 - 2023, 02:33 PM
الصورة الرمزية Mary Naeem
 
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو
  Mary Naeem غير متواجد حالياً  
الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,273,258

كُنت هناك




كُنت هناك

كانت تجلس قبالته بانحناءة قليلة للأمام ويدها تمسك الأخرى بحنو وقوة، وتنظر بملئ عينيها نحوه كأنها تقول: أنا معك، اخبرني….
يشعر بالارتباك وتأبى شفتيه الابتعاد عن بعضها لأن سيل من الكلمات والحزن سيطفو إن فعل وعندها لن يستطيع ايقافه، وأفكار كثيرة تدور في تلافيف دماغه وتعطيه إشارات واهمة: ماذا ينفع لو تحدثت؟ ما الذي تُجنيه عندما تكسر القفل الصدأ الذي يحرس هذا الصندوق الثمين المليء بحكايات ألمك ومعاناتك من سنين طويلة؟
لكني لم أعد أحتمل فيضان الغضب الهائج في داخلي، لم أعد أستطيع كبح جماح إرادتي ومشاعري عند ثورة بركاني، لقد أُنهكت واستنفذ طاقاتي ذاك السواد القاتم العفن الفائض من ذاك الصندوق في قلبي.
فقد وجدت من الحب والحنو في قلبها مايجعلني أشعر بالأمان والاطمئنان، فهي لن تخذلني كما فعل كثيرين قبلها، ولن تلقي علي كلمات الاتهام والإدانة كما اعتدت في نشأتي، ستسمعني فقط بقلب مفتوح وعينان حساسة لكل خلجة مشاعر تمر بين كلماتي، احتاج لذاك الصدر الحنون لكي أرمي برأسي المثقل بالأتعاب المنهك بالذنوب لأنه لم يعد يقوى على الصمود الزائف،
احتاج لتلك العينان الواسعتين اللتان تستقبلان إشارات الألم وتمتص إشعاع الغضب الخارج من أعماقي.
تنظر إليه وتقول بصمت: هيا فليفض سيل المرارة ويجرف معه كل رواسب السنين والقيح المتراكم من تفاعل مشاعر الذنب والخزي وعدم الغفران، فمستقبلات الألم في قلبي تلتقط إشارات المعاناة الصادرة من داخلك، فالقلب المتألم يشعر ويستشعر آلام الآخرين.
فلتتكلم وتُخرج ظلمة أفكارك ومشاعرك للنور….
وانفجر نبع الكلمات مختلطاً بدموعي وبكيت كما لم أبكي في حياتي، قلبي المتألم تكلم وصرخ وعاتب وألقى اللوم …..
وساد ضباب قاتم شعرت به في الغرفة وكأن عفن ذاك الصندوق المدفون في أعماقي خرج تصطحبه نار الكره والغضب والحقد وملأ المكان بضباب مقيت،
لم أكن أستطيع النظر في عينيها لأني سأرى بشاعتي وقباحة قلبي،
وقطع ذاك الصمت صوتها الهادئ بكلمة هدأت بعجب عواصف أفكاري وهيجان غضبي: إذن !!؟
فنظرت إليها من خلال دموعي لأرى عيناها مازالت ثابتة بنفس الحب والأمان، فانقشع الضباب ودخل نور عجيب لم أعرفه أو أدرك كنهه وملأ المكان.
وقالت: لقد انتهى
نعم لقد انتهى، قلتها بصوت هادئ مصحوب برياح شك،
نعم انتهى، انظر ….
ونظرت لأعماقي باحثاً عن تأثير كل تلك الذكريات المرة فلم أجد، بحثت عن جذور المرارة التي كانت تتشابك بقوة لاتستطيع إدراكها فوجدتها أقل ثباتاً وتشابكاً، بحثت عن الغضب الهائج الذي كان يضرب جدران قلبي عند استحضار أي صورة من الماضي لأجده تحول لنسمات عارضة،
فعلاً انتهى لكن لا أعرف متى وكيف

ترك المكان ونسي أن يحمل ماجاء به، لكن المكان أبى إلا أن يحتفظ ببقايا الذكريات كما اعتاد أن يفعل مع كل زائر عابراً كان أم مستوطناً، ذكريات ألم ومعاناة وفرح وصخب، ذكريات هي عصارة حياة أشخاص صنعوها أو أرغموا على اقتنائها.
نظرت لجدران الغرفة ورأت لوحات غير مرئية إلا في قلبها المُثَقّل، لوحات لأشخاص مروا في حياتها وشغلوا مقعداً، منهم من رحل دون استئذان وتركه فارغاً، ومنهم لم يكن مهتماً بمكانه فلم يأبه وغادر ببساطة لأن الأمر لم يكن يعنيه، ومنهم من جلس وشاطرها فصول مهمة في حياتها ورحل مع أن الرحيل لم يكن من خياراته، ومنهم من بقي وأراد البقاء ومنهم لاتعرف متى سيغادر مختاراً أو مجبراً.
الحياة ستستمر …. مع أن الشمس قاربت أن تفارق نصف الكرة الأرضية التي تعيش فيها، لكنها ستشرق في النصف الثاني.
“ربااااااه كم من العمر قد مضى؟ أشعر أن عمري عُمران … ربما لكثرة المحطات والرحلات والمطبات والاستراحات التي مررت بها”،
انحنت ووضعت مقعدها مقابل النافذة كما اعتادت من سنين طويلة عندما أرادت التحدث معه، كان ينبغي أن تقابله وهو على عرشه المتعالي في السموات الواسعة، فلم تكن تستطيع أن تجعله محدوداً بمكان أو زمان.
نظرت للسماء الممتدة راجية أن يتسع قلبها كاتساع السماء كي تستطيع أن تأوي هذه الكنوز التي يضعها العابرون في قلبها، قصص أفراحهم وآلامهم، معاناتهم وانتصارهم، صلواتها وأمانيها لهم …..
أغمضت عينيها لتصلي له وقلبها يعتصر وكأنها تعبر معه المشقة وتختبر كل خلجة ألم يمر به.
“وأنت أين آلامك؟” ….. فتحت عينها مذعورة ونظرت حولها لترى من يتحدث معها… فلم تجد.
أظن أني أتوهم، وعادت تنظر للسماء وخيوط الظلام بدأت تتسلل قبة السماء لتنسج ثوبها الليلكي.
“نعم أين آلامك؟ من سنين وأنا أنتظر لقاءً أسمع فيه شكواك من جراح عبرت وخيانات مرت وخيبات استمرت “…
خفضت رأسها صامتة وكأنها تعترف بحقيقة ماسمعت، لكنها لم تكن تريد متابعة الحديث.
“أين مفتاح صندوقك الصدأ؟ …. أما آن الأوان لتفتحيه وترمي مافيه من أشياء عفنة؟”
تمتمت: “لاأستطيع…. فعلاً لا أستطيع، فلم يعد بالعمر بقية تستحق أن أفتح مابقي مغلقاً سنين طويلة.
قد يكون الخوف… قد يكون الشعور بالخزي … قد تكون مشاعر مختلفة تعيق حتى مجرد تفكيري بالأمر …. وأظن أن الحياة ستسمر”.
“حياتي كانت بموتي، وموتي كان لإجلكِ كي لاتعبري وادي الألم، لماذا تصرين على البقاء فيه؟
الحياة لن تجديك نفعاً، لن تفلتي قبضتك عن الماضي إن لن تموتي ويموت الماضي معك، وبعد الموت القيامة والحياة. إختاري الحياة أرجوك فأنت تتموتين من الداخل وجدران حياتك لن تقوى على الاحتمال…. أرجوك”.
أخفت وجهها بين يديها، بكت مرارة السنين التي مرت…. السنين التي كانت فيها وحدها… وحدها تماماً، وصرخت: “كيف كنت سأنجو وحدي؟ كيف؟”
أحست باضطراب صوته وهو يقول: “أوهل تظنين أنك كنت وحدك؟ كنت معك في كل لحظة مررت بها بمعاناة أو اختبرت ألم، كنت بجانبك متألماً وأصرخ: أنا هنا، تعالي إليّ، عندي ستجدين الراحة وتتمتعين بالسلام الداخلي. كنت أقف ساعات وأيام منتظراُ ومتأملاً أن تلاحظيني وتقبلي حبي المُعَّد لك منذ الأزل.
أنا من تألم من رفضك لي وابتعادك عني في كل مرة أظن فيها أني اقتربت منك.
عرفتك منذ كنت في بطن أمك وأحببتك وعندما رُميت في الصغر قلبي كان مهدك وسمائي غطائك. كنت أنتظر اليوم الذي ستكبرين فيه وتعرفيني، وعندما صار زمنك زمن الحب كنت واقفاً أقرع على باب قلبك كل يوم لسنين طويلة وأناديك، لكنك كنت مشغولة بعالم تبحثين فيه عن الحب والقبول، رفضتيني أنا ينبوع الماء الحي وذهبتِ تبحثين عن آبار أخرى لترتوي منها وأنا أعلم جيداً أنها آبار مشققة لا ماء فيها. لكني كنت مُصراً في كل مرة أن أبحث عنك وأنقذك من فم الأسد، لأنك لي.
فلم تكوني وحدك أبدا، ولن تكوني”.
غادرت مقعدها وعادت تنظر لجدران الغرفة لترى لوحات لمحطات حياتها تكتسي ألوناً تُبدل الأسود والرمادي بألوان دافئة ومبهجة، أمعنت النظر لتراه في خلفية كل لوحة.
“نعم، كنت هناك…. كيف لم أستطع تميزك؟ يا لغبائي… كم عاتبتك وألقيت باللائمة عليك، لو عرفت لتجنبت مآزق كثيرة ووفرت ألماً وجهداً….. يالغبائي”.
انسلت نسمة ليلة باردة من نافذتها المفتوحة ودخلت الغرفة برقة لتغمرها دفئاً من رأسها لأخمص قدميها، وصوتاً يهمس: “أنا هنا معك كما كنت وسأظل، إلى الوقت الذي سنلتقي فيه لنخطو إلى الأبدية”.




رد مع اقتباس
إضافة رد


الانتقال السريع

قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً
الموضوع
كُنت لهم سنداً
كُنت أضم يدي، بيدي
كُنت أُحبّه
كُنت أظن
أعطى العريان كسوة ولتكن ملابسك كسوة لكثيرين


الساعة الآن 09:56 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024